الكمال
رغم أن مفهوم الكمال واضح لایحتاج إلى تعریف و لكنا و لئلا نقع فی الخلط فی بعض الموارد سنقدّم توضیحاً حوله فیما یلی:
إنّ الكمال ـ بلاشكّ ـ صفة وجودیّة یتصف بها الموجود، و لكنا عندما نقیس أمراً وجودیّاً مّا إلى أشیاء مختلفة فإنّا نجده كمالا بالنّسبة إلى بعضها فی حین أنه لایعد كمالا بالنسبة للأخرى بل قد یعدّ نقصاً و تقلیلا فی القیمة الوجودیّة لتلك الأخرى.
كما أن البعض الآخر لایمتلك أساساً أیّ استعداد لبعض الكمالات فإن الحلاوة مثلاً تعتبر كمالا لبعض النواكه كالكمثرى و البطّیخ فی حین یكمن كمال بعض الفواكه فی حموضتها، أو فی طعم آخر. أو نقول إنّ العلم للإنسان كمال فی حین لا یمتلك الحجر و الخشب أیّ استعداد له. و سرّ الأمر هو أنّ أیّ موجود یمتلك حدّاً ماهویّاً خاصاً به بحیث یتبدّل إلى نوع آخر من الوجود إذا تجاوز هذا الحدّ.
إنّ التّغییرات الماهویّة قد تتم بعد تغییر شكل الجزئیّات أو زیادة الذّرّات و قلتها أو بعد التّغییرات الداخلیّة فی تركیب الذّرّة أو تبدّل المادّة إلى طاقة أو العكس، كما أنها قد تتم رغم وحدة هذه التركیبات كلها فلو قسنا البذرة الصناعیّة إلى البذرة الطبیعیّة وجدنا وحدة فی التركیب الداخلیّ للبذرتین، و لكن الصّناعیة منها تفتقد القدرة على النّمو رغم وحدة تركیباتهما.
و على أیّ حال، فإن أیّ ماهیّة تنسجم ـ بمقتضى طبیعتها ـ مع بعض الأوصاف، و فیها استعداد قبول بعض الكمالات لاغیر; إلاّ أن حدوث ماهیّة جدیدة لایسلتزم دائماً فناء الكمالات القبلیّة، فإنّ الكثیر من الموجودات تتقبل حالات فعلیّة متعدّدة كل منها یأتی فی طول الآخر (بعده) مع الاحتفاظ بالكمالات و الفعلیّات السابقة. كما نجد أن النباتات تحوی نفس الذّرّات و الموادّ المعدنیّة بالإضافة للفعلیّة النباتیّة التی تأتی فی طول توفّر تلك الذرّات و الموادّ، و هكذا الأمر فی الحیوان و الإنسان. وفی مثل هذه الموجودات من الممكن أن تكون الكمالات السابقة مساعدة إلى حدٍّ ما فی حدوث الكمالات التالیة الأسمى منها، و لكنها لاتقتضى بالضّرورة أن یكون ازدیادها دائماً موجباً لكمال الفعلیّة الأخیرة أو أنّها على الأقل لاتزاحمها، بل إننا نجد فی كثیر من الموارد أنّ الوصول إلى بعض الكمالات التی هی مقتضى الفعلیّة الأخیرة، یتوقف على تحدید الكمالات السابقة، فإنّ كثرة الأوراق و الأغصان تزاحم عملیّة الإثمار الجیّدة للأشجار المثمرة، و إنّ سمنة الحصان الأصیل الشدیدة تمنعه من الوصول إلى كماله اللائق به و هو سرعة الركض و الوثب.
و على هذا فالكمال الحقیقی لأیّ موجود عبارة عن الصفة أو الأوصاف التی تقتضیها فعلیّته الأخیرة أمّا الأمور الأخرى، فبمقدار تأثیرها فی الوصول إلى الكمال الحقیقی، تكون من مقدّمات الكمال.