ar_akhlag3-ch8_2.htm

دوافع القتل فی الرؤیة القرآنیة

دوافع القتل فی الرؤیة القرآنیة

یطرح هذا السؤال لدى المتخصّصین فی علم النفس بشأن المجرمین: ما هو دافع الانسان فی قتل انسان آخر؟ ولماذا یرتكب بعض بنی الانسان هذه المعصیة الكبیرة؟ ولعله العمل الذی یعتبره القرآن اكبر معصیة بعد الشرك بالله حیث یقول:

(وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَیْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً)([1]).

تواجه هذه الآیة من یقتل مؤمنا بغلظة وتهدّده بشدة بأن من یقتل مؤمنا عمداً فان عقوبته هی نار جهنم ویبقى فیها معذبا الى الأبد، ویكون مثل هذا الانسان موضعا لغضب الله ولعنه; وقد أعد الله تعالى له عذابا عظیما.

ولا شك فی ان ارتكاب أی ذنب یكون استجابة لإحدى الرغبات النفسیة، وهی مختلفة طبعا، ولكل منها تعلّق بقسم من الأخلاق الفردیة والاجتماعیة للانسان. وقد أشیر فی القرآن الى عدة دوافع نفسیة للقتل هی:

أ ـ الحسد

یعتبر القرآن الحسد أحد العوامل النفسیة للقتل. وقد اعتبر القرآن الحسد عاملاً لأول قتل وقع فی الارض حیث یقول:

(وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ یُتَقَبَّلْ مِنَ الآْخَرِ قالَ لأََقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ)([2]).

یستفاد من هذه الآیة وجود منسك الاضحیة فی عصر النبی آدم(علیه السلام)، وكان هذان الاخوان حسب نقل الروایات ابنین مباشرین للنبی آدم(علیه السلام) واسمهما هابیل وقابیل وقد قاما بتقدیم الاضحیة بأمر والدهما، ولكن لم تقبل الا أضحیة هابیل. وقیل: ان علامة قبول الاضحیة كانت بان تأتی نار فتُحرق الاضحیة.

والذی لم تقبل اضحیته غضب بشدة فشبّت فی قلبه نار الغضب تجاه أخیه هابیل ولذا هاجم أخاه لیقتله. فقال له هابیل: السبب لعدم قبول اضحیتك هو أنك لم تكن من أهل التقوى، فان كنت ناویا قتلی فانی لا انوی قتلك لان هذا العمل ذنب عظیم، وانی لا ارتكب هذا الذنب، ولكن قابیل قتل أخاه هابیل أخیراً.

یستفاد من هذه الآیات بوضوح انّ الحسد كان المنشأ لأول قتل وقع على الارض على ید قابیل، كما یستفاد ان الأخلاق الفردیة ذات تأثیر على الأحداث الاجتماعیة، وعلیه لا ینبغی فصل الشؤون الاجتماعیة عن القضایا الفردیة بنحو كامل. ان الأخلاق والقیم الاجتماعیة تنشأ من الجذور النفسیة والدوافع الفردیة، وتقسیم الأخلاق الى اخلاق فردیة واخلاق اجتماعیة انّما هو فی الواقع على اساس الموضوعات ومتعلقاتها. ولا فرق بین الأخلاق الفردیة والاجتماعیة فی أنها ذات جذور نفسیة وأنها تنبثق عن المبادئ والدوافع النفسیة لأفراد الانسان.

ب ـ التمسك بالعقائد والقیم الخرافیة

العامل الثانی لقتل النفس فی الانسان هو التعصّب لعقائد وقیم وتقالید وعادات خاصة. وقد تكون أحیاناً هذه التقالید والعادات والقیم والأسالیب ظالمة، وتكون هذه العقائد والافكار بلا أساس وغیر صحیحة ولذا تُهاجم وتُذم من قبل مصلحی المجتمع. ولكن یمكن ان یبلغ أنس افراد المجتمع بهذه الافكار والتقالید وارتباط حیاتهم معها الى درجة یعتبرون الهجوم علیها ضاراً بهم وانتهاكا لحرمتهم سیاسیا واقتصادیا. هذا الامر هو الدافع للتصادم والمواجهة بینهم وبین مصلحی المجتمع والسبب لضربهم وقتلهم ونفیهم، هم واتباعهم. كان هناك اشخاص ینهضون بوجه المعتقدات والافكار والسلوك الخرافی الحاكم على المجتمع ویدعون الى الحق والعدل، امثال الانبیاء(علیهم السلام)واتباعهم الحقیقیین الذین كانوا یحذّرون الناس من عبادة الأصنام والشرك ویدعونهم للتسلیم لدین الحق والسلوك الصحیح والمرضی عند الله عز وجل.

وفی المقابل كان ثمة اُناس یواجهونهم بدوافع مختلفة من قبیل حب الجاه والتكبر وحب المال والانانیة والاثرة.

كان منطق المعارضین للانبیاء(علیهم السلام) هو: ما لكم ولمعتقدات الناس واعمالهم؟ لكل شخص عقیدة وطریقة محترمة لدیه. لقد كان كلام المعارضین للانبیاء(علیهم السلام)كالنبی شعیب ولوط كما یحكی القرآن من هذا القبیل:

(أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما یَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِی أَمْوالِنا ما نَشاءُ)([3]).

لم یتخلَّ الأنبیاء(علیهم السلام) عن رسالتهم تجاه هذه الاقاویل المعارضة، وكانوا یواصلون مساعیهم بغیة الوصول الى اهدافهم الالهیة. وفی المقابل كان اُناس یعتبرون تبلیغ الانبیاء(علیهم السلام) تهدیداً لهم واهانة لانفسهم فیلجأون الى ایذائهم ونفیهم من دیارهم الى مناطق اُخرى، أو یهدّدونهم بالقتل. وكانوا یجتازون مرحلة التهدید أحیانا ویلطخون ایدیهم بدمائهم، ومنهم بنواسرائیل الذین قتلوا الكثیر من الانبیاء(علیهم السلام)والصالحین حسب نقل القرآن على مدى التاریخ حیث قتلوهم إثر معارضتهم لرغباتهم.

ج ـ الطمع فی أموال الآخرین

العامل الثالث للقتل الشائع هو الطمع بأموال الآخرین. فمن قصد الاستیلاء على أموال شخص آخر فانّه لا یبلغ مُناه مادام حیا. هذا الدافع یشتد أحیانا الى حد یدفعه نحو قتل صاحب المال رفعاً للمانع لنیل مراده هذا.

د ـ اثارة العواطف السلبیة

العامل الرابع للقتل هو العامل العاطفی الخاص. فحینما یقع خلاف فی التعامل بین الافراد وتثار عواطف أحدهم ضد الآخر ینتهی الأمر أحیاناً الى الضرب وقتل أحد الطرفین. ان هذه الخلافات متنوعة طبعا ویمكن ان تكون أساساً بسبب قضایا مادیة واقتصادیة وسیاسیة وغیرها، ولكن ما یبلغ بالامر الى المرحلة الاخیرة هو ما یحدث من فعل وردّ فعل اثناء الخصام والمواجهة حیث تستعر نار النزاع وتثار عواطف كل طرف ضد الطرف الآخر وبنحو أشدَّ فتصل الى هذه النقطة الخطیرة.

هـ ـ الخوف من الجوع

كان الخوف من الجوع فی المجتمع العربی الجاهلی سببا لقتل بعض المساكین من ابنائهم لتقلیل مستهلكی الطعام. ولم یقتصر القتل بهذا الدافع على البنات بل كان شره یطال جمیع الاولاد من بنین وبنات.

یقول القرآن الكریم عن هذه الجریمة ومعالجة دافعها:

(وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاق نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِیّاهُمْ)([4]).

ان ظاهر الآیة یشیر الى انّ الخوف من القحط والجوع الذی لم یكن قلیلا بین عرب الجاهلیة قبل الاسلام كان یدفع اشخاصا للتخفیف من العائلة وتقلیل عدد مستهلكی الطعام. لقد اعتبرت ثلاث آیات من الآیات المذكورة سابقاً الخوف من الجوع وثقل مؤونة الحیاة عاملا للقتل واستنكرت ذلك واعتبرت هذا الخوف امراً لامبرّر له.

و ـ الغیرة والحمیة غیر المبرّرة

العامل الآخر هو الشعور بالعار والغیرة غیر المبرّرة لدى بعض العرب فی الجاهلیة تجاه اعراضهم، فیدفعهم ذلك لوأد بناتهم البریئات. لقد استُنكر هذا العامل فی آیات عدیدة من القرآن ولعله بشدة اكبر وتعابیر أغلظ. كان منشأ هذه السنّة الخاطئة بین عرب الجاهلیة تفكیراً باطلاً وفكراً خاطئاً، اذ كانوا یعتبرون البنت عاراً ویقتلون بناتهم البریئات أحیاناً دفعا لهذا العار.

ان تعبیر بعض الآیات القرآنیة یدل على وجود هذا التفكیر الخاطىء حیث یقول تعالى:

(وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِیمٌ * یَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ یُمْسِكُهُ عَلى هُون أَمْ یَدُسُّهُ فِی التُّرابِ أَلا ساءَ ما یَحْكُمُونَ)([5]).

بناء على ذلك فان اثبات وجود سنّة وأد البنات واعتبار العلة لذلك هو الشعور بالعار غیر المبرّر والاحمق لدى عرب الجاهلیة بالنسبة الینا نحن المسلمین لایحتاج الى وثیقة تأریخیة مع وجود هذه الآیات الواضحة، حیث انّ الآیات تخبر عن هذه السنّة بصراحة تامة.



[1]. النساء 93.

[2]. المائدة 27.

[3]. هود 87.

[4]. الانعام 151.

[5]. النحل 58 و 59.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...