رؤیة القرآن عن النجوى
فی القرآن الكریم وصایا بشأن النجوى قد بیّنها فی آیات عدیدة، ففی بعض الآیات یوصی بصورة عامة ان التزموا بالتقوى فی النجوى، والتفتوا الى ان الله یسمع كلامكم السرّی. اذن لا تقولوا ما یتنافى مع مصلحة الاسلام والتقوى.
فی بعض الآیات منع القرآن من النجوى المنافیه للمصلحة وحذّر الناس من ارتكابها. وبالتالی اعتبر النجوى ـ فی بعض الآیات ـ جائزة فی حالة الضرورة وبدوافع صحیحة وذكر بعض موارد الاستثناء.
نقوم هنا بتصنیف آیات النجوى ونذكّر بالقضایا الضروریة.
أ ـ تحكی بعض الآیات بان الله علیم بأسرار المتناجین وسیحاسبهم علیها. هذه الآیات ذات لحن تهدید غالبا كقوله تعالى:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الأَْرْضِ ما یَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَة إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَة إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما كانُوا ثُمَّ یُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَیْء عَلِیمٌ)([1]).
وكقوله تعالى:
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ یَسْتَمِعُونَ إِلَیْكَ وَ إِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ یَقُولُ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً)([2]).
وكقوله تعالى:
(أَلَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ یَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ وَ أَنَّ اللّهَ عَلاّمُ الْغُیُوبِ)([3]).
والآیة:
(أَمْ یَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى وَ رُسُلُنا لَدَیْهِمْ یَكْتُبُونَ)([4]).
ب ـ بعض الآیات ظاهرة فی الذم أو النهی عن كل نجوى مطلقا، كقوله تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ یَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ)([5]).
وكقوله تعالى:
(إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّیْطانِ لِیَحْزُنَ الَّذِینَ آمَنُوا)([6]).
وكقوله تعالى:
(لا خَیْرَ فِی كَثِیر مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة أَوْ مَعْرُوف أَوْ إِصْلاح بَیْنَ النّاسِ)([7]).
هذه الآیة تذمّ كل نجوى ظاهراً واستثنت بعض الموارد من هذا الحكم.
ج ـ بعض الآیات قسمت النجوى الى قسمین عامّین: تنهى عن أحدهما وتأمر بالثانی كقوله تعالى:
(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا تَناجَیْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالإِْثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِیَةِ الرَّسُولِ وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِی إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ)([8]).
النهی فی هذه الآیة مقید وغیر مطلق، كما انها تأمر بالنجوى فی الإحسان والتقوى. ومن المحتمل انّها لا تدل على اكثر من انّ النجوى فی هذه الموارد جائزة وغیر ممنوعة. وبدیهی انّ النجوى فی بعض الموارد تتضمن مصالح تستدعی حسنها.
د ـ بعض الآیات تبیّن حكمة النهی عن النجوى، فبعضها یشیر الى دافع المتناجی، وبعض آخر یشیر الى السوء الذاتی لمطلق النجوى. والآیتان (8 و 9 ـ المجادلة) تشیران الى دافع المتناجی وتنهى عن النجوى القائمة على اساس دوافع سیئة (المعصیة والعداء والمعارضة مع الله والنبی(صلى الله علیه وآله وسلم))، الاّ انّ الآیة 10 من السورة ذاتها اعتبرت مطلق النجوى ـ حیث تثیر سوء ظن المؤمنین وقلقهم وحزنهم ـ أمراً سیئا وشیطانیا.
هـ ـ بعض الآیات استثنت موارد من النجوى أیضاً ولم تعتبرها جائزة فحسب بل أثنتْ علیها، لان المصلحة فیها تبلغ درجة تطغى على مفسدة النجوى كقوله تعالى:
(لا خَیْرَ فِی كَثِیر مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة أَوْ مَعْرُوف أَوْ إِصْلاح بَیْنَ النّاسِ وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً)([9]).
[1]. المجادلة 7.
[2]. الاسراء 47.
[3]. التوبة 78.
[4]. الزخرف 80.
[5]. المجادلة 8.
[6]. المجادلة 10.
[7]. النساء 114.
[8]. المجادلة 9.
[9]. النساء 114.