ar_akhlag3-ch8_8.htm

سوء الظن والتجسس والغیبة

سوء الظن والتجسس والغیبة

جاء فی إحدى الآیات القرآنیة:

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَیُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ یَأْكُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحِیمٌ)([1]).

فی هذه الآیة نهی عن ثلاثة افعال وفق ترتیب جمیل حیث یمكن القول ان كل واحد منها ذنب أعظم من الذنب السابق علیه.

فی المرحلة الاُولى تنهى المسلمین من سوء الظن بحق المؤمنین الذین یمثلون الاعضاء الأصلیین للمجتمع الاسلامی، اذ انّ سوء الظن بالافراد یكون منشأ للاعتداء على شخصیتهم، أی انه فی الواقع یبدأ بصیانة شخصیة أعضاء المجتمع من هذه النقطة بأن لا تسیئوا الظن بالمؤمنین حتى فی قلوبكم.

فی المرحلة الثانیة تصل النوبة ـ بعد مرحلة سوء الظن ـ الى مرحلة تتبّع زلاّت الآخرین وقد نُهی عنه فی هذه الآیة أیضاً. بناء على ذلك ینبغی عدم تتبع زلات الآخرین أیضاً اضافة الى الاحتراز من سوء الظن. فهناك اشخاص قد یمارسون اعمالا غیر صحیحة فی حیاتهم الشخصیة خفیة، فبما انهم یخفون ذلك فلا تجسسوا علیهم لتتعرفوا على عیوبهم.

المرحلة الثالثة هی الغیبة، اذا اطلعتم على عیب شخص فلا تبینوا ذلك للآخرین، ولا تثیروا سوء ظنهم ازاءه ولا تخبروهم عن عیوبه واسراره ولا تهدروا كرامته فی المجتمع.

تكمن الحكمة العامة فی هذه النواهی فی ان أعضاء المجتمع كلما كانت علاقاتهم اكثر ودّیة وازدادوا أنسا فیما بینهم كانوا أقرب الى بعضهم، وتتحقق اهداف الحیاة الاجتماعیة لدیهم بنحو أفضل. فلابدّ إذنْ من الحیلولة دون كل ما یثیر سوء الظن عندهم تجاه بعضهم ویضعف ودَّهم وأنسهم وتآلفهم.

حینما نلاحظ المجتمع ملاحظة واقعیة نستنتج ان أعضاء المجتمع الاسلامی لیسوا معصومین،، فهناك ـ شئنا أم أبینا ـ زلاّت وأخطاء ونقائص فی شؤون حیاتهم. فی هذه الحالة اذا تقرر أن یقوم كل شخص بتتبع اخطاء الآخرین بنفسه والإخبار عنها أو بیانها للآخرین فسوف تنعدم الثقة بین افراد المجتمع.

ان الله تعالى لا یرضى أن تهدر كرامات المؤمنین، وكون الله ستاراً یقتضی ان تكون الاخطاء والنقائص مستورة عن انظار الآخرین. كما تقتضی مصالح المجتمع الاسلامی ان تبقى هذه الزلات والنقائص والشؤون الشخصیة للافراد مستورة عن الآخرین. وقد علّمتنا التجارب أیضاً اننا حینما نحسن الظن بشخص سیقوى میلنا القلبی نحوه، وهو میل ناشئ من العلاقات الایمانیة فی سبیل الله فی طریق الكمال الانسانی، وعلى العكس اذا اطلعنا على زلاته وعلمنا بارتكابه بعض المعاصی فان علاقتنا به سوف تضعف طبعا. وفی المقابل سوف تكون له هذه الحالة تجاهنا.

اذا شاعت هذه الحالة فی المجتمع فان افراده سوف یفقدون التوادد بینهم، وفقدان المودة والتعاطف العام هذا سوف یكون سببا لتفكك المجتمع الاسلامی. وفی روایة عن امیر المؤمنین(علیه السلام): «لو تكاشفتم ما تدافنتم»([2]).

ان الله سبحانه لا یرید ان یكون الناس سیئی الظن ومتنافرین فیما بینهم وأن تملأ البغضاء والاحقاد قلوبهم. ولكی لا تحصل هذه الحالة ولا تتنافر قلوب المؤمنین ولا تترك آثارها السلبیة على حیاتهم الاجتماعیة عملیا ینبغی السعی لابقاء اسرار الناس مستورة، ولا یكون أحد بصدد الاطلاع علیها. واذ اطّلع علیها صدفة فلا یبیّنها للآخرین.

فی هذه الموارد توجد استثناءات كما هو الحال فی كل الموارد قد تناولها علماء الأخلاق وهكذا الفقهاء فی كتبهم. من موارد الاستثناء مثلاً هو التشاور بشأن شخص آخر، فاذا توقفت الرؤیة الصالحة للمستشار على بیان عیب ذلك الشخص فلا یوجد اشكال اخلاقی وشرعی فی ذكر هذا العیب وافشاء الأسرار للمستشیر.

المورد الآخر هو اذا اقتضت مصالح المجتمع التجسس حول اسرار شخص وذكر معایبه. فعندما یناط منصب الى شخص وتجعل نفوس المسلمین واموالهم بیده فلا ینبغی الاكتفاء بحسن الظن ظاهراً، بل یلزم بذل الدقة اللازمه فی انتخابه. وهناك موارد اُخرى أیضاً یجوز فیها ـ حسب الحكم الثانوی ـ التجسس والتحقیق أو افشاء الأسرار والغیبة، الاّ انّ الأصل فی الحیاة الاجتماعیة هو ان لا تتكشّف عیوب المسلمین فیما بینهم، وعلى الافراد عدم التجسس على عیوب الآخرین، وان لا یغتاب بعضهم بعضا فانه عمل قبیح جداً فی رؤیة القرآن وهو یشبه أكل شخص لحمَ أخیه المؤمن میتا.



[1]. الحجرات 12.

[2]. بحار الانوار 77 ص 381 الباب 15 الروایة 10.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...