العهد ذو الطرفین (التعاهد)
لقد ورد العهد فی بعض الموارد بمعنى التعاقد ذی الطرفین، ویطلق علیه اصطلاحا المعاهدة أیضاً. انّ العهد بهذا المعنى یتم تارة بین فردین أو فئتین أو مجتمعین أو مجتمع وفرد أو مجتمع وفئة أو فئة وفرد، وتارة بین الانسان وبین الله عز وجل.
انّ العهد بین الانسان والله اذا كان انشاؤه من قِبل الانسان فانه یكون بان یشترط الانسان مع الله: اذا حققّت رغبتی الفلانیة فانی سوف اقوم بعمل الخیر الفلانی أو العبادة الفلانیة، أی یكون فی الواقع مصداقا للنذر المشروط.
أمّا العهد الذی یعقد بین الفرد والمجتمع فهو بان یقوم أعضاء المجتمع بعقد میثاق مع فرد واحد بصفته قائداً للمجتمع بان یدافعوا عنه ویطیعوا أمره. وقد عبّر عن العهد بین الفرد والمجتمع فی القرآن الكریم والروایات بلفظ (البیعة) أو (المبایعة) وقد جاء فی القرآن:
(إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَكَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللّهَ یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ)([1]).
وقد ذكر المفسرون معانی مختلفة للعبارة (ید الله فوق أیدیهم) منها ما كان مألوفاًعندما یبایع الناس قائدهم حیث كان یمدّ یده ویضع الناس أیدیهم تحت یده. هذه الآیة تقول: انّ البیعة مع النبی(صلى الله علیه وآله وسلم)بمثابة البیعة مع الله عز وجل. ولعلّ المعنى الافضل للعبارة المذكورة هو أن الله تعالى یرید القول للناس: حینما تبایعون النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) فان ید الله تكون فوق جمیع الایدی، وانكم تبایعون الله فی الواقع، ولكن بعض المفسرین فسر العبارة بنحو مستقل وقالوا: المراد هو أن قدرة الله فوق جمیع القدرات.
العهد بین فئتین أو مجموعتین كأن یعاهد المجتمع الاسلامی الدول والشعوب الاُخرى. وللمعاهدة بین مجتمعین انواع مختلفة تم البحث بشأنها فی الفقه كمعاهدة الهدنة (وقف اطلاق النار) ومعاهدة الصلح وایقاف الحرب، ومعاهدة التعاون السیاسی والعسكری والاقتصادی وغیرها حیث تُعقد مع المجتمعات الاُخرى حسب تشخیص قائد المجتمع الاسلامی.
وأمّا العهد بین الافراد والاشخاص فهو تلك العهود الخصوصیة التی تبرم یومیا بین بنی الانسان، وحتى الكثیر من المعاملات التی یؤدونها تدخل تحت عنوان العهد وان كان لفظ العقد یستعمل غالبا فی مورد المعاملات.
و لا تفاوت بین العهد والعقد فی الماهیة، ویمكن القول ان مورد العقد أخص من مورد العهد فی التطبیق والمصداق. وعلیه یمكن اعتبار آیات العقد فی زمرة آیات العهد كقوله تعالى:
(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)([2]).
[1]. الفتح 10.
[2]. المائدة 1.