ar_marefat_zat-ch3_2.htm

الإدراك و مراتبه

الإدراك و مراتبه

للإنسان میل فطریّ للمعرفة و الاطّلاع و الإحاطة بحقائق الوجود و یبدو هذا المیل منذ أوان الصّبا و لایفارق الإنسان حتى نهایة حیاته.

إنّ تساؤلات الأطفال المتتابعة تدلّ على وجود هذا المیل الفطریّ و كلما ارتفعت استعدادات الطفل و قدراته اتسعت تساؤلاته و تعمقت و كلما أضیفت إلى حصیلته الذهنیة معلومات أكثر طرحت أمامه مجهولات أكثر و مسائل أخرى.

فالاتّجاه العام للقوى الإدراكیّة التی تشكل وسائل لإشباع هذه المیل الفطریّ یسیر نحو الإحاطة العلمیّة الكاملة بعالم الوجود بحیث لایخرج أیّ موجود عن الدائرة الواسعة التی یسعى لها هذا المیل; فلندرس إذن السیر العلمی للإنسان من نقطة شروعه و نتابعه خطوة خطوة لنجد إلى أین ینتهی به المطاف. تبدأ معرفة الإنسان عن العالم من حواسّه الظاهریّة و ارتباط أجهزة البدن بالأشیاء التی تقع قباله، و یقوم كل من هذه الأجهزة الحسّیّة من خلال التفاعل الخاصّ مع الأشیاء بإیصال بعض الآثار من قبیل النور و الصوت و الحرارة و الرائحة و الطعم إلى الأعصاب و من ثَمّ إلى المخّ و بهذا یدرك الكیفیّات و الحالات المتعلّقة بظواهر الأشیاء المادّیّة المتواجدة فی مجال معین أمامه.

إلاّ أن الإدراك الحسّی ناقص و غیر كاف لإشباع المیل الفطریّ الغریزیّ للاطلاع و معرفة الحقیقة لدى الإنسان. لأنّه أوّلا یتحلق بكیفیات معینة من ظواهر الأشیاء المحسوسة و أعراضها دون أن یستطع شمول كل الكیفیّات فضلا عن شمول ذوات الأشیاء و جواهرها أو شمول الأشیاء اللامحسوسة. و ثانیاً فإنّ مجال عمل هذا الإدراك الحسّی محدود بظروف خاصّة فالعین لاتستطیع أن تبصر إلاّ الأنوار التی تتراوح أطوال أمواجها بین ما لایقلّ عن 4% میكرون و لایزید على 8% میكرون فلا یمكننا لذلك أن نبصر النور فوق البنفسجی أو ما دون الأحمر و كذلك فإنّ الأذن یمكنها أن تسمع الأصوات التی تتراوح ذبذباتها بین 30 إلى 16000 ذبذبة فی الثانیة لاغیر و كذلك سائر الإدراكات الحسّیّة فإن لها شرائط معیّنة. و ثالثاً فإنّ بقاءها قصیر جدّاً من الناحیة الزمانیّة فالعین و الأذن مثلاً یمكنهما أن یحتفظا بأثر النور و الصوت خلال عُشر ثانیة واحدة لا أكثر و بمجرد انقطاع ارتباط الجهاز الحسّی مع الخارج ینسدّ باب المعرفة و الإدراك.

هذا و إن للأخطاء الحسّیة حدیثها الذی یكشف عن عدم كفایة الإدراكات الحسّیة بشكل أوضح.

إلاّ أنّ سبیل المعرفة و الإدراك لا ینحصر بالأجهزة الحسّیّة فإنّه توجد فی الإنسان مثلاً قوّة أخرى تستیطع بعد انقطاع ارتباط البدن بالعالم المادّی أن تحتفظ بالآثار التی استلمها منه بأسلوب خاصّ و تعكسها فی مواقع الحاجة على صفحة الذهن المدرك، كما أنّ للذهن قوة أخرى تدرك المفاهیم الكلّیّة و تهیء الذهن لحصول التصدیقات و القضایا و تیسر التفكیر و الاستنتاجات الذهنیّة، الأعم من التجریبیّة و غیر التجربییّة.

و یستطیع الإنسان بوسیلة هذه القوى الداخلیّة أن یوسع من دائرة إدراكاته و یستنتج بعض النتائج من تجریبیاته و إدراكاته الفطریّة و البدیهیّة. فإن تقدّم الفلسفة و العلوم و الصناعات رهین هذه القوى الباطنیة العقلیّة مع ملاحظه التفاوت بین الفلسفة و العلوم الأخرى فإنه فی العلوم ینصب البحث عن خواصّ الموجودات و آثارها للاستفادة منها فی تحسین المعیشة فی حین ینصب الهدف الأصلی فی الفلسفة على معرفة ماهیّات الأشیاء و الروابط العلّیة و المعلولیّة لها.

و واضح أن المعرفة الكاملة لموجود ما لا تتم بدون معرفة علله الوجودیة أو كما عبر الشیخ الرئیس ابن سینا فی كتابه برهان الشفاء و شرحه شرحاً وافیاً حیث قال «ذوات الأسباب لا تعرف إلاّ بأسبابها».

و لأنّ هذه المسیرة فی إطار البحث عن العلل تنتهی إلى ذات الباری (تعالى) فإنه یمكننا أن نستنج أن السیر العقلی للإنسان ینتهی إلى معرفة الله تعالى.

و قد تصور الكثیر من الفلاسفة أن التكامل العلمی للإنسان ینتهی إلى هذا الحدّ و من هنا تصوّروا أن الكمال الإنسانی أو بتعبیر أدقّ، الكمال العلمیّ للإنسان ینحصر فی المعرفة الذهنیّة الكاملة لعالم الوجود; إلاّ أن التأمّل الأعمق فی متطلبات الفطرة یوضح أن غریزة طلب الحقیقة فی الإنسان لا تقنع تماماً بهذا الحد من الإدراك، بل تتطلّب المعرفة العینیة و الإدراك الحضوری و الشهودی لحقائق الوجود، و مثل هذا الإدراك لایحصل بواسطة المفاهیم الذهنیّة و البحوث الفلسفیّة.

إنّ التصورات و المفاهیم الذهنیّة مهما اتسعت و توضحت لا تستطیع أن ترینا الحقائق العینیّة و یبقى الفرق بینها و بین نفس الحقائق الخارجیّة كالفرق بین مفهوم الجوع و الحقیقة الوجدانّیة له.

إن المفهوم الذى نملكه عن الجوع هو تلك الحالة التی نحسّ بها عند احتیاج البدن للغذاء، أما إذا لم یحسّ الإنسان بمثل هذه الحالة فإنه لایستطیع الإحساس بها عن طریق هذا المفهوم، كذلك الفلسفة فإنها تستطیع أن تعطینا مفاهیم حقائق الوجود من الله إلى المادّة إلاّ أن معرفة الحقائق العینیّة و شهودها یختلف كثیراً عن هذه المفاهیم و أن الأمر الذی یروّی لهفة الغریزة لطلب الحقیقة بشكل كامل هو العلم الحضوری و الإدراك الشهودیّ للحقائق العینیة الملازم لإدراك مقوّماتها و ارتباطاتها الوجودیّة، و متى ما شوهدت كل الموجودات الإمكانیّة بشكل تعلقات و ارتباطات بالله القیّوم المتعال فإن كل المعلومات العینیّة فی الحقیقة ترجع إلى العلم بحقیقة مستقلة أصیلة و یكون الكل ظلالا أو مظاهر لها.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...