ar_akhlag3-ch8_9.htm

التهمة والبهتان

التهمة والبهتان

المرحلة الرابعة هی البهتان وهو افظع من الغیبة، لان الغیبة تعنی ان یتحدّث للآخرین عن عیب واقعی فی الشخص، ولكن فی البهتان یُنسب العیب الى الشخص مع عدم وجوده فیه واقعا. من هنا فان هذا الفعل قبیح جداً وضار شدیداً، وقد نهى القرآن الكریم عنه وذمّه فی موارد كثیرة. ومن الواضح ان مثل هذا الفعل اذا شاع فی المجتمع فسوف یشكّل تهدیداً لأمن الافراد وكرامتهم.

فی المجتمع الذی یرى جواز اتهام الآخرین واسناد امور كاذبة وغیر لائقة بهم فان أعضاءه لا یشعرون بالامان والطمأنینة ویعیشون الاضطراب دائماً، ویشعرون بسوء الظن فیما بینهم، ومع هذه الحاله فانّ المجتمع یتعرض للانهیار. مثل هؤلاء الاشخاص لا یأنسون فیما بینهم ولا یتعاطفون ولا یمكن ان یسودهم التعاون والتعاضد والتعایش الجید والسعی المشترك نحو تحقیق الأهداف الاسلامیة.

قال تعالى بهذا الشأن:

(وَ مَنْ یَكْسِبْ خَطِیئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ یَرْمِ بِهِ بَرِیئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً)([1]).

وقال سبحانه فی آیة اُخرى:

(وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً)([2]).

فی ایة اُخرى بیّن الله تعالى مورداً خاصا حدث فی عصر رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم) أی قصة الإفك المعروفة والبهتان الذی تعرّض له بعض المسلمین، واستنكر ذلك بتعابیر شدیدة جداً ووجّه تعالیم مربیّة من خلالها:

(لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَیْراً وَ قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِینٌ)([3]).

فی هذه الآیة جاءت العبارة (ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خیرا) كتعبیر جمیل جداً واشارة الى أن على المؤمنین اعتبار أعضاء مجتمعهم كافة ـ وهم اشخاص مؤمنون ـ كأنفسهم، یكرهون لهم ما یكرهون لانفسهم، إذ انّها اعتبرت سوء الظن بسائر المؤمنین سوء ظن بأنفسهم. إذنْ كما یرى المؤمن وضعه بوضوح ولا یظن بنفسه سوء ویدافع بشدة عن حیثیته وكرامته فعلیه ان لا یظن سوء بسائر المؤمنین ویدافع عن حیثیتهم بشدة. وعلیه یكون الواجب الاول للمؤمن فی مثل هذه القضیة هو أن یكذّبها ویقول جازما: انه بهتان وافتراء واضح.

وواجبه الثانی هو أن لا یفیض فیها ولا یعمل على اشاعتها ولیعلم ان ذلك ذنب عظیم، قال تعالى عقیب هذه القصة:

(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَیْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَیِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِیمٌ)([4]).

ان عِرض المؤمن وكرامته محترمة كدمه ونفسه وحریم المؤمن هو حریم الله، ولیس أمراً یسهل لكل انسان الدخول فیه فیهتك حرمة المؤمن ویقول ما یشاء. لقد أولى الله سبحانه اهتماماً بالغاً بهذه القضیة وقال عقیبها:

(وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما یَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ * یَعِظُكُمُ اللّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ)([5]).

تدل الآیات بوضوح على ان كرامة المؤمن متى ما تعرضت للخطر فعلى الآخرین الدفاع عنه وتكذیب ما نُسب الیه بصراحة وحزم، وان یقولوا لا وجود لهذا الأمر ولا یحق لنا التحدث عن ذلك.

وعقیب هذه الآیة جاءت آیة اُخرى حول صیانة كرامة وشخصیة المؤمنین وهو أمر مهم وتربوی جداً، تقول هذه الآیة:

(إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَ الآْخِرَةِ وَ اللّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)([6]).



[1]. النساء 112.

[2]. الاحزاب 58.

[3]. النور 12.

[4]. النور 15.

[5]. النور 16 و 17.

[6]. النور 19.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...