ان حقوق المرأة ومنزلتها فی الفكر الاسلامی من القضایا التی احتلت حیّزاً مهماً من موضوعات الكتب والمطبوعات والصحافة الداخلیة خلال السنوات الأخیرة.
لقد تبلورت الحركة الاجتماعیة للمطالبة بحقوق المرأة ـ التی تُسمى «فمینیسم» فی المصطلح المتعارف علیه ـ فی الغرب بادئ الأمر وشقت طریقها تدریجیاً الى سائر البلدان ومنها بلادنا، وقد شهدت هذه الحركة توسعاً ملحوظاً فی البلدان فی غضون السنوات الأخیرة، ولغرض توسیعها استعان أقطاب هذه الحركة بالاضافة الى الكتب والمطبوعات بأسالیب وآلیات مختلفة أُخرى من بینها الأفلام والسینما.
على أیة حال، ینبغی عدم الغفلة عن بعض النوایا الشریرة التی تختفی وراء كوالیس هذه الحركة، فالكثیر من الذین یتشدقون بحقوق المرأة انما یصبون الى أغراض سیاسیة فی واقع الأمر، ولن تحصل من نتیجة لتحقق شعاراتهم سوى ابتذال النسوة وممارسة ظلم مضاعف بحقهنّ، من هنا لابد من أناس یشحذون هممهم لفضح الانحرافات والسیاسات الخاطئة والخداعة الكامنة فی هذه القضیة وذلك عبر بیان اسس الاسلام العزیز وتعالیمه فی هذا المجال.
وفی هذا الاتجاه فقد صممنا على أن نضع بین أیدی الراغبین ـ وعلى طریقة السؤال والجواب ـ سلسلة الأبحاث التی قام بها الاستاذ سماحة العلامة آیة الله الشیخ محمدتقی مصباح الیزدی على صعید هذا الموضوع ضمن دروس معارف القرآن وغیرها من المحاضرات، وقد جرى تنظیم هذه الأسئلة والأجوبة فی أربعة
فصول. آملین أن تفلح الأبحاث القیمة لسماحة الأستاذ فی أن تكون علاجاً ناجعاً ومؤثراً فی مضمار بحث «حقوق المرأة فی الرؤیة الاسلامیّة» وترد من خلال إبانة مختلف أبعاد هذا البحث على بعض الشبهات والاستفسارات المهمة حولها.
وفی الختام نرى لزاماً أن نتقدم بالشكر من الأعماق لسماحة حجة الاسلام حمید كریمی الذی تولى تنظیم هذا الكراس باللغة الفارسیّة.
إصدارات مؤسسة الإمام الخمینی(قدس سره) للتعلیم والبحث
سؤال: یقال ان المرأة فی نظر الاسلام فرعٌ والرجل أصلٌ، وان المرأة أدنى من الرجل فی الانسانیة. هل هذا الكلام صحیح؟
جوابه: ان جنس الرجل والمرأة بما ان كلاًّ منهما انسان واحد، وهما یشتركان فی أصل الخصائص الانسانیة، لكنهما صنفان ـ بما یسمى صنفاً فی علم المنطق ـ مختلفان، وان التمعّن الدقیق بمشتركات هذین الصنفین وافتراقاتهما سیعیننا فی حلِّ قضایاهما وفهم حقوقهما وتكالیفهما.
ویمكن تصنیف موارد اشتراك الرجل والمرأة فی ضوء ما یترشح عنه استقراء القرآن الكریم كما یلی:(1)
1 ـ ان الرجل والمرأة سیّان من حیث الماهیة الانسانیة ولوازمها، أی ان الاثنین «انسان». غایة الأمر انهما فی ذات الوقت الذی یتمتعان فیه بوحدة نوعیة، فانهما یعودان منطقیاً الى صنفین، أو وفقاً للتعبیر العرفی الى جنسین، وقدیماً كانت هناك نظریة لا ترى النساء من نوع الانسان وتعتبر ان لهنّ ماهیة أخرى. وإن الاسلام یرفض هذه النظریة بشكل كامل. نقرأ فی الآیة الاولى من سورة النساء:
«یا أَیُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِی خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس واحِدَة وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها» فعبارة «خَلَقَ مِنْها زَوْجَها» فی هذه الآیة الكریمة تبین بجلاء ان زوج آدم(علیه السلام) ـ حواء ـ هی من جنسه(2).
كما ان اشتراك آدم وحواء فی الانخداع بوساوس الشیطان دلیل على اشتراك
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 206 وهو باللغة الفارسیة.
2. راجع فی هذا المجال: الأعراف: 189، النحل: 72، الروم: 21، فاطر: 11، الشورى: 11، الحجرات: 13، القیامة: 37 ـ 39.
مصیرهما. وان أدنى مقارنة بین القرآن الكریم والتوراة فی باب انخداع آدم وحواء ستكون موضوعاً فیه عبرة، فاستناداً لما جاء فی التوراة، سفر الظهور، الباب الثالث، الآیات 1 ـ 13، ان الأفعى تحادث المرأة «حواء» وتوسوس لها وتخدعها وأخیراً «حیث وجدت المرأة ان الشجرة صالحة للأكل وجمیلة المنظر وهی شجرة لذیذة وتزید العلم، فقد أخذت من ثمرها وأكلته ثم أعطت لزوجها فأكل منه»، وحینما یتوجه الخطاب الإلهی الممزوج بالعتاب لآدم فانه یقول: «انّها المرأة التی خلقتها قرینة لی هی التی أعطتنی ثمر الشجرة فأكلته» فقال الله للمرأة «ما هذا الفعل الذی فعلتیه؟ قالت المرأة: الأفعى هی التی أغوتنی فأكلت» وعلى هذا الأساس فان الیهود والنصارى یعتقدون ان الشیطان أغوى حواء وهی التی أغوت آدم.
ان القرآن الكریم وفی المواضع الثلاثة(1) التی یتطرق فیها لقصة آدم وحواء یؤكد انهما تعرضا على حدًّ سواء لخطاب الله سبحانه وتعالى ونهیه، وقد خُدعا معاً بوساوس الشیطان. بناءً على هذا لیس الأمر ان سبب خدیعة حواء هو الشیطان وسبب خدیعة آدم هو حواء، وانما الشیطان هو خادعهما ومغویهما.
2 ـ ان المرأة والرجل یتكاملان على حدّ سواء إثر العبودیة لله تعالى وأداء التكالیف الملقاة علیهما. ولیس الحال ان بعض أنواع ومراتب الكمالات الانسانیة تختص بالرجال ولا نصیب أو مشاطرة للنساء فیها، أو بالعكس(2).
3 ـ ان فی كلا طرفی الحق والباطل رجالا ونساءاً، ولیس ان عماد الحق أو عماد الباطل یقوم على الرجال أو النساء، فالذی یضع البشر ـ من الرجال والنساء ـ فی طرفی الحق والباطل هو الإیمان الحقیقی أو الكفر الباطنی والنفاق، ولیس الرجولة أو الأنوثة، فالذین آمنوا إیماناً صادقاً من الرجال والنساء وعملوا الصالحات هم أولیاء بعضهم البعض، والكفار والمنافقون من الرجال والنساء بعضهم أولیاء بعض أیضاً(3).
1. البقرة: 35 ـ 36، الأعراف: 19 ـ 23، طه: 117 ـ 122.
2. راجع: البقرة: 221، النساء: 124، النمل: 97، التوبة: 72، الأحزاب: 35، الفتح: 5 ـ 6، الحدید: 12، یس: 56، غافر: 8.
3. راجع: التوبة: 67 ـ 68 و71، النور: 26.
4 ـ ان الكثیر من التكالیف والواجبات مشتركة بین الرجال والنساء، سواء فی الآیات التی وردت فیها صیغة المذكّر(1) أو تلك التی استخدمت فیها كلتا الصیغتین. ومن بین الآیات التی وردت فیها كلتا الصیغتین، الآیتان 30 و31 من سورة النور:
«قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَیَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللّهَ خَبِیرٌ بِما یَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَیَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ».
كما نقرأ فی الآیة الثانیة من نفس السورة:
«الزّانِیَةُ وَالزّانِی فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِد مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَة».
وجاء فی الآیة 38 من سورة المائدة:
«وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ».
5 ـ یجب أن لا یكون هنالك فارق مزیَّف وظالم بین الرجل والمرأة. فعندما بزغت شمس الاسلام كانت عند العرب المشركین تقالید بسببها یلحق ظلم فظیع بالأنثى، فمثلاً انهم كانوا یدفنون البنات وهنّ أحیاء، والقرآن الكریم یذم بشدة هذه العادة فی الآیتین 58 و59 من سورة النحل والآیتین 8 و9 من سورة التكویر، أو انهم كانوا یرون ما تلد الأنعام خالصاً للرجال ویجعلونها حراماً على النساء، وان القرآن یستهجن هذا التمییز والظلم ویرفضه بشدة(2).
6ـ مثلما أن الرجال مستقلون فی نشاطاتهم الاجتماعیة والسیاسیة فان النساء أیضاً مستقلات فی نشاطهن الاجتماعی والسیاسی، ولسن تابعات للرجال، وما لم تقتض الفوارق البدنیة والنفسیة والحكمة الإلهیة أمراً فان لهنّ حق المشاركة فی الشؤون الاجتماعیة على حدّ سواء. وان أفضل الآیات الدالة على استقلال النساء فی الشؤون الاجتماعیة والسیاسیّة هما الآیتان 10 و12 من سورة الممتحنة إذ تقولان:
1. الملاحظة التی ینبغی الانتباه الیها هی ان أغلب الخطابات القرآنیة وأوامرها ونواهیها موجهة الى الرجال والنساء معاً ولا تقتصر على الرجال بأی حال، وإن جاءت من الناحیة الصرفیة بصیغة المذكّر لما تتمیز به اللغة العربیة، فعلى سبیل المثال ان عبارة «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَیْكُمُ الصِّیَامُ» البقرة:183، تعنی أیها المؤمنون من الرجال والنساء!
2. الأنعام: 140.
«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِرات فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِیمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنات فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ یَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَیْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَیْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْیَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ یَحْكُمُ بَیْنَكُمْ وَاللّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ».
«یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَكَ عَلى أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَیْئاً وَلا یَسْرِقْنَ وَلا یَزْنِینَ وَلا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا یَأْتِینَ بِبُهْتان یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَكَ فِی مَعْرُوف فَبایِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ».
7 ـ ان النساء یتملكنَ كالرجال ویتمتعنَ بالاستقلال الاقتصادی، والنساء فی الغرب لم یكنَّ یتمتّعن بالاستقلال الاقتصادی الى ما قبل عقود قلیلة، فی حین أن النساء فی دنیا الاسلام وبفضل تعالیم القرآن أصبحنَ منذ البدایة یمتلكن أجورهنَّ ومشتركات فی الإرث(1).
8 ـ مثلما ان الآباء یتمتعون بمجموعة من الحقوق الأُسریة فان الأمّهات كذلك یتمتعن بحقوق تفوق حقوق الآباء. فلا شك ان التأثیر التكوینی للأب والأم فی تشكیل الأسرة وإنجاب الأولاد وتوفیر أسباب عیشهم وتعلیمهم وتربیتهم یُعدّ سبباً فی تبلور سلسلة من الحقوق الأُسریة للأبوین، ومما لاشك فیه ان الأم وحیث انها تحمل طفلها فی بطنها لما یقرب من تسعة أشهر وترضعه لسنتین تقریباً وتتولى رعایته وحضانته، فان لها تأثیراً یفوق تأثیر الأب، بناءً على هذا یجب أن یكون حقها أكثر منه، من هنا فان القرآن والأحادیث بالاضافة الى اثباتهما لحقوق مشتركة للوالدین فانهما یؤكدان أكثر على حقوق الأم، وهنالك الكثیر من الروایات تؤكد على ان حق الأم أكبر من حق الأب وان الجنة تحت اقدام الأمهات، وتوصیات أخرى مذهلة لا مجال لذكرها.
1. النساء: 32 ـ 33.
ان بعض الآیات القرآنیة(1) تتحدث عن حقوق مشتركة بین الأب والأم، ومنها الآیتان 23 و24 من سورة الاسراء، ونقرأ فیهما:
«وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِیّاهُ وَبِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً إِمّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِیماً * وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّیانِی صَغِیراً».
وفی البعض الآخر من الآیات یذكر مضاعفة حقوق الأم على حقوق الأب الى جانب ذكر السبب فیها(2)، فقد ورد ـ على سبیل المثالـ فی الآیة 15 من سورة الاحقاف: «وَوَصَّیْنَا الإِْنْسانَ بِوالِدَیْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ...».
ان ذكر شدائد الأُم بالاضافة الى الحقوق المشتركة للوالدین اشارة إلى مزید حقوقها ومنزلتها الرفیعة.
ان الابعاد المشتركة بین الرجل والمرأة والمقتضیات الحقوقیة لهما اكثر من الموارد التی ذُكرت ونحن نصرف النظر عن ذكر الباقی منها. أصبحت محصلة الكلام ان الرجل والمرأة مشتركان وعلى حدّ سواء فی الطبیعة الانسانیة ولا وجود لأی تمییز بینهما.
* * * * *
1. العنكبوت: 8، البقرة: 83، النساء: 36، الأنعام: 151، مریم: 14.
2. لقمان: 14 و15.
سؤال: ما هی الفوارق المهمة والأساسیة بین المرأة والرجل والتی تؤدّی الى اختلاف حقوقهما وواجباتهما؟ هل یمكن القول بعدم وجود فارق جوهری بین المرأة والرجل سوى الفارق العضوی، وان الفوارق الظاهریة لاتمثل سبباً فی اختلاف حقوقهما؟
جوابه: ینبغی القول حول مثل هذه الأسئلة: ان العقل للانسان المادی والمتعارف هو من القصور بحیث لا یتسنى له ادراك تفاصیل وجزئیات هذه الأمور، فما یبلغه عقل الانسان لا یتعدى الكلیات واما التفاصیل والجزئیات فلابد من الرجوع فیها الى الشرع، لأن الانسان لا یقوى من الأساس على معرفة كافة المصالح والمفاسد على حقیقتها، وإلا لاستطاع سنّ احكام وقوانین اخلاقیة وحقوقیة تكفل السعادة والكمال الحقیقیّ للجمیع، وبذلك یستغنی عن الوحی والنبوة والدین.
ان السرّ فی حاجة الانسان الدائمة للوحی والنبوة هو قصور عقله، ولذا لا یمكن الإدعاء بإحاطة علم الانسان بكافة المصالح والمفاسد، ولا یمكن تبریر جمیع الاحكام والقوانین الإلهیة عقلیاً، وان الله سبحانه وتعالى وحده المحیط بجمیع المصالح والمفاسد وتفاصیلها وجزئیاتها ودقائق الامور.
ما ندركه وندّعیه فی هذا البحث هو أن ثمّة فوارق بین المرأة والرجل من شأنها تنوع الآثار فی الحیاة الاجتماعیة، وبناءً على هذا فانّها تقتضی اختلاف الحقوق والواجبات الاجتماعیة فی الجملة، وعلینا ان نسأل الشرع عمّا نفهمه بعقولنا بشكل اجمالی كی نطّلع على الكثیر من التفاصیل حول الاختلاف فی الحقوق والواجبات لاحتجاب دقائق الأمور عنّا فی هذا المجال كما فی المجالات الأخرى.
بالإمكان تقسیم الفوارق بین الرجل والمرأة والتی تؤدی الى تنوع الحقوق
والأحكام الى قسمین رئیسیین: 1ـ الفوارق البدنیة التی یمكن إدراكها بالتجربة الحسّیة ومعرفتها عضویاً وفسیولوجیاً. 2ـ الفوارق النفسیة والروحیّة التی یتسنّى معرفتها عن طریق التجربة الحسیة المقرونة بالتحلیل العقلی، وتجری دراستها فی علم النفس.
ان أهم محاور الفوارق الجسدیّة بین المرأة والرجل عبارة عن:
أ ـ الجهاز التناسلی: هنالك اختلاف واضح بین الجهاز التناسلی لدى الرجل والمرأة، فالخلایا الجنسیة للرجل ـ الحیوانات المنویّة ـ ذات إختلافات جوهریة مع الخلایا الجنسیة للمرأة ـ البویضاتـ وإن هذه الفوارق الجوهریة أدت الى اختلاف حصة الرجل فی إنجاب الاطفال عن حصة المرأة، بل لا یمكن المقارنة بینهما فی هذا المجال، فالواجب الطبیعی للمرأة فی حمل الجنین فی رحمها مهمة تختص بها ولا یقوى علیها الرجل.
ب ـ الاختلاف فی شكل الثدی: لقد بُنی ثدیا المرأة بنحو یسهل على الطفل التغذی منهما، فیكون من الطبیعی أن تقع مسؤولیة إرضاع الطفل والعنایة به على عاتق الأم. والقرآن الكریم بدوره یؤكد على دور الأُم خلال السنتین الاولیین من الحیاة(1).
ج ـ دورة الحیض لدى النساء: لقد أرست الحكمة الالهیة بناء المرأة بحیث تفرز كمیة من دمها لعدة أیام من كل شهر، حتى لا تواجه اضطراباً اثناء الحمل أو الرضاعة. ویحسن الالتفات الى ان بدء مرحلة الحیض یتناسب مع الزمان الذی یستعدّ فیه جسمها للحمل، وان نهایة مرحلة الحیض تتقارن مع الزمان الذی تفقد فیه الاستعداد للحمل. فتمر المرأة خلال فترة الحیض بحالة تشبه المرض حیث تصاب بضعف بدنی وتعتریها حالات نفسیة إستثنائیة، من هنا فهی تحتاج الى راحة نسبیة، ان هذه الاختلافات الاساسیة والتبعات المترتبة علیها تؤدی الى ظهور
1. البقرة: 233، لقمان: 14 و15، الاحقاف: 15.
اختلافات فی الحیاة الفردیة والعائلیة والاجتماعیة للرجل والمرأة، ولابد من الالتفات الیها اثناء تعیین حقوقهما وواجباتهما.
إن المرأة ومنذ بدء حملها وحتى تضع الحمل وعلى مدى معظم فترة إرضاع طفلها لا قابلیة لها على الحمل مرة ثانیة وتنخفض لدیها الرغبة الجنسیة، بینما لا تتوقف القدرة والرغبة الجنسیة لدى الرجل على الاغلب. ان الجهاز التناسلی للمرأة یطلق عادة بویضة واحدة بالغة فقط كل شهر ویصبح جاهزاً للحمل خلال مدة قصیرة، من هنا فان فتره انتاج المثل والحاجة الجنسیة تختلف بین الرجل والمرأة.
ومع الالتفات الى كل هذا الاختلاف فی الظروف لا یمكن القول ان المرأة والرجل لابدّ ان یتساویا فی كل شیء، ولا یصحّ القول انه لابد من اعطائهما معاً حق التعدّد فی الأزواج، أو لابد من حرمانهما معاً من حق تعدّد الأزواج. ان مثل هذا القرار یتصف بالجهل وعدم الانصاف، اذا كان انتاج المثل واشباع الغریزة الجنسیة حقّ كل انسان وان تكثیر النسل ـ فی بعض المجتمعات وفی بعض الظروف على أقل تقدیر ـ امر مطلوب، وفی بعض الاحیان یصبح لازماً وضروریا، فانّه لابدّ من اعطاء الرجل ـ فی بعض الظروف الخاصّة على الأقلّ ـ حق التمتع بزوجة اخرى دائمة أو مؤقّتة.
د ـ القدرة البدنیة: وهذا الفارق ملموس أیضاً بشكل تام وتؤیده التحقیقات التجریبیة والاحصائیات أیضاً، فالاحصائیات تدل على أن متوسط القدرة البدنیة للرجل یفوق القدرة البدنیة للمرأة، وان معدل تحمل الاعمال الشاقة لدى الرجال یفوق ما علیه عند النساء، وان جسم الرجل أكثر خشونة وصلابة وجسم المرأة عادة ما یكون أكثر رقة ونعومة.
وأهم الفوارق الروحیة والنفسیة بین المرأة والرجل عبارة عن:
1ـ تحلّی المرأة بالمزید من العواطف والانفعالات والاحاسیس: إن تحلی المرأة بالمزید من هذه الابعاد النفسیة الثلاثة عادة ما یؤدی الى المزید من التأثر وابداء
تصرفات محبّة للغیر، فهذه الخصیصة تؤدی الى أن تضحك المرأة وتبكی وتعتریها سائر الانفعالات أسرع من الرجل، كما أن قوة العاطفة لدى المرأة تبعث على مودتها ومحبتها ورقة قلبها وحنانها الامومی ...الخ.
من نتائج هذا الاختلاف الانخفاض النسبی فی حزمها وبُعد رؤیتها، وان غلبة المشاعر والاحاسیس تضعف القدرة على التفكیر والبُعد فی النظرة والحكم، والمرأة عادة ما تصاب بمثل هذه الحالة فی جمیع مراحل عمرها. فروح الانفعال عند المرأة تُضعف القدرة على الحكم واشراف العقل، من هنا فان احكامها كثیراً ما تكون سطحیة وبعیدة عن الواقع.
انّ هذا الاختلاف له تأثیر كبیر فی بحث قضاء المرأة وحكومتها ومدیریتها.
ان هذه المیزة الروحیة لدى المرأة تثمر نتائج مرضیة جداً فی محلّها، فالتصدی للكثیر من الاعمال یحتاج الى التحلی بمزید من العواطف والى رقة مضاعفة، وان النساء أكثر نجاحاً فی إنجاز هذه المهام، فالامومة واطعام الطفل وتنظیفه وغسله وملاعبته والعنایة به وتلبیة حاجاته العاطفیة ... الخ من الاعمال التی تنسجم معها روحیاً بل ترغب بها، بینما اغلب الرجال لیسوا كذلك. وهذه الحقیقة یؤیدها علماء النفس لاسیما علماء النفس من النساء.
2ـ رغبة المرأة بالمحبة والمزید من الاهتمام: الفارق المهم الآخر المعلول للفارق المتقدم نوعاً ما هو الرغبة المتعاظمة لدى المرأة بالمحبة والاهتمام بها، وفی المقابل فان الرجل یمیل لابداء المحبة والتودد. فمن الحاجات للروحیة للمرأة أن تخطف قلب الرجل وتستقطب نظره، بینما یسعى الرجل لان یتعلق قلبه بها ویعشقها، فالرجال عادة ما یكونون هم العاشقین والنساء معشوقات.
والأمر الجدیر بالذكر هو أن ید الخالق أودعت وسیلة جذب القلوب لدى المرأة. لیس ان المرأة هی التی تسعى لاختطاف القلوب دون أن تمتلك الفخ والطعم، فجذابیة المرأة للرجل تجعل منها ناجحة بشكل كامل فی عملیة اختطاف القلوب.
والذی منح المرأة كل هذه الجذابیة اودع فی الرجل قابلیة هائلة على الانجذاب.
الرغبة القویة لدى المرأة بالظهور والبروز: من الهموم التی تشغل قلب المرأة ـ وهو ناجم عن الفارق الثانی ـ تجملها والظهور بمنظر جمیل من خلال الوسائل المتاحة والمتوفرة، وسعیها عبر ذكاء متمیز لابراز جمالها وزینتها أمام الآخرین لاسیما الرجال كی توقعهم من خلال ذلك فی مصیدة حبها.
3ـ رغبة المرأة بالحمایة: الفارق الروحی الآخر بین المرأة والرجل والنابع نوعاً ما من الفارق الأول، هو رغبة المرأة بالخضوع للحمایة، بینما یمیل الرجل عادة الى حمایة الآخرین، وبعبارة أخرى ان المرأة غالباً ما ترغب فی أن تلوذ بالرجل الذی یسرّه أن یُدخل المرأة تحت حمایته.
ان لهاتین الرغبتین النفسیتین المختلفتین تأثیراً ضخماً فی تركیبة النظام العائلی، وتستتبع مسؤولیات متنوعة ومختلفة. فللمرأة حق مسلّم وهو ان تدخل تحت رعایة وحمایة زوجها، والزوج مكلف بجعل امرأته تحت رعایته وحمایته.
ومن الجدیر بالذكر ان هذین الاختلافین بین الرجل والمرأة قد أصبحا واضحین للجمیع بعد القیام بالدراسات النفسیة ولاسیّما تلك الدراسات التی أعدّتها نساء متخصّصات فی العلوم النفسیة.
ولعلّ السرّ فی القضیة هو انّ كلا من الرجل والمرأة لا علم له بما عند الآخر من مشاعر واحاسیس، ولمّا كان الرجل لا یشعر بالحاجة الى ان یكون محبوباً ولا یحسّ بالرغبة فی ان یصبح تحت الحمایة، فانه لا علم له بوجود هذین اللونین من الحاجة عند المرأة، فهو یتخیل ان الجنسین متشابهان فی هذا المضمار.
وهنالك فوارق روحیّة أدنى أهمیة بین الرجل والمرأة أیضاً نُعرض عن ذكرها.
ان الفوارق الجسمیة والنفسیة الآنفة الذكر تؤدی الى اختلافات جوهریة فی الحیاة الفردیة والأُسریة والاجتماعیة لكلّ من الرجل والمرأة، ولابد من ان تؤخذ بنظر الاعتبار أثناء تعیین الحقوق والواجبات، وان رسم هذه الفوارق وتوظیفها
ضروری ولا مناص عنه لغرض تشكیل الاسرة والمحافظة على نظامها وبالتالی المحافظة على نسل الانسان وبقائه.
وفی خاتمة المطاف نشیر الى هذه الملاحظة وهی ما یؤكّد علیه علماء النفس من «ان كل انسان یتمتّع بعلم نفس مختصّ به».
وبناء على هذا لا یمكننا ابداً أن نجد شخصین بحیث یكونان متشابهین تماماً ومن جمیع النواحی.
اذن مقصودنا من البحث فی الاختلافات الموجودة بین المرأة والرجل هو الخصائص العامة والغالبة بین الجنسین. وبالتالی اذا لاحظنا فی رجل أو امرأة ظهور خصائص الجنس المخالف له فان هذا یعتبر استثناءً وامراً غیر متعارف.
* * * * *
سؤال: یقال ان عقل المرأة أصغر من عقل الرجل، وان الرجل یمتلك قدرة أكبر على التعقّل، كما وردت عبارات فی بعض الروایات تدل ـ فی نظر البعض ـ على ضعف القوة العقلیة لدى المرأة. هل یمكن القول ان المرأة أقل عقلاً من الرجل، ألا یعتبر هذا نقصاً بالنسبة للمرأة؟
جوابه:(1) لقد تمت الاشارة ـ فی مجال الفوارق الطبیعیة بین المرأة والرجل ـ الى فوارق لا تبدو محكمة وقطعیة كثیراً (وقد تقدمت الموارد المهمة والمسلّم بها فی القسم الخاص بالفوارق) فقد قالوا ـ مثلاً ـ ان دماغ المرأة یختلف من حیث الحجم عن دماغ الرجل، وهو أصغر منه. واذا ما ثبت هذا الأمر فلیس مستبعداً أن یكون سبباً فی الفوارق النفسیة لاسیّما فی أمر العلم والمعرفة. كما قالوا ان القدرة على الفهم والادراك لدى المرأة فی كافة المجالاتـ أو على الاقل فی مجال الامور العقلیة والاستدلالیة ـ اقل ممّا عند الرجل. ولم تثبت هذه المزاعم بالنسبة الینا بعد. وان الروایات الواردة فی هذا المجال لیست واضحة وقطعیة كثیراً وقد ذُكرت تفسیرات لكل منها.
ان التحقیقات النفسیة والإحصائیة تدل على ان موهبة التعلّم لدى المرأة فی بعض العلوم والمعارف من قبیل فروع الریاضیات والفلسفة اضعف مما عند الرجل، وزعموا أیضاً ان نعمة الذكاء عند المرأة(2) اقل ممّا عند الرجل. لكننا نتصور ان ذلك لما یزل لیس واضحاً وفیه مجال للبحث والنقاش، فهل ان «الذكاء» اسم اطلقوه
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 209 وهو باللغة الفارسیة.
2. نعمة الذكاء أو مستوى الذكاء تعنی نسبة السنّ العقلی للفرد الى سنّه الواقعی مضروباً بالعدد (100).
على قوة واحدة أم اسمٌ لمجموعة او عدة قوى ومواهب مثل الحافظة وسرعة البدیهة والتعمق فی الامور؟ ان لقضیة المعرفة ابعاداً ووجوهاً عدیدة، ویبدو ان علماء النفس قد اطلقوا اسماً واحداً ـ أی الذكاء ـ على مجموع هذه الابعاد والوجوه.
ربما تتعذر المقارنة بین نعمة الذكاء لدى الرجل والمرأة، فلربما تكون المرأة هی الاقوى فی بعض المراحل المتعددة من العلم والتعلّم، ویكون الرجل هو الاقوى فی بعضها الآخر. على أیة حال لیس یقنیاً ثبوت مثل هذه الامور، وعلى افتراض كونه یقیناً فهو لیس من الامور التی یعتد بها.
الملاحظة التی ینبغی التركیز علیها هنا كثیراً هی ان المرأة وبسبب شدة عواطفها وأحاسیسها فهی لا تسیطر على نفسها كما ینبغی ویجب، وبما ان ضبط العواطف والمشاعر والسیطرة علیها أول شروط التفكیر الصحیح والحكم فان المرأة فی غایة التصدع من هذا الجانب. لكن الرجل ـ ونظراً لضعف عواطفه ومشاعره ـ فمن السهولة ان یسیطر على نفسه، ومن خلال ازاحته للغبار الذی تثیره المشاعر یرى الحقائق بوضوح ویحكم على اساسها. بناءً على هذا ربما یصحّ القول ان تعاظم قوة التعقل لدى الرجل لیس نابعاً من قوة الرجل ذاته بل سببها ضعف اعداء التعقّل فیه.
على أیة حال، تصبح نتیجة البحث ان الرجال یتمتعون بتعقل وتدبیر أكثر إما لتعاظم قدرة التعقل لدى الرجل ـ كما یقول البعض ـ أو لعدم وجود الغریم أو الخصم فی طریق العقل، وهذا هو السبب الذی یؤدی الى اختلاف الحقوق والواجبات بین المرأة والرجل. وینبغی الانتباه الى اننا حینما نقارن بین المرأة والرجل فلیس المراد مرأة معینة ورجل معین، بل اننا نضع فی البال عموم النساء والرجال وطبیعتهم، وهذه القواعد العامة لها استثناءات دائماً.
* * * * *
سؤال: تدل بعض الآیات والروایات على الفارق التكوینی والتشریعی بین المرأة والرجل، وهی تؤكد ضمناً نوعاً من الافضلیة للرجل، من قبیل الآیة «وَلِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ» و«الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ». ألا یُعد وجود مثل هذه الفوارق ظلماً بحق النساء؟
جوابه: إن معظم الذین یثیرون هذه الشبهة یظنون ان المرأة مظلومة وهم یحاولون الدفاع عن حقوق المرأة، لكن جوابنا ینفی المظلومیة عن المرأة وعن الرجل معاً. ففی معرض الاجابة نقوم بالفصل بین بعدی التكوین والتشریع ونتطرق لكلّ منهما بایجاز:
أ ـ نظام التكوین: انما یتسنى الحدیث عن العدل والظلم فقط حینما یكون هنالك حق، فالمخلوق لا وجود له قبل ان یُخلق كی یكون له حق بما یعنیه هذا الحق من انه یطلب من خالقه أن یخلقه أو لا یخلقه، یوجده بهذه الخصائص أو بتلك. بناءً على هذا لا یستطیع أیّ مخلوق الاعتراض على اصل خلقته أو كیفیة خلقته، اذ لا حقَّ لأی مخلوق، فلیس لأی مخلوق الاعتراض على الله سبحانه وتعالى لیقول: لماذا خلقتنی واخرجتنی من دیار العدم، ولیس ثمة انسان له المنّة على الله فیقول له مثلاً: لماذا جعلتنی حیواناً ولیس نباتاً، جعلتنی رجلا ولیس امرأة؟ ولماذا جعلت لی عینین ولیس ثلاثاً أو واحدة؟ ولماذا لم تمنحنی حافظة أو ذكاءً قویاً؟ وما شابه هذه الاسئلة.
إن هبة الوجود وتشخیص حدود وطبیعة ونمط الوجود بید الله سبحانه وتعالى فقط. فهو الذی یخلق ما یشاء وكیف یشاء على اساس حكمته البالغة والمصالح التی لا یحیط بها سواه.
ان الفوارق التكوینیة بین أجناس شتى المخلوقات وانواعها واصنافها هی لازمة النظام التكوینی وما یقتضیه خیر وصلاح جمیع المخلوقات وعلیه لا یمكن الحدیث عن الحق والعدل والظلم، والاعتراض على أصل خلقة أی مخلوق والخصائص الممنوحة له، والمعتبر هنا خیر ومصلحة نظام الخلق كله وحسب.
ب ـ نظام التشریع: ثمة ثلاثة اصناف من العدل والظلم ممكنة فی التشریع هی:
1ـ فی مقام التكلیف
2ـ فی مقام الحكم
3ـ فی مقام المجازاة بالاجر أو العقاب.
ان كلاً من الآیات القرآنیة التی تثبت العدل لله سبحانه وتعالى أو تنفی الظلم عنه تشیر الى أحد هذه الاصناف.
فاذا ما القى الله بتكلیف على عاتق أحد لا طاقة له على ادائه، أو انه یكلّف أحداً لكنه لا یمنحه حقاً ازاء ذلك التكلیف، فی هاتین الحالتین یكون قد ارتكب ظلماً فی مقام التكلیف.
ولو ان الله جَلَّ وعلا وبعد القائه التكالیف العادلة على البشر على اساس المصالح والحِكَم، وحدّد لكلّ انسان أجراً أو عقاباً لا یتناسب مع العمل الذی قام به، فانه یكون قد مارس ظلماً فی مقام الحكم وتعیین الأجر والعقاب.
واخیراً لو ان الله تعالى وبعد تحدیده للاجر والعقاب بشكل عادل، لكنه على صعید العمل لا یثیب المحسنین ولا یعاقب المسیئین، أو انه یعاقب المحسنین ویثیب المسیئین، فی مثل هذه الحالة یكون قد مارس ظلماً فی مقام الاثابة والمعاقبة.
نتساءل الآن: أی صنف من اصناف الظلم الثلاثة مارسه الله بحق النساء او الرجال؟
لیس صعباً أبداً ادراك ان الله جلّ وعلا لم یرتكب أی ظلم بصنفیه الثانی
والثالث، واذا ما كان هنالك لبس فهو فی ادراك انه لم یرتكب ظلماً من الصنف الاول ـ الظلم فی مقام التكلیفـ أیضاً.
لتوضیح هذا الأمر نستعین بالقرآن الكریم فنقرأ فی الآیة 228 من سورة البقرة: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِی عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ».
معنى الجملة الاولى هو ان حقوق وتكالیف النساء متوازنة. وكما تعلمون ان هذه قاعدة حقوقیة عامة دائمة تقول: اذا ما جُعل حق لأحد فسیُجعل علیه تكلیف یتناسب مع ذلك الحق، وبالعكس اذا ما ألقی تكلیف على أحد فسیُجعل له حق یتناسب مع ذلك التكلیف. والجملة الأولى من هذه الآیة تشیر الى هذا الأمر وتصرح بانه اذا ما وُضعت تكالیف على النساء فان حقوقاً مماثلة لهذه التكالیف قد وُضعت لهنّ أیضاً، لئلا یلحق بهنَّ ظلمٌ، من صنف الظلم فی مقام التكلیف. وهذا یصدق على الرجال أیضاً.
الدقة التی ینبغی توخّیها هنا هی ان توازن حقوق وتكالیف النساء، وتوازن حقوق وتكالیف الرجال شیء، وتساوی المرأة والرجل وتماثلهما بالدرجة شیء آخر. فالقرآن الكریم یقبل الأول ویرفض الثانی. وان المقطع الأول من الآیة موضع البحث یدل على القبول بالمطلب الأول، والمقطع الثانی منها یدل على رفض المطلب الثانی. فاذا ما أُلقیت تكالیف ومسؤولیات أصعب على الرجل بما تقتضیه القابلیات والقدرات الاكثر التی یتمتع بها تكوینیاً فانّ ذلك لا یعدّ ظلماً بحقه فی مجال التكلیف. واذا ما مُنح حقوقاً وامتیازات أكثر فی ازاء هذه التكالیف والمسؤولیات، فلا شك فی انه لم یُظلم أیضاً فی مجال التكلیف، لانه قد روعی التوازن بین حقوقه وواجباته.
من ناحیة اخرى ان ظلماً لا یلحق المرأة اذا ما طولبت بتكالیف أخف بما تقتضیه قابلیاتها الاكثر تواضعاً، وحُدّدت لها حقوق أقلّ تتناسب مع هذه التكالیف. والامر واضح الى هنا، ولكن ربما یُتصور ارتكاب الظلم بحق المرأة اذا ما قورنت حقوق
الرجل الكبیرة مع صلاحیات المرأة الأقل، فی حین ان حقوق الرجل وصلاحیاته اذا لم تكن اكثر ـ فی ضوء التوازن بین الحقوق والواجبات وبین الواجبات والقابلیات ـ ففی مثل هذه الحالة یكون قد لحق ظلم بالرجل. اذن افضلیة الرجل على المرأة فی مقام التشریع ـ كما فی مقام التكوین ـ لیس ظلماً بل هی العدل بعینه.
الأمر الجدیر بالاهتمام هو انه لم یتم فی هذه الآیة بیان الوجه فی افضلیة الرجل. ومن خلال التوضیحات التی جاءت ضمن الاسئلة الاخرى یتبیّن ان قدرة الرجل اكثر فی مجال التعقل، والتدبیر، والعمل البدنی والاقتصادی، وفی ضوء هذا الفارق التكوینی أُلقی واجب ادارة الحیاة الأُسریة ونفقاتها على الرجل، ونتیجة لهذا التكلیف فقد انیط حق الادارة واتخاذ القرار فی الشؤون العائلیة «والاجتماعیة» بالرجال. بناءً على هذا وبقرینة الآیة الكریمة «الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ»(1)یتبین المراد من «درجة» فی الآیة الكریمة «وَلِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ»(2).
* * * * *
1. النساء: 24.
2. البقرة: 228.
سؤال: ان مفاد بعض الآیات القرآنیة(1)، من قبیل الآیتین 21 و22 من سورة النجم «أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُْنْثى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِیزى» هو: على أیة حال ان المرأة أدنى من الرجل، ففی هذه الآیات یوبّخ الله تعالى المشركین لماذا فی الوقت الذی یحبون الذكور، ینظرون لملائكة الله على انها بنات الله؟ فاذا كانت البنت على حدّ سواء مع الولد فلماذا یرفض الله هذه القسمة ویراها ظالمة؟
جوابه: ان القرآن یؤمن باسلوب الحوار والجدال وهو بنفسه یستخدم هذا الاسلوب على أساس ما یؤمن به الخصم والمخالف لافحامه. وان ما ورد فی الآیات المذكورة هو فی الحقیقة كلام جدلی ولیس برهانیّاً بمعنى انه یدین المشركین استناداً لما هو مسلَّمٌ عندهم ولیس على اساس ما هو صحیح فی نظر القرآن.
ان افضلیة الذكر والرجل على الانثى والمرأة كان أصلاً مسلّما به لدى المشركین ولیس عند القرآن، وان القران الكریم یوضح للمشركین أنهم مدانون استناداً لهذا الاصل المسلّم به عندهم وانهم یقولون ظلماً، والاّ فانه یرفض القول بكون المرأة أنقص من الرجل من حیث الانسانیة ولوازمها.
* * * * *
1. النحل: 57 ـ 59 و62، الصافات: 149 ـ 157، الزخرف: 16 ـ 19، الطور: 39.
سؤال: لماذا تتوجه معظم الخطابات القرآنیة للرجال؟ هل ان القرآن یمنح الاصالة للرجال ویعتبر النساء متطفلات على الرجال؟
جوابه:(1) كی یتبیّن الرد على هذه الشبهة لابد من ایراد مقدمة هی: لیس هنالك فرق بین الرجل والمرأة وبین المذكر والمؤنث من الناحیة الصرفیة والنحویة فی بعض اللغات مثل اللغة الفارسیة، أما فی اللغة العربیة وبعض اللغات الاخرى فثمة فارق بینهما، أی ان الأفعال والضمائر وأسماء الاشارة والأسماء الموصولة والصفات لا تُستخدم على حدّ سواء بالنسبة للمذكر والمؤنث. بناءً على هذا فاذا ما كان الحدیث یدور حول الرجال فقط إذ ذاك تُستخدم صیغ المذكر، وإذا كان الحدیث یدور حول النساء فقط تستخدم صیغ التأنیث. ولكن ما العمل إذا كان الكلام بشأن الرجال والنساء معاً؟ الجواب هو الاستعانة فی اللغة العربیة بصیغ التذكیر فی مثل هذه الحالات، وبعبارة أخرى تُستخدم صیغة المذكر فی اللغة العربیة فی موضعین هما:
أ ـ عندما یكون الحدیث عن الرجال فقط.
ب ـ عندما یجری الحدیث عن مجموعة من الرجال والنساء.
على أساس هذه القاعدة، إذا أردنا القول بان على الجمیع ـ رجالاً ونساءًـ ان یكونوا متقین فلا مفر لنا إلا أن نوصل مرادنا بالقول «فَلْیَتَّقُوا اللّهَ» (2).
كما یشاهد القارئ المنصف ان بناء الجملة بهذا النحو لا یعنی سوى الإذعان لقواعد الصرف والنحو فی اللغة العربیة ولیس فی الأمر تقییم. إذن ینبغی عدم حمله على القول بأصالة الرجال وتصور تابعیة النساء لهم، والقرآن الكریم بدوره لم یجنح
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 206، وهو باللغة الفارسیة.
2. النساء: 9.
عن تعالیم اللغة العربیة، من هنا یجب أن لا تؤخذ عبارات من قبیل «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا» بمعنى «یا أیها الرجال الذین آمنوا» بل یتعین تفسیرها بـ «یا أیها المؤمنون» التی تشمل الرجال والنساء معاً. ولهذا لم یُسمع لحد الان أن إمرأة أو رجلاً قد اعترض فی زمان نزول الآیات القرآنیة بأنه لماذا یخاطب القرآن الرجال فقط ولا یكترث بالنساء أو انه قلیلاً ما یهتم بهنّ، أو سأل: هل ان هذا الحكم الإلهی والأمر والنهی القرآنی یختص بالرجال أم انه یشمل النساء أیضاً؟ فالناس جمیعاً بذوقهم العربی كانوا یدركون ان الكثیر من الآیات والعبارات القرآنیة بالرغم من بیانها بصیغ التذكیر، موجهة الى الجمیع رجالاً ونساءً.
ما تقدم ذكره كان یخص جانباً من الخطابات القرآنیة. والجانب الآخر هی الخطابات التی تخاطب الرجال فقط، وهی الآیات التی تعتبر الحور العین من النعم الالهیة التی سیحظى بها المتقون فی الآخرة(1)، أو الآیة التی تقول:
«أُحِلَّ لَكُمْ لَیْلَةَ الصِّیامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ»(2)فكل منهما وسیلة لزینة الآخر ولحفظه. كیف یُوجّه هذا النوع من الخطابات؟ الجواب هو: ان الرجال فی مجتمع صدر الاسلام وكذلك فی المجتمع الذی ینشده ویصبوا الیه هذا الدین كانوا ولازالوا أكثر مشاركة من النساء فی المیادین الاجتماعیة، ونظراً لان الرجال أكثر مساهمة وتأثیراً فی هذه الأمور من النساء فان أی خطاب ـ بالنتیجة ـ على صعید العمل وعلى أرض الواقع یوجّه الیهم، لاسیما عندما یكون المخاطِب نبیاً رجلاً. لكن هذا الأمر لایعنی اعطاء الاصالة للرجال وعدم كون النساء فی الحسبان وعدّهن أضعف وأدنى من الرجال من الناحیة الانسانیة. إذن السبب الجوهری لمثل هذه الخطابات هو ان غالبیة كلام النبی موجه بشكل طبیعی لرجال المجتمع.
* * * * *
1. الدخان: 54، الطور: 20، الواقعة: 22.
2. البقرة: 187.
سؤال: ما السبب فی أن تصبح الفوارق التكوینیة والطبیعیة مصدراً للفوارق الاجتماعیة والحقوقیة؟ هل من الصحیح أن نقول نظراً للفوارق التكوینیة والطبیعیة بین المرأة والرجل، فلابد من أن یختلفا فی الحقوق والواجبات؟
جوابه:(1) ینبغی القول: كما أن وجوه الاشتراك التكوینی بین الرجل والمرأة تخلق قاعدة لمشتركاتهما التشریعیة، فان وجوه الافتراق التكوینی بینهما تتسبب فی مجموعة من الفوارق والاختلافات التشریعیة بینهما سواء فی دائرة الأمور الفردیة أو الاجتماعیة.
ان منشأ هذا التساؤل هی الشبهة المعروفة بـ «استنتاج ما ینبغی ان یكون مما هو موجود فعلا» وقد طُرح هذا البحث بین مفكری الغرب لأول مرة من قِبل الفیلسوف الاسكتلندی دیفید هیوم «1711 ـ 1771م»، فهیوم وأتباعه یعتقدون بعدم امكانیة استحصال «ما ینبغی» و«ما لا ینبغی» الاخلاقیة والحقوقیة من «الموجودات» و«المعدومات» التكوینیة، وعلى فلاسفة الاخلاق والحقوق تجنب هذا النوع من المغالطات. بناءً على هذا فان الفوارق الطبیعیة لا یمكنها ان تكون مسوغاً لاختلاف الحقوق والواجبات. ان هذه الشبهة التی هی فلسفیة بل منطقیة، على صلة بمختلف العلوم وتستدعی بحثاً مطولاً، ونحن نورد ایجازاً لهذا البحث كی تتوفر أرضیة مناسبة لمختلف حقوق المرأة والرجل وواجباتهما.
توجز الشبهة المذكورة بلغة المنطق كما یلی: ان نتیجة القیاس لا یمكن فیها أبداً
1. راجع كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 208 وهو باللغة الفارسیة.
استخدام لفظ لم یرد فی أیّ من مقدمتیه، وعلیه یتعذر استحصال نتیجة تشتمل على «ینبغی» أو «لا ینبغی» من خلال ضمّ مقدمتین تشتملان على الوجود والعدم. إذن من الناحیة المنطقیة كیف یكون «ما ینبغی» مما «هو موجود» صحیحاً؟
خلاصة الجواب هی: ان كل قضیة من قبیل «الموجودات» تنطوی دائماً على جزء یسمى «المادة» لا تُذكر غالباً، ومن الممكن ان یكون هذا الجزء هو الضرورة أو الامكان أو الامتناع، فإذا كانت القضیة تدل على العلاقة بین العلة والمعلول ـ كالقضیة الشرطیة التی یعد تحقق الشرط فیها علّة تامة لتحقق الجزاء ـ فستكون مادة تلك القضیة هی الضرورة بالقیاس، أی ان لوجود المعلول فی ظرف تحقق وجود العلة ضرورة بالقیاس. وقد تظهر مادة القضیة هذه فی نتیجة القیاس المنطقی بصیغة لفظ «یجب». إذن الواجب الذی یتأتى فی نتیجة القیاس فی مثل هذه الموارد لیس أمراً غیر وارد فی أیّ من المقدمتین، فعلى سبیل المثال إذا أمكن القول: ان مزج الأوكسجین والهیدروجین ـ بنسبة معینة وظرف خاص ـ هو العلة فی وجود الماء، فیمكن بیان هذه القضیة بصیغة شرطیة أیضاً، أی أن نقول: «إذا مُزج الأوكسجین والهیدروجین معاً فانه یتكون الماء» ثم نضم هذه القضیة الى «لكن الماء قد تكوَّن». وفی هذه الحالة یحصل قیاس استثنائی نتیجته هی: یجب أن یكون الأوكسجین والهیدروجین قد مُزجا مع بعضهما.
هذا الواجب الذی جاء فی النتیجة یفصح عن الضرورة بالقیاس المنتزعة من ارتباط العلّة التامة ـ مزج الاوكسجین بالهیدروجین ـ بالمعلول ـ تكوُّن الماء ـ فی القضیة الشرطیة. وهذا الأمر لا یقتصر على علم معین، بل هو یسری فی كافة العلوم من قبیل الریاضیات والطبیعیات والإلهیات والمنطق والأخلاق والحقوق. وعلیه من الخطأ إذا ما تصورنا ان فلاسفة الأخلاق والحقوق إذا ما استحصلوا الواجبات من الموجودات فقد وقعوا فی المغالطة. فعلى سبیل المثال: یتبلور ـ فی علم الحقوق ـ من اضافة قضیة «إذا ما روعیت الأحكام والتكالیف الاجتماعیة بشكل تام ستتحقق
سعادة المجتمع» الى القضیة «لكن سعادة المجتمع مطلوبة» فیتحقّق قیاس نتیجته: «یجب أن تُراعى الأحكام والتكالیف الاجتماعیة بشكل تام». فیلاحظ عدم وجود الواجب فی القضیة الشرطیة وكبرى القیاس، بل ثمّة ملازمة بین الشرط والجزاء فقط، ورغم هذا فان واجباً یتبلور فی نتیجة القیاس دون أن نكون قد ارتكبنا خطأً منطقیاً. والواجبات الموجودة فی الأخلاق هی من قبیل هذه الواجبات الحقوقیة.
حریٌ الانتباه ـ بالطبع ـ الى ان الواجب الذی یستحصل من الضرورة بالقیاس هو عندما یدور الحدیث حول العلّة التامة ومعلولها. إذن لیس الحال بأن یمكن استنتاج واجب من كل قضیة شرطیة، ففی الموارد التی تنعدم فیها العلّة التامة ولا یكون تحقق الشرط فیها علة تامة لتحقق الجزاء یكون استنتاج الواجب من الموجود مغالطة.
ان الأمثلة الواضحة البطلان التی یسوقها المخالفون لاستنتاج الواجب من الموجود لغرض إشهار ضعفه كلها تأتی فی موارد تنعدم فیها العلّیة أو إذا ما كانت موجودة فهی علیّة ناقصة. وكمثال على ذلك ان مغالطة استدلال الذین یرون الاختلاف فی لون بشرة الناس دلیلاً على الاختلاف فی حقوقهم ومسوغاً للتمییز بین الأعراق، إنما تنبثق عن أن لون البشرة لیس علّة تامة لأی حقّ أو واجب، ولو كانت للون البشرة علیّة تامة حقاً لما كانت مغالطة فی الاستدلال الآنف الذكر.
ینبغی القول ـ بلغة الحقوق ـ فی القضیة موضع البحث: یجب أن تحدد حقوق الناس وواجباتهم على أساس المصالح والمفاسد الواقعیة، وعلیه إذا ما كان الفارق سبباً فی اختلاف المصالح والمفاسد فانه قطعاً سیصبح سبباً فی اختلاف الحقوق والواجبات وإلاّ فلن یكون سبباً فی الاختلاف.
إذن، الاختلاف فی «ما هو موجود» ـ على صعید الحقوق كما فی سائر الأصعدة ـ یؤدی الى الاختلاف فی «ما ینبغی ان یكون».
* * * * *
سؤال: هل یتعین وضع قوانین ومقررات مختلفة لكل مورد فیه اختلاف تكوینی بین البشر یؤدی الى حدوث آثار مختلفة فی الحیاة الاجتماعیة؟ وما هو نوع الاختلافات بین الرجل والمرأة التی تؤدی الى الاختلاف فی الحقوق؟ وهل هنالك فارق جوهری بین المرأة والرجل؟
جوابه: لا شك فی أن البشر یختلفون فیما بینهم كثیراً سواء من الناحیة الجسمیة أو الروحیة حیث یتعذر العثور على اثنین ـ وان كانا أخوین ـ یتشابهان فی جمیع الجهات جسمیاً وروحیا.
من ناحیة أخرى ان الأعم الأغلب من هذه الفوارق الجسمیة والروحیة تؤدی نوعاً ما الى حدوث آثار اجتماعیة مختلفة، من هنا فان المقنن لیس أمامه لدى وضع القانون سوى ثلاث سبل هی: إما أن یضع فی الحسبان كافة الاختلافات، أو أن یتغاضى عنها جمیعاً، أو أن یحسب حساب بعضها ویغض الطرف عن بعضها الآخر.
فإذا ما أخذ جمیع الاختلافات بنظر الاعتبار وأراد وضع قانون خاص لكل اختلاف فعلیه أن یضع مجموعة من القوانین لكل فرد من البشر، ومن الطبیعی ان مثل هذا الأمر لیس عملیاً ولا هو مفید. وإذا ما غضَّ الطرف عن كافة الاختلافات وشمل جمیع الناس بقانون واحد وجعلهم سواء فی الحقوق والواجبات، فانه لن تتحقق مصالح المجتمع كما ینبغی. ویجب إذن علیه أن یضع فی الحسبان الافتراض الثالث ویأخذ بنظر الاعتبار بعض الاختلافات ویتغاضى عن الباقی. فی هذه الحالة یكون أمامنا هذا التساؤل وهو: ما هو نوع الاختلافات التی یُفترض أن تؤدی الى اختلاف القوانین، وأیّها الذی یُفترض أن لا یكون كذلك؟
یبدو أن الاختلاف التكوینی الذی یكون سبباً فی ظهور قوانین ومقررات
مختلفة؛ یجب أن یتمیز بثلاث ممیزات هی:
1 ـ أن یكون دائمیاً: نظراً لتعذر تغییر القوانین بشكل مستمر فیجب أن تؤخذ الاختلافات الدائمیة والثابتة فقط بنظر الاعتبار عند وضع القانون ولیس الاختلافات المؤقتة والعابرة.
2 ـ أن یكون غالباً أو شاملاً: یجب أن لا یكون الاختلاف مقتصراً على شخص أو شخصین أو عدة أشخاص، فالمقنن لا قدرة له على وضع منظومة من القوانین على حدة لكل فرد من أفراد المجتمع. فلیست مهمة المقنن سوى وضع قانون لجمیع أبناء المجتمع أو طبقة عریضة منهم، فإذا ما تمیزت طبقة عریضة بخاصّة ما إذ ذاك یتسنى إصدار حكم خاص لتلك الطبقة بما تقتضیه تلك الخاصّة.
3 ـ أن یكون مؤثراً فی الأمور الاجتماعیة: ان الاختلاف الذی لا تأثیر له فی معطیات النشاط الاجتماعی وفی حجم وطبیعة المشاركة لتحقیق متطلبات المجتمع لا یؤدی الى وضع قوانین ومقررات مختلفة. فعلى سبیل المثال: لو كان الاختلاف فی لون البشرة مؤثراً فی نتیجة العمل الاجتماعی لصحَّ بل لتعین حینها وضع منظومة من الحقوق الخاصّة لكل عرق على حدة، لكن لیس من میزة أی لون بشرة أو عرق ان یؤثر تأثیراً ملحوظاً فی الجوانب الاجتماعیة.
باعتقادنا ان بین المرأة والرجل مجموعة من الفوارق التكوینیة التی تستدعی اختلافاً فی الحقوق والواجبات فللنساء فی كل مجتمع وعلى مدى التاریخ فوارق مع الرجال لها المواصفات الثلاث التالیة:
أولاً: ثابتة ودائمیة، فمن النادر على امتداد التاریخ البشری ان یكون قد حصل تغییر فی الجنس وتحول رجل الى امرأة أو امرأة الى رجل. وهذه الاختلافات تبقى على مدى حیاة الناس.
ثانیاً: انها عامة: فكلُّ من شریحتی النساء والرجال تشكل نصف المجتمع الانسانی تقریباً.
ثالثاً: انها ـ وكما سیأتی ـ منشأ آثار مختلفة فی الحیاة الاجتماعیة.
بناءً على هذا، من المعقول تماماً ومن الصواب والعدل أن یختلف النساء والرجال ـ بغضّ النظر عن الحقوق والواجبات المشتركة التی یتمتعون بها فی ضوء وجوه الاشتراك الطبیعی والتكوینی بینهم ـ فی سائر الحقوق والواجبات. وإذا ما روعی الاختلاف بین الرجال والنساء فی الحقوق والواجبات فانّه ستتحقق مصالح النساء والرجال وكذلك مصالح المجتمع. وفی حالة عدم مراعاته ستُهدر الكثیر من مصالح النساء والرجال ومصالح المجتمع.
* * * * *
سؤال: ما هی الفوارق القانونیة والتشریعیة بین المرأة والرجل؟ وأیٌّ من هذه الفوارق ذُكر فی القرآن؟
جوابه:(1) كما ذُكر فی المسائل المتقدمة ان بین المرأة والرجل فوارق جسمیة وروحیة تقتضی فوارق قانونیة وحقوقیة، ونحن نقول الآن إن فی الاسلام مجموعة من الفوارق التشریعیة بین المرأة والرجل یمكن تقسیمها الى ثلاثة أقسام هی:
أ ـ الاختلاف فی الأحكام والحقوق الفردیة.
ب ـ الاختلاف فی الأحكام والحقوق الاُسریة.
ج ـ الاختلاف فی الأحكام والحقوق الاجتماعیة.
أ ـ الفوارق الفردیة(2): من قبیل أن المرأة لا تصلی ولا تصوم عدة أیام فی كل شهر ـ فترة الحیض ـ بینما لا وجود لمثل هذا الاعفاء بالنسبة للرجل. ولم ترد آیة فی القرآن الكریم بشأن الاختلاف الفردی، ولكن بالإمكان معرفة موارد الاختلاف الفردی بین الرجل والمرأة من خلال المطالعة والتحقیق فی أحادیث المعصومین(علیهم السلام).
ب ـ هنالك ما یربو على ثمانین آیة فی القرآن الكریم حول الفوارق العائلیة(3).
ونظراً لأن هنالك آیتین فقط فی هذا الكتاب الشریف حول الفوارق الاجتماعیة، ندرك جیداً ان الأعم الأغلب من الفوارق التشریعیة والحقوقیة بین المرأة والرجل
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 209 وهو باللغة الفارسیة.
2. تدرج الفوارق الفردیة تحت عنوان الفوارق التشریعیة والقانونیة. ولا تُطرح تحت عنوان الفارق الحقوقی بالمعنى الخاص لهذا المفهوم (الحقوق العائلیة والاجتماعیة).
3. قد وردت فی ما یقرب من 20 آیة من سورة البقرة وفی 20 آیة من سورة النساء وفی 40 آیة من سائر السور.
المذكورة فی القرآن الكریم تخص القضایا الأُسریة، وهذا بحد ذاته ینبئ عن أهمیة هذه الركیزة الاجتماعیة.
ج ـ وردت آیتان فقط فی القرآن الكریم حول الفوارق الاجتماعیة بین الرجل والمرأة هما:
1 ـ الآیة التی تعتبر النبوة خاصة بالرجال:
«وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى...»(1).
2 ـ الآیة التی تعتبر ان شهادة امرأتین تعدل شهادة رجل واحد:
«وَاسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ یَكُونا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الأُْخْرى...»(2). وفی روایاتنا تبرز نصوص أخرى حول الفوارق الحقوقیة بین المرأة والرجل فی المجتمع، نشیر الى بعضها:
1 ـ اقتصار الجهاد الابتدائی على الرجال: فلم تُكلّف المرأة بالجهاد الابتدائی، أی انه لیس واجباً على النساء.
2 ـ تقدم الرجال على النساء فی الجهاد الدفاعی: فمادام الرجال موجودین بما فیه الكفایة فالجهاد الدفاعی لیس واجباً على النساء. وان هذا الجهاد یجب على النساء فی حالة الحاجة لمشاركتهن فی الحرب فقط. إذن الرجال هم الأصل على صعید مسؤولیة الدفاع.
3 ـ اقتصار الحكم على الرجال: فموضع اجماع فقهاء الشیعة تقریباً ان المرأة لا تكون حاكماً وأمیراً على الناس، ولا یُستبعد أن یكون هذا هو السر فی اعتبار القرآن الكریم النبوة مقتصرة على الرجال، لأن النبوة نمطٌ من الزعامة وتدبیر وادارة المجتمع.
1. لیرجع من شاء الى سورة یوسف: 109، وراجع كذلك: النحل: 43، والأنبیاء: 7 مع اختلاف ورود (قَبلكَ) بدلاً (من قبلك) فی هذه الآیات.
2. البقرة: 282.
4 ـ اقتصار التصدی لمسؤولیة القضاء على الرجال: وهذه مسألة خلافیة لكن المشهور لدى فقهاء الشیعة ان القضاء یقتصر على الرجال.
5 ـ اقتصار المرجعیة على الرجال: وهذه القضیة مشهورة بین فقهاء الشیعة أیضاً، لكن بعضهم احتمل ان تصبح المرأة مرجع تقلید، بمعنى أن تكون مبینةً للاحكام الالهیة فقط ولیست مرجعاً فی الزعامة الدینیة للمجتمع.
* * * * *
سؤال: لماذا جُعل إرث الرجل ضعف إرث المرأة؟ ألیس هذا ظلماً بحق النساء وتمییزاً فی حقوقهنّ؟
جوابه:(1) كما تعلمون ـ وقد جرت الاشارة الیه كثیراً ـ ان حصة الرجل من الإرث ضعف حصة المرأة فی النظام الحقوقی فی الاسلام(2)، وتختلف حصة الرجل والمرأة ـ طبعاً ـ فی بعض فروع موارد الإرث ومشتقاتها بحیث انهما یتساویان أحیاناً بل وتزید حصة المرأة على حصة الرجل فی موارد نادرة. على أیة حال لیست حصة الرجل ضعف حصة المرأة على الدوام.
ان الامتیاز الاقتصادی الذی أصبح من نصیب الرجل هنا یمكن تبریره فی ضوء الامتیاز الاقتصادی للمرأة الذی جرى الحدیث عنه فی سائر الابحاث. فمال الإرث فی الحقیقة ثروة بالامكان استثمارها فی مختلف المرافق الاقتصادیة لتصبح عاملاً فی تسریع عجلة اقتصاد المجتمع وتعود على صاحبها بالمنفعة أیضاً. فإذا تساوى نصیب المرأة والرجل منه فهذا یعنی أن نصف الثروة الاقتصادیة والمالیة للمجتمع سیصیبها الركود على الدوام أو فی أغلب الأحیان، لأن النساء عادة لا یسعهنّ النشاط كالرجال فی الأمور الاقتصادیة.
فضلاً عن ذلك ان الرجل یتحمل نفقات كثیرة منها: مهر الزوجة، ونفقات المعیشة لأفراد الأسرة، وتسدید أجرة أعمال المرأة من قبیل الرضاعة، وحضانة الطفل، والعنایة بالبیت فی حالة مطالبتها بها وحالات أخرى، بینما لا تتحمل المرأة أیة نفقة. ولغرض أن یحصل الرجل على الدخل الذی یسد كل هذه النفقات یجب أن
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 211 وهو باللغة الفارسیة.
2. النساء: 4.
یمتلك قدراً كبیراً من رأس المال كی یعود علیه بالنفع من خلال تشغیله. من الواضح أن ارتفاع نصیب الرجل من الإرث یعینه على بلوغ هذه الغایة.
على نحو الإیجاز: من أجل المحافظة على ثروة المجتمع ولكی تطرد یوماً بعد یوم لا أن تنعدم الفائدة منها وتزول تدریجیاً بسبب ركودها أولاً، ولكی یستطیع الرجال القیام بمسؤولیة نفقات أفراد أُسرهم ثانیاً، یجب أن یكون نصیبهم أوفر من نصیب النساء ولعل هنالك حِكَماً أخرى فی هذا الحكم لا علم لنا بها.
إذن لم یلحق أی ظلم بالمرأة فی أمر الإرث، بل على العكس فان معظم العائد من ثروة الرجل یكون من نصیب المرأة، بالاضافة الى قدرة المرأة على تشغیل ثروتها والحصول على عائد منها.
ولا تخلو من الفائدة الاشارة هنا الى ان النساء كنَّ ولازلن ـ سواء فی الماضی أو الحاضر ـ لا نصیب لهنّ من الإرث فی الكثیر من المجتمعات البشریة، بل ان النساء كنّ فی بعض المجتمعات یُورثنَ شأنهن فی ذلك شأن المال، ولكن الاسلام والقرآن صرّح: بالاضافة الى ان المرأة لیست مالاً یورث فهی ترث كالرجل، وبطبیعة الحال فقد وُضع فرق فی نصیبهما لمصالح معینة.
ورد فی القرآن الكریم:
«لِلرِّجالِ نَصِیبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالأَْقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِیبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالأَْقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِیباً مَفْرُوضاً»(1).
واستمراراً لهذه الآیة ذُكرت صور عدیدة لموارد الإرث وتقسیمه ونصیب الذریة من الذكور والأناث، والاخوة والاخوات، والأم والأب، والزوجة والزوج.
* * * * *
1. النساء: 7.
سؤال: لماذا اعتُبرت شهادة إمرأتین فی الاسلام تعدل شهادة رجل واحد؟ ولماذا الأصل فی أن یكون الرجل شاهداً؟
جوابه:(1) استناداً الى بعض الآیات فان شهادة امرأتین تعدل شهادة رجل واحد. ورد فی الایة 282 من سورة البقرة:
«وَاسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ یَكُونا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الأُْخْرى».
هنالك الكثیر من المسائل التی یمكن طرحها فی هذا المجال منها: هل ان شهادة امرأتین تعدل شهادة رجل واحد فی كل الحالات أم ان هنالك موارد تساوی فیها شهادة الرجل شهادة المرأة؟ وان طرح مثل هذه المسائل من اختصاص دائرة الفقه. والأسئلة التی یتعین الرد علیها هی عبارة عن:
أ ـ لماذا الأصل فی أن یشهد الرجل؟
ب ـ إذا كان الرجل هو الأولى والأصلح لتحمّل الشهادة وأدائها فلماذا تُقبل شهادة المرأة ثم تعتبر بمستوى نصف شهادة الرجل؟
ینبغی القول فی الاجابة على هذین السؤالین: ان الغایة من الإشهاد وتحمّل الشهادة وأدائها هی ان لا یضیع أو یُصادر حقٌ، لذلك یستلزم وجود خصلتین بالنسبة للشاهد هما:
1 ـ فی مقام تحمّل الشهادة. یجب أن یكون ذكیاً فطناً یضبط الحقائق بدقة.
2 ـ فی مقام أداء الشهادة. أن لا یقع تحت تأثیر العواطف وان یدلی بما كان
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 210 وهو باللغة الفارسیة.
شاهداً ورقیباً علیه دون نقص أو زیادة أو تزویق. فلربما یقع الشاهد فی مقام أداء الشهادة تحت تأثیر عواطفه ویدوس على الحق فیدلی بشهادته لصالح أحد لأنه أبوه أو أمه أو أخته أو أخوه أو زوجه أو ولده أو أحد أقربائه وأصدقائه، أو ان ذلك الشخص فقیر أو مسكین أو ما شابه ذلك.
بهذا الخصوص یقول تعالى:
«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَیْنِ وَ الأَْقْرَبِینَ إِنْ یَكُنْ غَنِیًّا أَوْ فَقِیراً فَاللّهُ أَوْلى بِهِما...»(1).
إذا ما قورن الرجل والمرأة فی مجال امتلاكهما لهاتین الصفتین سیتضح ان الرجال أفضل من النساء فی كلا البعدین. بناءً على هذا، یكون الرجال أصلح من النساء لتحمّل الشهادة وأدائها. من هنا فان الأصل أن یشهد الرجل، كما یجری الأمر فی القضاء والحكم على هذا المنوال أیضاً، بالاضافة الى كثرة تواجد الرجال وسط المجتمع وأثناء وقوع الأحداث.
أما الاجابة على المقطع الثانی. فإذا لم تكن شهادة المرأة مقبولة ومعتبرة إذ ذاك ستضیع الكثیر من الحقوق فی الكثیر من الموارد، فمن الدارج ان تُطلب شهادة مَنْ كان فی متناول الطرفین على الدوام كی یتسنى لهم إحضاره إذا ما بدر خلاف بینهم ویطلبوا شهادته. من الواضح عدم توفر رجل أو رجلین على الدوام وفی كافة الأحوال والظروف، وعلیه لا مفر من عدّ شهادة المرأة معتبرة كی یتسنى استدعاء النساء لتحمل وأداء الشهادة إذا لم یُعثر على رجل بتلك المواصفات. فلئن كان الاقتصار على الرجل فی الشهادة یؤدی الى ضیاع وهضم الكثیر من الحقوق ولهذا السبب اصبحت شهادة المرأة مقبولة فلماذا لا تتساوى شهادة المرأة مع شهادة الرجل؟ یمكننا الاجابة على هذا السؤال بأن المرأة لا تتمتع بالقدرة اللازمة، لا فی
1. النساء: 135.
مقام تحمّل الشهادة ولا فی مقام أدائها، وبالتالی فقد تنسى المرأة الواقعة أو تقع تحت تأثیر عواطفها ومشاعرها وتعدل عن الحق فتضل على أیة حال ـ مثلما أشارت الآیة الى الحكمة من هذا الحكم ـ فان الاحتیاط یحكم بأن نرفق معها امرأة أخرى كی یتضاءل الاحتمال بمصادرة الحق والوقوع فی الخطأ.
* * * * *
سؤال: لماذا جُعل المهر للمرأة فی الزواج؟ ألا یعنی دفع المهر والأُجرة عند الزواج أنه متاجرة بالمرأة وامتهانها؟
جوابه: لقد وضع الاسلام بعض الحقوق الاقتصادیة للمرأة والغرض منها قیام كیان الأسرة واستمراره(1) منها:
أ ـ وجوب المهر فی الزواج.
ب ـ وجوب نفقة المرأة على الرجل.
ج ـ یجوز لها المطالبة بالأجر فی مقابل الإرضاع والحضانة وإدارة شؤون البیت.
د ـ وجوب الإنفاق على المرأة خلال أیام عدّة الطلاق.
وبالرغم من تصور بعض المخالفین الذین یفسرون دفع المهر بأنه متاجرة بالبنت وبالمرأة ویستهجنونه، فان القرآن الكریم یُصرُّ على ان یدفع الرجل المهر لزوجته وإن كان ضئیلاً وهذه المسألة من مسلّمات فقهنا.
إذا لم یُذكر المهر فی عقد الزواج إن كان النكاح دائمیاً یترتب على الرجل مَهر المثل(2)، وإذا كان النكاح مؤقتاً یبطل من الأساس(3)، كما أنّ تحدید المهر وذكره فی عقد النكاح واجب فی فقه أهل السنة أیضاً، وبمقدور الزوجة أن تهب مهرها لزوجها بعد إتمام عقد النكاح، كما یُمكن للمرأة أن تهب مالاً للرجل منذ البدایة لیجعله مهراً للزواج بها.
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 211 وهو باللغة الفارسیة.
2. مهر المثل، هو المهر الذی یخصصه العرف لمثل هذا الزواج من حیث وضع الأسرة وشأنها.
3. راجع: الرسائل العملیة للمراجع العظام، أحكام النكاح، وكذلك: سورة البقرة: 229، سورة النساء: 19، 24، 25، سورة المائدة: 5، سورة الأحزاب: 50، سورة الممتحنة: 10.
یقول القرآن الكریم بهذا الصدد:
«وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَیْء مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِیئاً مَرِیئاً»(1).
أمّا استرداد الرجل مهر وصداق زوجته بالتحایل والقوة فانّه عمل ینهى عنه القرآن بشدة:
«وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْج مَكانَ زَوْج وَآتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً * وَكَیْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْض وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِیثاقاً غَلِیظاً»(2).
لا یخفى أن الطلاق إذا ما وقع قبل الزواج فان على الزوج تسدید نصف المهر فقط.(3)
یمكننا القول فی بیان وتوجیه هذا الحق الاقتصادی للمرأة: ان تخصیص هذا الامتیاز المالی للمرأة یأتی أولاً: لتحملها الصعاب والمشقات فی قیامها بالواجبات والمهام الأسریة الواجبة والمستحبة. وثانیاً: ان أموراً من قبیل الحمل والولادة والرضاعة والحضانة ورعایة الاولاد تحول دون امكانیة قیامها بالاعمال الاقتصادیة، من هنا فقد خصص المهر للمرأة كی تتلقى أجر جهودها الى حدّ ما، ولئلا تكون أعمالها خالیة من النفع الاقتصادی تماماً.
* * * * *
1. سورة النساء: 4.
2. النساء: 20 و21.
3. راجع: الرسائل العملیة، أحكام النكاح والمهر، وكذلك: البقرة: 237.
سؤال: لماذا أجاز الاسلام الزواج المؤقت وتعدد الزوجات؟ ألیست هذه الاحكام تمییزاً وتتنافى مع حقوق المرأة؟
جوابه: (1)كما تعلمون ان للزواج الشرعی فی الاسلام صیغتین هما:
1ـ الزواج الدائم: ویعنی ان یقرر الرجل والمرأة ان یعیشا حیاة زوجیّة مشتركة ماداما على قید الحیاة. وبطبیعة الحال ان الاصل فی الزواج هو الدوام.
2ـ الزواج المؤقت المحدود بزمن معین: وفوائد الزواج المؤقت كثیرة یمكن الاشارة الى بعضها وهی:
أـ ان المرأة تفقد القابلیة على المقاربة خلال أیام الحیض التی تستغرق عدة أیام فی كل شهر، بینما یمتلك الرجل هذه القابلیة.
ب ـ ان المرأة تفقد القدرة على الحمل خلال فترة الحمل ومعظم فترة الرضاعة، فی حین ان الرجل ربما یرغب بطفل آخر بالاضافة الى ان المرأة تفقد الرغبة الجنسیة نوعاً خلال هذه المدة.
ج ـ ربما یضطر المرأة أو الرجل ان یعیش فی مدینة أو بلاد اخرى غیر التی یقطن بها لغرض طلب العلم أو التجارة أو أی غایة اخرى. فی مثل هذه الحالة یحتاج الزوج الذی یعیش فی بلدة أو بلاد اجنبیة الى الزوجة.
د ـ ان نفقة الزوجة فی الزواج الدائم على الرجل وقد لا یمتلك الرجل القدرة المالیة للانفاق على المرأة.
هـ ـ ربما تكون الغریزة الجنسیة لدى الرجل من القوة بحیث لا تشبعها زوجة
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 209 وهو باللغة الفارسیة.
واحدة. فللزواج المؤقت اذن منافع كثیرة، وحیثما یعجز الرجل أو المرأة عن الزواج الدائم، ویبلغ ضغط الغریزة الجنسیة علیه حداً یؤدی عدم اشباعها الى اضطرابات جسمیة أو نفسیة أو ارتكاب المعصیة، فان الزواج المنقطع هو الحل الوحید.
فی ضوء المنافع الآنفة الذكر ـ ما عدا الفقرة 4 ـ وبعض الفوائد الاخرى لم یحدَّد الزواج الدائم بمرة واحدة، بل أُجیز الرجل ان یتزوج دائمیاً بأربع فی آن واحد وفق قیود وشروط معینة منها مراعاة العدالة.
وـ ان المصالح الاجتماعیة أو الفردیة للمجتمع أو الفرد تقتضی فی حقبة معینة من الزمان ان تسیر عملیة التكاثر بالانفس بوتیرة اسرع، وفی مثل هذه الحالة اذا اكتفى كل رجل بزوجة واحدة فلن یتحقق الهدف المذكور.
زـ فی بعض المقاطع الزمانیة ربما یفوق عدد البنات أو النسوة المؤهّلات للزواج عدد الرجال. وفی مثل هذه الحالة لن یكون لمنع تعدد الزوجات من نتیجة سوى شیوع الفحشاء وسائر المفاسد الاجتماعیة، وفی الحقیقة سیُصادر حق الزواج من بعض النساء.
ومع ذلك فان الرجل لا یكلّفه الاسلام بأی نحو بأن یتزوج بأكثر من واحدة، كما ان الغالبیة العظمى من الرجال ـ مسلمین كانوا أو غیر مسلمین ـ فی كافة المجتمعات منذ بزوغ الاسلام وحتى الآن كانوا ومازالوا أحادیی الزوجة، ولكن الواقعیة والانصاف والفوارق بین المرأة والرجل تقتضی على أیة حال التفكیر بحلول للاوضاع والظروف الخاصة.
وقد اتضح فی هذه الأثناء انّه لم یُقصد بهذه الأحكام التمییز الجنسی أو الغاء أحدهما لحساب الآخر.
ولا یخلو من فائدة التذكیر بأننا لا ندّعی أن كافة الحِكَم من الزواج المؤقت وتعدد الزوجات أو سائر الاحكام الإلهیة تنحصر فی هذه الموارد التی نفهمها، فلربما هنالك حِكمٌ أخرى فی هذا الحكم لا علم لنا بها.
فی نظر الاسلام ان بإمكان الرجل الزواج بأكثر من واحدة حینما یرى فی نفسه القدرة على تطبیق العدالة بینهن. یقول القرآن الكریم:
«فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً...»(1).
لا شك فی أن المراد من العدل فی الآیة الكریمة هو العدالة فی مقام العمل ـ أی عدم الاجحاف وظلم النساء فیما یخص الحقوق الزوجیة والأسریة ـ وإلاّ فان المودة والحب الباطنی والقلبی لا یمكن السیطرة علیها بشكل كامل. وبتعبیر آخر ان الرجل المتعدد الزوجات مكلفٌ بإلتزام العدالة بین زوجاته، فمثلاً علیه ان یوفر الطعام والملبس والسكن لهنَّ على حدّ سواء، وإن كان یحب احداهنّ أكثر قلبیاً بسبب جمالها وكمالها الظاهری أو الباطنی.
بناءً على هذا ان الله سبحانه وتعالى لم یكلّف الرجل ولم یطالبه بان یساوی بین زوجاته فی المحبة، وفی نفس الوقت لم یسمح له بان یمارس الظلم بحق الزوجة التی یولیها حباً أقل فی مقام العمل وفی مجال الحقوق الأُسریة والزوجیة ویهملها ولا یعتنی بها وكأنها إمرأة بلا رجل.
ورد فی الآیة 129 من سورة النساء:
«وَلَنْ تَسْتَطِیعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَیْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِیلُوا كُلَّ الْمَیْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» من خلال هذا الشرط المهم جداً سعى الاسلام للحد من ظلم الزوجة.
وهنالك أمور أخرى حول الزواج المؤقت وتعدد الزوجات من الناحیة الفقهیة وردت فی الرسائل العملیة للمراجع العظام ولا حاجة لذكرها هنا.
* * * * *
1. النساء: 3.
سؤال: لماذا أُجیز الطلاق فی الاسلام؟ أما كان من الأفضل تحریم الطلاق؟
جوابه:(1) لقد أُجیز أصل الطلاق فی القرآن(2). فنقرأ فی الآیة 130 من سورة النساء:
«وَإِنْ یَتَفَرَّقا یُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللّهُ واسِعاً حَكِیماً».
لقد جاءت الكثیر من التوصیات فی القرآن والاسلام للحیلولة دون وقوع الطلاق، وقد وردت بعضها ضمن قضیة النشوز و التحكیم بین المرأة والرجل، ولكن إذا بلغ الاختلاف بین الزوجة والزوج حداً بحیث لا هما یستطیعان ان یحلاّ نزاعاتهما بأنفسهما ولا الحكمان اللذان جرى تعیینهما لهذا الغرض، فی هذه الحالة سیتحول مناخ العائلة الى مناخ جهنمی لا تطاق الحیاة فیه بالنسبة لكل من الزوجة والزوج.
بالرغم من أن الاسلام لا یحبب الطلاق أصلا ویعتبره أبغض الحلال لكنه لا یرتضی لامرأة ورجل ان یضیّعا عمرهما داخل قفص یحمل اسم المحیط العائلی وبیت هو بؤرة للعداوة والاختلاف بین المرأة وزوجها، من هنا فهو یجیز الطلاق فی خاتمة الأمر.
لقد وردت فی القرآن الكریم ما یقرب من 21 آیة حول الطلاق نمط وسیاق هذه الآیات مثیر للدهشة وملیء بالعبر، فبالرغم من أن هذه الآیات تبین المسائل الحقوقیة لكنها ملیئة بالتوصیات والقضایا الاخلاقیة الظریفة.
على أیة حال. أصل الطلاق جائز فی الاسلام ولكن یتعین الحیلولة دون وقوعه
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 211 وهو باللغة الفارسیة.
2. للمزید من المطالعة والتدقیق راجع: سورة الطلاق: 1، 2، 6، 7، سورة الأحزاب: 49، سورة البقرة: 231، 232، 236، 237.
قدر المستطاع، وإذا ما أُطفئ مصباح المودة والتفاهم داخل الكیان الأُسری فان منع الطلاق قانونیاً لیس حلاً ولا جدوى منه سوى صدور التصرفات المنافیة للاخلاق والعلاقات غیر المشروعة وتفاقم المواجهات وسائر المشاكل.
* * * * *
سؤال: ما هی فی نظر القرآن والاسلام الأصول الحاكمة على الأسرة؟ وما هی القواعد الحقوقیة والاخلاقیة للأسرة فی القرآن؟
جوابه:(1) ان الأصول والقواعد التی تسود الأسرة فی القرآن عبارة عن:
1 ـ أصل سد الحاجة الجنسیة: العنصر الأول الذی یقرّب المرأة والرجل من بعضهما ویفضی الى حیاة مشتركة وترابط بینهما هی الغریزة الجنسیة، فالرجل یسد الحاجة الجنسیة للمرأة وبالمقابل تقوم المرأة بتلبیة الحاجة الجنسیة للرجل أیضاً. وهذه الحاجة المتبادلة تؤدی الى حدّ بعید الى اطالة ودوام العلاقة بینهما. وان سدّ هذه الحاجة أساس للكثیر من أحكام الأسرة.
2 ـ أصل سدّ الحاجات العاطفیة: العنصر الثانی هو تبلور العلاقة العاطفیة بین المرأة والرجل التی تجعل كلاً منهما حریصاً على صاحبه، رفیقاً وحامیاً له.
لقد خلق الله جلّ وعلا البشر بنحو إذا سدَّ بعضهم حاجات ومصالح بعض ستتكون وتنمو بینهم تدریجیاً علاقة عاطفیة، وهذه العاطفة تتبلور بقوة وبشكل طبیعی بین الزوجین، وبوسعها ان تؤدی دوراً مهماً فی ضمان مصلحة الأسرة كلها. فبالامكان القول ان اقوى عامل فی دوام الاسرة وتكاملها هی العاطفة ومحبة افراد الاسرة فیما بینهم. بناءً على هذا اذا كانت هنالك ضرورة للحیاة العائلیّة ـ بحكم العقل ـ فان افضل عامل لتماسكها ودوامها هو ارساء العواطف المتبادلة بین افراد الاسرة.
ان العاطفة بشكلها المطلق لیست محوراً للقیم الاخلاقیة فی ضوء فلسفة الاخلاق الاسلامیة، بل هی احدى محفزات العمل الاختیاری الذی یحدّد قیمته العقل والدین، فهنالك مصالح وقیم أسمى من المحبة العائلیة، من قبیل طاعة الله
1. راجع: الأخلاق فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، ج3، ص71 وهو باللغة الفارسیة.
والرسول وفریضة الجهاد، اذ انها تُرجح اذا ما وقع التزاحم(1).
ربما تطرأ مشاكل واختلافات فی الحیاة العائلیة والاجتماعیة، إن لم تُحلّ فانها ستقضی على جو المحبة والاستقرار فی العائلة. وقد وضع الاسلام اصولاً اخرى للحیلولة دون وقوع هذه المشكلات لعلاج هذه الاختلافات. ولعل السبب فی الاختلافات داخل العائلة یعود الى اختلاف الآراء فی تشخیص المصلحة، أو الرغبات والمصالح الشخصیة، أو التصرف غیر اللائق لأحدهما مع الآخر.
3ـ اصل التشاور: الاصل الثالث الحاكم على الاسرة هو اصل التشاور، فان افضل سبیل لعلاج الاختلافات التی أُشیر لها هو ان یفكر المرأة والرجل معاً ویختارا الطریق الذی یرتضیه العقل(2). فمن الطبیعی أن یكون لكل انسان رغباته وآراؤه الخاصة به وان یكون لكل من الزوجة والزوج رغبات متناقضة، ولكن بامكان الازواج فی كثیر من الاحیان تنسیق آراءهما بالتشاور مع بعضهما بحیث یقلّصان من التعارض بینهما.
وحریٌ القول ان من الضروری ومن القیم الاخلاقیة التشاور مع الزوجة فی الاعمال والقرارات ذات الصلة بالأُسرة، مثل كیفیة رضاعة الطفل ومدتها، ومحل السكن، والمأكل والملبس ... الخ، أما فی الأعمال التی لا علاقة لها بالاسرة فلا ضرورة للتشاور مع الزوجة بما هی زوجة، بل یتعین التشاور فی هذه القضایا مع الذین یمتلكون معرفة أكثر كما ینبغی استحصال رأی من كانوا مسؤولین ومساهمین فی هذه الاعمال ومن یكون لموافقتهم دورٌ بنّاء ومؤثر فی تقدم العمل.
لیس معنى العبارات من قبیل «شاوروهنّ وخالفوهنّ» الواردة فی بعض الروایات بان لا تُشاورَ المرأة فی أیّ من الموارد، وانما یجب أن تكون استشارة المرأة فی الموارد التی تتناسب مع مشاعرها وعواطفها وقوة ادراكها ومعلوماتها. فعلى سبیل المثال ان الكثیر من الأعمال الاجتماعیة من قبیل اتخاذ القرار بشأن
1. التوبة: 24.
2. البقرة: 233، الطلاق: 6.
الحرب أو الصلح أو الدفاع لا تنسجم مع مشاعر النساء، ولا جدوى من استخدام النساء مُشیرات فی مثل هذه الأمور، فالمرأة وفی ضوء شدة عواطفها ومشاعرها ورقة روحها لا قدرة لها عادة على المقاومة بوجه مذابح الحرب وخرابها وان تدلی برأیها على أساس مصالح المجتمع. وبهذه الصورة یمكن الجمع بین الآیات الدالة على المشاورة والروایات المانعة عنها.
4 ـ أصل قیمومة الرجل على الأسرة: ربما تطرأ مشاكل واختلافات فی الحیاة الأُسریة لا تجد طریقها الى الحل حتى بعد اللجوء الى التشاور. فیؤدی استمرار هذه المشاكل الى زوال استقرار العائلة وحالة المودة بین الطرفین. من هنا ولغرض الحیلولة دون انهیار الحیاة العائلیة یلزم التفكیر بحیلة أخرى لعلاج مثل هذه المشكلات التی تطرأ داخل الأُسر أحیاناً.
ان الاسرة من الناحیة الحقوقیة تحتاج الى القیّم كأی تجمّع آخر، وبما أن الاسلام یعتبر العائلة أساس المجتمع فهو یهتم كثیراً بارساء بناء صحیح للعائلة لیكفل عبره تماسك وسلامة المجتمع. من هنا یقول القرآن:«الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ»(1).
فعلى المرأة والأولاد القبول بقیمومة الرجل فی العائلة، وما عدا الجانب القانونی والحقوقی فان على الزوجة والاولاد التزام الحدود واحترام رب الاسرة من الناحیة الاخلاقیة أیضاً، وان حلّ الكثیر من مشاكل الحیاة والاسرة رهنٌ بتنفیذ هذا الاصل. ولا یعنی هذا الاصل اطلاق حاكمیة الرجل داخل العائلة أبداً، بل على الرجل ان لا یسیء استغلال حقه فی القیمومة ولا یخطو خطوة واحدة إلاّ فی حدود الشرع وفی اطار حق القیمومة الوارد فی القانون الاسلامی. كما یتعین على المرأة أیضاً ان لاتربك الجو العاطفی للأسرة بتمردها وان تعمل على عدم انهیار الاسرة من خلال مبادلة الرجل الاحترام.
1. النساء: 34.
5 ـ أصل التصالح والوئام: ربما یصل الأمر بأن یتصرف أحد الزوجین تصرفاً ـ ولو فی نظر زوجه على أقل تقدیر ـ بعیداً عن المنطق أو العقل والانصاف ـ سواء كان بعیداً عن المنطق حقاً أو لیس كذلك ـ بل یبدو فی تصور زوجه أنه انسان معاند یرید اثبات كلامه. فی كلتا الحالتین من الطبیعی ان تصبح العلاقة بینهما عرضة للفسخ ویضعف كیان الاسرة.
فی مثل هذه الحالة یأمر الاسلام بالسعی قدر المستطاع لئلا تنهار العلاقة الزوجیة وتنهدم وحدة الاسرة. فعلى أحد الطرفین ان یبدی مرونة تفوق المعتاد بما هو ضروری أمام الطرف الآخر بل ویتنازل عن حقه المسلّم للمحافظة على الأسرة. یقول تعالى:
«وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَیْهِما أَنْ یُصْلِحا بَیْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَیْرٌ...»(1).
فما لم یكن هنالك حلمٌ وتغاض أثناء النزاعات والاختلافات فانه لا وجود للصلح والصفاء والاستقرار.
6 ـ أصل التحاكم: الأصل السادس الحاكم على الاسرة فی اطار النظام الحقوقی والاخلاقی للاسلام هو أصل التحاكم. إذ أن الله سبحانه وتعالى یوصی فی كتابه الكریم: إذا لم یستطع الزوجان حل المشكلة العائلیة بالتصالح وظل خطر انهیار الاسرة قائماً فعلیهما الاستعانة بأُناس ذوی خبرة وموضع ثقة للقیام بالتحكیم لعلّهم یتمكّنون من انهاء هذه المشكلة. یقول القرآن الكریم فی الآیة 35 من سورة النساء:
«وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَیْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ یُرِیدا إِصْلاحاً یُوَفِّقِ اللّهُ بَیْنَهُما إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِیماً خَبِیراً».
ویتعین على الرجل والمرأة ـ بطبیعة الحال ـ التسلیم لحكمهما كی یظل الكیان الاُسری قائماً راسخاً، وان یحل الصلح والوئام محل الجدل والنزاع ما أمكن.
* * * * *
1. النساء: 128.
سؤال: ما هو الهدف من بناء الاسرة فی الاسلام؟ وما هو دور كلّ من الرجل والمرأة فی تحقیق ذلك؟
جوابه: ان للزواج وبناء الاسرة آثاراً وفوائد مهمة بالنسبة لكل رجل وامرأة، وأهم الأهداف من تشكیل الأسرة عبارة عن(1):
1ـ ان أول وأوضح أثر من بناء الأسرة هو سدّ الحاجة الجنسیة للمرأة والرجل. فهما من الناحیة الجسدیة جنسان مختلفان وعندما یبلغان بشكل تدریجی تبرز لدیهما حاجة جنسیة خاصة تجعل كلاً منهما یمیل الى الآخر.
ان سدّ هذه الرغبة الجنسیة لیس أمراً مرفوضاً فی ظل النظام القیمی للاسلام، بل یُعدّ عملاً حسناً ومقدساً إذا ما روعیت فیه ضوابط وشروط معینة، فلقد اُودعت كافة الحاجات والرغبات لدى الانسان على أساس حكمة إلهیة ولها غایة خاصة.
وثمّة ملاحظة جدیرة بالاهتمام فی هذا الصدد اهتم بها الاسلام وهی أن حاجات الانسان متعددة، ویتعین علیه سدّها بشكل متوازن كی یبلغ الكمال الانسانی اللائق به، من هنا یتعین علیه تلبیة كلّ من حاجاته هذه بنحو لا یمنع من تلبیة الحاجات الأُخرى ولا یُحدث خللاً فی تكامله الطبیعی والشامل.
ان مراعاة هذه الحقیقة فیما یخص الحاجة الجنسیة وتلبیتها یقتضی أولاً: أن یحدث البلوغ الجنسی بشكل طبیعی وفی الوقت المناسب كی لا یكون مصدراً لنشوب أزمة وارتباك ولا یجرف الانسان الى هاویة الانحدار ولا یحول دون رقیه وتكامله. بناءً على هذا یتحتم تطهیر وتنقیة أجواء الحیاة والمجتمع الانسانی من
1. راجع: الاخلاق فی القرآن: ج3، ص70 وهو باللغة الفارسیة، فلسفة الحقوق: ج1، ص 215 ـ 219 وهو باللغة الفارسیة، كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 209، وهو باللغة الفارسیة.
وجود العناصر التی تؤدی الى حدوث البلوغ المبكر وتحرف الصبیة والفتیان عن الجادة الحقیقیة لرقیهم وكمالهم وتجرفهم نحو طرق الانحراف. ثانیاً: یجب أن یتلاءم سدّ هذه الحاجة بعد البلوغ الجنسی مع تلبیة الحاجات الأخرى للانسان وان لا تشغل الحاجة الجنسیة لوحدها كل فكر الانسان وعقله، لان الانسان سیصبح فی هذه الحالة مخلوقاً اُحادی البعد وحیوانیاً وسیهمل جانباً أساسیاً من حاجاته وكمالاته الوجودیة، وهذه خسارة كبرى تفضی الى انحدار الانسان.
بدیهی ان هذا الهدف وحده لیس كافیاً ولا یمكن ان یكون العلّة الوحیدة لتشكیل الحیاة الأُسریة، إذ من الممكن بلوغ هذا الهدف دون تشكیل الاسرة أیضاً.
2ـ الهدف الثانی من بناء الاسرة هو الظفر بحالة الاستقرار النفسی بین الازواج. یقول القرآن الكریم بهذا الصدد:
«وَمِنْ آیاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَیْها وَجَعَلَ بَیْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِی ذلِكَ لآَیات لِقَوْم یَتَفَكَّرُونَ».(1)
ان أیاً من الرجل والمرأة ناقص فی واقع الأمر ویحتاج الى صاحبه، وهذا النقص یرتفع بتشكیل الأسرة فیحصل الاستقرار لكلا الطرفین.
3ـ الهدف الثالث هو تبلور المودة والرحمة والعواطف المتبادلة بین الازواج. فالمودة تعنی إظهار المحبة، والرحمة نوع من التأثر الروحی والنفسی الناجم عن مشاهدة حاجة الطرف المقابل فیدفع المرء لسد هذه الحاجة. وان هذه الحالة تستمر دائماً بصورة فعل وردة فعل متبادلة بین الازواج، فتخلق عواطف عمیقة ودائمیة بینهما تثمر عن وحدة وتماسك بناء الاسرة فتسری اشعاعاتها الى الاولاد ایضاً.
وفی الحقیقة ان الله سبحانه وتعالى یشیر فی الآیة المتقدمة الى احدى الحاجات الأساسیة للانسان ذات الجذور الفطریة والتی لا تُشبع بشكل كامل إلاّ فی ظل الحیاة الأُسریة. فالانسان ـ لاسیما خلال سن البلوغ ـ یشعر بالحاجة الى مَن یبادله
1. الروم: 21.
الحب، لذا فهو یتعلق كل یوم بأحد وبعد أن یُخفق فی محبته یقصد غیره، ولیسوا قلّة الشباب الذین یضیعون أفضل مراحل حیاتهم وجانباً كبیراً من ثروة عمرهم فی هذا الأمر، وأخیراً یختارون الانزواء عن الحیاة والمجتمع وقد انهارت أعصابهم.
ینبغی الانتباه الى انه بالامكان تلمُّس الطریق الصحیح لسد هذه الحاجة واقامة العلاقة العاطفیة والعثور على المحبوب من خلال الزواج المدروس، ففی هذه الحالة یتسنى للانسان معرفة مَن علیه أن یُحب، وفی المقابل سیكون موضع حب وعشق زوجه أیضاً، وسیواصل الاثنان حیاتهما التی یملؤها الصفاء والمحبة.
بهذه الطریقة وفی اطار القواعد الاخلاقیة والقیم الدینیة سیتم اشباع هذه الرغبة العاطفیة والنفسیة العمیقة، فالعوائل التی یجری بناؤها على هذا المنوال ومن خلال الالتزام بالقواعد الاخلاقیة وفی ظل احترام القیم الدینیة السامیة تتنعم بنوع من الصفاء والمحبة والاستمتاع بالحیاة یفتقده ویجهله الآخرون.
ان الازواج فی المجتمعات التی تُباح فیها العلاقات الجنسیة غالباً ما یعانون من اضطراب نفسی ولا یحصلون على الاستقرار الضروری، فضلاً عن عدم حصول المحبّة الجدیّة والدائمیة داخل الاسرة فی هذه المجتمعات، وبالتالی سیكون هنالك شعور دائم بالنضوب العاطفی لدیهم.
4ـ الهدف الرابع والاهم من بناء الاسرة هو تلبیة حاجة الانسان للولد وتكثیر الجیل البشری. ان حب الولد حاجة فطریة، فهنالك رغبة لدى كل أب وأم بالأبوة والأمومة، وربما یمكن القول بأن هذه الرغبة أشدّ عند الأم. ان ولادة الابن تجعل الاسرة تدخل مرحلة جدیدة والأفراد الآخرون الذین یدخلون الاسرة یشكلون الجیل اللاحق الذی سیشكل لبنة كیان المجتمع فی المستقبل.
من ناحیة أخرى عندما یتكاثر أبناء المجتمع وتضعف لدیهم العلاقات الأُسریة والقرابة وتزداد الفاصلة بینهم، فان القیم الاجتماعیة هی التی تحل محل رابطة القرابة والعائلة، فتضمن وحدة وتلاحم المجتمع، انها القیم التی ركز علیها الاسلام
وأقامها على اساس عقائده ورؤاه الخاصة به، ولكن ینبغی الانتباه الى ان مهمة نقل هذه القیم والعقائد الى أبناء المجتمع فی المستقبل تقع على عاتق الاسرة، فكلما كانت الاسرة ناجحة وتُفلح فی تربیة أبناء صالحین وتقدیمهم للمجتمع سیكون مستقبل المجتمع أفضل وأكثر اشراقاً، وإذا ما حدث تقصیر فی قضیة تربیة وتكامل الاولاد فانه سیتعرض مستقبل المجتمع للاخطار.
تقسم الاعمال التی یقوم بها أفراد الاسرة لتحقیق هذه الاهداف الى نوعین أساسیین هما:
أ ـ الاعمال التی یقدر علیها كافة أفراد الاسرة، وبمقدور الجمیع على حدّ سواء ان یكونوا مؤثرین فی تحقیق هذه الاهداف بانجازهم لهذه الاعمال.
ب ـ الاعمال التی لا یقدر علیها جمیع أفراد الاسرة بل یقدر علیها بعض منهم بما یتناسب وخصائصه البدنیة والروحیة، ویخرج انجازها عن طاقة سائر أفراد الاسرة. وعلى هذا الاساس من الطبیعی ان یتبلور نوع من تقسیم الاعمال بین أفراد العائلة. فعلى سبیل المثال: ان النهوض بالدور الذی تقوم به المرأة داخل الوسط العائلی لیس فی حدود قدرة الرجل أبداً، فالمرأة وفی ضوء ما یمتاز به بناؤها الطبیعی والبدنی بإمكانها الحمل، وبعد الولادة فانّ بمقدورها تغذیة طفلها على اللبن الذی فی صدرها وتربیته فی ضوء الخصائص النفسیة للأم، لكن هذه الاعمال لا قدرة للرجل علیها وهو یتمتع بخصائص جسمیة ونفسیة أخرى.
والرجل أیضاً یستطیع فی ضوء خصوصیاته الجسمیة والنفسیة النهوض بواجبات فی اتجاه تحقیق أهداف الاسرة لا قدرة للمرأة على القیام بها. إذن الاختلاف فی دور المرأة والرجل لتحقیق أهداف العائلة یعود الى التمایز فی خصائصهما الروحیة والجسمیة.
وكتقییم كلی یمكن القول ان المرأة بشكل عام هی الاقوى من حیث المشاعر والعواطف، والرجل هو الاقوى من حیث التدبیر والتعقل، وبما أن الجو العائلی
یحتاج الى التدبیر والى التربیة معاً، فمن الطبیعی ان یحصل تقسیم الاعمال حیث یُعنى الرجل بادارة الاسرة وسدّ متطلباتها الاقتصادیة، فیما تنهض المرأة التی تطفح حباً وعواطف لابنائها ولها مقدرة اكثر على تحملهم بتربیة الابناء. بناءً على هذا ان الدراسة الدقیقة للاخلاق داخل العائلة ومعرفة الاحكام والقیم التی وضعها الاسلام فی هذا المجال رهنٌ الى حدّ كبیر بمعرفة الخصائص الجسمیة والروحیة لكلّ افراد العائلة والادوار الخاصة التی بمقدورهم النهوض بها.
بما ان الاسرة تتبوأ موقعاً مهماً جداً ومصیریاً فی صلاح المجتمع وفساده، كیف یُقیّم الاسلام دور المرأة والرجل داخل الاسرة؟ وما هی التدابیر التی یفكر بها لترصین كیان الاسرة؟
ان الدین یولی الاسرة ـ التی تعدّ الخلیة الاولى فی الحیاة الاجتماعیة ـ عنایة بالغة(1)، وهو یسعى من خلال وضع قوانین خاصة الى ترصین هذه المؤسسة الاجتماعیة المهمة والعظیمة. والاسلام یقدم سبلاً متعددة لأقامة صرح الاسرة، نوجز توضیحها فیما یلی:
1ـ یجب اشباع الغریزة الجنسیة بما تقتضیة الفطرة وفی اطار القوانین الشرعیة. فلا شك ان أیَّاً من غرائز الانسان لا تضع أمام الانسان بشكل تلقائی السبل الصحیحة والمشروعة لاشباعها، فمثلاً، ان غریزة الجوع تقتضی ان یأكل الانسان حتى یشبع، أما ما هو الغذاء، ومَنْ الذی أعدّه، وعن أی طریق جاء... الخ فهی لیست بالامور التی تحددها غریزة الجوع نفسها، وانما عقل الانسان والشرع هو الذی ینظمها بحیث یتم اشباع غریزة الجوع وتُضمن المصالح الفردیة والاجتماعیة
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 209 وهو باللغة الفارسیة.
للبشر معاً، وكذا الغریزة الجنسیة فانّ امامها طرقاً متعددة وهی لاتحدد تلقائیاً طریقاً معیناً، لكن اشباع هذه الغریزة بشكل مطلق دون قید أو شرط ممنوع منعاً باتاً فی الاسلام، وان سبل اشباعها مقیدة بالمسیر الذی تحدده الفطرة وتقتضیه المصالح الفردیة والاجتماعیة للناس جمیعاً.
بناءً على هذا، فان الاسلام وكخطوة اولى واساسیة للحفاظ على الاسرة یوجب من ناحیة اشباع الغریزة الجنسیة بشكل مقنن من الجنس المخالف بما تقتضیه الفطرة، ویمنع ویحرم الشذوذ الجنسی، ومن ناحیة اخرى یحدد التمتع بالجنس المخالف بما یجری فی الاطار القانونی والشرعی، فالاصل هو ان تُشبع الغریزة الجنسیة تحت ظلال الجو العائلی القانونی وهو «الزواج»(1)، وعلیه فان العلاقة الجنسیة المتحللة ـ الزنا ـ محرمة، سواء كان بممارسة السفاح مع الفاجرات الشهیرات، أو من خلال ما یعرف الیوم بالصداقة(2) أی ان یرتبط رجل وامرأة بعلاقة دون ان یكونا زوجین بشكل شرعی وقانونی، وقد یمتد هذا الأمر سنین طوالا دون أن تعرف المرأة على انها فاجرة.
2ـ ان القرآن یوصی المرأة والرجل بان یتصدیا للاعمال بما یتناسب مع كلّ منهما، وهذا الأمر له تأثیر فعال فی تماسك الحیاة الأُسریة، فبحكم العقل والشرع یجب فی كل مجتمع ـ صغیراً كان ام كبیراً ـ إناطة كل عمل بمن له القدرة على انجازه افضل من غیره، ومن الطبیعی ان یكون لكل من المرأة والرجل حقوق وصلاحیات ازاء الواجبات والمسؤولیات التی یتحملها.
ان اهم الاعمال التی تتخلل الحیاة العائلیة عبارة عن:
أـ الحمل، وهی مهمة ألقیت على عاتق المرأة بحكم التكوین ولیس بأمر
1. هناك مورد واحد فحسب یُسمح فیه بالارتباط الجنسی مع امرأة لیست زوجة شرعیة وهی المرأة المملوكة (ملك الیمین).
2. ورد فی القرآن مصطلح «اتخاذ خِدن» أی الصدیق من الجنس المخالف أو ما یسمى فی مجتمعنا الصدیقة أو الصدیق.
تشریعی، وبالنتیجة فهی تعد مهمّة المرأة وتخرج عن اطار بحثنا.
ب ـ الرضاعة، وهی كالحمل من حیث عدم قدرة الأب علیها، ولكن بما ان المرأة من الناحیة التكوینیة بامكانها ان ترضع طفلها أو لا ترضعه فهی لیست كالحمل، ولا یخفى ان الطفل لا یحتاج بشكل ضروریّ وحیوی لحلیب الأم بحیث انه یموت إن لم تُرضعه، بید ان كافة ذوی الاختصاص یقولون بان افضل غذاء للرضیع هو حلیب المرأة لاسیما حلیب الأم، إلا فی حالات استثنائیة من قبیل مرض الأم. اذن مقتضى الطبیعة ان ترضع الأم طفلها بنفسها، لكن الله لم یُلزم الأم بهذه المهمة غیر السهلة نوعاً ما، وانما وصاها بهذا العمل اخلاقیاً(1) واجاز لها ان تطالب بالاجر ازاءه.
ج ـ ان الحضانة ورعایة الطفل وان كانت لیست مستحیلة بالنسبة للرجل وهی تقع على عاتقه فی بعض الحالات مثل مرض الزوجة أو وفاتها أو انفصالها أو لاسباب عدیدة اخرى، لكن لا شك فی انها اكثر سهولة بالنسبة للأم. اذن الحكمة تقتضی بان تطالب المرأة بهذا العملـ لیس تكلیفاً بالطبع ـ وفی هذه الحالة یجوز للمرأة ان تطالب بالأجر أیضاً.
د ـ بالرغم من ان رعایة البیت تقع فی كافة المجتمعات على المرأة إلاّ انها لیست واجباً علیها فی نظر الاسلام، فاذا ما تطوعت للعمل عن رغبة واندفاع أو قبلت به شرطاً فی العقد فبها ونعمت، وإلا فبامكانها المطالبة بالأجر.
ان مهمة الرضاعة ورعایة الطفل ورعایة البیت كلّها أمور یعترف الجمیع بان المرأة اكثر استعداداً للقیام بها، ومن الناحیة الشرعیة تُطالب بها كأمر استحبابی واخلاقی ولیس فریضة.
هـ ـ من ناحیة اخرى ان الرجل مُلزمٌ بتكالیف واجبة ومستحبة اهمها تسدید نفقات معیشة الزوجة والولد، فیجب على الزوج تسدید نفقات اطعام زوجته وملبسها ومسكنها وسائر شؤونها الضروریة، سواء كانت ذات طفل أو لم تكن، ولا
1. البقرة: 233.
ینبغی التوهم بان الانفاق على المرأة العقیم أو المریضة أو المعاقة لیس واجباً على الزوج بسبب عدم قیامها بمهمة الحمل أو الارضاع أو رعایة الطفل أو العمل فی البیت، لأن المُلاحظ على الدوام اثناء سن الاحكام والقوانین الاجتماعیة وتحدید حقوق الناس وواجباتهم هی الاوضاع والظروف السائدة والغالبة، ویُغض الطرف عن الحالات الاستثنائیة.
اذا ما كان الانفاق على المرأة واجباً على الزوج فان الانفاق على الاولاد واجب من باب أولى(1).
وفی ازاء هذا التكلیف الواجب الصعب یجب العمل بحیث تتاح امكانیة النشاط الاقتصادی امام الرجل اكثر من المرأة(2)، فالاسلام من ناحیة جادٌ فی دعوته بان یكون الكیان الأُسری متماسكاً، ومن ناحیة اخرى فانّه یخطط لأسرة تلتزم المرأة فیها بارضاع الولد وحضانته ورعایة البیت فیما یتولى الرجل الانفاق على افراد الاسرة، من هنا یتعین على هذا الدین العمل كی یستطیع الرجل النهوض بعملیة الانفاق بحیث لا تُضطر المرأة للقیام بالنشاط الاقتصادی لیتسنى لها انجاز الاعمال التی تعهدت بها على احسن وجه. فی هذه الحالة فقط سیكون النظام العائلی متلائماً وثابتاً.
3ـ ان نصیب الرجل من الارث ضعف المرأة(3). فالاسلام بتشریعه لنصیب اكثر من الارث بالنسبة للرجل یضع تحت تصرفه ثروة اكثر كی تزداد امكانیته فی العمل الاقتصادی، ومن خلال ذلك یزداد دخله وهذا ما یجعل الرجل قادراً على تكفل الانفاق على اسرته.
ان المجتمعات الغربیة والمعاصرة لا تُلزم الرجل بالانفاق على الاسرة، وتطالب
1. ومن بین ذلك تسدید نفقة الرضاعة وحضانة الطفل اذا طالبت الأم بالأجر.
2. بالرغم من ان بعض النساء ارامل ومجبرات على توفیر معاشهن وبعضهن یردن العمل خارج البیت وما شابه ذلك، فان الرجل فی كافة المجتمعات لاسیما فی المجتمع الذی ینشده الاسلام یتقدم على المرأة فی تولی الانفاق والعمل الاقتصادی.
3. فی بعض الموارد یفوق ارث المرأة إرث الرجل أو یساویه، لكن هذه الموارد قلیلة.
المرأة بالعمل فی المجال الاقتصادی بذریعة استقلال المرأة اقتصادیاً وتعمل على اكتساب نفقة معیشتها، وانهم یتصورون انهم قد أسدوا خدمة للمرأة، بینما هذا الأمر یمهد لزعزعة وانهیار كیان الاسرة.
4ـ ان ادارة المنزل مسؤولیة الرجل: بما ان الرجل اكثر قدرة على التعقل والتدبیر من المرأة وهو الذی یتحمل مسؤولیة الانفاق فمن الطبیعی ان یكون الرجل هو الاصلح لادارة الاسرة، لأن الكثیر من الشؤون الاداریة تختص بالشؤون الاقتصادیة والمالیة أولاً؛ وان قدرة تدبیر الرجل اكثر ثانیاً. وبطبیعة الحال ان التعاون والتنسیق والتشاور وما شابه هذه الامور فی الحیاة الجماعیة ضروریة، لكن الحدیث یدور حول اتخاذ القرارات النهائیة فیجب ان توكل الى الرجل. والقرآن الكریم یشیر الى هاتین المیزتین فی الرجل وینیط به ادارة البیت:
«الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْض وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ...»(1).
ولیست مستبعدة امكانیة تعمیم الملاحظة فی هذه الآیة وهذا البحث، والاستنتاج بان الرجل ونتیجة لتفوقه فی التعقل والتدبیر فهو الاجدر للادارة على صعید المجتمع أیضا.
5ـ واخیراً فان الخطوة السادسة التی تأتی لترصین كیان الاسرة هی اذا ما بلغت الخلافات والخصومات العائلیة حداً یزول معه الامل بالاصلاح والتحسن، فان الذی بیده اتخاذ القرار بشأن فرط عقد العائلة أو الطلاق هو الرجل، وإن كان بامكان المرأة الامساك بحق الطلاق عبر طرق من قبیل الاشتراط ضمن العقد أو التنازل عن المهر.
ان الاسلام ومن خلال التدابیر الآنفة الذكر یمهد الظروف الضروریة لترصین وتماسك الكیان الأُسری.
* * * * *
1. النساء: 34.
سؤال: بماذا یوصی القرآن حول الزواج والمرأة والولد؟ وهل الفقر یحول دون الزواج ویعتبر عذراً مبرراً؟ ألا یتحمل الإنسان مسؤولیة ازاء العزّاب من الفتیات والفتیان؟
جوابه:(1) ان القرآن الكریم یؤكد على الزواج وبناء الاسرة، ففی الآیة 74 من سورة الفرقان یتحدث عن احدى صفات عباد الرحمن بما یلی:
«وَالَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّیّاتِنا قُرَّةَ أَعْیُن وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِینَ إِماماً».
فاستناداً لبیان هذه الآیة الكریمة ان من صفات المرموقین والنموذجبین من الناس هی انهم یطلبون من الله الازواج والاولاد، وبعبارة اخرى ان الانسان المرضی عند الله هو من یولی اهتماماً لأمر اسرته وزوجته وولده بالاضافة الى ما یتمیز به من صفات حسنة اخرى(2). یقول تعالى فی موضع آخر:
«وَأَنْكِحُوا الأَْیامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِینَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ یَكُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ»(3).
من الامور المهمة جداً والتی تستفاد من هذه الآیة الكریمة هو ان الله جل وعلا وبایراده لكلمة «أَنْكِحُوا» بدلاً من «إنكِحوا» یأمر بالاضافة الى الزواج الذی یعد أمراً محبباً ومستحباً، بتزویج العزاب من الفتیات والفتیان. ان عبارة «أَنْكِحُوا» تشابه عبارة «أَقِیمُوا» و«وَلا تَحَاضُّونَ» و«وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ» وما شابه ذلك. ففی جمیع هذه الموارد لا یقول القرآن: تزوجوا، صلّوا، اعینوا الفقراء، أو قولوا الحق واصبروا، بل یوصی: أحیوا أمر الزواج والصلاة وإعانة الفقراء والعمل بالحق
1. كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 210 وهو باللغة الفارسیة.
2. ذُكرت صفات عباد الرحمن فی الآیات الاخیرة من سورة الفرقان.
3. النور: 32.
والصبر واشیعوه، وتَواصوا فیما بینكم وتَحاضّوا على هذه الأمور. وبعبارة اخرى ان كل انسان مكلف بواجبین: احدهما مسؤولیة العمل بالواجب، والثانی مسؤولیة حضّ الآخرین على العمل به، ففضلاً عن انه یجب على كل رجل أو امرأة ان یتزوج، یجب علیه ان یفكر بمن لم یتزوج بعد من الرجال والنساء أیضاً، أی یسعى الى ازالة العراقیل التی تعترض طریق زواجهم. ان عدم شعور غالبیة ابناء مجتمعنا بمثل هذه المسؤولیة ناجم عن غفلتهم عن المعنى الدقیق لتوصیة القرآن.
على كل انسان مسؤولیة الحیلولة قدر المستطاع دون وجود اعزب من الرجال أو النساء فی المجتمع، وینبغی ان ینطلق هذا العمل من داخل الوسط العائلی ثم یسری الى الاقرباء والاصدقاء والجیران ومن ثم التوجه نحو سائر افراد المجتمع، ومن باب التأكید على الموضوع یصّرح تعالى بان لا یصبح فقر الرجل أو المرأة حائلاً دون الزواج، فلا الرجل ینبغی له أن یقول: لست املك مالاً الآن ولا قدرة لی على توفیر نفقة العائلة، ولا المرأة ینبغی لها أن تقول: ان هذا الرجل یمر بضائقة مادیة ولست أقدر أو لا أرید ان أكون زوجة له، ان مثل هذه الاعذار والحجج غیر مقبول.
ان التربیة الاسلامیة تتطلب ان یتوكل الرجل والمرأة على الله، وان یبذلا فی نفس الوقت اقصى جهودهما للحصول على مقومات الحیاة واسبابها عن الطریق المشروع كی یعیشا حیاة عفیفة وكریمة. واذا ما كانت الظروف والاوضاع لا تساعد بحیث لا یتعذر الزواج الدائم فحسب بل المؤقت(1) وكذلك الزواج بالجاریة ان وجدت(2)، اذ ذاك یتعین التزام العفة وانتظار سنوح الفرصة التی تتهیأ فیها مقومات الزواج، واستمراراً لآیة الانكاح یأمر القرآن بهذا الأمر فیقول:
«وَلْیَسْتَعْفِفِ الَّذِینَ لا یَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى یُغْنِیَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ...»(3).
على أیة حال، لقد سعى الاسلام كثیراً لئلا یبقى أعزب أو عزباء فی المجتمع.
* * * * *
1. النساء: 24.
2. النساء: 25.
3. النور: 33.
سؤال: لماذا یسمح الاسلام والقرآن للزوج بضرب زوجته؟ وهل یمكن تطبیق هذا الحكم فی المجتمعات المعاصرة وفی الوقت الراهن بالذات؟ ألیس ضرب المرأة امتهاناً لها ویتنافى مع شأنها الانسانی؟
جوابه: (1)ان الخلافات العائلیة والخصومات بین المرأة والرجل من بین القضایا التی حظیت باهتمام القرآن الكریم، من هنا فقد خصصت لها عدة آیات. مما یؤسف له ان الخلافات العائلیة قامت على الدوام داخل العوائل بدرجات متباینة منذ صدر الاسلام حیث لم یكن المسلمون قد استوعبوا التعلیم والتربیة الاسلامیة بعد كما ینبغی ویجب، وحتى یومنا هذا حیث تأثر المسلمون فی جمیع ارجاء العالم نوعاً ما بالثقافة المادیة والمنحطة فی الغرب وتناسوا تعالیم الاسلام وتربیته ولم یعملوا بها، فحرمت أُناساً أو قلّلت حظوظهم من الصفاء والحب الاُسری. وبما ان القرآن الكریم یهتم كثیراً بترسیخ وترصین دعائم الاسرة، فهو یسعى بما تیسر من السبل لئلا یدبّ الاختلاف والفرقة الى هذه المؤسسة الاجتماعیة.
من اسباب إثارة الاختلاف داخل الاسرة هو النشوز، أی تمرد المرأة فیما یخص تمتع الزوج بها جنسیاً. ینبغی الانتباه الى ان من اهم حقوق الرجل داخل الاسرة هو حقه فی الاستمتاع الجنسی بزوجته، كما أنّ للزوجة مثل هذا الحق أیضاً، من هنا فان من الواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق المعیَّن والثابت للرجل والاذعان له.
ان المرأة التی تأبى التسلیم والتمكین فیما یخص هذا الأمر انما تكون قد تمردت على الحكم الالهی. ومثل هذا الاختلاف لیس على غرار الاختلاف فی السلیقة أو
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 211 وهو باللغة الفارسیة.
الذوق، بل ان أحد طرفی النزاع یحاول هنا التمرد على القانون، وهذا لیس بالأمر الذی یسهل التغاضی عنه. وبالرغم من ذلك، بما ان القرآن الكریم یسعى بكل ما أوتی من قوة لتقلیص الخلافات العائلیة وازالتها بأفضل السبل فهو لا یجیز اللجوء للقسوة فی هذا المجال أیضاً. یقول القرآن الكریم:
«وَاللاّتِی تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً»(1).
تلاحظون هنا، ان الزوج المحروم من اهم حقوقه واكثرها بداهة لا یمكنه الاساءة واستخدام العنف مع زوجته التی تحرمه من حقه خلافاً للقانون. فلابد أولاً من وعظها بالكلام اللین والقول الحسن علَّها تُقلع عن هذا الفعل الخاطئ، فاذا لم تنجد الموعظة معها یقوم بهجرانها وفصل مضجعه. واذا لم یؤثر هذا التأدیب النفسی والعذاب الروحی فلیس امام الرجل سوى ثلاث سبل: الاولى ان یواصل حیاته المشتركة مع زوجته دون التمتع بأهمّ حقوقه واكثرها بداهة، ومن الواضح ان تجرع مثل هذا الحرمان عادة ما یكون متعذراً ولیس مناسباً. والثانی ان یطلق زوجته وهذا یعنی انهیار الكیان الأُسری بما یتبعه من خسائر فادحة. واخیراً فان القرآن الكریم ـ وبما ان الطلاق أبغض الحلال ـ یلجأ الى آخر سهم فی جعبته عسى ان لا تنهار الأسرة، وهو أن یقوم الزوج بتأدیب زوجته بدنیاً. ولهذا السبیل الثالث شروطه وحدوده ـ بطبیعة الحال ـ الواردة فی كتب الفقه. منها ان لا یُجرح البدن أو یَسوّدَ أو یصبح أزرق اللون، وكما یقول المثل المعروف «الضرب بعود النعناع» أی یكون خفیفاً ورقیقاً. فاذا ما أثَّر بها مثل هذا الضرب وسلكت المرأة طریق التمكین فبها ونعمت وبهذه الحالة لم یعد لدى الرجل أی حق یتذرّع به. ان ضرب المرأة ـ بهذه المواصفات ـ هو فی الحقیقة بمثابة آخر الدواء الذی یوصف للحیلولة دون تدمیر الكیان العائلی.
1. النساء: 34.
لقد اضحت هذه الآیة الكریمة احدى اهم ادوات اعداء الاسلام لتضلیل المسلمین لاسیما الشباب والنساء، فمنذ أمد بعید وهم یسعون على امتداد البلدان الاسلامیة وغیر الاسلامیة ومن خلال كتابة القصص القصیرة والطویلة، والقصص المسرحیة والتصویریة وعرضها أو توزیعها، الى عرض الاسلام على أساس انه دین یحث الرجال على ضرب النساء وجرحهن وكسر اطرافهن وتعذیبهن وبذلك یُنفّرون الناس عن هذا الدین!
فی عهد الحكومة البهلویة المعادیة للاسلام فی ایران فقد الكثیر من الشباب المسلم حماسه وحمیته الدینیة نتیجة الدعایات المضللة التی كانت غالباً ما تنطق من سفارات الدول الشیوعیة مثل الاتحاد السوفیتی والصین، وعلى اثر ضعف معتقداتهم الدینیة اصبحوا لقمة سائغة للشیوعیة وسائر المذاهب المادیة.
ولكی لا نتجاوز الحق فعلینا ان نعترف بأنّ ما یضاعف من تأثیر مثل هذه الدعایات اضعافاً مضاعفة هو افعالنا المنافیة للاسلام نحن المسلمین. فللأسف مازال الرجل فی الكثیر من العوائل المسلمة وطبقاً لما هو رائج ـ وخلافاً للموازین الشرعیة ـ یطالب المرأة بالقیام بأعمال لم یعهد بها الدین الیها، وربما یمارس الضرب والسب بسبب مثل هذه الممارسات. فلو كنا نحن المسلمین نلتزم بالموازین الشرعیة لما نجح اعداء الاسلام الى هذا الحد فی تشویه صورة هذا الدین العزیز الالهی.
ان المنهج الذی یقترحه القرآن هو الاكثر واقعیة وعقلانیة وإثماراً وعدالة للحیلولة دون النشوز والطلاق، فلماذا یُعطل هذا المنهج؟ كما ان للرجل الحق فی اتباع هذا الاسلوب أیضاً لتربیة ولده، فقد ورد فی الروایات: اذا ما بدر من ولدك عمل قبیح فاهجره أولاً ولكن لا تُطل هذا الهجران وعجِّل بمصالحته، واذا ما انحصر سبیل اصلاحه بالضرب فاضربه ضرباً قلیلاً وخفیفاً بحیث لا یصاب بكسر أو جرح بل لا یزرّق الجلد أو یحمر، وبمقدار ان یفهم بان خطأً أو معصیة قد صدرت منه وینبغی ان لا تتكرر. یقول تعالى فی الآیة اللاحقة:
«وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَیْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ یُرِیدا إِصْلاحاً یُوَفِّقِ اللّهُ بَیْنَهُما إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِیماً خَبِیراً»(1).
استناداً لهذه الآیة، اذا ما رأى ذوو كل اسرة واقرباؤهم تفاقم الخلافات بین المرأة وزوجها بما یُخشى منه ان یؤول الى العداوة والانفصال، فهم مكلفون بان یقیموا محكمة عائلیة ویختاروا حكمین من أقارب كلا الطرفین للمصالحة بین الزوجة والزوج.
وربما یكون نشوز الرجل أو تمرده سبباً فی اثارة الخصام داخل الاسرة. هنا یقول القرآن:
«وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَیْهِما أَنْ یُصْلِحا بَیْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَیْرٌ»(2).
یدل لحن هذه الآیة الكریمة على ان المراد من «الصلح» هو الصلح الذی یجری بتنازل المرأة عن بعض حقوقها الزوجیة، أی لكی تستقطب المرأة استئناس زوجها وموافقته وتحول دون وقوع الانفصال والطلاق فمن الافضل ان تغض الطرف عن بعض حقوقها.
* * * * *
1. النساء: 35.
2. النساء: 128.
سؤال: هل ان كلاً من الرجل والمرأة مستقل داخل الاسرة فی الایمان والكفر أم ان أحدهما یتبع الآخر فی هذه القضیة؟
جوابه: كما هو مستفاد من الآیات القرآنیة فان المرأة والرجل لیسا مرتبطین بالضرورة مصیریاً مع بعضهما بالایمان أو الكفر، بل ان كلاً منهما یعمل وفق ارادته واختیاره، وكذلك الاولاد فهم مستقلون بهذا الأمر أیضاً. فقد یكون امرأة ورجل صالحین أو فاسدین معاً فی اسرة واحدة، وربما یسیر الاثنان باتجاهین متعاكسین فتكون المرأة صالحة والرجل فاسداً أو بالعكس (1)، وهذه الحالات الاربع ممكنة وقد وقعت وذُكرت نماذج منها فی القرآن.
ان آدم وحواء، ابراهیم وسارة، زكریا وزوجته، عمران وزوجته ـ والد ووالدة مریم(علیها السلام) ـ ، موسى وبنت شعیب، نماذج فیها الاثنان صالحان (2).
وابو لهب وزوجته، نموذج المرأة والرجل الفاسدین معاً(3).
وفرعون وزوجته نموذج الرجل والزوجة اللذین یسلكان طریقین مفترقین، فالمرأة تتجه نحو الصلاح والرجل یتجه نحو الفساد(4). وبالعكس فان نوحاً ولوطاً وزوجتیهما نماذج للمرأة الفاسدة والرجل الصالح(5).
من امكانیة وقوع هذه الحالات الاربع ندرك ان المرأة لا ارتباط لها من الناحیة النفسیة والمعنویة بأی رجل حتى زوجها، فبوسعها ان تكون مثل آسیة ـ زوجة
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 207 وهو باللغة الفارسیة.
2. راجع: البقرة: 35 و36، آل عمران: 35 و36 و40، هود: 71 ـ 73، القصص: 23 ـ 28.
3. المسد: 3 ـ 5.
4. التحریم: 11.
5. التحریم: 10.
فرعون ـ فتعیش فی اردء بیئة وبالرغم من ذلك تبقى محافظة على طهارتها وعفتها، وبامكانها أیضاً ان تعیش كامرأتی نوح ولوط فی أقدس البیوت وترتبط بأقدس الناس لكنها تنغمس فی مستنقع المعصیة.
* * * * *
سؤال: ان الغریزة الجنسیة من الغرائز الطبیعیة فی الانسان، هل ان اشباع هذه الغریزة أمر مباح مطلقاً وبأی طریقة كانت فی نظر القرآن والاسلام أم ان له قیوداً؟ وما هی القیود لممارسة الغریزة الجنسیة؟
جوابه:(1) من طرق استمتاع الانسان هی علاقته بزوجته واشباعه لغریزته الجنسیة. وان اصل وجود هذه الرغبة ـ كما هو شأن سائر الرغبات والمیول الباطنیة ـ أمر فطری ومن لوازم البناء الروحی للانسان، وهی لا تنطوی تلقائیاً على قیمة اخلاقیة ایجابیة أو سلبیة، بل لابد من النظر فی كیفیة وحجم اشباع هذه الرغبة والوجهة فی ممارستها. وبطبیعة الحال من الناحیة الفلسفیة ان كل شیء یتمتع بالوجود ـ سواء كان اختیاریاً أم لا ـ هو خیرٌ فی نفسه، غیر ان الخیر الفلسفی یختلف عن ما یصطلح علیه بالخیر الاخلاقی.
یستفاد من الآیات القرآنیة الكریمة ان هذین الجنسین المخالفین خُلقا لبعضهما واحدهما یكمّل الآخر، وان مقتضى فطرة الانسان هی ان كلاً منهما یمیل للجنس المخالف له ویتخذ منه مصدر سكینة له ویستمتع به بنحو یكون معه عاملاً فی تكثیر النسل ولا تترتب علیه مفسدة.
وفی نظر الاسلام فان ممارسة هذه الغریزة تخلو من القیمة السلبیة حینما تراعى فیها ثلاثة انواع من القیود هی:
أـ القیود الفطریة: فالمیل نحو الجنس المماثل مخالفٌ للفطرة ولنظام الخلقة فی نظر القرآن الكریم ویعد نوعاً من الشذوذ فی الشهوة الجنسیة. بناءً على هذا اذا ما انحرف أُناس عن المسیر الطبیعی لدى اشباع الشهوة الجنسیة وسلكوا طریقاً آخر،
1. الاخلاق فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، ج 2، ص 239 وهو باللغة الفارسیة.
فان لاشباع الغریزة الجنسیة بهذا الشكل قیمة سلبیة ویكون قد زاغوا عن الصراط المستقیم وجادة الفطرة.
وقد جرى التأكید فی القرآن الكریم وفی ثلاثة مواضع على اقل تقدیر لدى الحدیث عن قصة قوم لوط المعروفین باللواط، على قبح هذا العمل وانحرافهم عن صراط الفطرة. فقد ورد فی احدى هذه الآیات:
«وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ»(1).
جاء فی هذه الآیة التعبیر بـ «ما خلق لكم» أی خلق لكم ازواجاً من الجنس المخالف، وعلیه فان مقاربة الرجل للرجل والمرأة للمرأة خلاف الخلقة الالهیة. وفی الآیتین 80 و81 من سورة الاعراف یوصف هذا العمل بـ «الفاحشة» و«الاسراف»(2).
ب ـ القیود الاجتماعیة: ان ما یصبح سبباً فی القیمة السلبیة لدى اشباع الرغبات والشهوات هو التزاحم الذی یحصل مع بعض الرغبات الاخرى، ومن خلال تقییم ونتائج الجمع بین هذه الرغبات ستتضح قیود وحدود كل واحدة من الغرائز.
وفی بعض الحالات یستطیع الانسان اكتشافها ومعرفة حدود كلّ منها عن طریق مدركاته البسیطة والعقلیة، ولكن فی اغلب الحالات وحیث لا نمتلك احاطة بموارد التزاحم وآثارها السیئة، فلا قدرة لنا على تحدید مواردها بدقة، وهنا یقوم الوحى بدوره الحیوی ولكن المنشأ الحقیقی على أیة حال هو التزاحم.
ان المصالح الاجتماعیة للانسان تقتضی ان تكون حیاته بشكل عائلی وفی اطار الزواج. ویجب ان تخضع العلاقات بین المرأة والرجل للسیطرة ولمعاییر خاصة، ویجب ان یكون لزوج المرء لون من الاختصاص به وفی هذه الحالة سیكون سبباً فی قیام مصالح عدیدة ودفع اخطار جسیمة.
من بین المصالح الاجتماعیة هو المحافظة على نسل الانسان من خلال تشكیل
1. الشعراء: 166.
2. راجع كذلك: النمل: 55.
الاسرة، ومن ثم ستترتب الكثیر من القضایا الاجتماعیة على تشكیل الاسرة والمحافظة على النسل من قبیل الارث، والانفاق، والتربیة وسائر المسؤولیات التی یتحملها الاب والام ازاء الولد، أو المهر والنفقة والاستمتاع والطاعة والمسؤولیات التی یتحملها كلٌّ من الزوجین ازاء صاحبه. فمن الواجب مراعاة كافة هذه المسؤولیات بدقة كی یغدو المجتمع مجتمعاً انسانیاً، وتتهیأ الارضیة لتنامی العواطف والفضائل الانسانیة والمحبة والتضحیة والطهارة فیه، وفی المقابل تزول مقومات تنامی الفساد والانحراف والامراض الجسدیة والنفسیة، وانهیار العواطف الانسانیة والانحدار فی الحیاة الحیوانیة.
ان القوانین الالهیة هی التی تحدد الشروط المختلفة للزواج الشرعی وحدوده وذاك ما ورد فی الرسائل الفقهیة. ونورد آیة واحدة حول هذا النوع من القیود هی:
«وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ * فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ»(1).
ج ـ القیود الشرعیة والاخلاقیة: فقد لا توجد قیود فطریة أو اجتماعیة، ولا مؤاخذة فی اصل الزواج من الجنس المخالف، ولكن ثمة حالات وظواهر تفرز قیمة سلبیة، فهنالك حدود فی الزواج من الجنس المخالف مثل حرمة نكاح المحارم، وكذلك هنالك قیود فی الاستمتاع الجنسی بالزوجة القانونیة والشرعیة أیضاً من قبیل فترة الحیض الشهریة.
ورد تفصیل هذه الاحكام وتفرعاتها فی الرسائل العملیة للمراجع العظام لا یسمح المجال لذكرها هنا، ونحیل القارئ الكریم الى المصادر المتوفرة(2).
* * * * *
1. المؤمنون: 5 ـ 7.
2. مقتبس عن الجزء الثانی من الاخلاق فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، فصل الغریزة الجنسیة فی الزواج.
سؤال: وردت فی القرآن وصایا بشأن اخلاق النساء، فما هی اهم تعالیم القرآن للنساء؟
جوابه:(1) ان اول وصایا القرآن للنساء هو الالتزام بالحجاب وقد ورد فی عدة آیات. نقرأ فی الآیة 31 من سورة النور:
«وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَیَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُیُوبِهِنَّ وَلا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِی إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِی أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَیْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِینَ غَیْرِ أُولِی الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِینَ لَمْ یَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفِینَ مِنْ زِینَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِیعاً أَیُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».
كما ورد فی الآیة 59 من سورة الاحزاب:
«یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لأَِزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْنَ وَكانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِیماً»
الآیة المتقدمة تتضمن وصایا للنساء للالتزام بالحجاب، بید ان الله سبحانه وتعالى یوصی الرجال أیضاً ـ فی هذا المجال ـ بان یرعوا حرمة النساء لاسیما نساء النبی، فیقول:
«وَإِذا سَأَلُْتمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجاب ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ...»(2).
1. راجع: الاخلاق فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، ج 3، ص 88 وهو باللغة الفارسیة.
2. الاحزاب : 53.
الآیتان الاخیرتان نزلتا بشأن زوجات النبی(صلى الله علیه وآله) لكنّ أیاً منهما لا تختص بهنّ، فالحجاب أمر مشترك بین نساء المسلمین كافة، فضلاً عن ان عبارة «ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ» فی الآیة الاخیرة تبین علّة الحكم ومن الممكن تعمیمها على كافة النساء. وعلیه فقد الزمت الآیة الكریمة الرجل المسلم ان یحترم حجاب النساء الاجنبیات.
الوصیة الثانیة للنساء هی ان یقلّلن من الاختلاط بالاجنبی، وبالطبع اذا ما ترددت المرأة على الاسواق وهی محافظة على حجابها الشرعی فانّها لا تُلاحق شرعیاً الاّ ان یجر ذلك الى الفساد والفحشاء. أما من الناحیة الاخلاقیة فان المرأة المسلمة مكلفة بأن تبتعد عن الرجل الاجنبی وتسعى لان یقتصر عملها على البیت.
وقد تطرأ حالات خاصة احیاناً فتتطلب المصالح الاجتماعیة والسیاسیة مشاركة النساء فی المجتمعات، وفی هذه الحالة یتعین ان یكون تجمع النساء بمعزل عن الرجال قدر الامكان، فاختلاط المرأة بالرجل الاجنبی ـ لاسیما اذا كانت المرأة متبرجة ـ له قیمة اخلاقیة سلبیة فی نظر الاسلام. یقول القرآن الكریم:
«وَقَرْنَ فِی بُیُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الأُْولى...»(1)
الوصیة الثالثة للنساء مراعاة الحیاء، والحیاء یعنی ان الانسان ولخشیته من التلوث بالمعصیة فهو ینأى بنفسه عن مظان التلوث بالمعصیة. وعلیه لا یمكن تسمیة عدم المواجهة أو ضعف النفس بانه حیاء. یقول القرآن الكریم فی قصة بنات شعیب:
«فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِی عَلَى اسْتِحْیاء...»(2).
یستفاد من هذه الآیة ان للحیاء قیمة اخلاقیة متمیزة بالنسبة للنساء.
الوصیة الرابعة للنساء هی التحلی بالوقار والرصانة حین الحدیث مع الرجال، وان لا یكون كلامهنّ بنحو یثیر لدیهم الشهوة. یقول تعالى بهذا الصدد:
1. الاحزاب: 33.
2. القصص: 25.
«فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً»(1).
المخاطب فی هذه الآیة نساء النبی(صلى الله علیه وآله) ولكن من المسلَّم به انها وصیة اخلاقیة یُرجح اخلاقیاً الالتزام بها بالنسبة لكل امرأة مسلمة.
* * * * *
1. الاحزاب: 32.
سؤال: وردت احكام خاصة فی القرآن حول نبی الاسلام ونسائه، ما هی هذه الاحكام وما هی الحكمة منها؟
جوابه:(1) فی ضوء الشخصیة الفذة التی یتمتع بها نبی الاسلام الاكرم(صلى الله علیه وآله) فی عالم الخلق، وعلى اساس المصالح التی نجهلها ویعلمها الله، فقد كان یتمتع بمجموعة من الحقوق والواجبات الفردیة والعائلیة والاجتماعیة التی تختصّ به ولم یكن یشاركه بها أیٌّ من المسلمین. وقد ورد بعض هذه الموارد فی آیات القرآن وهی ناظرة لنساء النبی ومنها:
1ـ اذا ما ارتكبت أیٌّ من نسائه عملاً قبیحاً سیكون عذابها مضاعفاً. «الاحزاب / 30».
2ـ ایّ واحدة تطیع الله ورسوله من نسائه وتعمل صالحاً یضاعف لها الاجر. «الاحزاب / 31».
3ـ یجوز للنساء ان یهبنَ انفسهن للنبی(صلى الله علیه وآله) ولا یجوز ذلك لغیر النبی(صلى الله علیه وآله)«الاحزاب / 50».
4ـ لا یجوز لغیره(صلى الله علیه وآله) الزواج بأكثر من اربع فی آن واحد «الاحزاب / 52».
5ـ (2)یستفاد من مجموع هذه الاحكام الخاصة ان النبی الاكرام(صلى الله علیه وآله) یتمتع بمكانة مرموقة لدى الله سبحانه وتعالى، وعلى اساس تلك الخصائص بلغ النبوة والرسالة ونزل علیه الوحی، وانیطت به مسؤولیة هدایة البشر. ومن ناحیة اخرى
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 211 وهو باللغة الفارسیة.
2. هنالك حقوق وواجبات خاصة اخرى أیضاً ورد بعضها فی القرآن. الاحزاب: 28 ـ 35 و50 ـ 53.
فقد جُعلت له(صلى الله علیه وآله) حقوق وامتیازات خاصة، وما نحن منه على یقین هو ان الله حكیم وعلیم وان الافعال الالهیة والاحكام السماویة لا تخلو من مصلحة أبداً، ولكن ما هی الحكمة على وجه الدقة؟ لا علم لنا، والله العالم.
* * * * *
سؤال: ما هی اسباب ظهور وتنامی حركات الدفاع عن المرأة فی العالم المعاصر لاسیما فی البلدان الغربیة؟
جوابه:(1) لقد قام الباحثون بدراسات واحصوا الاسباب فی هذا المجال، ویمكن القول على نحو الاجمال بان هنالك ثلاثة اسباب كان لها بالغ الاثر فی ظهور وتنامی حركات الدفاع عن المرأة هی:
1ـ نزوات الرجال وشهواتهم: لا شك فی ان النساء فی ایّ من المجتمعات والحضارات البشریة لاسیما فی ظل الانظمة الدینیة كنَّ یلتزمن نوعاً ما بقیود من قبیل «الحجاب». فانبرى عبّاد الشهوة من الرجال فسلخوهنّ من تلك القیود واخرجوهن من البیوت تحت عناوین خداعة مثل «حقوق المرأة» و«حریة النساء»، لیتسنى لهم اشباع المزید من نزواتهم الحیوانیة.
2ـ استغلال النساء اقتصادیاً: بعد الثورة الصناعیة فی بلاد الغرب هبَّ التجار واصحاب الاعمال للبحث عن القوى العاملة الزهیدة الأجر، وبما ان النساء كنَّ فی تلك البلدان حتى ذلك الیوم یفتقرن للدخل. فكان من الطبیعی ان یقبلن بان یدفع لهن أجرٌ اقل من الرجال، فانبرى اصحاب المصانع لاستغلال هذا الوضع، فكانت الشعارات مثل «یجب ان تتحرر النساء، وان لا یبقین حبیسات بین اربعة جدران، ویجب ان یتمتعن بالاستقلال الاقتصادی، وان یعملنَ فی المیادین الاجتماعیة»، وسیلة جیدة بأیدی اصحاب المصانع لیفلحوا من خلالها بجر النساء الى داخل معاملهم واستغلالهنَّ اقتصادیاً.
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 206 وهو باللغة الفارسیة.
3ـ استغلال اصواتهنَّ سیاسیاً: نظراً لما كان یراه التواقون للمنصب وعشاق السلطة فی الانظمة الدیمقراطیة التی تزعم اعتماد الحكومة على آراء الشعب من ان النساء اكثر مرونة وتأثراً بالدعایات، وحیث انهم كانوا بحاجة للمزید من الاصوات، فقد جهدوا لاقحامهنَّ فی میدان الاجتماع والسیاسة حتى یكسبوا اصواتاً اكثر والتربع على سدّة الحكم من خلال خداعهنَّ والتأثیر علیهنّ.
* * * * *
سؤال: هل كانت حركات الدفاع عن حقوق المرأة ناجحة لحد الآن أم لا؟ والى أی مدى كانت النتائج المتمخضة عن هذه الحركات فی صالح النساء؟
جوابه:(1) حریٌ الاقرار ـ وللاسف ـ ان النتائج المتمخضة عن حركات الدفاع عن حقوق المرأة فی القرن الاخیر كانت سلبیة، وتمخضت عن خسائر فادحة بالنسبة لطبقة النساء بل للبشریة جمعاء. وهذا رأی یعتقد به اكثر المحققین والمفكرین فی الغرب أیضاً. وهنا نشیر الى بعض العواقب السیئة الناجمة عن مثل هذه الحركات:
أ ـ لقد فقدت النساء كرامتهن اذ انجرفنَ نحو الابتذال واصبحن آلة لاهواء الرجال، وقد آل هذا الابتذال الى جری النساء وراء الرجال حیث یعرضن انفسهنَّ امامهم بدلاً من أن یطلبهنّ الرجال ویقصدوهنّ لیخطبوهنّ.
ب ـ ان توفر النساء اكثر من الضروری وسلوكهنّ غیر الطبیعی ادى الى ان یُعرض الرجال عنهنّ بل وینفروا منهنّ. مما ادى الى ان یُقبل الرجال نحو نظرائهم فی الجنس لاشباع غرائزهم الجنسیة، فیما دفع فتور الرجال وجفاؤهم النساء لاطفاء عطشهنّ الجنسی مع مثیلاتهن فی الجنس، وان تفشی الشذوذ الجنسی فی بلاد الغرب معلول بشكل اساسی لهذه العلّة، واصبح هو علّة للكثیر من الامراض الجسدیة والنفسیة بحیث ان هذه الظاهرة تمثل الیوم احدى اكبر المشاكل التی تحیق بالحضارة الغربیة.
ج ـ لقد اصبح عمل المرأة خارج بیتها عائقاً دون قدرتها على الاهتمام بأعمال البیت كما یجب وینبغی، فأصبح هذا الخلل سبباً فی بروز الخلافات العائلیة، كما
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 206 وهو باللغة الفارسیة.
تسبب استقلالهن الاقتصادی وامتلاك الدخل بتزاید جرأة النساء وانخفاض خشیتهن من الانفصال والطلاق وبالتالی اتسعت دائرة الخلافات العائلیة. ولا یخفی ان عاقبة تفاقم مثل هذه الخلافات لم تكن فی اغلب الحالات سوى طلاق وانفصال المرأة عن الرجل.
د ـ كانت احدى نتائج حركات المناصرین للمرأة الحیلولة دون تعدد الزوجات، فقد صرحوا وكتبوا ان الزواج بأكثر من واحدة انتهاك لحرمة النساء وسبب فی اهدار حقوقهنّ، اذن لا ینبغی السماح للرجل بان یتخذ زوجة اخرى.
والنتیجة الاخرى كانت تعطیل الزواج المؤقت، وهذا ما تحقق أیضاً بفعل استدلالات مشابهة لما تقدم. ان ما نجم عن تظافر عدة عوامل مثل الشذوذ الجنسی وتزاید الطلاق ومنع تعدد الزوجات والزواج المؤقت، هو التزاید السریع فی عدد البنات غیر المتزوجات والنساء الأیامى، وكان هذا الامر یتخذ طابعاً كارثیاً یستعصی علاجه فی البلدان التی تبتلى بالحروب الداخلیة أو الخارجیة وتفقد عدداً كبیراً من رجالها، ویخرج من كونه حالة مؤقتة وطارئة.
هـ ـ ان الرجال الذین مُنعوا بشدة عن تعدد الزوجات والزواج المؤقت، حینما كانوا لا یشبعون غریزتهم الجنسیة بامرأة واحدة لم یكونوا یرون بُداً من اقامة العلاقة الجنسیة غیر المشروعة، من هنا شاعت العلاقات الجنسیة غیر الشرعیة مع الفتیات والعازبات من النساء بل وحتى المتزوجات.
ان التحقیقات التی قام بها الغربیون انفسهم تثبت بالارقام الحقیقة المؤلمة بان معظم الرجال فی المجتمعات الغربیة لا یكتفون بزوجة قانونیة واحدة، ویقیمون علاقات مع بنات او نساء أُخریات.
و ـ ان العلاقات الجنسیة غیر الشرعیة تؤدی الى تفسخ العلاقات العائلیة وانهیار كیان الاسرة الدافئ وظهور اطفال غیر شرعیین.
ان الاضطراب النفسی والاجتماعی الناجم عن ما یسمى بحریة المرأة لا ینحصر
بهذه الموارد، وما ذكرنا هو غیض من فیض المشاكل والمصائب التی ارهقت الحضارة الغربیة. من هنا فان النشاطات المتزایدة فی المجتمعات الغربیة والتی تجری على ایدی النساء بالذات، ضد «حقوق وحریات المرأة» لیست مستبعدة على الاطلاق. فالنساء فی الدول الغربیة یطالبن الآن حكوماتهن بكل جدّیة بان تجعل تعدد الزوجات أمراً قانونیاً، وهنّ یقلنَ ویكتبنَ ان الانجراف الى المصنع والعمل والدائرة والمؤسسة لم یورثنا سوى انصراف الرجال عن الانفاق علینا ووجوب ان نتحمل الاعمال الشاقة والمهینة أحیاناً خارج الدار.
الحقیقة هی ان حریة المرأة فی المجتمعات الغربیة والمجتمعات المنبهرة بالغرب بالرغم مما خلفته من عواقب ألیمة ورهیبة یتعذر تلافیها، فقد مهدت للعودة الى نظام حقوق المرأة فی الاسلام. فالغرب الذی صوَّب جلَّ هجماته ضد الاسلام ونظامه الحقوقی ینحو الآن شاء أم ابى باتجاه بعض الاحكام الحقوقیة لهذا الدین الحنیف، وهذه الظاهرة اكثر لمساً فی مجال حقوق المرأة، فعلى سبیل المثال ظهر خلال السنوات الاخیرة وبمستوى جید المیل نحو الحجاب بین النساء غیر المسلمات فی الغرب.
* * * * *