ar_akhlag3-ch8_1.htm

مقدمة

تم البحث عن مفاهیم عامة فی العلاقات الاجتماعیة والقیم العامة التی یمكن طرحها فی هذا المجال. وبالنسبة إلى فروعها یمكن القول: انّ العلاقات التی تقام بین افراد المجتمع وأعضائه، أعمَّ من كونها ذات قیم ایجابیة أو سلبیة، یمكن تقسیمها الى قسمین عامین:

القسم الاول: العلاقات التی تكون ذات قیمة ایجابیة أو سلبیة فی ذاتها.

القسم الثانی: العلاقات التی تتوقف قیمتها على العقود بین بنی الانسان، فتدخل تحت عنوان العهد والعقد. وقد بحثنا سابقاً حول أهمیة وقیمة الوفاء بالعهد ووجوب الالتزام بالعقود والعهود.

أمّا بالنسبة إلى القسم الاول، أی العلاقات الاجتماعیة ذات القیمة فی ذاتها بغضّ النظر عن العقود الاجتماعیة، فیمكن تقسیم العلاقات الانسانیة والاجتماعیة بملاحظة قیمتها الى عدة مجموعات. كما قلنا سابقاً ان قیمة الحیاة الاجتماعیة تنشأ من المصالح المادیة والمعنویة للانسان، لان هذه المصالح تتحقق فی نطاق الحیاة الاجتماعیة فقط، أو انها تتوفر فی المجتمع بصورة أفضل على الاقل. فتوفیر مصالح أعضاء المجتمع إذنْ هی المحور والأساس للقیم الاجتماعیة. ولهذا نقول: ان مصالح بنی الانسان وهی الأساس للقیم یمكن تقسیمها بصورة عامة الى عدة مجموعات:

ان اولى المصالح الانسانیة فی الحیاة واكبرها هی حفظ النفس. وعلیه سیكون اكبر وأهمُّ شیء یجب بذل جهود كبیرة لحفظه وحراسته من قِبل المجتمع والمسؤولین فیه هو نفوس وأرواح أعضاء المجتمع.

المجموعة الثانیة من مصالح الانسان تتعلق بحفظ حیثیة أعضاء المجتمع وأعراضهم وكراماتهم أعمَّ من الحیثیات الفردیة وشرف الشخصیة وكرامة الافراد انفسهم وكرامة أعراضهم ومتعلقاتهم.

المجموعة الثالثة من مصالح الانسان هی حفظ أمواله، ففی الحیاة الاجتماعیة ینبغی حفظ اموال كل عضو من الاعضاء فلا یعتدى علیها ولا تهدّد من قِبل الآخرین، لانّ هذا یكون سببا للاضطراب والقلق لدى أعضاء المجتمع.

المجموعة الرابعة من المصالح الانسانیة تتعلق برفع الخلافات التی تنشأ بین أعضاء المجتمع فی مجال الحقوق المذكورة والأموال والاعراض. وقد ثبتت فی كل من المجموعات الثلاث حقوق لكل فرد من أعضاء المجتمع، وعلى جمیع الافراد رعایتها. فاذا وقع اختلاف بین أعضاء المجتمع فی هذا المجال فهناك مبادئ وضوابط وقیم لابدّ من ملاحظتها والحكم على اساسها من قِبل جهاز القضاء لدى القیام بالمتابعة القضائیة والاهتمام بحقوق المظلومین ورفع الخصومات والنزاعات والاختلافات.

النوع الخامس من العلاقات الانسانیة والمصالح الاجتماعیة هی ان افراد المجتمع وأعضاءه مسؤولون ـ الى جانب حفظ حقوقهم ـ عن رعایة حقوق الآخرین بأنفسهم وحث الناس على حفظ حقوق سائر أعضاء المجتمع ویكونون سببا لشیوع القیم الأخلاقیة واستتباب العدل وزوال الظلم والفساد من خلال ذلك.

المجموعة السادسة من المصالح الانسانیة والاجتماعیة یمكن تلخیصها فی التنمیة الثقافیة ورفع المستوى العلمی والمعرفی لدى أعضاء المجتمع فی نطاق التعلیم والتعلم والتربیة. فی هذا السیاق ینتفع الافراد انتفاعاً علمیاً بنحو متبادل ویزدادون علماً ومعرفة. هذا أیضاً من المصالح الاجتماعیة المهمة والقیم الانسانیة الأساسیة. فینبغی إذنْ توفر اجواء سلیمة لتبادل المعارف والمعلومات لتحقیق هذه المصلحة الكبرى. ان مصلحة الانسان لا تتلخص فی حفظ نفسه وماله وعرضه وكرامته بل یلزم الى جانبها تقدمه فی المجالات العلمیة وازدهار العلوم العقلیّة والنقلیة والطبیعیة وغیر الطبیعیة وزیادة التخصص لدى أعضاء المجتمع لكی یعتمدوا على أنفسهم ویوفروا حوائجهم المادیة والمعنویة ویذودوا عن عزتهم واستقلالهم عبر ذلك.

حق الحیاة وحفظ النفوس

ان حق الحیاة وحفظ النفس متقدم على سائر حقوق بنی الانسان بنحو طبیعی. انّ الكثیر من البحوث توجد فی هذا المجال وهی لا تحتاج الى توضیح وتفصیل ولكن لكی یتّضح النظام الأخلاقی للاسلام لابدّ من الاشارة الى أهمها على شكل فهرست.

یجب على جمیع بنی الانسان حفظ حیاتهم وعدم التعدی على حیاة الآخرین. وفی سیاق هذا الحق الانسانی تطرح قیمتان مهمتان جداً إحداهما ایجابیة والاخرى سلبیة هما: القیمة الایجابیة المتعلقة باحیاء النفس، والقیمة السلبیة المتعلقة بقتل النفس.

لقد طرح موضوع قتل النفس فی الكثیر من آیات القرآن الكریم بصور مختلفة ویمكن تقسیمها الى ثلاث مجموعات رئیسیة:

مجموعة تنهى عن القتل وتبین فداحة هذه المعصیة وتبعاتها وأعراضها واقسامها واحكامها كقوله تعالى:

(وَ ما كانَ لِمُؤْمِن أَنْ یَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِیرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة وَ دِیَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ یَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِیرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْم بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ فَدِیَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِیرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ شَهْرَیْنِ مُتَتابِعَیْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ وَ كانَ اللّهُ عَلِیماً حَكِیماً * وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَیْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً)([1]).

(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِی إِسْرائِیلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْس أَوْ فَساد فِی الأَْرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً وَ مَنْ أَحْیاها فَكَأَنَّما أَحْیَا النّاسَ جَمِیعاً)([2]).

(وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاق نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِیّاهُمْ وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)([3]).

(وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)([4]).

هذه الآیات وآیات اُخرى تشابهها([5]) منعت وذمت قتل النفس عمداً بمختلف التعابیر، وقد اعتبرت عقوبة من یرتكب هذه المعصیة الكبیرة عقوبة ثقیلة، واشارت الى الأحكام المختلفة لهذه العقوبة من قبیل القصاص والدیة والكفارة واقسامها.

المجموعة الاُخرى تذم الذین ارتكبوا قتل النفس. وقد هاجمت هذه الآیات بنی اسرائیل الذین قتلوا الكثیر من الانبیاء والمصلحین ودعاة العدل وعباد الله المخلصین، كالآیة:

(وَ ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ باؤُ بِغَضَب مِنَ اللّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا یَكْفُرُونَ بِآیات اللّهِ وَ یَقْتُلُونَ النَّبِیِّینَ بِغَیْرِ الْحَقِّ)([6]).

(وَ إِذْ أَخَذْنا مِیثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِیارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِیقاً مِنْكُمْ مِنْ دِیارِهِمْ)([7]).

(أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِیقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَرِیقاً تَقْتُلُونَ)([8]).

(قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِیاءَ اللّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ)([9]).

(إِنَّ الَّذِینَ یَكْفُرُونَ بِآیات اللّهِ وَ یَقْتُلُونَ النَّبِیِّینَ بِغَیْرِ حَقّ وَ یَقْتُلُونَ الَّذِینَ یَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذاب أَلِیم * أُولئِكَ الَّذِینَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِی الدُّنْیا وَ الآْخِرَةِ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِینَ)([10]).

وهكذا الآیات (181 ـ 183 ـ آل عمران) والآیة (155 ـ النساء) تشیر كلها الى حوادث القتل التی وقعت على طول التاریخ وكانت جماعة ظالمة تلطخ ایدیها بقتل اُناس صالحین ودعاة للعدل دائماً، لأنهم لم یروا مناهجهم الإصلاحیة ودینهم وعقائدهم التی بیّنوها للناس من قِبل الله عز وجل تتطابق مع اهوائهم ومیولهم النفسیة ویشعرون بالخطر على مصالحهم. ولكن فی جمیع هذه الآیات أشیر بصورة خاصة الى بنی اسرائیل بوصفهم قتلة ومجرمین وظالمین، وكانت ضحایاهم وقتلاهم من بین أنبیاء الله ودعاة العدل والصالحین.

المجموعة الثالثة تستنكر قتل نفوس خاصة كقتل الاولاد الذی كان شائعاً بین العرب. هذه الآیات تنقسم أیضاً الى فئتین عامّتین:

الفئة الاُولى: الآیات التی ظاهرها هو قتل الاولاد سواء أكانوا بنین أم بنات، كقوله تعالى:

(قَدْ خَسِرَ الَّذِینَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَیْرِ عِلْم)([11]).

(وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاق نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِیّاهُمْ)([12]).

(وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْیَةَ إِمْلاق نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِیّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِیراً)([13]).

الفئة الثانیة: الآیات التی تتحدث عن وأد البنات الذی كان سائداً بین عرب الجاهلیة أیضا كقوله تعالى:

(وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ * بِأَیِّ ذَنْب قُتِلَتْ)([14]).

(وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِیمٌ * یَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ یُمْسِكُهُ عَلى هُون أَمْ یَدُسُّهُ فِی التُّرابِ أَلا ساءَ ما یَحْكُمُونَ)([15]).

یستفاد من هذه الآیة انّ الظروف الاجتماعیة آنذاك كانت بنحو یشعرون فیها بعار كبیر حینما یرزقون بنتاً وتنتابهم حالة مؤلمة، فإما یحفظونها ویتحملون الذل والعار، وإما یدفنونها فی التراب بقسوة.



[1]. النساء 92 و 93.

[2]. المائدة 32.

[3]. الانعام 151.

[4]. الاسراء 33.

[5]. كالایة 68/الفرقان.

[6]. البقرة 61.

[7]. البقرة 84 و 85.

[8]. البقرة 87.

[9]. البقرة 91.

[10]. آل عمران 21 و 22.

[11]. الانعام 140.

[12]. الانعام 151.

[13]. الاسراء 31.

[14]. التكویر 8 و 9.

[15]. النحل 58 و 59.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...