المیول الفطریة و اتجاهاتها
إنّ للإنسان غرائز و أحاسیس و عواطف و میولا و دوافع و كیفیّات نفسانیّة و نشاطات و انفعالات نفسیّة كثیرة و هی بالتالی تقع ـ بنحو ما ـ مورداً لبحوث الفلاسفة و علماء النفس و المحلّلین النفسانییّن مما أنتج عدیداً من النّظریّات و الآراء حول معرفة حقیقتها و تصنیفها و تشخیص الأصیل من غیر الأصیل منها، و كیفیّة حصولها و نموها، و العلاقه بینها و بین أعضاء البدن و خصوصاً شبكة الأعصاب و المخ و الغدد المختلفة... إلاّ أنّ أسلوب بحثنا فی هذه السلسلة لاینسجم مع عرض تلكم الآراء و نقدها.
و لذا فنحن هنا ـ و بدون أیّة محاولة لتأیید أی مذهب فلسفیّ أو نفسیّ أو تحلیلیّ أو ردّه ـ نحاول التركیز و التأمّل فی بعض أهمّ المیول الفطریّة أصالة ـ فی نظرنا ـ و السّعی لدراسة المظاهر المختلفة لها و سیرها التكاملیّ و أنماط النّشاطات التی یقوم بها الإنسان لإشباعها فی الظروف و المراحل المختلفة من حیاته، لأننا بذلك قد نستطیع اكتشاف سبیل لمعرفة الكمال الحقیقیّ و الهدف النهائی للإنسان; ذلك أنّ المیول الفطریّة هی من أشد القوى الإنسانیّة التی أودعتها ید الخلقة فی أعماق الإنسان أصالة و عمقا لكی ینطق ـ بدافع منها ـ فی تحركه و نهضته و سیعه مستعیناً بالقوى الطبیعیة و الاكتسابیة و الإمكانات الخارجیه و طاویاً طریق كماله و سعادته.
و علیه فإن الوجهة أو الاتّجاهات التی تعیّنها هذه المیول یمكنها أن تهدینا ـ كالمؤشر المغناطیسیّ تماماً ـ إلى الهدف و المسیر النهائی المطلوب.
و لهذا فإنه ینبغی أن نركز على هذه المیول ـ بكل دقّة و صبر و تحمل ـ فنتأمّلها تماماً متجنبین أیّ حكم مسبق و رأی مرتجل سریع لكی نصل بالتالی إلى نتیجة صحیحة قطعیة من خلال تأمّلاتنا الدقیقة فنحصل بالتالی على مفتاح السعادة المنشودة.