ar_barege-ch07.htm

 

 

الأرضیّة لنهضة عاشوراء (4)

 

ـ علل انفعال المجتمع فی مقابل نشاطات معاویة

الكفّ عن بذل المال فی سبیل الله

التخاذل عن التضحیة من أجل الدین

تأثیر العلاقات القومیّة والفئویّة

ـ طرق مواجهة علل الانحراف فی المجتمع

رفع مستوى المعرفة

رفع مستوى الایمان والمعنویّات

 

المقدمة:

خلاصة ما ذكرناه فی الفصول السابقة هی انّ أعداء سید الشهداء(علیه السلام) ـ وهم فی الواقع اعداء الاسلام ـ استطاعوا ان یحرفوا المسیر الصحیح للخلافة والولایة، وان یندفعوا فی طریق الضّلال هذا الى الحدّ الذی یقتلون فیه سبط النبی الأكرم(صلى الله علیه وآله) بتلك الصورة الفاجعة. والسبب فی هذا هو سوء استخدام بنی امیّة للظروف السائدة آنذاك واللجوء أیضاً الى بعض الأسالیب والتكتیكات الّتی تحقِّق لهم أهدافهم. فجهاز السلطة الامویّ استخدم عامل الإعلام وعامل التهدید وعامل التطمیع، وبذلك استطاع ان یغیّر مسیرة المجتمع، وان یوجد ظروفاً ادّت بالناس للابتلاء بتلك المصیبة العظیمة.

 

علل انفعال المجتمع فی مقابل نشاطات معاویة:

بما انّ الظروف التاریخیّة یمكن ان تتكرّر بشكل أو بآخر، فتحقّق موارد مشابهة لها فی مراحل اخرى، فانّه یطرح سؤال آخر بعد السؤال الماضی وهو:

صحیح انّ معاویة قد استخدم وسیلة الإعلام الممزوج بخداع الناس وتحریف الحقائق الذی هو فی الواقع اغتیال الشخصیّات من ناحیة، واستخدم حربة التهدید والتطمیع من ناحیة اخرى، ولكنّه لماذا انخدع الناس وتأثّروا بتهدیده وتطمیعه؟

وهذا السؤال هو فی الواقع الوجه الآخر لقطعة النقد بالنسبة للسؤال السابق،

بمعنى انّ أحد الوجهین هو الفعل والوجه الآخر هو الانفعال، فبنو امیّة هم المؤثّرون والناس هم المتأثّرون. بنو امیّة هم الفاعلون للإعلام والتهدید والتطمیع، والناس منفعلون فی مقابل هذه الامور.

فیما مضى تحدّثنا عن الجهة الاولى وهی المتعلّقة بفاعلیّة بنی امیّة.

أمّا الجهة الاخرى للسؤال فهی: ما السبب فی انفعال الناس؟ لقد عرفنا ان بنی امیّة یخدعون، ولكن لماذا ینخدع الناس بهم؟ وبیّنا انّ بنی امیّة یهدّدون، ولكن لماذا یتأثّر الناس بتهدیدهم؟

وتتّضح أهمیّة هذا السؤال بالالتفات الى الجواب علیه، حیث یمكننا إعداد أنفسنا حتّى اذا وُجدت ـ لا قدّر الله ـ ظروف مشابهة لتلك الظروف وحاول أعداء الاسلام أن یستخدموا نفس تلك الحربة لتغییر مسیر الثورة الاسلامیّة فاننّا نبدی حینئذ ردّ فعل بشكل واع بحیث لا نكون منفعلین. ونؤكّد على انّ هذا لا یعنی أنّنا لا نعدّ أنفسنا إلاّ اذا ظهر معاویة آخر أو یزید آخر أو شمر آخر أو عمر بن سعد آخر أو ابن زیاد آخر.

فالأحداث التاریخیّة لا تتكرّر بعینها وانّما یحدث ما یشبهها. ولعلّه قد طرق سمعكم هذا الموضوع وهو مضمون روایة ینقلها السنّة والشیعة بأسناد متعدّدة عن النّبی الأكرم(صلى الله علیه وآله) یتنبّأ فیها بأنّه سوف یحدث فی امّتی ما حدث لبنی اسرائیل، ثمّ یضیف(صلى الله علیه وآله)هذه الجملة فیقول: «حتى لو دخلوا جُحر ضبّ لدخلتموه(1)».

فهذه الروایة لا تعنی انه سوف یظهر فی هذا الزمان فرعون یقول للناس «أَنَا رَبُّكُمُ الأَْعْلى»(2) حتّى تبتلى امّة النبی الاكرم(صلى الله علیه وآله) بفرعون موسى أیضاً، أو سوف


1. بحار الانوار، ج 51، ص 128، الباب 2، الروایة 24.

2. سورة النازعات، الآیة 24.

یظهر قارون یملك ثروة عظیمة ویُبتلى به اناس ذلك الزمان، أو سوف یظهر سامریّ آخر ویصنع صنماً بصورة عِجل ویدعو الناس الى عبادته.

كلاّ، فتلك الأحداث لا تتكرّر بعینها، وانّما تحدث وقائع تتمیّز بنفس تلك الروح وتشبه تلك الأحداث تماماً.

ومن المناسب فی هذا المضمار ان تذكر نماذج من أحداث صدر الاسلام وحتّى الآن ممّا وقع مشابهها عند بنی اسرائیل فی السابق ولكنّ هذا موكول الى الكتب المخصّصة لذلك.

ومن هنا اذا قلنا ما حدث فی صدر الاسلام قد یحدث فیما بعد فذلك لا یعنی انّ تلك الأحداث سوف تتكرّر بعینها، مثلاً سوف یظهر فی الشام معاویة وهو یخطّط لتنصیب ابنه ولیّاً للعهد، وإلى آخر القصّة. وانّما یعنی انّه سوف تظهر حوادث تتمیّز بروح تشبه روح تلك الحوادث، وتتمتّع بدوافع تشبه تلك الدوافع. فالذی دفع معاویة للقیام بتلك الحركة سوف یوجد عند الآخرین ایضاً. أو التأثّر الذی حصل للناس أیّام معاویة قد یحصل للناس فی المستقبل بشكل أو بآخر.

وبالالتفات الى ما ذكرناه لابدّ ان ندرس ونتساءل: لماذا انخدع الناس بهذا الشكل؟ ولماذا تأثّروا بالتهدید والتطمیع؟

وفائدة ذلك انّنا نُعدّ أنفسنا للزمان الذی قد تحدث فیه مثل هذه الامتحانات. واذا حاول أحد خداعنا أو تهدیدنا أو تطمیعنا فانّنا نستطیع أن نقاوم وننتصر.

یمكننا دراسة هذا الموضوع بشكل تحلیلیّ لظروف ذلك الزمان ولكنّ مثل هذه الدراسة تحتاج الى مجال أكبر وفرصة أطول. ولهذا أظنّ أنّ هناك طریقاً أسهل للظفر بالنتیجة المطلوبة وهو اللجوء الى كلام سیّد الشهداء(علیه السلام) نفسه. فقد ذكرنا فیما سبق أنّه خلال عشرین عاماً من حكم معاویة قضى سیّد الشهداء(علیه السلام) ما یناهز عشرة أعوام منها الى جانب أخیه الامام الحسن(علیه السلام)، وأمّا الأعوام العشرة الاخرى فقد

قضاها وحده فی المدینة تعرّض فیها لأقصى درجات الضغط والشدّة والصعوبة. ولكنّه بین حین وآخر كان یتعرّف على بعض الأشخاص ویعقد معهم جلسات بصورة سریّة بعیداً عن أعین جلاوزة معاویة یتحدّث لهم فیها عن الحقائق التی یعیشونها. فیقول لهم انّنی احدّثكم بهذه الامور حتّى لا یندرس الحقّ ویُنسى، وعندئذ لا یستطیع الناس ان یمیّزوا بین الحقّ والباطل. ومن جملة تلك الجلسات ـ التی سجّلها التاریخ ونقلتها الینا الروایات ـ جلسة عُقدت فی منى مع صفوة من علماء المسلمین وشخصیّات ذلك الزمان. ویمكننا أن نحدس مدى ما بُذل من جهد للتعرّف على هؤلاء واقامة العلاقات معهم ثمّ التئام جمعهم فی تلك الجلسة التی عقدت فی منى. والذین وفّقوا لحجّ بیت الله الحرام یعرفون مدى الزحام الذی یعیشه الحجّاج فی منى بحیث لا یمكن السیطرة علیه. ولهذا فانّ كثیراً من النشاطات التی یراد لها أن تتمّ بعیداً عن أعین الحكّام تُنفّذ فی منى.

اذن عقدت هذه الجلسة فی منى وتحدّث فیها الامام الحسین(علیه السلام) لهذه الصفوة من الناس، ومن حسن الحظّ انّه قد نُقلت الینا جوانب من هذا الحدیث فی تحف العقول وبحار الانوار وبعض المصادر الاخرى. وقد نقلنا فی الفصل الماضی جانباً من هذا الحدیث، ونتحدّث فی هذا الفصل عن جانب آخر منه یتعلّق بموضوع بحثنا.

ونبدأ من هذا الحدث التاریخیّ لكی نفهم لماذا انخدع الناس بمعاویة وأمثاله، وكیف استطاع حكّام الجور أن یتسلّطوا على رقاب الناس من خلال إعداد دقیق للأرضیّة واستغفال لهم.

فالامام(علیه السلام) یصف الحاضرین فی تلك الجلسة ویخاطبهم بأنّكم شخصیّات هذه الامّة ومورد احترام الناس فی ظلّ الاسلام، وبفضل الدرجات الاسلامیّة والعلوم التی تتمتّعون بها، وهذه منزلة رفیعة قد منحَكم الله ایّاها.

ومن خلال ذكر هذه الصفات یُعرف انّ اولئك الأفراد كانوا من علماء ذلك العصر.

وبعد أن یذكّر(علیه السلام) ذلك الفریق بنعم الله وما تفضّل به علیهم من منزلة ورفعة فانّه(علیه السلام)یوجّه الیهم اللوم فیقول ما مضمونه: مع انّ الله تعالى قد منحكم هذه الدرجات وتلك المنزلة الاجتماعیّة بحیث إنّ الناس یكنّون لكم الاحترام ویستمعون الیكم لكنّكم لم تستغلّوا الفرصة ولم تنتفعوا من مكانتكم.

 

الكفّ عن بذل المال فی سبیل الله:

ویواصل الامام(علیه السلام) حدیثه فیخاطبهم:

«فلا مالاً بذلتموه ولا نفساً خاطرتم بها للذی خلقها ولا عشیرةً عادیتموها فی ذات الله»(1).

مع انّ الله سبحانه قد أنعم علیكم بهذه المنزلة الاجتماعیّة إلا أنّكم لم تقوموا بهذه الأعمال. وهذا یعنی انّه كان من المتوقَّع أن تستغلّوا مكانتكم العلمیّة ومالكم من شرف ومنزلة اجتماعیّة للقیام بهذه الأعمال ولكنّكم لم تفعلوا شیئاً، فلم تنفقوا أموالكم لنشر الاسلام. وعادة فانّ المخاطبین من قبل الامام(علیه السلام) هم ممّن دَفع خُمسه وزكاته وما علیه من حقوق واجبة. اذن عندما یقول(علیه السلام): «فلا مالاً بذلتموه» فانّه یقصد شیئاً غیر الحقوق الواجبة، لانّ بقاء الدین فی بعض الأحیان یحتاج الى الانفاق من الأموال الشخصیّة، وحینئذ لیس من الصحیح أن نقول انّنا قد أدّینا حقوقنا الواجبة ولیس على عاتقنا حقّ آخر. اذن كان یتحتّم علیكم ان تنفقوا من أموالكم فی سبیل نشر الاسلام والحیلولة دون انتشار البدع والتصدّی لأصحاب البدع، ولكنّكم لم تفعلوا شیئاً من ذلك.

 


1. بحار الانوار، ج 100، ص 79، الباب 1، الروایة 37.

التخاذل عن التضحیة من أجل الدین:

هناك شیء أهمّ من عدم انفاقكم المال فی سبیل الله حیث یقول(علیه السلام) «ولا نفساً خاطرتم بها للذی خلقها».

نحن تعوّدنا ان نقول: اذا كان القیام بالواجب یؤدّی الى إلحاق الضرر بالانسان فاّنه لا یكون واجباً عندئذ، لانّنا نتصوّر انّ شرط الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر هو ان لا یُلحق بالانسان ضرراً، وانّ نشر الدین والتصدّی لأعداء الاسلام هو الى الحدّ الذی لیس فیه خطر على الانسان. بینما یقول سید الشهداء(علیه السلام) لهؤلاء العلماء:

«ولا نفساً خاطرتم بها للذی خلقها»، وهذا یعنی انّه كان یجب علیكم ان تخاطروا بها لله.

وقد أشرنا الى هذه النقطة من قبل وقلنا انّ الامام الخمینی(قدس سره) هو المرجع الوحید فی عصرنا الذی بیّن هذا الموضوع بشكل واضح وصریح، وذلك عندما قال: لا تقیّة فی الامور المهمّة، وتنحصر التقیّة فی الامور العادیّة. فاذا كان الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر متعلّقاً بأمر عادیّ، ویعود على القائم به ضرر، فهو یستطیع أن یقول: لقد قلت ما ینبغی أن أقوله ولیس علیّ شیء أكثر من ذلك، أمّا اذا كان الأمر متعلّقاً بكیان الاسلام وأساسه فانّ الحدیث عن التقیّة یصبح فی غیر محلّه، ولهذا قال الامام الخمینی(رحمه الله): انّ التقیّة فی مثل هذه الموارد حرام ولو بلغت النتائج ما بلغت. ای انّ التقیّة غیر جائزة ولو قتل آلاف الأشخاص، لانّ اساس الاسلام فی خطر، أو كما عبّر الامام الخمینی(رحمه الله): «لا تصحّ التقیّة فی مهامّ الامور»(1).

وأعود الى توجیه اللوم الى بعض إخوتی من علماء الدین، لانّه بعد أن بیّن الامام الخمینی رأیه هذا بكلّ صراحة كان ینبغی ان تكثّف الجهود من قبل العلماء لبیان


1. صحیفة نور، ج 1، ص 39، ج 7، ص 36، باللغة الفارسیة.

مصادیق هذه الامور المهمّة التی لا تصحّ فیها التقیّة. وصحیح انّ الامام(قدس سره)قد ذكر بعض الأمثلة، إلا انّ هناك مواردَ اخرى لابدّ من شرحها وتوضیحها وتبیین حدودها. ولا شكّ انّ هذا یعین الناس كثیراً فی مجال التعرّف على واجباتهم.

هاتان نقطتان قد وجّه فیهما الامام الحسین(علیه السلام) اللوم الى شخصیّات ذلك العصر وبیّن لهم انّ السبب فی كون معاویة وبنی امیّة قد نجحوا فی حرف المسیرة الاسلامیّة هو:

أولا: انّكم لم تنفقوا الأموال من أجل المحافظة على الدین.

ثانیاً: انّكم لم تخاطروا بأنفسكم فی سبیل الله. لقد كان كلّ همّكم هو أن تحافظوا على أنفسكم، فاذا واجهتم تهدیداً فانّكم تتراجعون وتنهزمون.

 

تأثیر العلاقات القومیّة والفئویّة:

السبب الثالث لانفعال المجتمع فی مقابل التحریف هو كما یقول(علیه السلام):

«ولا عشیرة عادیتموها فی ذات الله»، انّكم لم تقفوا فی وجه أقاربكم الذین كانوا على الباطل من أجل مرضاة الله تعالى.

كانت العلاقات القومیّة والعشائریّة فی ذلك الزمان أصلاً من اصول الثقافة العربیّة. وكذا الیوم حیث یُلاحظ وجود مثل هذه العقلیّات والترابط القومیّ والعشائریّ وتعصّبات الأقارب بین الناس الذین یعیشون الأجواء القبائلیّة. أمّا الذین یعیشون فی المدن فانّه لا تُلاحظ فیهم ـ إلا قلیلاً ـ عقلیّة التعصّب لأقربائهم. أجل انّ هذا الأمر ینتشر بین الساكنین بعیداً عن المدن. وفی ذلك الزمان كانت عقلیّة الدفاع عن العشیرة والقبیلة قویّة جداً. ویمكننا ـ فی هذا العصر ـ مشاهدة ما یشبه هذه العقلیّة (التعصّب الفئوی) بین أصحاب الاتّجاه السیاسیّ الواحد الواقفین فی جبهة واحدة. وهذا اللون من السلوك یقوم بنفس الدور الذی كان یقوم به فی ذلك

الزمان التعصّب للقبیلة والعشیرة. فبما أنّنا الیوم لا نعیش بصورة عشائریّة فان التعصّب لمن یشاركوننا فی الاتّجاه السیاسیّ قد حلّ محلّ تلك العقلیّة السابقة.

وقد لا یكون صحیحاً ذكر جمیع أسماء الأشخاص فی هذه المجالات، ولكنّ الصحف الصادرة فی هذه الأیّام أشارت الى انّ مؤتمراً قد عقد فی آلمانیا ودعی الیه مجموعة من اعداء الثورة من كل أرجاء العالم ومن جملتهم مجموعة من داخل الجمهوریّة الاسلامیّة فی ایران قُدّمت لهم التسهیلات من قبل السفارة الآلمانیّة فی طهران، ولمّا عقد المؤتمر ظهرت فیه امرأة عاریة تماماً وظهر رجل عار. وقام أحد الكتّاب الصحفیین ـ ممن یكتب فی الصحف المشهورة ـ بعقد مؤتمر صحفیّ هناك تحدّث فیه عن الامام الخمینی(قدس سره)قائلاً: لابدّ من جعل الخمینی فی متحف التاریخ! وعلّق على موضوع الحجاب قائلاً: لا یوجد عندنا فی الدستور ما یوضّح الموقف من الحجاب! وفیما یتعلّق بالدیمقراطیّة والقیم الغربیّة قال: انّها مشكلة الاسلام حیث لا یستطیع أن یتلاءم مع القیم الدیمقراطیّة الغربیّة! انّنا سنقوم بهذه الخطوة وهو طریق لا عودة فیه! بمعنى أنّ الاسلام سوف یرحل، وانّ اسم الخمینی سوف یُمحى، وانّ الحجاب والامور المشابهة له لا اساس لها وسوف تتحقق الحریّة(1)(یعنی اللامبالاة والإباحیة والتحلّل).

وبعد انتشار هذه المقابلة الصحفیّة وترجمتها مع التقاریر المرسلة من هذا المؤتمر فی صُحفنا المحلّیة علّق أحد الأشخاص الذین لهم عِرق دینیّ فأدان هذه المقابلة الصحفیّة قائلاً: ما كان ینبغی لهذا الشخص ان یتحدّث بمثل هذه الأقوال السخیفة(2). وكأنّه قد هوجم على هذا التصریح من قِبل أبناء خطّه السیاسیّ، كیف


1. صحیفة كیهان، العدد المؤرخ 1379/01/24 هـ.ش، تقریر عن المقابلة الصحفیة التی أجراها اكبر گنجی مع الصحیفة الألمانیة تاكس اشبیگل.

2. صحیفة كیهان، العدد المؤرخ 1379/01/25.

تُدین شخصاً یشاركنا فی الاتّجاه السیاسیّ؟ وبعد فترة قصیرة اختلقوا هذه الكذبة وهی انّ تلك الحادثة لم تكن بالشكل الذی عكسته اخبار الصحف، فعاد ذلك الشخص الذی أدان تلك الحادثة وهاجم الصحیفة التی نشرت خبر ذلك المؤتمر قائلاً: لا ینبغی نشر مثل هذه المواضیع، لاسیّما انّ الخبر قد تمّ تكذیبه من اساسه(1).

لو أنّكم تعرفون هذا الشخص لعرفتم مدى قبح صدور مثل هذا الكلام منه. فلو كان شخصاً یلعب على الحبال السیاسیّة ولم یكن منتسباً لعلماء الدین وتكلّم بهذا الكلام فانّ الانسان لا یتألّم كثیراً. لكنّ الشخص الذی یعتبر نفسه مدافعاً عن الاسلام وعلماء الدین وخطّ الامام الخمینی(قدس سره) كیف یتكلم بمثل هذا الكلام ویتّخذ مثل هذا الموقف؟

نحن نعتقد انّه قد فعل ذلك تعصّباً لأبناء اتّجاهه السیاسیّ، لانّ هذا الشخص یشترك مع تلك الفئة فی جبهة سیاسیّة واحدة، ولهذا غیّر موقفه وبدّل كلامه.

وفی عصر معاویة كان سائداً موضوع الدفاع عن العشیرة والقبیلة. فمثلاً اذا ارتكب شخص من نفس القبیلة جریمة فانّ أبناء قبیلته یتغافلون عنها، أو حتّى انّهم یدافعون عنه ویبرّرون عمله. أمّا اذا ارتكب نفسَ الجریمة شخص من قبیلة اخرى فانّهم یشهّرون به ویعظّمون تلك الجریمة ویلحّون فی انزال العقاب به.

ان عقلیّة الدفاع عن العشیرة والقبیلة هی إحدى العقبات المهمّة التی تمنع الانسان من ان یخطو باتّجاه الحقّ. عندما یرى أبناء قبیلته ـ أو فی الأجواء المعاصرة أبناء اتّجاهه السیاسیّ ـ یسلكون طریقاً فانّه لا یملك الشجاعة لیقول لهم: إنّكم مخطئون فی سلوك هذا الطریق، لا یستطیع أن یقول لهم: انّنی اتفق معكم فی سائر الامور، أمّا فی هذا المجال فقد أخطأتم لانّه مخالف للقرآن ومغایر


1. نفس المصدر السابق.

لضروریّات الاسلام، فلا یحقّ لكم ان تشكّكوا الناس فی اُسس هذه الثورة المباركة، ولا یجوز لكم أن تبشّروهم بانّ هذه الثورة فی طریقها الى الزوال.

بل على العكس من ذلك فانّه یدافع عن ذلك الشخص، والسرّ فی ذلك هو الاشتراك فی الاتّجاه السیاسیّ.

اذن مشكلتنا الضخمة هی التعصّب القبلیّ للعشیرة فی ذلك الزمان والتعصّب الفئویّ السیاسیّ فی هذا الزمان.

یقول سید الشهداء(علیه السلام): «ولا عشیرة عادیتموها فی ذات الله»، أی انّ الواجب الشرعی یقتضی أحیاناً أن یعادی الانسان أبناء عشیرته واقرباءه. صحیح انّ صلة الرحم واجبة فی الاسلام وأنّ قطع الرحم حرام، ولكنّه اذا أدّى الدفاع عن الرحم إلى اضعاف الاسلام والنظام الاسلامیّ فما ذا یجب ان نعمل؟ فهل یجب فی مثل هذا المورد تقدیم الاسلام أم الأقارب (الأولاد والأصهار)؟ ولو كان نشاطهم ضدّ الاسلام؟ هل یجوز الدفاع عنهم وان كان ذلك یؤدّی الى زعزعة النظام الاسلامیّ؟ هل یجوز ان یدافع ـ بغیر حقّ ـ عن أبنائه وأقربائه؟ انّ هذا الموضوع یعبّد الطریق للأعداء كی یستغلّوا الموقف لصالحهم.

انّ سیّد الشهداء یؤكّد على انّه من الأسباب التی أدّت الى تسلّط معاویة علیكم وتحریف الاسلام هو أنّكم «ولا عشیرة عادیتموها فی ذات الله»، أیّ انّ ارتباطكم بأبناء خطّكم السیاسیّ وأبناء حزبكم قد منعكم من أن تقولوا الحقّ وأن تدافعوا عن الحقّ، وقد أعدّ هذا الأرضیّة لكی تُستغلّ هذه النقطة من قبل الإعلام المضادّ لیقولوا انّ هؤلاء یتلاعبون من أجل أقربائهم ویسیئون استغلال أموال بیت المال، فالامكانیّات توضع ـ اولاً ـ تحت تصرّف أقربائهم، والمناصب تُمنح لأبنائهم. هكذا وفّرتم الأرضیّة بتصرّفكم لكی یهاجمكم الإعلام.

اذن سبب انفعالكم وتأثّركم بإعلام معاویة هو تعلّقكم بأموالكم وأقربائكم.

والجامع لهذه الامور یُطلق علیه فی الثقافة الاسلامیّة عنوان «حبّ الدنیا»، فقد ورد فی الحدیث الشریف:

«حبّ الدنیا رأس كلّ خطیئة»(1).

ماذا یعنی هذا الحدیث؟ حبّ ایّ شیء هو المقصود؟ هل المقصود به حبّ الانسان للقمر والنجوم والطبیعة الرائعة؟ أم اذا أحبّ الانسان مخلوقات الله فقد ارتكب اعظم ذنب؟ ما هو معنى حبّ الدنیا الذی هو أساس جمیع الذنوب؟

انّ معناه هو التعلّق بالامور الدنیویّة والتلذّذ بجمع المال ونیل المناصب والتكتّل مع الأصدقاء والأقارب والمشاركین فی الاتّجاه والحزب.

اذن فالمشكلة الأساسیّة التی جعلت المسلمین یتأثّرون بالعوامل الشیطانیّة التی استخدمها الاُمویون هی باختصار «حبّ الدنیا».

والعلامة الأصلیّة لحبّ الدنیا هی اذا تعرّضت حیاة الانسان للخطر فانّه لا یعود یفهم شیئاً. نعم، انّه مستعدّ للقیام بعمله وتقدیم خدماته والنهوض بواجباته الاجتماعیّة بشرط أن یكون هو وعائلته فی أمن ورفاهیة. أمّا اذا عرف انّ السیر فی هذا الطریق فیه خطورة على ماله أو منصبه أو حیاته فانّه لا یبقى مجال لمثل هذه الأعمال. كلّ جهوده كانت من أجل أن یبقى حیّاً ویستلذّ بالدنیا أكثر.

ومن هنا نلاحظ انّ القرآن الكریم وأحادیث الرسول الأكرم(صلى الله علیه وآله) والأئمة الطاهرین(علیهم السلام) تؤكّد على أنّ أبرز خصوصیّات الكفّار هی حبّ الذات وحبّ الدنیا. وفی مقابلهم تكون أبرز مشخصات المؤمنین هی نكران الذات فی سبیل الله والایثار والتضحیة وطلب الشهادة. وهذا یعنی أنّ الموت لیس صعباً بالنسبة الیهم، وأنّ الحیاة الدنیا لیست هدفاً أساسیّاً لهم. فاذا اقتضت السعادة والآمال والدین والقیم


1. بحار الانوار، ج 51، ص 258، الباب 14، الروایة 5.

التی تعلّقوا بها أن یموتوا فانّهم یسترخصون الحیاة فی سبیل الله. یقول الامام امیرالمؤمنین علیّ(علیه السلام):

«والله لابن أبی طالب آنس بالموت من الطفل بثدی اُمّه»(1).

هل هناك احتمال بان یكذب علیّ(علیه السلام) فی قسمه؟!

وفی لیلة عاشوراء أكّد الامام الحسین(علیه السلام) لاُخته العقیلة زینب(علیه السلام) بانّ أصحابی هم بهذا الشكل.

لاحظوا نوعیّة الأفراد الذین ربّاهم الامام الحسین(علیه السلام).

صحیح انّه(علیه السلام) عانى من الآلام ما یفوق التصوّر خلال عشرین عاماً، لكنّه قد ربّى مثل هذه الزهور لیعطّر بها یوم عاشوراء. لو لم یكن هؤلاء الأبرار لم تصبح قصّة عاشوراء جذّابة الى هذا الحدّ، ولم نصبح أنا وأنت من العارفین بالحسین(علیه السلام). لو أنّ الامام(علیه السلام) بقی وحیداً فریداً لاغتالوه سرّاً ولم یحصل ما هو حاصل الآن.

تأمّلوا فی سیرة أصحاب الحسین(علیه السلام) ماذا قالوا لإمامهم لیلة عاشوراء.

بعد أن عرفت العقیلة زینب(علیه السلام) أنّ غداً هو یوم الشهادة، وأنّ الحسین(علیه السلام)وأصحابه سوف یظفرون بالشهادة جاءت الى أخیها قائلة: انّ بعض أصحابك قد استغلّ ظلام اللیل وغادر، فهل اختبرت هؤلاء الذین بقوا معك واطمأننت الى وفائهم؟ فسالت الدموع من عیون الحسین(علیه السلام) وقال:

«أما والله لقد نهرتهم وبلوتهم، ولیس فیهم الأشوس الأقعس، یستأنسون بالمنیّة دونی استئناسَ الطفل بلبن امّه»(2).

قلت لهم أمسكوا بأیدی نسائكم وأولادكم واذهبوا حیث شئتم لانّ القوم لا یریدون غیری، لكنّهم أبوا أن یتركونی.


1. نهج البلاغة، الخطبة 5.

2. مقتل الحسین(علیه السلام)، للمقرّم، ص 262.

اذن یُعلم من قول الامام(علیه السلام) «بلوتهم» انّه(علیه السلام) قد امتحن أصحابه لیبقى منهم المصفّى الخالص. ولا شكّ أنّكم قد سمعتم بمواقف أصحاب الحسین(علیه السلام) لیلة عاشوراء، ویمثّلهم قول أحدهم: لو أنّی قُتلت سبعین مرّة واُحرقت وتحوّل جسدی الى رماد ثمّ اُحییت لعدتُ الیك وبقیت معك حتّى أنال الشهادة مرة اُخرى.

وفی مقابل هذه الزهور التی ربّاها الامام الحسین(علیه السلام) ونمّاها یقف اولئك الذین یوجّه(علیه السلام) الیهم اللوم ویقول: انّ مشكلتكم هی حبّ الدنیا والخوف من الموت.

ویواصل الامام(علیه السلام) حدیثه معهم فیقول:

«ولكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم وأسلمتم امور الله فی أیدیهم»(1).

انّ امور الله لابدّ من تسلیمها الى رجال الله، لكنّكم اسلمتموها الى الظلمة، أعطیتموهم آراءكم فی الانتخابات ودفعتم بهم الى رأس السلطة: «یعملون بالشبهات ویسیرون فی الشهوات»، یعملون اموراً لیس لها مبرّر شرعیّ أو قانونیّ، ویفتحون الطریق لأصحاب الشهوات، یشیّدون دوراً للثقافة وهی فی الواقع دور للمعصیة، ینفقون الأموال من بیت مال المسلمین لكی توفّر الأرضیّة للمعاصی، یشجّعون بها صحفاً تهدف الى اشاعة المنكرات.

كیف تسلّط علیكم مثل هؤلاء الحكّام؟

وكیف انجرّ الأمر الى هذا الوضع؟

روح الكلام هنا: «سلّطهم على ذلك فراركم من الموت»، فلو لم تفرّوا من الموت واستقمتم فی مقابل العدوّ لتراجع الأعداء. أرأیتم أیّام عاشوراء لهذا العام كیف تراجع الأعداء؟! ماذا فعل المؤمنون حتى تراجع أعداؤهم؟ هل قَتلوا انساناً؟ هل هاجموا المحلاّت؟ هل أثاروا الضوضاء؟


1. بحار الانوار، ج 100، ص 80، الباب 1، الروایة 37.

لم یحدث شیء من هذا، وانّما ارتدى المؤمنون ـ كما كانوا یفعلون من قبل ـ ملابسهم السوداء وأخذوا بالنیاحة واللطم على الرؤوس والصدور فأثبتوا للجمیع أنّنا نرید الاسلام، فتراجع الأعداء ولم یجرؤوا بعدئذ على الاستخفاف بنهضة سیّد الشهداء(علیه السلام).

لقد كانت مراسم العزاء على الامام الحسین(علیه السلام) مهیبة فی هذا العام فی جمیع مدن وقرى الجمهوریّة الاسلامیّة، وقد تمّت بشكل أفضل من السنین الماضیة. وهذا التحرّك الواعی من قِبل المؤمنین هو الذی جعل الأعداء یتراجعون. ومن الملاحَظ انّ المؤمنین یثبتون وجودهم فی جمیع أبعاد الحیاة السیاسیّة والاجتماعیّة من دون أن یقوموا بعملیّات قتل أو تخریب لدوائر الدولة كما یفعل الغوغاء. انّ اعمال النهب والتخریب لا تتناسب مع مكانة المؤمنین ولا تنسجم مع منزلة الحسینیّین، وانّما الذی یناسبهم هو اظهار المحبّة والتعلّق بالدین وسیّد الشهداء(علیه السلام). لابدّ أن نعلنها صریحة بانّنا على أتمّ الاستعداد للتضحیة بأموالنا وأرواحنا وأولادنا واعزّائنا من أجل المحافظة على دیننا. فهذا الاستعداد هو المهمّ، یقول الله تعالى فی كتابه المجید:

«وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة»، ولا یقول سبحانه أعدّوها لتستخدموها مباشرة، وانّما یقول عزّ وجلّ:(تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ)(1).

انّ الهدف من إعداد ألوان القوّة هو أن یخاف العدوّ، ینظر الى المؤمنین فیجدهم مستعدّین للشهادة فیتراجع، لانّ غیر المؤمن لیس مستعدّاً لیعرّض نفسه للخطر. انّ من یثیر الضوضاء من أجل قنیّنة خمر لیس مستعدّاً لیعرّض نفسه للخطر اذا أحسّ هؤلاء بانّ المؤمنین الشجعان حاضرون فی ساحة المواجهة فانهم یولّون هاربین، وهذا هو المهمّ.


1. سورة الانفال، الآیة 60.

والامام الحسین(علیه السلام) أیضاً یؤكّد على الناس بأنّكم اذا أردتم المحافظة على دینكم بحیث لا تتأثّرون بنشاطات بنی امیّة فلابدّ لكم من ثلاثة امور هی: أن تنفقوا أموالكم فی سبیل الدین، وأن تعرّضوا أرواحكم للخطر حیث تكونون مستعدّین للشهادة، وان تكفّوا عن المحاباة للعشیرة والفئة والحزب وأهل المحلّة الواحدة وأبناء هذا الخطّ السیاسیّ وما شابه ذلك، لتصبحوا متّبعین للحقّ فحسب.

لابدّ أن یهتمّ المؤمنون وینظروا ماذا یقول الله تعالى والرسول(صلى الله علیه وآله) والولی الفقیه ـ فی عصرنا ـ وأن ینفّذوا ذلك بدقّة واخلاص. وسیغدو هذا هو العامل الذی یحفظ وحدتنا وأمننا ویحول دون تسلّل الأعداء والأجانب فی داخل صفوفنا.

یقول الامام الحسین(علیه السلام): «سلّطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحیاة التی هی مفارقتكم»، فتعلّقكم بالحیاة الدنیویّة الفانیة هو الذی سلّط بنی امیّة علیكم، لانّ هذا التعلّق یمنعكم من الصمود بشجاعة فی ساحة المواجهة، وبالتّالی یطمع العدوُّ فیكم ویتغلّب علیكم. أمّا اذا لم تتعلّق قلوبكم بهذه الحیاة الدنیئة وانما تعلّقت بالحیاة الآخرة، وكنتم على استعداد للتنازل عن جمیع لذّات هذه الحیاة المتصرّمة لكی تنالوا رضى الله والسعادة الأبدیّة فانّ العدو لن یتسلّط علیكم اطلاقاً.

 

طرق مواجهة علل الانحراف فی المجتمع:

والآن اذا أحببنا ان لا توجد فینا نقاط الضعف التی اُبتلی فیها اناس ذلك الزمان بحیث وفّرت الأرضیّة لتسلّط الامویّین علیهم، أو اذا أحببنا أن تزول ان كانت قد وجدت فینا، فماذا یجب علینا ان نقوم به من خطوات؟

قلنا: كانت لهؤلاء ثلاثة ألوان من النشاطات وهی: الإعلام الخدّاع المضلّل، والتهدید، والتطمیع.

 

رفع مستوى المعرفة:

ماذا یجب علینا أن نفعل فی مقابل الإعلام المضلّل؟

لابدّ أن نرفع مستوى معرفتنا بالنسبة للاسلام والتشیّع وخطّ الامام الحسین(علیه السلام)وخطّ الامام الخمینی(قدس سره) بالنسبة لعصرنا. لابد أن تكون معرفتنا محكمة حتّى لا یحاول الأعداء أن یقدّموا للناس أفكاراً مضادّة لأفكار الامام الخمینی(رحمه الله)على أساس أنّها خطّ الامام(رحمه الله).

هذا ما فعله معاویة وفعله آخرون، والیوم یفعله أتباع معاویة.

هناك موارد كان الامام(رحمه الله) یناضل ضدّها ویرفضها تماماً، والیوم یكذب البعض على الامام(رحمه الله) فیقول انّه كان یخطّط للوصول الیها. مثلاً الحریّة، الحریّة بالمفهوم الغربیّ التی تعنی التحلّل والانفلات! وتلاحظون الیوم ماذا یفعل الشباب الواقع تحت تأثیر هذه الأقوال.

فی یوم مّا ذكرت فی إحدى محاضراتی التی كانت تُلقى قبل خطبة الجمعة فی طهران الى أیّ شیء یهدف هؤلاء من وراء الحریّة. فكتبوا ضدّی عشرات المقالات تقول انّ هذا كذّاب، ونحن نبحث عن الحریّة السیاسیّة فحسب. لكنّكم رأیتم ماذا فعلوا فی عید النوروز وملحقاته. كانوا ینوون الاحتفال فی ذكرى عرش السلاطین ایام الجاهلیّة وقد خصّصوا لذلك میزانیّة ضخمة. وهم یدّعون انّ هذا هو الذی كان یریده الامام(رحمه الله)!

یقولون: ألم یدع الامام(قدس سره) للحریّة والاستقلال؟ اذن یعلم من هذا انّ الامام(رحمه الله) كان یرید هذه الامور!

لاحظوا المغالطة. صحیح انّ الامام(رحمه الله) كان یهدف الى الحریّة، ولكنّه كان یرید التحرّر من أیدی أعداء الاسلام، ولیس التحرّر من الله والدین والقیم. فالذی أنفق عمره الشریف فیه ـ منذ نعومة أظفاره وحتّى آخر لحظات حیاته ـ هو المحافظة

على القیم الاسلامیّة، انّ نهضة الامام(رحمه الله) كانت لإحیاء القیم، ولیس لتحریر الناس من القیم. انّ بعض المسؤولین فی الدولة الیوم یمنّون علینا، فاذا قلنا لهم لماذا لا تحافظون على القیم فی مجال الشؤون الثقافیّة؟ قالوا: أیّة قیمة أرفع من الحریّة؟! نحن قد منحنا الناس الحریّة، وهذه هی أرفع القیم! وهذه هی نفس السبیل التی أرادها الامام(رحمه الله) وسلكها!

وهذا الكلام یشبه ما قاله معاویة للامام الحسین(علیه السلام) من أنّه لا یجوز لك ان تتعرّض لیزید بالغیبة! فیزید أفضل منك لانّه لا یغتابك ولا یتحدّث عنك بسوء! فقولك: یزید شارب للخمر، هو غیبة له!!

هكذا تكون المغالطات.

اذا أردنا أن لا نقع تحت تأثیر مثل هذه المغالطات فلابدّ أن نرفع مستوى معرفتنا للدین.

أعزّائی ـ وأخصّ بالخطاب الشباب ـ لابدّ أن نخصّص وقتاً خلال الیوم واللیلة للمطالعة والبحث فی الشؤون الدینیّة والمعارف الالهیّة. انّ الدین لیس أقلّ قیمةً من البطن والرفاهیة والریاضة. اجعلوا لأنفسكم منهجاً تسیرون علیه. اعقدوا الجلسات الدینیّة وأكثروا من المطالعة فی المجال الدینىّ. والحمدلله قد زادت الیوم الكتب المؤلّفة فی المجال الدینی، فاعقدوا الجلسات وتباحثوا فیها. ولیس من الضروریّ أن یحضر هذه الجلسات مبلّغ أو معلّم، بل تستطیعون أن تتناولوا بالبحث كتب العلامة الشهید مرتضى مطهّری(رحمه الله)، وأن تطرحوها للمناقشة كما یفعل طلاب العلوم الدینیّة فی كتبهم الدراسیّة، اقرءوها جملة فجملة وتناقشوا فیها حتّى تتبیّنوا مفهومها وتوضّحوا للآخرین ما فهمتم منها، فان أشكل علیكم شیء فی مورد أو كان مبهماً فوجّهوا الدعوة لعالم موثوق به یأتیكم مرّة كلّ اسبوع أو مرّة كلّ شهر ـ حسب المیسور ـ لیوضّح لكم المبهمات ویرفع الاشكالات.

أمّا اذا لم تكن لكم مطالعات دینیّة ولا جلسات دینیّة، بل اكتفیتم بمجالس أیّام عاشوراء وأمثالها، بینما اعداء الاسلام یمطرونكم بوابل إعلامهم عن طریق الإذاعات وقنوات التلفزیون وأفلام الفیدیو والصحف والمجلات، فماذا تكون النتیجة؟

تكون النتیجة بهذا الشكل الذی تشاهدونه الیوم.

نحمد الله تعالى على أنّ هذا لیس منتشراً بین الجماهیر المتدیّنة، لكنّه موجود فی بعض المراكز، واذا لم تقفوا فی وجهها، ای انّكم لم تعدّوا أنفسكم الإعدادَ اللازم فلعلّها تسری الیكم لا قدّر الله.

انّ المطالعة والمناقشة أمران ضروریّان للتصدّی للإعلام المضلّل والشیطانیّ، واذا لم یتحقّق هذا الأمر فانّ معرفة الانسان لا تنمو ولا تنضج. فاذا كان الدین عزیزاً عندكم فلابدّ أن تخصّصوا وقتاً له. كما تهتّمون بالریاضة لابدّ ان تهتّموا بالدین. انّ جانباً من الوقت الذی ینفقه الشباب فی مشاهدة برامج ألعاب كرة القدم أو الحضور فی النوادی لممارسة الریاضة لابدّ ان یخصّصوه للمطالعة فی الشؤون الدینیّة. ان كان الدین غالیاً فلابدّ من تخصیص رأسمال له. فالدین لا یظهر فی قلوبنا بالاجبار والاكراه، والایمان لا ینمو فی أعماقنا بشكل ذاتیّ. فالعوامل الاجتماعیّة تحارب الایمان ولا ترسّخه، ولاسیّما فی هذا الجوّ من العلاقات الثقافیّة السائدة الیوم، ومع هذه السیاسة الخاطئة التی یتّخذها مسؤولوا الثقافة فی بلدنا، وهی تصبّ فی مصلحة الأجانب ـ إمّا عن جهل وعدم وعی وامّا عن عمالة للأعداء ـ وهی على كلّ حال سیاسة مضادّة للاسلام تسیر بثقافة المجتمع نحو الثقافة اللادینیّة الملحدة. اذن فی مقابل هؤلاء لابدّ ان تكون لكم نشاطات دینیّة، وأن تعدّوا هذا الأمر من أهمّ واجباتكم الشرعیّة.

 

رفع مستوى الایمان والمعنویّات:

وفی مقابل العامل الثانی والعامل الثالث (ای التطمیع والتهدید) لابدّ من تقویة

الایمان، فالتأثّر بهذه العوامل وخوف الانسان من أنّه سوف یُطرد من الدائرة اذا لم یفعل الشیء الكذائی أو سوف یُخصم من راتبه ناشئ من ضعف الایمان. ألم یقوموا بمثل هذه الأعمال؟ هناك الكثیر من مدیری التعلیم والتربیة ومدیری الجامعات وقد تمّ تغییرهم خلال العامین الأخیرین، ولسنا نعرف كم هو عدد مدیری الجامعات الذین هم باقون فی مناصبهم. ففی بعض الموارد قد تمّ تغییر كلّ الكادر الجامعیّ من مدیر الجامعة الى الفرّاش المكلّف بتوزیع الشای. لماذا؟ لانّ هؤلاء لم یكونوا من خطّهم السیاسیّ. اصبروا وصابروا وقولو لها بشجاعة وصراحة: حتّى اذا طردتمونا من مسؤولیّاتنا فنحن لن نتخلّى عن الامام الخمینی(قدس سره). كونوا ابطالاً فی ذات الله. كم یمكنهم الاستمرار فی هذه المواجهة اذا كنتم صامدین؟ لو أنّهم واجهوا صموداً ومقاومة لاُجبروا على تغییر اسلوبهم، لكنّهم واجهوا ضعفاً وتخاذلا فتسلّط الظالمون علینا. ولا ینبغی أن یظنّ أحد انّی أقصد كلّ الكادر الحكومیّ، وانّما هناك خیوط فی بعض الوزارات والدوائر تقتفی اثر امریكا وتسیر فی نفس اتّجاهها، ولعلّهم لا یعلمون أو انّهم مخدوعون أو...

فلكی نستطیع الصمود فی مقابل التطمیع والتهدید لابدّ أن نرفع مستوى ایماننا. والایمان لا یحصل بالمطالعة فقط، وانّما تتمّ تقویة الایمان بالعمل أیضاً. ومن الواضح أنّ المعرفة هی الخطوة الاولى ثمّ ینمو الایمان بالعمل الصالح. اذا كان الانسان لا یؤدّی الصلاة فمهما قرأ كتباً حول الصلاة فانّ ایمانه لا یقوى، وحتّى اذا قرأ مائة كتاب حول الصلاة فانّ ایمانه لا ینمو ما لم یؤدّ الصلاة فعلاً. انّ الایمان یستحكم بالعمل والتلقین. لقّنوا أنفسكم هذه القضیّة وهی انّ الاسلام اذا طلب منّی فانّی مستعدّ للموت. لا انّ الخوف یستبدّ بكم والرعشة تنتابكم اذا سمعتم باسم الموت.

ومن المناسب جدّاً أن نستمدّ العزم من كلام سیّد الشهداء(علیه السلام)، فقد خاطب أصحابه یوم عاشوراء بقوله:

«صبراً بنی الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء الى الجنان الواسعة والنعیم الدائم»(1).

هل الجنان والنعیم أمر غیر مطلوب؟ اذن لماذا تخافون منه؟ اذا أنقذكم شخص من السجن وأسكنكم فی قصر بهیج فهل تقدّمون له الشكر أم تتألّمون منه؟ انّ الموت ینقذكم من هذه الدنیا التی هی سجن المؤمن ویوصلكم الى قصور الجنّة بما فیها من نعیم. فهل هذا محبوب مطلوب أم مكروه مطرود؟ هل ینبغی الخوف منه أو ینبغی البحث عنه؟ انّ الموت یفعل هذا لكم ولیس للجمیع. أمّا لأعدائكم فانّه یخرجهم من الجنّة ویدخلهم الى جهنّم. لانّ هذه الدنیا التی هی سجن للمؤمن ـ بالمقارنة الى درجاته الاخرویّة ـ هی جنّة للكافر مع كلّ ما فیها من آلام ومشاكل، لانّ الكافر ینتظره عذاب فی الآخرة بحیث كل ما یتحمّله من صعوبات فی هذه الدنیا فهو یعتبر جنّة بازاء ألوان العذاب فی العالم الآخر. فالموت یخرج الكفّار من جنّتهم ویدخلهم الى جهنّم. أمّا بالنسبة الیكم فانّ الموت ینقذكم من السجن ویدخلكم الى:

(وَ جَنَّة عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الأَْرْضُ)(2).

فهل هذا سیّء بالنسبة الیكم وینبغی أن تخافوا منه وتنفروا؟ كلا، بل هو أمر حسن یبحث عنه المؤمن العاقل ویحرص علیه. هكذا كان یربّی الامام الحسین(علیه السلام)أصحابه وینمّی ایمانهم. اذن لیس من فراغ قال ذلك الطفل الذی لم یتجاوز عمره ثلاثة عشر عاماً: «الموت أحلى عندی من العسل»(3). لم یقله مزاحاً وهزلا، وانّما یقصده بكلّ جدّ لانّه ممّن ربّتهم ید الحسین(علیه السلام). أنا وأنت اذا كنّا حسینیّین حقّاً فلابدّ


1. بحار الانوار، ج 6، ص 154، الباب 6، الروایة 9.

2. سورة آل عمران، الآیة 133.

3. وسیلة الدارین فی أنصار الحسین(علیه السلام)، ص 253.

أن نركّز على هذه التعلیمات ونؤمن بانّ مواصلة طریق الحسین(علیه السلام) یجعل الموت أفضل منج لنا.

كم یتحمّل الانسان من صعوبات فی هذه الدنیا، وكم یتجرّع الآلام، وكم یتحمّل الظلم باسم الدین ویتحمّل البدع باسم القراءات الجدیدة للدین؟

كلّما أسرع الموت الینا فانّه یریحنا من هذه الغصص.

والله العظیم انّ الموت لذیذ عندی مع هذه الغصص التی نتجرّعها فی المجتمع. لو كان الكافر ینشط ضدّنا لما تألّمنا، أمّا تحریف الدین وتحریف خطّ الامام الخمینی(قدس سره)تحت عنوان احیاء آثار الامام(رحمه الله) فانّه یؤذی الانسان الغیور. ماذا یضرّنا الموت؟ انّه ینقذنا من هذه الغصص والآلام. یقول سیّد الشهداء(علیه السلام):

«وما أولهنی الى أسلافی اشتیاق یعقوب الى یوسف»(1).

بمقدار ما كان یعقوب مشتاقاً لرؤیة یوسف، بعد عدّة أعوام من وقوع یوسف فی البئر وحدوث تلك الوقائع له، وقد تحمّل یعقوب ألم البُعد عنه، أنا مشتاق الى الموت الذی ینتهی بی الى وصال جدّی وابی واخی، ان اشتیاقی الى الموت اشتیاق یعقوب الى یوسف. بمثل هذه الكلمات الصادقة ربّى الحسین(علیه السلام) أصحابه ورفع معنویّاتهم وبالتالی أعدّهم للشهادة فی سبیل الله.

لو تأمّلنا فی وضع الشباب قبل انتصار الثورة الاسلامیّة المباركة حیث كانوا متورّطین فی منحدر السقوط نتیجةَ التربیة السیّئة للنظام الملكیّ البائد، كیف تحولّوا الى طلاّب شهادة وقاموا بتلك البطولات الرائعة فی جبهات القتال، نتیجةَ التربیة الحسنة بفضل خطابات الامام الخمینی(قدس سره)؟

 


1. بحار الانوار، ج 44، ص 366، الباب 37، الروایة 2.

ما هو العامل فی هذا التحوّل ؟

لاشكّ انّه كلام الامام(رحمه الله) حیث كان نابعاً من عمق الروح ولهذا حلّ فی أعماق أرواحهم وأدّى بهم الى هذا التحوّل.

فلنبذل قصارى جهدنا لنتلقّى هذا الدرس من سیرة النبی الأكرم(صلى الله علیه وآله) والأئمة الطاهرین(علیهم السلام)، ونجعلهم اُسوة لنا وللآخرین، ونقوّی فی أنفسنا حسّ البحث عن الشهادة، ونروّج للاستعداد للموت فی سبیل الله لیصبح غایة آمالنا، وحینئذ لن یتسلّط علینا أیّ عدوّ او طاغوت.

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...