ar_barege-ch12.htm

 

 

 

 

 

 

واجبات الحكومة والناس فی

 

الظروف الحاضرة

 

ـ واجب الحكومة والمجتمع فی مجال تعلیم الأحكام والمسائل

ـ واجب الحكومة والمجتمع فی مقابل مؤامرات الأعداء

ـ علل نسیان واجب الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر

ـ ایجاد التنظیمات الاسلامیّة للقیام بالنشاطات الاجتماعیّة

 

 

ذكرنا فیما مضى انّ من أهداف نهضة سیّد الشهداء ـ كما صرّح بها الامام الحسین(علیه السلام)نفسه ـ هو الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر. وقد حاولنا أن نبیّن معانی الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر وأن نحدّد ایّ معنى من هذه المعانی كانت تندرج به هذه النهضة المباركة تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر. وفی أیّ ظرف یصبح فیه الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر بهذا المعنى واجباً؟

وخلاصة الجواب هو: اذا حدثت فی المجتمع الاسلامیّ مؤمرات معقّدة تهدف الى محو حقیقة الاسلام وتضلیل الناس والقضاء على الحكومة الاسلامیّة (حكومة الحق)، ولم تفلح الطرق العادیّة والمتعارفة ـ سواء أكانت خطوات فردیّة أم اجتماعیّة ـ فی حلّ المشاكل، ولم یبق لاثبات انّنا محقّون ومظلومون سوى طریق واحد وهو النهوض الاستشهادیّ فانّه یصبح متعیّناً.

وكذا الأمر اذا حدثت ظروف یتوقّف فیها بیان سبیل الحقّ واقامة النظام الاسلامی على مثل هذه النهضة فان هذه الحركة تغدو واجبة.

ومن الواضح انّ نهضة سیّدالشهداء(علیه السلام) تتمیّز ببركة عظیمة بحیث تجعل من المستبعد ان تعود مثل هذه الظروف لتحدث مرّة اخرى فی المجتمع الاسلامیّ فیمسی الجوّ الاجتماعیّ حالكاً ویتعذّر تمییز الحقّ فیه. ونحمداللّه تعالى على انّه قد توفّرت ظروف بعد هذه النهضة المباركة استطاع فیها سائر الأئمة الطاهرین(علیهم السلام)ان یبیّنوا حقائق الاسلام فی ارجاء العالم الاسلامیّ، وقد قاموا بتربیة تلامذة لهم

أخذوا على عاتقهم تبلیغ المعارف الاسلامیّة وترویجها، ودأبوا على ارسال أصحاب لهم الى مختلف البلاد للقیام بحركات الاحیاء والارشاد، بحیث لم تكن حاجة للقیام بمثل نهضة الامام الحسین(علیه السلام) فی زمان سائر الأئمة الطاهرین(علیهم السلام). ونسأل اللّه تعالى ان لا تحدث هذه الحاجة فی المستقبل. إلاّ انّ المسائل العامّة لیست تابعة لكثرة مصادیقها ولا حتّى لوجودها، وانّما یظهر حكمها من خلال وجود مصداق واحد . وصحیح انّه من البعید ان توجد ضرورة للقیام بمثل هذه النهضة بسعتها وخصوصیّاتها، لكنّه قد تحدث حاجة أحیاناً للقیام بنهضة أضیق وأكثر محدودیّة. وقد أشار الى وجود هذا الاحتمال قائد الثورة الاسلامیّة(1).

وعلى كلّ حال فلابدّ من الاهتمام بهذا الموضوع لانّ استعداد المجتمع الاسلامیّ للتصدّی للأعداء یقلّل من فرص نفوذهم ونجاحهم. أمّا اذا جاء یوم استفرغنا فیه فی النوم العمیق واستسلمنا فیه لتأثیر إعلام العدوّ وفقدنا غیرتنا الدینیّة فحینئذ سوف یطمع العدوّ فینا وقد تحدث ظروف نحتاج فیها الى مثل هذه النهضة الاستشهادیّة. وبهذه المناسبة قدّمتُ هذا البحث الطویل نسبیّاً حول الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر وقلت انّ الأمر بالمعروف ـ بمعناه العام ـ یشمل عدّة عناوین اخرى، منها عنوان «التعلیم»، ومنها عنوان «الموعظة»، وبالتالی نصل الى واحد من أهمّ تلك العناوین وهو عنوان «الجهاد».

 

واجب الحكومة والمجتمع فی مجال تعلیم الأحكام والمسائل:

فی مجال التعلیم قلنا انّ له ثلاث شعب هی: تعلیم الجاهل وتنبیه الغافل وارشاد الضّال. فالصورة الاولى هی ان یعیش شخص فی المجتمع الاسلامیّ وهو لا یتمتّع


1. خطاب قائد الثورة الاسلامیّة آیة اللّه خامنئی فی اجتماع الشباب (فى مصلّى طهران) بتاریخ 1379/02/01 هـ. ش.

بالمعارف الاسلامیّة ولم تتوفّر له ظروف یتزوّد فیها بالمعلومات اللازمة فی مجال الدین، فهذا الشخص یجب تعلیمه. وتعتبر هذه المرحلة من مصادیق الأمر بالمعروف بمعناه العام.

المعنى الثانی هو أن یكون الشخص عالماً بالمسألة ولكنّه قد تعرّض لظروف أدّت به الى الغفلة تماماً عن وجود مثل هذا الحكم والتكلیف ومثل هذه المسألة بالنسبة الیه. فالانسان عادة تكون مواقفه واتّجاهاته تابعة لوضعه الذهنی، وفی كثیر من الأحیان یكون وضعنا الذهنیّ تابعاً لظروف البیئة، فان كانت البیئة ملوّثة ومظلمة وفاسدة فقد یؤدّی ذلك بالكثیر من الناس الى الغفلة. فاذا سئلوا هل یوجد هذا الواجب فی الاسلام فانّهم یجیبون بالایجاب، ولكنّهم غافلون عن ان هذا الواجب واقع على عاتقهم أیضاً ولابدّ لهم من القیام به. ففی هذا المورد یظهر الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر بصورة «تذكیر الغافل» أو «تنبیهه» و«ایقاظه».

المعنى الثالث هو «ارشاد الضّال»، أیّ انّ هناك شخصاً لا یتمتّع بالمعرفة الصحیحة ولكنّه یتخیّل انّه یتمتّع بها، فهو جاهل من نوع الجهل المركّب. یظنّ انّه یعرف واجبه ولكنّه مخطئ ومشتبه فى ذلك. فهذا الشخص یجب ارشاده ویجب ان نبیّن له انّه مخطئ اذا كان یتصوّر انّ هذا واجبه أو انّ الواجب لابدّ ان یتمّ بهذه الصورة، كلاّ، فالطریق الصحیح هو كذا والهدف الصحیح هو ذاك. هذا هو ما نقصده من «ارشاد الضّال».

هذه واجبات ثلاثة كلّها من قبیل التعلیم

ویتمّ التعلیم أحیاناً بصورة فردیّة، فكلّ انسان یتحمّل مثل هذه المسؤولیّة فی عائلته بالنسبة الى أولاده وأهل بیته، فان كان فیهم جاهل أو غافل أو ضالّ فانّه یجب تعلیمه أو تنبیهه أو ارشاده: «قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِیكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ

الْحِجارَةُ»(1)

فكما انّ الانسان مكلّف بالقیام بواجباته الشخصیّة فهو مكلّف أیضاً بتعلیم عائلته وأقار به ومن یؤثّر فیه فكریّاً.

ویقع هذا الواجب ـ فی مستوى أرفع ـ على عاتق العلماء والمتخصصین فی هذه المجالات، فلابدّ ان ینهضوا بواجباتهم فی المجتمع بصورة أوسع وأعمق. وفی العصر الذی یُدار فیه المجتمع بواسطة المؤسّسات المتنوّعة لابدّ من الأخذ بعین الاعتبار مؤسّسة معیّنة تتولّى القیام بهذه المسؤولیّة. فالكلّ یعلم انّ المجتمعات السابقة التی كانت تُدار بصورة بسیطة لم تكن فیها مثل هذه الوزارات والتقسیمات التی نلاحظها فی الدولة المعاصرة. مثلاً فی صدر الاسلام عندما كانوا یبعثون بالمسؤولین الى منطقة معینة فانّهم كانوا یرسلون ـ على الأقلّ ـ ثلاثة أشخاص: احدهم الوالی (الحاكم)، والآخر المعلّم والقارئ وهو الذی یعرف القرآن الكریم ویعلّمه للآخرین وهو عالم یرجع الیه الناس للاطّلاع على المعارف والأحكام، والثالث هو صاحب الخزانة الذی یتولّى جمع الأموال ویقوم بالحسابات اللازمة.

اذن كانت هذه المؤسّسات الثلاث فحسب، ثمّ بعد ذلك تعقّدت تدریجیّاً العلاقات فی المجتمع وأخذت تظهر مؤسّسات جدیدة فی المجتمع تضاف الى ماسبق حتّى وصلت الوزارات فی الحكومات المعاصرة الى عشرین أو ثلاثین وزارة بل فاق عددها الثلاثین فی بعض الدول. وفی ظروفنا التی نعیشها حالیّاً توجد ـ على الأقل ـ ثلاث وزارات تتولّى الألوان الثلاثة للتعلیم، احداها وزارة التربیة والتعلیم وهی مكلفة بمحو الامیّة وتزوید الأطفال بالعلوم المادیة والدنیویة المتعارفة بالاضافة الى التوعیة الدینیّة، هذا اذا كان النظام اسلامیّاً. والحقّ یقال انّ وزارة التربیة والتعلیم هی من أفضل موسّساتنا حتّى فی زمان النظام السابق وقد


1. سورة التحریم، الآیة 6.

قامت بخدمات جلیلة لهذا المجتمع، وكذا الیوم فهی مؤسّسة محترمة. ولهذا الأمر أسباب عدیدة من جملتها انّ معظم موظفیها من المعلمین والمدرسین ینتمون الى الطبقة الوسطى العادیّة وهم أبناء هذا الشعب الذی هو على اتصال دائم بالمحافل الدینیّة ویتمتّع بأفكار دینیّة قویة ومحكمة، ومن هنا فانّهم یشعرون بالمسؤولیّة فی مدارسهم.

والثانیة هی وزارة التعلیم العالی وتتولّى جانباً من مسؤولیّة التعلیم فی المجتمع وتسییر شؤون الجامعات.

والثالثة هی وزارة الثقافة والارشاد الاسلامیّ. ویبدو من اسمها ضخامة المسؤولیة الواقعة على عاتقها.

ومع الأسف فان نتائج اعمال هاتین الوزارتین لم ترتفع الى الحدّ المطلوب منهما. وعلى الرغم من تصریحات قائد الثورة الاسلامیّة التی یخاطب فیها وزارة التعلیم العالی قائلاً: لابدّ من جعل الجامعات اسلامیّة، مع ذلك لا نلاحظ انّها قد قامت بعمل جدّی فی هذا المجال، ولعلّ السبب فی ذلك هو انّ بعض المسؤولین فیها لا یملكون ارادة جادّة للقیام بهذه المهمّة. ولهذه الظاهرة أسبابها ایضاً، ومن جملة تلك الأسباب انّ كثیراً من أساتذة الجامعات ومدیری هذه المؤسّسة واقع تحت تأثیر الجوّ الخارجیّ، حیث أمضوا سنوات فی اوربا أو امریكا أو انهم تعلّموا على ایدی الذاهبین الى اوربا او امریكا، فأصبحت أخلاقهم وأذواقهم وثقافتهم ومعلوماتهم اقرب الى ثقافة الكفر منها الى ثقافة الاسلام. ومن الطبیعی ان من یتربّى على أیدی هؤلاء لن یكون أحسن حالاً منهم. اذن عمل هذه الوزارة ناقص وهو بحاجة ماسّة الى عمل كثیر.

وأمّا وزارة الارشاد فالكلّ یعلم ما هو وضعها الآن وما هو اسلوب عملها. وقد صرّح بعض المسؤولین الكبار فی هذه المؤسّسة بانهم لا علاقة لهم اصلاً بالدین،

وان عنوان الارشاد الاسلامی لیس سوى اسم یطلق على هذه الوزارة. وهذا یعنی انّ هذه التسمیة مجاملة لیس أكثر وإلا فان عمل هذه الوزارة هو نفس عمل وزارة الثقافة والفنّ فی زمان الشاه! ویصرّحون بانّنا لا علاقة لنا بدین الناس! نحن نهدف الى ترویج ثقافتنا الوطنیّة وثقافتنا القدیمة والرقص والغناء وما شابه ذلك من امور فنّیة! نحن نرید اشاعة اللغة الفارسیّة والثقافة القومیّة الایرانیّة فی سائر الدول! ولا علاقة لنا بالاسلام!

لقد صرّحوا بذلك، واذا كانوا یكذّبون هذه الأقوال فلدىّ الوثائق علیها وتاریخ التصریح بها ونوعیّة المخاطبین بها.

وعلى كلّ حال فانّه یجب على هذه المؤسّسات الثلاث فی مجتمعنا أن تولی اهتماماً كبیراً بتعلیم وتربیة شبابنا، وتاریخ عمل إحداها جیّد نسبیّاً، وامّا الوزارتان الاخریان فعملهما غیر مطلوب وقد كانت احداهما سیئّة جدّاً.

وهنا نتساءل: اذا لم تقم هذه المؤسّسات الثلاث بواجبها الاجتماعیّ فماذا یجب على الناس أن یعملوا؟

بقطع النظر عن كوننا مواطنین ـ حسب الاصطلاح المعاصر ـ وبهذا العنوان علینا واجبٌ اِزاء الحكومة ولنا حقّ علیها، لكنّنا نحن ماذا یجب علینا أن نعمل؟ اذا لم یقم هؤلاء بواجباتهم فهل یمكن أن یشعر الناس بانّه لا یوجد واجب على عاتقهم؟

لو كان المجال یسمح لی بالتوسّع لبیّنت انّ هذه الواجبات هی أساساً تقع على عاتق الناس، ولكنّه لوجود الظروف الاجتماعیّة المعقّدة فی العصر الحاضر فقد جُعلت على عاتق الحكومة. فهناك بحث یدور حول واجبات الحكومة ما هی؟ أهی مجموعة من الواجبات المتعلّقة ـ أصالةً ـ بالحكومة ولا دور للناس فیها، أم على عكس ذلك هی مجموعة من الواجبات التی یتعیّن على الناس القیام بها، لكن بما انّ الناس عاجزون عن القیام بها أو انّه لا یوجد عدد كاف من المتبرّعین للقیام بها فانّ

الحكومة تنوب عن الناس فی القیام بها. ومن الواضح انّ التعلیم والتربیة هما من شؤون الناس، فلابدّ ان یبذلوا ما فی وسعهم لنشر المعارف الاسلامیّة فی المجتمع، ولكن بالنظر الى الظروف الاجتماعیّة المعاصرة فقد جُعلت أبعاد من هذا الواجب على عاتق الحكومة، فهو من شؤونها ولابدّ ان تنهض به، ویتعیّن على الناس ان یطالبوها بذلك. أمّا اذا قصّرت الحكومة ـ لأیّ سبب من الأسباب ـ ولم تقم بواجبها فی هذا المجال فانّ الواجب لایسقط عن عاتق الناس.

اذن من جملة واجباتنا ـ ولاسیّما فی هذه الظروف التی لا تقوم فیها وزارة التعلیم العالی ووزارة الارشاد بما یجب علیهما ـ ان نتصدّى لتعلیم الشباب والیافعین فی مجتمعنا. والمقصود من هذا التعلیم الواجب هو تعلیم الامور الدینیّة. وقد توجد ضرورة ـ أحیاناً ـ لتعلیم سائر الامور أیضاً ولكنّ اهتمامنا الآن منصّب على تعلیم الامور الدینیّة بعنوان كونه من مصادیق الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر، بمعنى ان نسلّحهم بالمعارف الدینیّة بحیث لا یقعون فریسة للأجواء المعادیة فیضعف دینهم ویتزلزل ایمانهم ویحصل لهم الشكّ فی اصول الدین واُسسه. فهم یُزوّدون بهذه التعلیمات حتّى یصبحوا محصّنین ضدّ هذه الظواهر المرَضیّة.

ویقع القسم الأعظم من هذه المسؤولیّة على عاتق علماء الدین فلابدّ أن یبذلوا قصارى جهدهم لتألیف كتب فی هذا المجال فی مستویات متنوّعة، وأن یربّوا أساتذة أكفاء، وان یعقدوا صفوفاً مختلفة للتعلیم الحضوری وغیر الحضوری، الرسمیّ وغیر الرسمی، القصیر الأمد والطویل الأمد، حتّى یتمكّن الشباب من الانتفاع من هذه الفرص. ومن حسن الحظّ انّ خطوات قدقُطعت فی هذا المضمار، ولاسیّما بالنسبة لطلاّب الجامعات، وبمساعدة من التعبئة الطلابیّة ینال التعلیم فی كلّ عام مایقرب من ألفی طالب، وقد اُلّفت كتب بهذا الخصوص، وأصدر قائد الثورة الاسلامیّة أمره بتدریس هذه الكتب فی كلّیة القوّات المسلّحة. ویستطیع سائر

الطلاّب والمعلّمین الحصول على هذه الكتب وإعداد استاذ لتدریسها أو استخدام الأشرطة الموجودة لشرحها وتوضیحها، وذلك بهذف تسلیح النفس لحمایتها من التأثّر بالشبهات الشیطانیّة. وهناك ستّة كتب قد اُعدّت لهذا الفرض. ومن أحبّ تفصیلاً أكثر فی هذا المجال فانه یستطیع مراجعة مؤسّسة الامام الخمینی(قدس سره) للتعلیم والبحوث فی قم، أو مكتب طرح الولایة التابع للتعبئة الطلابیّة.

هذه هی ألوان التعلیم التی یجب علینا القیام بها تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر.

القسم الثانی هو الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر بمعنى المواعظ بشكل عام. وهذا القسم أیضاً واجب على الجمیع بالنسبة لعائلة الانسان ومن یؤثّر فیهم فكریّاً. فالكلّ مكلّف بتقدیم النصح لأولاده حسب مستواه العلمیّ، وأن یدلّهم على طریق الخیر، وان یحذّرهم من طریق الشر، وان یشجّعهم على القیام بواجباتهم الفردیّة والاجتماعیّة.

وتقع هذه المسؤولیّة فی مستوى أوسع على عاتق مؤسّسات اخرى ومن جملتها الذین یتصدّون بشكل رسمیّ للوعظ والارشاد. فلابدّ ان یشعر الواعظون بضخامة مسؤولیتهم وان یكونوا جادّین فی إعداد أنفسهم، وان ینظّموا مواعظهم بحیث تلبّی الحاجات الموجودة فی المجتمع، وان تحمی الشباب من التورّط فی المزالق، وان یولوا الشباب اهتماماً أكبر، وان لا یعتمدوا على القوالب القدیمة التی تعود الى مائة أو مائتی عام من قبل، بل یتعیّن علیهم الاهتمام بالحاجات المعاصرة وان یعیشوا مشاكل مجتمعهم الحالی.

وبطبیعة الحال فان للموعظة ظروفها وشروطها، ولمّا كانت هذه الامور معروفة لدى الجمیع، حیث یعرفون شروط الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر فی مجال الأعمال الفردیّة البسیطة لهذا لا نرید ان نفصّل هذا الموضوع وانّما ننتقل الى قسم

أهمّ نرید ان نتعلّمه من قصّة عاشوراء ونهضة الامام الحسین(علیه السلام).

 

واجب الحكومة والمجتمع فی مقابل مؤامرات الأعداء:

كما أشرنا من قبل فانّ جانبا مهمّاً من الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر قد غُفل عنه مع الأسف الشدید، ولاسیّما قبل نهضة الامام الخمینی(قدّس سرّه)، وهو مایتعلّق بالنّضال ضدّ المؤامرات على الاسلام فی المجالات المختلفة من اقتصادیّة وثقافیة وسیاسیّة وعسكریّة وفی مجال التربیة والتعلیم. وفی هذا المجال الحسّاس لا یمكن الاكتفاء بفترة قصیرة من التعلیم لإعداد أنفسنا لمثل هذا الأمر بالمعروف، بل لابدّ من تعلیم محكم ودقیق محسوب فیه الحساب بحیث یكون متناسباً مع خططهم الشیطانیّة التی اُعدّت بواسطة متخصّصین عكفوا أعواماً عدیدة وأنفقوا میزانیّات ضخمة علیها. وقد أشار قائد الثورة الاسلامیّة الى جانب منها قائلاً: انّ الأعداء قد سخّروا بعض مطبوعاتنا لأغراضهم واتّخذوها قاعدة لانطلاقهم(1) لكی یستغلّوها للهجوم على الاسلام والنظام الاسلامیّ. فالمطبوعات فی داخل ایران واقع بعضها بأیدی اُناس قد باعوا انفسهم للأجنبیّ، ویُموّن بعضها من بیت المال لكنّها قد أصبحت موقعاً للامریكان والصهاینة وسائر الأعداء حیث تنفّذ أهدافهم وتعینهم فی التسلّل الى عقول الناس وقلوبهم.

فالشیء الذی یتوقّع أن تقوم به اذاعة لندن أو اذاعة امریكا یقوم به هؤلاء متطوّعین. وهذا جانب واحد من النشاطات التی یقوم بها العدوّ ضدّ نظامنا الاسلامیّ.

ولننظر الآن ماذا نستطیع ان نعمل فی مقابل هذه المؤامرة، فقط فی مجال التآمر الإعلامی؟

هل یتیسّر لشخص او شخصین أو حتّى عشرة اشخاص ان یتصدّوا لهذه المؤامرة؟


1. خطاب قائد الثورة الاسلامیّة آیة اللّه خامنئی فی اجتماع الشباب (مصلّى طهران) بتاریخ 1379/02/01 هـ. ش.

لابدّ ان نفكّر كثیراً وان نستنفر كلّ قوانا لنعرف ما هی الحركات التی یجب علینا القیام بها للتصدّی لهذه الحركة الشیطانیّة المشبوهة وهذا النشاط الواسع المدروس. هذه بعض الموارد التی ینبغی ان تجعلنا حسّاسین وان تدفعنا للتفكیر أكثر فی مسؤولیّة الامر بالمعروف والنهی عن المنكر فی مثل هذه المواضیع وأن نولیها جدّیة أكبر.

وفی هذا المجال لا یجری الكلام عن معصیة فردیّة یرتكبها شخص ونحن نقوم بتنبیهه، وانّما هو امر قد یهدّد كیان الاسلام بالخطر، بحیث نفتح عیوننا فی یوم مّا واذا بكلّ شیء قد وقع فی أیدی الأعداء، ونسأل اللّه تعالى ان لا یحدث مثل هذا الأمر، وانّ بركات سیدالشهداء(علیه السلام) سوف تحول دون وقوع ذلك ولكنّ هؤلاء قد وضعوا خططاً دقیقة ووفّروا لها مقدّماتها وهم یؤمّلون كثیراً فی ذلك. ونحن أیضاً لا ینبغی لنا ان نقلّل من شأن العدوّ، ولكنّه یجب التأكید على أن تكون قلوبنا معلّقة بلطف اللّه تعالى ودعاء الامام صاحب العصر والزمان ـ عجل اللّه تعالى فرجه الشریف ـ ولیس معنى هذا ان نجلس مكتوفی الایدی وان لا نعمل شیئاً، وانّما یعنی ان نتوكّل على اللّه تعالى وان نقوم بكلّ ما نستطیع معتمدین على دعمه لنا وان نطمئن بوجود النصر الالهی: «إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ یَنْصُرْكُمْ»(1) لكنّ هذا مشروط بان نبذل غایة ما فی وسعنا وان یكون ذلك باخلاص للّه سبحانه، وعندئذ سوف نرى العون الالهیّ یرفدنا فی كل مجال ینقصنا فیه شیء.

وعلى كلّ حال فلابدّ من التعامل بجدّیة فی هذا المجال وان نبثّ الوعی به فی كل مكان، وقد اُعدّ هذ البحث لیكون مقدّمة لاثارة الشعور بالمسؤولیّة بین الإخوة الاعزاء والأخوات الكریمات، ولست أدری ان كنت قد وفّقت لذلك ام لا، واُحاول الآن ان اخرج بنتیجة محدّدة وهی الجواب عن هذا السؤال: ماذا یجب علینا أن نعمل؟ فهناك كثیر من الإخوة والأخوات ولاسیّما من الأوساط الجامعیة یسألون ما


1. سورة محمد، الآیة 7.

العمل؟ انّ قلوبنا تحترق ونعلم انّ علینا واجباً فی هذا المضمار ولكنّنا لا نعرف ماذا یتعیّن علینا ان نعمل. واُحاول فی البدایة أن اُبیّن لماذا نحن لا نعلم؟ وكیف تطوّرت الأوضاع بحیث أصبحنا لا نعلم؟ ثمّ اُحاول بعون اللّه بیان الخطوط العامّة لهذا الأمر.

 

علل نسیان واجب الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر:

توجد فی هذا المجال عدّة نقائص بحیث أدّت الى ان لا نتعرّف ـ كما ینبغیـ على مثل هذه المسألة المهمّة. فمع انّه قد مرّ أكثر من أربعین عاماً على بدایة نهضة الامام الخمینی(قدس سره) ـ حیث بدأت رسمیّاً عام 1341 هـ .ش ـ وخلال هذه السنین الطویله سمعنا بیانات الامام(رحمه الله) وكانت كتبه ووصیته تحت تصرفنا، ومع هذا كلّه نقول انّنا لا ندری ماذا یجب علینا أن نعمل؟! وما هی مشكلتنا؟ واذا أردنا القیام بحركة فی سبیل القیام بهذه الواجبات فمن أین یجب أن نبدأ؟

المشكلة هی تأثیر الإعلام الشیطانی خلال هذه السنین الأخیرة فی ترویج ثقافة التساهل والتسامح . فقد روّج لهذا الموضوع اشخاص مختلفون وبأنواع مختلفة من البیان ـ ولعلّ بعض هؤلاء قد قام بذلك عن حسن نیّة أو انّنا على أقل تقدیر نحن نظنّ ببعضهم انّ له حسنَ نیّة فی ذلك ـ وقد كرّروا الدعوة الى التساهل والتسامح وتحمّل أفكار الآخرین وأقوال من هذا القبیل بحیث أثّر ذلك فینا جمیعاً بشكل أو بآخر. ولعلّی أستثنی من قولی «جمیعاً» عدداً من الأشخاص بمقدار أصابع الید كانوا بمنأى عن هذا التأثیر . اذن قد صدّق أكثرنا بانّه فی هذا الزمان وفی هذه الظروف لا یمكن التشدّد ولا یصحّ اللجوء الى «العنف» كما یزعمون. انّهم یطلقون اصطلاح «العنف» على كلّ ما هو غیر التساهل والتسامح، من قبیل ان یكون للانسان غیرة دینیّة أو تعصّب بالنسبة للأحكام الاسلامیّة أو انّه یقول بضرورة وجود دین واحد هو الأصیل وهو الدین الحقّ وانّه لابدّ من تنفیذ الأحكام الاسلامیّة وما شابه

ذلك من أقوال. انّهم یسمّونها بالأفكار المتشدّدة والمتطرّفة والمتعصّبة، ویقولون ان مثل هذه الافكار تعود الى القرون الوسطى! ولا مكان لها فی هذا العالم المتحضّر!

ماذا یعنی ان یكون «دین واحد» فحسب؟! لیكن ألف دین! انّها التعدّدیة الدینیة! وأشیاء من هذا القبیل! لقد قالوها وكتبوها كثیراً بحیث أثّروا على الجمیع بنحو من الأنحاء.

فاذا أردنا أن نستیقظ من هذا النوم العمیق وأن نُفلت من هذه المصیدة التی نُصبت لنا فلابدّ من تمزیق شباك «التساهل والتسامح». ان نسیج هذه الفكرة واهن كخیوط العنكبوت. ففی الدین الاسلامیّ یوجد الیسر والسهولة یقول اللّه تعالى: «یُرِیدُ اللّهُ بِكُمُ الْیُسْرَ»(1)، ولكنّه لا یوجد التساهل فی الدین الاسلامیّ. انّ الدین الاسلامیّ فی حدّ ذاته دین سهل یسیر ولكنّه لا یجوز اطلاقاً التساهل فی أحكامه وقوانینه. فالتساهل یعنی عدم الاهتمام واللامبالاة، وهو أمر مرفوض، فلابدّ من الاهتمام بما هو موجود فی الدین، انّها مغالطة ضخمة طالما نبّهنا علیها، ومع ذلك تعود الصحف لتؤكّد على ثقافة التساهل والتسامح، ویصدر هذا الأمر من شخصیّة ثقافیّة مسؤولة فی الحكومة، ومع أنّنا أجبنا على ذلك مرّات عدیدة لكنّنا نعود لنؤكّد انّه لا یوجد فی الاسلام شیء یسمّى بالتساهل والتسامح، وما ورد من قوله(صلى الله علیه وآله): «لكن بعثنی بالحنیفیّة السهلة السمحة»(2) لا یعنی اللامبالاة بالدین، وانّما یعنی ان الدین هو بذاته أمر سهل یسیر، لكنّ هذا الدین السهل الیسیر لابدّ من الاهتمام به بكامله ولا یصحّ الإخلال بجانب منه حتّى بمقدار رأس الإبرة.

وعلى كلّ حال فقد روّجوا لهذه الفكرة وأشاعوا هذه الروح ورغّبوا بها شبابنا مستخدمین الآداب من شعر ومسرحیّات وقصص وأفلام سینمائیّة وأشیاء اخرى بحیث رسّخوا هذا الموضوع فی عقول الناس وقلوبهم وخلقوا هذا الجوَّ فی أرجاء


1. سورة البقرة، الآیة 185.

2. بحارالأنوار، ج 22، ص 263، الباب 5، الروایة 3.

هذا البلد الاسلامیّ. فلابد من التعجیل بتمزیق هذه الخیوط العنكبوتیّة، فكلّ هذا الكلام غیر صحیح ولا دلیل علیه. فالاسلام یؤكّد على ضرورة الغیرة، والاسلام یطلب منّا الصمود والتقوى والحسم والجدّ، ولا یجیز لنا التساهل واللامبالاة.

فان أردنا ان نعرف واجبنا وأن لا نقع فی مصیدة الشیاطین وأن لا یأتی یوم یهدّد فیه نظامنا الاسلامیّ بالخطر ـ والعیاذ باللّه ـ فلابدّ أن نبدأ أولاً بتمزیق هذا الشباك العنكبوتیّ.

هذه هی الخطوة الاولى، أمّا الخطوة الثانیة فهی تعود الى لون من الضعف الثقافیّ الذی أصابنا نتیجةً لأعمال قد تمّت خلال فترة طویلة من الزمان ولاسیّما خلال نظام الحكم البهلوی السابق ـ ولعلّ بعضنا قد ساهم فی تلك الأعمال ـ ویتمثّل هذا الضعف بحالة عدم الاعتناء التی نشعر بها بالنسبة لأعمال الآخرین، فكلّ انسان منّا یهتمّ بعمله فقط ولا علاقة له بأعمال الآخرین، وكل فرد یعمل حسب تشخیصه الذاتی ولا یهمّه التشاور مع الآخرین والانسجام وتبادل الأفكار معهم. انّ هذا الاسلوب الفردیّ وعدم الاحساس بالحاجة الى الآخرین فی القیام بالنشاطات المختلفة هو نقص ثقافیّ موجود فینا. فاذا أردنا القیام بالأمر بالمعروف فنحن نقوم به وحدنا، واذا أردنا التعاون مع الآخرین فأقصى ما نطمح الیه هو التعاون مع شخصین أو ثلاثة من أقاربنا أو جیراننا فی مكان السكن أو فی مكان العمل. أمّا انّنا نحتاج الى ارتباط أوسع وجدّیة أكبر فی مجال القیام بالواجبات الاجتماعیّة فهذا ما لم نصدّق به ولم نعمل على أساسه. ولهذا الأمر أسباب متعدّدة لعلّ لنا الحقّ فی بعضها، ولكنّنا نعلم انّ الاسلام قد شجّع على الاتّحاد والتآلف، ویقول الحدیث الشریف: «المؤمن آلف مألوف»(1) فهو یأنس بالآخرین والآخرون یأنسون به.


1. بحارالأنوار، ج 67، ص 309، الباب 14، الروایة 41.

ویقول الامام أمیرالمؤمنین(علیه السلام): «من استبدّ برأیه هلك»(1). ویقول اللّه سبحانه: «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً وَ لا تَفَرَّقُوا»(2). وكلّنا یعلم انّ الاسلام یحثّ على الوحدة والترابط بحیث یعتبر المؤمنین بحكم الجسد الواحد كما فی الحدیث الشریف:

«المؤمن أخ المؤمن كالجسد الواحد»(3)

فنحن المؤمنین الذین نحبّ القیام بواجباتنا الشرعیّة ونحبّ ان لا نرى الاسلام ضعیفاً وان لا تُوجّه طعنة للنظام الاسلامیّ لابدّ أن نبذل غایة جهدنا لإقامة العلاقات فیما بیننا.

وتوجد فی هذا المجال مشكلة ـ وقد قلت لعلّ لنا الحقّ فیها ـ وهی انّه منذ قرن من الزمان ولحدّ الآن صوّروا لنا انّه اذا أردنا القیام بنشاط اجتماعیّ فلابدّ أن یتمّ ذلك فی اطار التنظیم الحزبیّ.

وقد شكّلت أحزاب كثیرة لكنّها لم تستقم فی مسیرتها، وحتّى بعد انتصار الثورة الاسلامیّة اُسّست أحزاب لكنّها لم ینجذب القلب الیها. فمع أنّ المؤسسین للحزب الجمهوری الاسلامی هم من المقرّبین للامام الخمینی(قدس سره) امثال الدكتور بهشتی والدكتور باهنر وسماحة آیة اللّه الخامنئی والشیخ هاشمی رفسنجانی لكن الامام(رحمه الله)لم یؤكّد كثیراً على تشكیل هذا الحزب، بل قال: اذا اردتم ان یكون لكم حزب فلیكن الحزب الجمهوری الاسلامی. وهذا یختلف كثیراً عن القول بانه لابدّ ان تشكّلوا حزباً.

وعلى كلّ حال فقد صوّروا لنا الأمر بانه فی المجال السیاسی الاجتماعی إمّا ان یكون النشاط فردیاً وإمّا أن یكون حزبیّاً، ولمّا كنّا مشمئزّین من العمل الحزبیّ فان الأمر ینحصر فی أن نقوم بالعمل الفردیّ، غافلین عن انّ هناك شكلاً ثالثاً للنشاط.


1. نهج البلاغة، الكلمات القصار، 161.

2. سورة آل عمران، الآیة 103.

3. بحارلأنوار، ج 61، ص 148، الباب 43، الروایة 25.

فلا العمل الفردی یمثّل النموذج الاسلامی ولا العمل الحزبیّ، وانّما النموذج الاسلامیّ هو ماتوصّل الیه الامام(رحمه الله) نفسه ولكنّه مع الأسف لم یتمّ بحثه ولا دراسته بشكل كاف.

ایجاد التنظیمات الاسلامیّة للقیام بالنشاطات الاجتماعیّة:

فی أوائل هذه النهضة الاسلامیّة جاءت الى الامام الخمینی(قدس سره) مجموعة من عشّاقه وفدائییه وقالوا له: انّ أرواحنا وأموالنا تحت تصرّفك فاْمرنا ماذا نفعل، وطلبوا منه تزویدهم باسلوب العمل. وكان لهؤلاء الأشخاص عدّة هیئات دینیّة وهیئات لإقامة العزاء. فقال الامام(رحمه الله) تعالوا قرّبوا بین هذه الهیئات واوجدوا بینها ائتلافاً. ولتكن الهیئات مستقلّة، فلكلّ هیئة مكانها واعضاءها، وكل مجموعة حرّة فی اختیار اسلوب عملها وخطیبها وشاعرها وقارئ الرثاء، لكن على كل هیئة ان تقیم علاقة مع الهیئة المجاورة لها، ولیتعاونوا فی المشتركات، ولیجلسوا لتنظیم الاصول المشتركة بینهم. فهذه الهیئات تأتلف فی الامور المشتركة بینها مع حفظ كلّ منها لاستقلالها الداخلیّ. ومن هنا وجد اسم «الهیئات المؤتلفة» الذی اتخذته مجموعة من الناس عنواناً لها. ولست أقصد الدفاع عن هذه الجماعة ولست بصدد البحث عن ألوان النقد الموجّه الیها، وانّما أردت القول بانّ هذا النموذج قد اقترحه الامام(رحمه الله)قائلاً لتأتلف الهیئات الدینیّة. وفی البدایة كانت هناك اربع هیئات، احداها تحت اشراف آیة اللّه الخامنئی، والاخرى تحت اشراف الشیخ الرفسنجانی، والثالثة تحت اشراف الدكتور باهنر، وقد قمت بجانب من العمل مع هؤلاء الأعزّاء. ثمّ طلبت هذه الهیئات من الامام(رحمه الله) ان یعیّن ممثلاً له فیها ینسّق شؤون ائتلافها، وقد استجاب الامام(رحمه الله) لهذا الطلب فعیّن المرحوم الدكتور بهشتی ممثلاً له فیها.

والیوم ایضاً اذا أردنا العمل الجماعیّ فلابد ان ننظّم أنفسنا ونترابط ونتفاهم، ولا اقصد بذلك ان نقوم بتشكیل حزب، ولست احارب فكرة الحزب، ولكنی اقول ان

افضل نموذج ینسجم مع القیم الاسلامیّة هو ذلك النموذج الذی اقترحه الامام(رحمه الله)، فهناك اشكالات ترد على الحزب وهی غیر واردة على هذا النموذج المقترح.

فالأحزاب یقوم بتشكیلها عدّة أشخاص، وهؤلاء هم الذین یسیّرونها، وفكرهم هو المسیطر علیها. ویزعمون انّهم یهتمون بآراء الأعضاء ویجرون انتخابات، ولكنّ هذا هو ظاهر القضیّة، والحقیقة انّ المنهج یعیّنه هؤلاء الافراد ویسیر الحزب على أساسه. فان كانت هناك زعامة فهی لهؤلاء الأشخاص، وهم الذین یقومون بالأدوار الرئیسیّة. ورؤساء الاحزاب هم الذین یستلمون الحكم عند انتصار احزابهم فی الانتخابات، سواء أكانت انتخابات البرلمان أم انتخابات اخرى، وتوجد دوافع قویّة تحملهم على ان ینتصر حزبهم بأیّ ثمن كان. وفی داخل الاطار الحزبی یبذلون غایة جهدهم لیصبحوا اعضاء فی القیادة العلیا للحزب، وهذا یعنی انّ الدوافع المادیة والدنیویّة مؤثّرة كثیراً فی النشاطات الحزبیّة. ولعلّكم سمعتم بانّ بعض الاحزاب فی الجمهوریة الاسلامیّة قد استخدمت فی الانتخابات الأموال العامّة العائدة للبلدیة أو البنوك أو الجامعات أو وزارة التربیة والتعلیم ومؤسسات اخرى كثیرة، ومع انّ هذا ممنوع بنصّ القانون ولكنّهم استخدموا هذه الأموال لتحقیق النصر فی الانتخابات!

أمّا النموذج الذی اقترحه الامام(قدس سره) فلاتأتی فیه مثل هذه الامور، فالدافع فی الهیئة الدینیّة هو الدین، واذا انتخب شخص أو مجموعة أشخاص للقیام بدور أهمّ فانّ ذلك یعود لتشخیص المنتخبین أن هؤلاء قادرون على القیام بخدمة أكبر، ولیس فی ذلك أیّ هدف آخر. وفی الحزب یوجد مجال لسوء استخدام الامكانیّات الخارجیّة او للتبلیغات السیئّة وغیر ذلك، ولكنّ هذه الامور قلیلة جدّاً فی مجال الهیئات الدینیة، ولا یمكن المقارنة بینهما. فالذین یساهمون فی الهیئات الدینیّة یتمتّعون بالدافع الدینی ویبذلون جهدهم لیتعرّفوا على حقیقة الامور. ولا توجد

بینهم المنافسة السیّئة التی هی من أقبح سیّئات الاحزاب. فالأحزاب تقدّم مرشّحیها للانتخابات، واذا سألت اعضاء حزب معیّن عن مرشّح حزب آخر ألیس هو أصلح للأمر من مرشّح حزبكم؟ أحیاناً قد یعترفون بأنّه أصلح ولكنّهم یقولون بانّ حزبنا قد اتّخذ قراراً بهذا الشأن! انّه یشاركنا فی الاتّجاه السیاسیّ! أو أنّه عضو فی الجبهة التی ننتمی الیها! وقد وعدنا أن نكون أوفیاء لقرارات هذه الجبهة!

إلاّ انّ هذه الامور لا تجری فی الهیئات الدینیة.

اذن نحن نؤكّد على أن تكون لنا تنظیمات دینیّة قویة، ولكن لا على أساس النموذج الغربی (الحزب)، فلا وجود لنموذج الحزب فی الاسلام، وانّما هو مستورد من الغرب. وقد تكون له بعض الجهات الحسنة ولكن فیه عیوب كثیرة، فاذا وجدنا ما هو أفضل منه فلماذا لا نختار الأفضل؟ انّه اسلوبنا الاسلامی وهو الهیئات الدینیّة. ولنحاول بكل وسعنا ان تكون هناك علاقات بین هذه الهیئات الدینیة.

إذنْ الأمر الأول هو أن نكافح فكرة التساهل والتسامح، وان نقوّی فی الناس روح الغیرة والشعور الدینی. الأمر الثانی هو أن نقاوم الاتّجاه الفردیّ والانطواء على الذات، وان نقوّی هذه الثقافة فی أنفسنا وهی أنّنا بواسطة العمل الفردیّ لایمكننا مقاومة الشیاطین الذین یهدّدون كیاننا ونظامنا ودیننا، بل لابدّ لنا من القیام بعمل جماعیّ منظّم، ولابدّ لنا من الترابط والانسجام، فان لم یكن هناك سبیل إلاّ الحزب فلامانع منه لانّ الامام الخمینی(رحمه الله) لم یحاربه ولكنّ رأیه فی الأساس ـ وقد أكّد علیه فی بدایة النّهضة ـ هو ائتلاف الهیئات الدینیّة.

اذن ماذا یجب علینا أن نعمل؟

انّ اقتراحی هو أن یقوم كلّ واحد منّا فی المحلّة التی یسكن فیها باختیار مسجد یكون جامعاً الى حدّ ما ویتمیّز بامكانیّات جیّدة ثمّ تتمّ الدعوة لأبناء تلك المحلّة للحضور فی المسجد. وطرق الدعوة متنوّعة، والشباب أنفسهم یعرفون كیفیّة تأثیر

بعضهم على البعض الآخر بصورة طبیعیّة، مثلاً اذا كان هناك طالب ممتاز فی الصفّ فانه یستطیع ان یجذب كل أبناء صفّه معه. والشباب الطیّبون المستقیمون یعرفون كیف یتصرّفون. ویجب علینا أن نشجّع الشباب على أن یصبحوا محوراً لاجتماع أبناء محلّتهم. ماذا نفعل اذا كان الشاب معادیاً للثورة؟ من الواضح أنّ أبناءنا ینحرفون فی المسیرة المعادیة للثورة نتیجةً لقلّة وعیهم، فاذا واجهنا مثل هذا المورد فعلینا الاتصال بهذا الشاب خارج نطاق الهیئة للتأثیر علیه وهدایته. ولا یصبح عضواً رسمیّاً فی الهیئة إلاّ بعد الاطمئنان باستقامته. وبعد تشكیل هذه الهیئات نحاول مااستطعنا ان یتولّى الأعمالَ الأشخاصُ الذین هم أكثر نشاطاً لتحقیق الأهداف بشكل أفضل. ولتنبعث شورى من أعماق هذه الهیئات ولیعقدوا جلسات للتشاور ولیضمّوا أفكار بعضهم لبعض بصدق وشعور بالمسؤولیّة، ولیحاولوا أن یفكّروا هم وان یتّخذوا القرارات بأنفسهم. انّ مثل هذا النظام هو الذی سیكون شعبیّاً، وأمّا الشعبیّة التی یدّعیها الغربیّون فهی كاذبة. ان تسعین فی المائة من الناس لا دور لهم فیها. والشعبیّة الحقیقیّة هی ان یجتمع أبناء المحلّة الواحدة لیتّخذوا القرارات بأنفسهم من دون إجبار أو خوف. ومایقومون به ناشئ من الشعور بالواجب والمسؤولیّة. هذه هی الشعبیّة الحقیقیّة وعلى مثل هذا الأساس تقوم الحكومة الشعبیّة، لا ما یروّج له الإعلام الخدّاع لجذب الأفراد بواسطة التهدید والتطمیع بالمال والمناصب. هل تعتقدون انّ لائحة الانتخابات التی تحتوی اسماء ثلاثین مرشّحا كان منهم عشرون معروفین عند من انتخبوهم؟ كونوا على ثقة بانّ تسعین فی المائة ممّن اعطوا آراءهم لهذه اللائحة لم یكونوا قد سمعوا من قبلُ حتّى بأسماء هؤلاء العشرین فضلاً عن ان یكونوا قد عرفوهم من قبل واحرزوا صلاحیتهم للقیام بهذه المهمّة ثمّ اعطوهم آراءهم عن بصیرة واحساس بالمسؤولیّة. هذه هی حقیقة الدیمقراطیّة الغربیّة. امّا فی الحكومة الشعبیّة الاسلامیّة فالانسان

ینتخب شخصاً ـ شعوراً منه بالواجب الدینی ـ لیتمكّن من تقدیم خدمات أفضل للاسلام. وقد یسی استغلالَ الفرص شخص أو شخصان من بین كل مائة منتخب ولكنّ هذه النسبة المئویة الضئیلة یمكن تحملّها فی مقابل هذا العدد الضخم من المنتخبین المستقیمین. أمّا فی الدیمقراطیّة الغربیّة فالأصل والأساس قائم على سوء الاستغلال والخداع والإعلام المضلّل لصالح الأغراض الشخصیّة.

فلنحاول ان نحكم اجتماعاتنا ولنبثّ فیها روح المحبّة والاخوّة، ولننظر بصدق واهتمام الى ما اخبرنا به الاسلام حیث یقول المعصوم: «انّ المؤمنین اذا التقیا فتصافحا أنزل اللّه بین ابهامیهما مائة رحمة تسعة وتسعین لأشدّهما حبّاً»(1)

الى أیّ حدّ حاول الاسلام أن یقرّب بین المؤمنین الذین یتمیّزون بهدف واحد لتقوم بینهم علاقات صداقة مبنیّة على أساس الایمان باللّه والتعاون لتحقیق الأهداف الالهیّة ولیس تحقیق ماتقتضیه الأهواء، وفی سبیل ذلك یتعاملون فیما بینهم بمحبّة ویغضّ بعضهم النظر عن عیوب البعض الآخر. فقد نقل عن المعصوم(علیه السلام)ما مضمونه انّ المؤمن اذا ذهب الى باب دار مؤمن آخر ناویاً لقاءه فقط فان اللّه سبحانه یبعث الیه ملَكاً ویكلّفه بسؤاله: لماذا جئت الى باب دار هذا المؤمن؟ فیقول: جئت لألقى صدیقی. فیسأله: هل تطلب منه أموالاً؟ فیقول: كلاّ. فیعود لسؤاله: هل عندك حاجة اخرى الیه؟ یقول: كلاّ. فیقول الملَك: اذن لماذا ترید ان تراه؟ فیقول: ضاق صدری له وأحببتُ أن أراه. فیقول اللّه تعالى لذلك الملك قل لهذا المؤمن: «ایّایّ زرت وثوابك علیّ، ولست أرضى لك ثواباً دون الجنّة».(2)

هذه نماذج من تعالیم الاسلام. فلنبذل كلّ جهدنا لتقوم بیننا علاقات مودّة ومحبّة، ولنبعد عن أنفسنا ما یعكّر الصفو ویكدّر الخاطر حتّى نكون من الممتثلین


1. بحارالانوار، ج 5، ص 323، الباب 17، الروایة 11.

2. بحارالأنوار، ج 74، ص 345، الباب 21، الروایة 4.

لقوله تعالى «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً وَ لا تَفَرَّقُوا». أمّا اعداء الاسلام فانّهم لایدّخرون وسعاً فی اساءة استغلال هذه النقطة أیضاً فیصوّرون للناس انّ أیّ وحدة وبأیّ شكل حصلت فهی مطلوبة، وحتّى اذا كان الحكم فی أیدی غیر المؤهّلین فانّهم یدعون الى اتّباعهم لكی تتحقّق الوحدة.

وهنا نتساءل: اذا كانت الوحدة ـ كیفما كانت ـ مطلوبة فانّ أكثر الناس على وجه البسیطة كفّار ومشركون ولكی تتحقّق الوحدة فلیصبح المسلمون كفّاراً؟!

ولعلّ تسعین فی المائة من المسلمین هم غیر شیعة، فهل من الصحیح ان نحثّ الشیعة لیصبحوا من السنّة حتّى تتحقّق الوحدة؟!

وهل هذه الوحدة مطلوبة؟

كلاّ، انّ الوحدة مطلوبة اذا كانت تدور حول محور الحقّ، یقول تعالى: «أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ»(1) اتّخذوا الدین معیاراً ولیكن محور وحدتكم، لا أن تتّحدوا مع من لا دین لهم، فالوحدة مع الأعداء لا تثمر سوى الهلاك والدمار، فلابدّ من الوحدة مع الاصدقاء.

أیّ معیار وملاك یجب أن نأخذه بعین الاعتبار لهذه الوحدة؟ هناك معیاران یمكن طرحهما فی هذا المجال وهما فی الحقیقة یعودان الى شیء واحد، فملاك الوحدة فی مجال القوانین هو «أحكام الاسلام» وفی مجال التنفیذ هو «الولیّ الفقیه».

انّ هذین الملاكین مهمّان بالنسبة للذین یریدون ـ فی الواقع ـ تطبیق الدین فی المجتمع بید مَن هو مأذون من قِبل الامام صاحب العصر والزمان عجل اللّه تعالى فرجه الشریف. اذن معیار الوحدة هو تطبیق القوانین الاسلامیّة بید الولىّ الفقیه.

انّ اختلاف الأذواق كبیر ولن یرتفع اطلاقاً، وان الأسالیب مختلفة، وان طرق


1. سورة الشورى، الآیة 13.

التطبیق للأهداف لن تكون موحّدة، إلاّ انّ هذین الأمرین یمكن ان یصبحا معیاراً لوحدة المجتمع: فالكلّ یرید أن یُطبّق الاسلام، والكلّ یرید تطبیق الاسلام بید من هو: أوّلاً: یعرف الاسلام أفضل من غیره ولاسیّما فی الشؤون الاجتماعیّة. ثانیاً: یكون مأذوناً من قبل اللّه تعالى وأولیاء الدین حتّى لا یعدّ غاصباً. فان تمسّكنا بولایة الفقیه فانّ الاسلام حاصل بطبیعة الحال، لان الولیّ الفقیه لا یحكم بغیر الاسلام. اذن یمكننا القول بانّ الوحدة تتحقّق اذا ما أصبحت ولایة الفقیه هی المحور.

أمّا ألوان الوحدة الاخرى مثل الوحدة القائمة على أساس الدیمقراطیّة والقیم الغربیة والحریّة فانّها غیر مطلوبة، لانّ الحریة التی ینادون بها قد لاحظتم نموذجها فی مؤتمر برلین!

وقبل ذلك بفترة طویلة كنت قد أشرت فی جامعة طهران الى نوع الحریّة التی یبحث عنها هؤلاء، ولكنّه قد هاجمتنی الصحف عند ذاك بشدّة واعترضت علیّ مجموعة من الشخصیّات الكبیرة فی البلد.

والآن لاحِظوا ماذا یریدون، وأیّ وحدة وأىّ حریّة یطالب بها ممثّل تلك الفئة الطلابیّة وسائر الفئات، وبأیة ذلّة وحقارة عقدوا ذلك المؤتمر! لقد سحقوا كرامتهم وكرامة بلدهم وكرامة شعبهم بهذه التصرّفات! ولكنّ كرامة الاسلام والمسلمین أرفع من أن نستطیع تدنیسها أمثالُ هؤلاء الساقطین، فاللّه سبحانه یؤكّد فی كتابه الكریم: «وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ»(1)

إلاّ ان هؤلاء قد لوّثوا كرامة المجتمع الاسلامیّ بمقدار ما لفظوه من نجاسة من أفواههم! وقد عرف الجمیع نوع الحریّة التی یریدونها! فهل الوحدة القائمة على هذا الأساس یمكن أن تكون مطلوبة؟

وحتّى لو فرضنا انّ جمیع هذه الفئات قد اتحدّت فی جبهة واحدة فهل هذا أمر


1. سورة المنافقین، الآیة 8.

مطلوب بالنسبة للاسلام؟

انّ مایریده الاسلام هو الوحدة القائمة على أساس الدین، ومثالها ورمزها هو الولیّ الفقیه.

فاذا أردنا اختیار الأصدقاء ومن نتعاون ونفكّر معهم فلنجعل أمامنا هذا الأصل وهو أن ننظر هل انّهم یریدون تطبیق أحكام الاسلام أم لا وانّما هم یریدون التحلّل من أحكام الاسلام بهذه الذریعة وهی قولهم انّ هناك قراءة اخرى للاسلام أیضاً؟! ولكی یفرّوا من حكم الاسلام یقولون: انّ هذا هو فهمكم للاسلام، فلاتحوّلوا فهمكم الى شیء مطلق! انّ هناك ألواناً اخرى من الفهم له أیضاً!

انّ هذا یعنی «الانكار للدین». فعندما یُترك العمل بالأحكام الجزائیة للاسلام وتصبح الأحكام الشرعیّة اعتباریات لاتتمتّع بأساس عقلانی وواقعی! فماذا سوف یبقى من الدین حینئذ؟

انّنا نرید حقّاً تطبیق أحكام الدین ونعتقد بواقعیّة ما ورد فی القرآن الكریم وسنّة النبی الأكرم(صلى الله علیه وآله) ومانهض من أجله الامام الخمینی(قدس سره)، ولا نرید الاسلام الذی یقوم بتفسیره خرّیجوا جامعات لندن أو سائر الجامعات الغربیة! وهم یحاولون ان یفرضوا علینا القراءات المتعدّدة! انّنا نرید قراءة اللّه وقراءة النبی(صلى الله علیه وآله)وقراءة الأئمة الاثنی عشر(علیهم السلام)وقراءة جمیع العلماء طیلة الف واربعمائة عام. هذا هو الاسلام، وغیر ذلك لیس باسلام. لیس هناك اسلامان: اسلام هذا واسلام ذاك. ان هذا مجاز فی التعبیر. والحقیقة ان الاسلام شیء واحد، وماعداه كفر وإلحاد قد أطلقوا علیه اسم قراءة اخرى للاسلام!

یتعیّن علینا ان نحیی الجلسات الدینیّة وان نجعل المسجد هو المحور فی الحركة وان نجذب الیه جمیع أهل المحلّة من المؤمنین بالاسلام ویریدون تطبیق احكام الاسلام ویعترفون بولایة الفقیه، ولنتبادل المحبّة والمودّة ولنغضّ الطرْف عن أخطاء

بعضنا وأن لا نضخّم الأخطاء الصغیرة، ولنبذل كل جهدنا فی مساعدة الآخرین. واذا كانت الید خالیة من حطام الدنیا ولا نستطیع تقدیم المساعدة المالیّة للمحتاجین فعلى أقلّ تقدیر نعینهم بالكلمة الطیّبة، یقول اللّه تعالى: «وَ یُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ»(1) ولنحی الروح التی كانت سائدة فی اوائل الثورة وایام الحرب المفروضة حیث كان الناس یتنازلون عن طعام عوائلهم من أجل المصلحة العامّة، فانّ إحیاء هذه الروح یؤدّی الى ترابط أكبر فیغدو المسلمون بحكم الجسد الواحد.

وعندما یتحقّق هذا التشكّل فما هو الغذاء الفكریّ الذی یُقدّم فیه؟ لا شكّ أنّ المحور الأصلیّ هو القرآن الكریم والأحادیث الواردة عن النبی الأكرم(صلى الله علیه وآله) والأئمة الطاهرین(علیه السلام)، ویتمّ توضیح ذلك بواسطة الأشخاص الذین أیّدت الشخصیّاتُ الاسلامیّة المعترفُ بهم صحّةَ تفكیرهم واتجاههم. فالامام الخمینی(قدس سره) قال: ان جمیع كتب المرحوم الشهید مطهریّ معتبرة، فعلینا ان نهتمّ بها ونتداولها، وان لا نذهب الى الكتب المشكوكة أو معلومة الكذب أو معلومة الخطأ، بذریعة انّنا نرید شیئاً جدیداً! فاذا كان هذا العذر صحیحاً فلنترك القرآن اذن ولنبحث عن شیء آخر بدیل له! لأن القرآن یعود الى ما قبل الف واربعمائة عام! فهل هناك قاعدة تقول كل ما هو قدیم فهو سیّئٌ وكل ما هو جدید فهو حسن؟ انّ عكس هذا الادّعاء هو أقرب إلى الصحّة، فكل ما هو جدید فی الدین فهو بدعة وضلالة، یقول الامام أمیرالمؤمنین علیّ(علیه السلام): «و ما اُحدثت بدعة إلاّ تُرك بها سُنّة، فاتّقوا البدع، والزموا المَهْیَع (الطریق الواضح)، انّ عوازم الامور (ماتقادم منها) أفضلُها، وانّ محدثاتها شرارُها»(2).

نعم قدیكون هناك تفسیر جدید لآیة وهو صحیح، ولكنّ التجدید فی الدین واختراع اشیاءَ من النفس ونسبتها للدین هو بدعة وضلالة، وكل ضلالة فمصیرها الى جهنّم.


1. سورة حشر، الآیة 9.

2. نهج البلاغة، الخطبة 145.

أمّا استخدام الاسلوب الصحیح للتحقیق واستخراج مواضیع جدیدة من الكتاب والسنّة فهو أمر یسلّم به الجمیع وقد سار علیه جمیع علمائنا على طول التاریخ، ولكنّ هذا قائم على اساس اسلوب معقول ومعتبر وبطریقة صحیحة واستدلالیّة، ولیس بما یرضی الأهواء! أو یرضی الأمریكان! أو یرضی المعادین للثورة! أو یفرح الصهاینة!

كلّ من یستخدم اسلوباً صحیحاً للتحقیق فی الكتاب والسنّة ویظفر بنتائج جدیدة فان ذلك مقبول ومطلوب.

اذن ینبغی ان یكون هدفنا هو أن نفهم الكتاب والسنّة وروح الاسلام بشكل أفضل، وان نقف فی وجه الشبهات التی توجّه للاسلام ونقدّم أجوبة شافیة علیها، والى جانب ذلك نحاول جهدنا أن نتعرّف على الامور الحدیثة التی تتعلّق بالعالم الاسلامیّ ـ سواء مایتعلّق ببلدنا ام ما یتعلق بالبلاد الاخرى ـ وان نتمتّع بالتحلیل السیاسی الواعی والشامل. انّ هذا هو ما یجب علینا ان نقوم به.

مشكلتنا هی اننا نتصوّر انّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر هو دائماً عمل فردیّ، واذا أردنا ان نقوم بخدمة للدین فالحدّ الأقصى هو أن نساهم فی المظاهرات وان نردّد الشعارات. انّ هذا التصوّر خطأ، ورفع الشعارات هو بدایة العمل. فاذا انتهت العشرة الاولى من المحرّم فان مجالس العزاء تقلّ تدریجیّاً وتنتهی، وكذا الحماس والحرارة والشوق الذی اكتسبناه من ذكر سیّد الشهداء(علیه السلام). لكنّ هذه البرامج یجب ان تكون بدایة للعمل الأصلی وان نستمرّ فی هذا الخط وان نحفظ ما اكتسبناه من نور خلالَ إقامة العزاء على سیّد الشهدا(علیه السلام) وان نقوّی اُسس الوحدة والتفاهم التی ظفرنا بها خلال هذه المناسبة، لا أن نجمّد ذلك حتّى تحلّ علینا المناسبة مرّة اخرى فی العام القادم.

فلنتّخذ قرارنا منذ الآن ـ ولست اقصد اصدار الاوامر لأحد ولكنّ الأسئلة المتكررة لی حول ماذا نفعل تدفعنی لأقول هذا، واذا توصّلتم لسبیل أفضل فأرجو

ان تدلونّی علیه حتّى أعمل به ـ ولنجذب أبناء محلّتنا لیشكّلوا هیئة، ولعلّ الامور تكون متعسّرة فی البدایة ولكنّه بمرور الزمن وتدریجیّاً سوف ینسجم أبناء المحلّة فی هیئة نظیفة لا غشّ فیها ولا خداع، لكی نفهم الدین بشكل أفضل، ولكی نستفید من هذا التجمع فی المواقع الضروریّة. وبمجرد ان تنتظم هذه الهیئة فإن علینا ان نقیم علاقة التعاون والمحبّة مع الهیئة المجاورة لنا. فاذا كان فی المدینة عشرون محلّة فلیجمع عشرون ممثلاً لها أو أكثر، من كل هیئة شخصٌ أو أكثر، لكی یحقّقوا الانسجام بین أعمال هذه الهیئات. مثلاً یختارون شورى لهم، یتبادلون بینهم المعلومات والأخبار، وعن طریق هؤلاء تصل تلك المعلومات فی فترة قصیرة الى جمیع اعضاء الهیئة. ولنتذكّر أحداث اوائل الثورة عندما كان الامام الخمینی(قدس سره)یصدر بیاناً فانّه كان یتمّ توزیعه خلال لیلة واحدة، وكانت روح التعاون هی السائدة بین الناس، ولكنّه مع الأسف قد فقد أكثرنا هذه الروح، ونشكر اللّه تعالى على انّ بعضنا لم یفقدها وانما ضعفت قلیلاً، فلْنحیها من جدید، فان طریق النصر على أعداء الاسلام هو تقویة العلاقات الانسانیّة والاسلامیّة بین المسلمین المعتقدین بأحكام الاسلام وولایة الفقیة. فان قمنا بترسیخ هذه العلاقة وتقویتها، فانّ امریكا بل وكلّ العالم لا یستطیع أن یُلحق بنا ضرراً.

وخلاصة القول انّ محور البحث فی هذه الجلسات لابدّ ان یكون فی البدایة هو اكتساب المعارف الاسلامیّة والجواب على الشبهات والتعرّف على الشؤون السیاسیّة للعالم الاسلامی من خلال التحلیلات التی یقدّمها أشخاص یُطمئنّ بهم، وملح هذه الجلسات هو إقامة العزاء على سیّد الشهداء(علیه السلام) وفی الواقع انه روح هذه الجلسات، وأمّا اذا اقتصرنا على إقامة العزاء فانّ ذلك لا یحلّ مشكلتنا. انّ ذكر سیّد الشهداء یجمعنا، ولكن لأیّ هدف یجمعنا؟ لكی نفهم الاسلام أكثر ولكی نقاوم أعداء الاسلام بشكل أقوى وأشمل. فالهدف لیس هو أن نقطع الوقت كلّه فی العزاء،

وانّما العزاء لابدّ ان یكون ملح اجتماعاتنا، ولا یصحّ أن نتّخذ الملح بدل الطعام. إنّ علینا أن نبذل قصارى جهدنا لنتعلّم المعارف الدینیّة بشكل أفضل ولنتمكّن من الجواب على الشبهات، وأن نلمّ بالمسائل السیاسیّة، وان نتعلّم بشكل أفضل طرق المقاومة لأعداء الاسلام.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...