سلسلة الكمالات
عندما نقارن شجرةً مع قطعة حجر أو كثیب من تراب، فإنّا سنجد أنّ الشجرة تملك بالفعل قُوىً خاصّة لا توجد فی الحجر و التراب و رغم التشابه بین ذرّاتها و جزئیّاتها فإن الآثار التی تنتجها الشجرة لا تولد من الحجر و التراب. و نستطیع أن نعرض هذه الحقیقة بالنحو التالی:
إنّ فی الشجرة كمالا بالفعل هو الصورة النباتیّة و هی منبع ظهور الأفعال و الآثار الخاصّة بالنباتات. كما أن النباتات تملك كمالات ـ بالقوة ـ لا تملك الجمادات استعداد الوصول إلیها، ـ فإنّ قلم شجیرة مثمرة مستعد أن یُنتج سلال الفواكه الحلوة، الأمر الذی لایوجد استعداده فی الحجر و الخشب.
و من البدیهیّ فإنّ النبات عندما یمتلك هذه الفعلیّة و القوّة المذكورة فإنه لیس فقط لایفقد الصفات الجمسانیة و القوى الطبیعیة بل إنه بالاستعانة بها یؤدّی أعماله و یطوی مسیر تكامله. فیمكن أن نستنتج من ذلك أن الموجود النباتی یستخدم قواه الطبیعیّة للوصول إلى كمالاته. و من الطبیعی أنه یحتاج إلى هذه القوى و لكن إلى الحدّ الذی یستفید فیه من هذه القوى لصالح كماله.
و كذلك الحیوان فإنه واجد للقُوى النباتیّة بالإضافة إلى الحسّ و الحركة الإرادیّة اللَّذین هما من لوازم الصّورة الحیوانیة و بنفس النحو نجده یستخدم القُوى النباتیّة لتكامله الحیوانی، و یحتاج إلیها بالمقدار الذی تؤثّر فیه فی وصوله إلى كماله الحیوانی. و الإنسان أیضاً بدوره واجد للقُوى الطبیعیّة و الحیوانیّة بالإضافة للقوى الناتجة من صورته الإنسانیّة. فهو یستخدم كل القوى السابقة لصالح تكامله الإنسانیّ بالمقدار الذی تؤثّر فی تحقیق هدفه، و لكن و كما رأینا كثرة الأوراق و الأغصان مانعة من تكامل شجرة التفّاح، فإنه لایمكن جعل الاستفادة اللامحدودة من القوى النباتیّة و الحیوانیّة مفیدة لتحقیق هدف التكامل الإنسانی.