ar_akhlag3-ch8_15.htm

الضابط الحقوقی والأخلاقی لهتك الحیثیة

الضابط الحقوقی والأخلاقی لهتك الحیثیة

الآن وقد اتضح الدور المهم للحفاظ على الكرامة والحیثیة فی ترسیخ العلاقات الاجتماعیة وتعایش بنی الانسان، والتهدید المتّجه الى العلاقات الاجتماعیة والتعایش السلمی إثر التعرض لحیثیة الافراد یطرح هذا السؤال: كیف یمكن الاحتفاظ على كرامة الافراد وأعضاء المجتمع والحیلولة دون التعرّض لأعراضهم؟

یجب القول فی الاجابة: لأجل الاحتفاظ على أعراض الناس وكرامتهم یستفاد من عاملین ودافعین: حقوقی واخلاقی.

أمّا فی مجال الحقوق فان جمیع النظم الحقوقیة تعتبر الاعتداء على حیثیة الآخرین وكرامتهم جریمة، وقد شرّعت عقوبات كالسجن والغرامة المالیة على من یرتكب ذلك. وقد شرع الاسلام أیضاً عقوبات فی بعض الموارد المهمة جداً ویطلق علیها (الحدود) فی الاصطلاح الفقهی أو النظام الحقوقی للاسلام، وتُبین كما وكیفا فی باب مستقل من الكتب الفقهیة باسم (كتاب الحدود).

من الموارد الرئیسیة ذات الحد فی الفقه الاسلامی هو اتهام الافراد بالفساد والفحشاء ویطلق علیه (القذف) فی الفقه.

من اتهم شخصا بفعل قبیح كالزنا أو اللواط وجب اقامة حد القذف علیه شرعا لانه قد انتهك حرمة المتهم بهذا الادعاء واسقط حیثیته حتى یثبت صحة ادعائه بأربعة شهود عدول. وفی غیر هذه الحالة حتى لو شهد ثلاثة شهود عدول على صحّة قوله فانهم یعاقبون اضافة الى المدعی.

وفی الموارد التی لا یوجد حدّ شرعی فیها أذن الاسلام للحاكم الشرعی بان یعاقب المعتدی حسب رأیه وتشخیصه. و یطلق على هذه العقوبة فی الاصطلاح الفقهی اسمه «تعزیر».

واما من الناحیة الأخلاقیة والتربویة فیطرح سؤال: كیف یمكن خلق دوافع نفسیة فی الافراد لاجتناب هذه الافعال تلقائیا بحیث یعالجون هذا المرض فی انفسهم؟

وفی الاجابة یقال: ان الاسلام عالج هذا المرض باسلوبین اخلاقیین، أحدهما ذو تاثیر أسرع وأوسع، والآخر أعمق وأكثر دواماً.

الاسلوب الاول هو إلفات النظر الى الآثار السیئة والنتائج المرّة لهذه الافعال وتهدیدها لسعادة الافراد. ان اهانة الآخرین وغیبتهم واتهامهم اضافة الى تسقیط كرامة المعتدى علیهم فان لها تبعات سیئة وثماراً مرة تلحق الافراد المعتدین انفسهم، فمثلاً تكون سببا للنقص فی كمالاتهم النفسیة وبالتالی تهدّد سعادتهم الاخرویة وحیاتهم الخالدة.

انّ القرآن فی تربیته الأخلاقیة یستخدم هذا الاسلوب بنحو جید. فعن طریق انذار الانسان وتخویفه من نتائج اعماله القبیحة، وتبشیره بالنتائج الطیبة للاعمال الصالحة یدفعه لممارسة الاعمال الصالحة ویبعده عن الاعمال السیئة.

بناء على ذلك فالذی یرید تطهیر نفسه من الأدران فان من الطرق المؤثرة هو التفكیر فی الآثار السیئة للمعاصی والالتفات جیداً الى المفاسد المترتبة علیها سیّما ما یهدّد سعادته الأبدیة. بدیهی انّ الحیاة الأبدیة والسعادة الخالدة ذات أهمیة بالغة بالنسبة للمؤمن، وحینما یلتفت الى ان الاعتداء على حریم شخصیة الآخرین یهدّد سعادته وآخرته وتلیه عقوبات ألیمة فانه سیجتنب ذلك بنفسه. هذا الالتفات أفضل دافع وعامل قوی یصدّ من یؤمن بالآخرة والأبدیة عن ممارسة المعصیة.

اذا التفت المؤمن الى ان ثواب الاعمال الصالحة التی قام بها بصعوبة ستنتقل الى من اغتابه أو هتك حرمته وشخصیته أو أسقط كرامته باتهامه فانه لا یمیل أبداً الى هذا الفعل الضار ولا یغتاب أحداً ولا یتهم أی انسان لانه یعتقد ویؤمن بأن هذا الفعل یجلب له خسارة كبیرة لا تعوّض، وفی العالم الآخر یعجز عن التمتع بأعماله الصالحة وهو بحاجة الى اصغرها.

الاسلوب الثانی أعمق ویطرح طریقة ارسخ للعلاج وان كانت دائرة تأثیره أضیق. فی هذه الطریقة یُدعى الانسان للتفكیر فی الدافع الذی یسوقه نحو هذا الفعل لكی یعرف لماذا یرید ممارسة هذا الفعل؟ وما السبب فی عزمه على الاعتداء على شخصیة الآخرین والتلوث بهذه المعصیة؟ وبعد التعرف على جذور وعلة هذا الفعل العدوانی یقوم بمعالجته، فاذا عولجت العلة فان هذه الافعال والاعتداءات التی تمثل الآثار والمعلولات لها سیُقضى علیها من الأساس تلقائیا.

وبعبارة أوضح: إنّ الاعتداء على الشخصیة وإن كان یرتبط بالعلاقات الاجتماعیة ولكنّ العلاقات الاجتماعیة بأجمعها ذات دوافع فردیة وذات أسباب روحیة ونفسیة ولها جذور فی خصوصیات الأخلاق الفردیة. وبصورة عامة فان من الحقائق الثابتة انّ الأخلاق الاجتماعیة ذات جذور فی الأخلاق الفردیة دائماً ولا تنفصل عنها. فی الحقیقة انّ القیم الایجابیة والسلبیة فی العلاقات الاجتماعیة ثمار لمجموعة من القیم الفردیة والملكات التی یكسبها الافراد فی ارواحهم، ولها تأثیرها على المستوى الاجتماعی وتترتب علیها ثمار مرّة وطیبة. ان هذه الملكات اذا كانت فاضلة فانها تكون منشأ للاخلاق والخصائل الاجتماعیة الحسنة، واذا كانت رذیلة فانها تكون منشأ لافعال وسلوك اجتماعی غیر لائق وتعامل خاطىء مع الآخرین. بناء على ذلك ینبغی لمكافحة الفساد الاجتماعی البحث عن جذوره فی الخصوصیات الأخلاقیة والنفسیة للافراد، ومعرفة دوافعهم الفردیة من خلال التحلیل النفسی.

وقد اُشیر الى هذه الحقیقة فی القرآن الكریم والروایات أیضاً وهی انّ الفساد الاجتماعی ذو جذور نفسیة، ولإصلاح هذا الفساد واشاعة الفضائل الاجتماعیة لابدّ من معرفة الجذور النفسیة والقیام بالإصلاح الروحی.

وبصورة عامة فان أهم العوامل التی تسبب قیام الانسان بتحقیر شخصیة الآخرین فی المجتمع وتسقیطهم عاملان یوجد بینهما ارتباط وثیق: أحدهما الحسد، والآخر حب الذات.

هذان العاملان لا ینحصر تأثیرهما فی العدوان على الشخصیة بل لهما التأثیر الكبیر فی اعتداءات الانسان الاُخرى، ولكن لتأثیرهما الخاص والاوضح بالنسبة للغیبة وتتبع العیوب وهتك الشخصیة یمكن طرحهما كعاملین اساسیین.

أ ـ الحسد

قلنا إن أحد دوافع قتل النفس هو الحسد، وكان الدافع لأول قتل وقع على الارض ـ أی قتل هابیل على ید قابیل حسب ما ورد فی القرآن ـ هو الحسد، وفی قصة یوسف أیضاً كان الحسد هو الدافع لان یقوم اخوته بالقائه فی البئر كما یحكی القرآن:

(إِذْ قالُوا لَیُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِینا مِنّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِی ضَلال مُبِین * اقْتُلُوا یُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً یَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِیكُمْ وَ تَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِینَ)([1]).

فبسبب الحب الشدید الذی كان یكنّه الاب لولده یوسف واخیه من اُمه أخذ الاخوة الكبار من اُم ثانیة یحسدونهما وتبدأ قصة یوسف ووقائعها المرّة والطیبة من هذه النقطة. ویستفاد من هذه القصّة انّ الحسد من أهمّ واعمق العوامل لهتك شخصیة الافراد من خلال الاتّهام والغیبة وغیرهما. وللحسد ـ وهو العامل الاول لهذه الاعتداءات ـ انواع واقسام مختلفة، وبعبارة اُخرى: انّ الحسد ناشئ من عوامل مختلفة ویدفع الانسان للقیام بأعمال مناسبة لها.

من الموارد الشائعة التی تثیر الحسد فی الانسان وتدفعه للغیبة وتتبُّع العیوب والاستهزاء وما شاكل ذلك هو الجمال، وهذا النوع من الحسد یلاحظ فی النساء بنحو أشدَّ. إذ انّهن حینما یرین امرأة اُخرى اكثر جمالاً وجذابیة منهنّ ویمكن ان تكون أحب عند الآخرین یسعین للعثور على نقطة ضعف فیها أو یسندن الیها عیبا بهدف ازالة تأثیر جمالها وجذابیتها.

العامل الأساسی الثانی الذی یدفع للحسد والغیبة وتتبُّع العیوب هو الخصوصیات العلمیة للطرف الآخر. فمن امتلك معلومات اكبر امكن أن یحسده الآخرون فیسعون لزعزعة مكانته لدى الناس، وتشخیص نقاط ضعفه واطلاع الآخرین علیها كی لا ینتفع بثروته العلمیة فی المجتمع.

فی بعض الموارد یكون تقوى الصالحین والمتقین سببا لحسد الآخرین حیث ان الافراد المتقین یحظون بسبب تقواهم ـ بمكانة اجتماعیة خاصة ویصبحون محبوبین لدى الناس. فیقوم الحاسدون بالبحث عن نقاط ضعفهم لكی یقللوا من محبوبیتهم والحد من تزایدها، علّهم یجدون عیبا فیهم أو یسندون الیهم نقصا ویشیعونه بهدف الإضرار بشخصیتهم.

بناء على ذلك فإنّ الحسد من أهمّ العوامل التی تدفع الانسان للاعتداء على حقوق الآخرین والإخلال بمكانتهم وإضعاف شخصیتهم، وللوصول الى هذا الهدف یُدفعون لممارسة افعال من قبیل الاهانة والاستهزاء والغیبة والتهمة. وواضح ان هذه الافعال من الذنوب الكبیرة ومن المصادیق الواضحة للاعتداء، وقد حرّمها الاسلام بشدة واعتبر فاعلها مستحقا للعقاب.

ومما یؤسف له أن هذا النوع من المعاصی شائع ورائج بحیث یشمل حتى المستویات العالیة من طبقات المجتمع وخاصةً فی عالم السیاسة، ولاكتساب الاقتدار وعند تنافس الافراد والفئات على المواقع الاجتماعیة تستخدم هذه الطرق والوسائل القبیحة والمذمومة وهذه الذنوب الكبیرة. ولذا یجب ان نبتهل الى الله تعالى ونتضرع الیه بان ینقذ المجتمع من هذا الهلاك لكی لا تُسحق القیم الانسانیة والاسلامیة من أجل الوصول الى المواقع الاجتماعیة.

ب ـ حب الذات

العامل الثانی للاعتداء على الشخصیة هو حب الذات، فالبعض من بنی الانسان یسعى ـ بهدف الظهور بمظهر العظمه لدى الآخرین ـ لإبعاد المنافس من الساحة بأی نحو كان. هذا الاسلوب له مصادیق كثیرة فی النشاط السیاسی. فالساسة حینما یشعرون بان منافسهم السیاسی یحرز تقدماً علیهم ویكسب موقعا اجتماعیا افضل یقومون باغتیال شخصیته ونشر فضائحه للحیلولة دون تقدمه.



[1]. یوسف 8 و 9.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...