ar_akhlag3-ch4_6.htm

المحاور المعنویة للحیاة الاجتماعیة

المحاور المعنویة للحیاة الاجتماعیة

یهدف الاسلام الى وحدة بنی الانسان على أساس تحقیق مصالحهم المادیة والمعنویة بحیث یؤسّسون مجتمعا واحدا، ویلتفت فی الوقت ذاته الى المحور المعنوی أكثر من المحاور المادیة. یسعى الاسلام لوحدة بنی الانسان كافة على أساس محور الدین الحق اذ هو العامل لتحقیق المصالح المعنویة للانسان، ولا یكتفی بتحقیق المصالح المادیة فی حیاتهم.

فی آیات كثیرة تتأكّد محوریة الدین الحق من أجل التضامن الاجتماعی والتعایش بین بنی الانسان. نذكر هنا بعضها، قال تعالى:

(وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَة مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَكُمْ آیاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)([1]).

فالله سبحانه یرید جعل الجمیع حول محور واحد وایجاد الترابط بینهم، ولكن لیس أی محور بل محور (حبل الله).

وعلیه لیس للاتحاد والترابط فی ذاته قیمة مطلقة فی الاسلام، ولا یمكن أن یكون كل اتحاد وترابط قیّماً. فقیمة التضامن والاتحاد نسبیة وتستند الى محوریة الدین الحق والمصالح المعنویة. قال تعالى فی الآیة اللاحقة:

(وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَیِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ)([2]).

فقد بین فی هذه الآیة انّ المنشأ الأساسی للتفرق هو التفرق فی الدین وهو لازم محوریة الدین فی التضامن الاجتماعی.

قال تعالى فی آیة اُخرى:

(وَ أَنَّ هذا صِراطِی مُسْتَقِیماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِیلِهِ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)([3]).

یدعو الله عزّ وجلّ: اتبعوا الطریق المستقیم ولا تسلكوا طرقاً اُخرى على هامش الطریق المستقیم لكی لا تنحرفوا عن طریق الحق. ان واجب الجمیع إذنْ هو معرفة الصراط المستقیم والسیر فیه. جاء فی آیة اُخرى:

(إِنَّ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَ كانُوا شِیَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِی شَیْء إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ یُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا یَفْعَلُونَ)([4]).

الآیة تهدّد مثیری الاختلاف فی الدین بحیث یكونون فِرقاً متشتتین.

قال تعالى فی آیة اُخرى:

(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّینِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْكَ وَ ما وَصَّیْنا بِهِ إِبْراهِیمَ وَ مُوسى وَ عِیسى أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ)([5]).

یستفاد من جمیع هذه الآیات انّ الحالة المثالیة فی الرؤیة الاسلامیة هی أن یتحد جمیع أفراد الانسان حول محور الدین وان یسعوا فی سبیله، وان یتخذوه محوراً للتضامن ولا یثیروا الاختلاف والتفرق فیه.

هناك آیات اُخرى تشیر الى هذه الحقیقة أیضاً بتعابیر اُخرى، آیات تندد بالأعمال المفرّقة المثیرة للاختلاف عملیا، فمثلاً أراد بعض المنافقین خلال العهد الأول للاسلام فی عصر النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) أن یفرقوا بین المسلمین، فبنَوا مسجداً بهدف ایجاد قاعدة للنفاق والاختلاف، فنزلت فیهم هذه الآیة:

(وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْرِیقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَیَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَ اللّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)([6]).

فی قصة (مسجد ضرار) المشار الیها فی الآیة ان اُناساً كانوا بصدد اثارة الاختلاف بین المسلمین من خلال بناء هذا المسجد. لقد كانوا على اتّصال مع الاجانب، وأرادوا ببناء هذا المسجد ان یصبح وكراً للذین حاربوا الله ورسوله فی الماضی.

یروی التأریخ انّ المنافقین الذین عزموا على بناء مسجد ضرار كانوا على اتّصال مع الیهود والمشركین، وفی الوقت الذی اوشك وقوع هذا الاختلاف بین المسلمین تصدى الله سبحانه له بشدة، فكلّف الرسول الاكرم(صلى الله علیه وآله وسلم) بهدم هذا المسجد ـ وإنْ كان مسجداً ومكانا لعبادة الله ولكن الهدف وراء بنائه هو اثارة الاختلاف ـ أی وإنْ كان مسجداً فالواجب هو هدمه لكی یُقضى على الاختلاف فی مهده.

وفی بعض الآیات یدعو الله سبحانه الناس الى التعاون بینهم على أساس البر والتقوى لا المعصیة والظلم.

(وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَ الْعُدْوانِ)([7]).

وعلیه لا یكون كل تعاون قیّما، بل یكون التعاون والتعامل قیّما اذا كان على أساس التقوى والقیمة الدینیة، فاذا كان معارضاً للبرّ والتقوى اتّسم بالقیمة السلبیّة، وإذا كان حیادیا إزاءهما فلیست له قیمة ایجابیة ولا سلبیة.



[1]. آل عمران 103.

[2]. آل عمران 105.

[3]. الانعام 153.

[4]. الانعام 159.

[5]. الشورى 13.

[6]. التوبة 107.

[7]. المائدة 2.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...