ar_akhlag3-ch7_3.htm

العهد ذو الطرف الواحد

العهد ذو الطرف الواحد

استعمل لفظ (العهد) فی القرآن الكریم فی عدة معان. فقد استعمل تارة بمعنى التوصیة والتأكید فیستلزم الأمر. وفی مثل هذه الموارد یتعدّى لفظ (العهد) بـ (الى) وتكون له حیثیة انشائیة.

العهد بهذا المعنى ذو استعمالین: یتّجه تارة الى الناس كافة بصورة عامة، وتارة الى طائفة وفئة أو فرد خاص. والأوّل كالخطاب الالهی لجمیع الناس فی هذه الآیة:

(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَیْكُمْ یا بَنِی آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّیْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ * وَ أَنِ اعْبُدُونِی هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ)([1]).

ان لفظ العهد فی هذه الآیة لا یعنی التعهد ذی الطرفین، بل انه دعوة ووصیّة من قِبل الله عز وجل موجّهة الى الناس، وان كان من الممكن تطبیقه على (عهد ألست بربّكم) و(میثاق عالم الذر) المشار الیهما فی آیة اُخرى:

(وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)([2]). بأن یُحمل العهد على التعاهد ذی طرفین بین الله عز وجل وبین العباد بان یعرفوه بالربوبیة ویسلّموا له بذلك. ولكن فی رأینا أن معنى العهد حینما یتعدى بـ (الى) لا یكون سوى التأكید والوصیّة. وعلیه لا ینبغی حمل العهد فى هذه الایة على (میثاق عالم الذر).

من هنا فان الآیة (ألم أعهد الیكم...) تعنی: یا بنی آدم! ألم اوصكم واؤكد بان لا تعبدوا الشیطان فانه عدوّ لكم واعبدوا الله فقط فان هذا هو الصراط المستقیم؟

الدلیل على انّ العهد فی هذه الآیة لا یتطابق مع (عهد ألست بربّكم) هو عدم الاشارة الى الشیطان فی (عهد ألست بربّكم) ظاهراً، بل جعل الله تعالى عباده شهداء على انفسهم، وقد شهدوا بمشاهدة أنفسهم على ان الله ربهم. ولازم هذه الشهادة والاعتقاد طبعا ان تكون عبادتهم لله عز وجل ولیس لغیر الله، لان لازم الاذعان بربوبیة الله هو اتخاذه معبوداً ورباً وانكار معبودیة غیر الله.

ویحتمل أن یكون مصداق هذا العهد الالهی مع بنی آدم هو الخطاب الالهی لآدم عند الهبوط الى هذا العالم:

(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِیعاً فَإِمّا یَأْتِیَنَّكُمْ مِنِّی هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدایَ فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ)([3]).

فی هذا المقام أشار الله سبحانه الى الشیطان وعرّفه عدوّاً للانسان وحذّره من اتّباعه. على أی حال كما ذكرن ـ فان معنى العهد هنا هو التأكید على الامر الالهی الموجّه الى عباده وهو عهد ذو طرف واحد.

وقد وجّه هذا العهد تارة الى فئات أو افراد بخصوصهم، منه ما ورد فی الآیة:

(وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِیَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)([4]).

هذا العهد یشیر الى الامر الذی نهى الله فیه آدم من الاقتراب من شجرة خاصة، وتعنی الآیة اننا اكدنا لآدم وأوصیناه بان لا یأكل من ثمرة هذه الشجرة ولكنه نسی ولم نجد فیه عزیمة راسخة.

وفی آیة اُخرى وجّه العهد الالهی الى النبی ابراهیم(علیه السلام) واسماعیل(علیه السلام):

(وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطّائِفِینَ وَ الْعاكِفِینَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ)([5]).

من البدیهی انّ العهد فی هذه الآیة لیس سوى الوصیّة والتأكید، وقد أمر الله سبحانه ابراهیم(علیه السلام)واسماعیل(علیه السلام)بأن یطهّرا بیت الله من آثار الشرك تمهیداً لقیام الموحدین بمناسكهم وعباداتهم.

كما ان الله تعالى یحكی فی آیة اُخرى عن فئة من الكفار بأنهم حینما دعاهم نبی الله الى التسلیم لدین الله والایمان به أجابوا:

(إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَیْنا أَلاّ نُؤْمِنَ لِرَسُول حَتّى یَأْتِیَنا بِقُرْبان تَأْكُلُهُ النّارُ)([6]).

كان مقصودهم هو أن الاتیان بهذا القربان آیة النبوة وحقانیة الادعاء بالنبوة، وكانوا یخاطبون الداعی لهم: علیك ان تفعل ذلك أیضاً. اننا لا نتطرق هنا الى البحث عن كلامهم والسبب فی ادّعائهم هذا، بل مقصودنا هو ان (العهد) فی هذه الآیة قد استعمل بمعنى الوصیّة والتأكید والأمر.

وقد استعمل لفظ (العهد) فی بعض الموارد من القرآن باعتباره ذا طرف واحد أیضاً ولكن المراد من ذلك هو أحد المناصب الالهیة والمقامات السماویة التی تعطى للانسان كمنصب النبوة أو الامامة. لقد جاء فی قصة النبی ابراهیم(علیه السلام) ان الله حینما اعطاه منصب الامامة طلب ذلك لذریته أیضا، ولكن الله أجاب بان عهدی لا یصل الى الظالمین([7])، والمراد من العهد هنا هو منصب الامامة، وهو أمر ذو طرف واحد ولیس حیثیة تعاهدیة وذا طرفین.



[1]. یس 60 و 61.

[2]. الاعراف 172.

[3]. البقرة 38.

[4]. طه 115.

[5]. البقرة 125.

[6]. آل عمران 183.

[7]. (وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِیمَ رَبُّهُ بِكَلِمات فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّی جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی قالَ لا یَنالُ عَهْدِی الظّالِمِینَ)البقرة 124.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...