معرفة الكمال قبل الحصول علیه
من البدیهیّ أن معرفة الكمال الحقیقیّ للإنسان بمعنى الإدراك الوجدانیّ و العلم الشهودی به إنما یتهیأ لأولئك الذین وصلوا إلى درجته.
و لكن لما كان الوصول إلى الكمالات الاختیاریّة یتوقف على العلم و الوعی فإنّه من اللازم معرفة مثل هذه الكمالات بشكل مّا معرفة مسبقة لكی تقع موقع الشوق و الإرادة فتحصل بالاختیار و الانتخاب.
و لو كان سبیل معرفتها منحصراً بالحصول علیها لم یكن الحصول علیها ممكناً، فالمعرفة التی نحتاجها مسبقاً لیست من قبیل المعرفة الشهودیّة الواجدانیّة بل هی معرفة ذهنیّة أو علم حصولی ـ كما فی الاصطلاح ـ یحصل عن طریق البرهان و الاستنتاج من المقدّمات العقلیّة أو الاستنباط من الأصول النقلیّة المسلّم بها و الواقع، إن هذا البحث یحتاج إلیه المحقّقون الباحثون الذین یسعون لمعرفة الكمال و معرفة طریق للوصول إلیه، أمّا الذّی نال الكمال الحقیقیّ فإنه لایجد حاجة لمثل هذه البحوث.
و على هذا فإنّ توقّع معرفة حقیقة الكمال الإنسانیّ قبل الوصول إلیه ـ بحیث نعرفه كما نعرف مدركاتنا الواجدانیّة ـ توقّع لامحلّ له، و لا سبیل إلاّ سبیل الاستدلال للحصول على المعرفة الذهنّیة لا الشهودیّة و تعیین مشخّصاتها بمعونة العقل و النقل.
و من الطبیعیّ فإنّا سنسعى لأن نختار مقدمات الاستدلال من أبسط المعلومات الیقینیّة و الوجدانیّة و أوضحها لتكون النتیجة أوضح و أكثر اطمئناناً و تتوسع الفائدة و قد نشیر إلى بعض الأدلة النقلیّة أو البراهین العقلیّة المعقّدة.