ar_marefat_zat-ch4_1.htm

اللذّة و الكمال

اللذّة و الكمال

یدرك كل أنسان ـ بأدنى تأمّل فی وجوده و بكل وضوح ـ أنه بفطرته یبتغی اللّذة و الراحة و السعادة و یهرب من الألم و العذاب و الشقاء... و هكذا ینصب سعی الإنسان الذی لایكلّ فی حیاته للحصول على لذائذ أكثر و أقوى و أكثر دواماً و الفرار من الآلام و أنواع العذاب و الأمراض أو التقلیل منها على الأقل، و عند التزاحم فإن الإنسان یقارن بین الأمرین فیتقبل الألم القلیل فی سبیل الخلاص من العذاب و الألم الشدید، و یضحّی باللذة المحدودة فی سبیل الأشدّ و الأكثر دواماً.

كما أن مقتضى العقل و الفطرة الإنسانیّة أن یتحمل الإنسان عذاباً قلیلا للوصول إلى لذة كبرى و دائمة، و أن یغض النظر عن لذة قلیلة للخلاص من العذاب الكثیر... و إنك لتجد كل التصرفات العقلائیة قائمة على أساس من هذا المعنى... أما ما یحدث من اختلاف فی التصرف بین الأفراد فی ترجیح بعض اللذات و الآلام فهو نابع من اختلافهم فی التشخیص أو خطئهم فی الحساب و من عوامل أخرى سنتحدث عنها فیما بعد.

فاللذّة إذن ـ من جهة ـ دافع للنشاط و السعی الحیاتی، و من جهة أخرى هی نتیجه و ثمرة لهذا النشاط، و من جهة ثالثة یمكن أن نجعلها كمالا للموجودات ذات الشعور و الإدراك باعتبارها صفة وجودیة یمتلك الأفراد استعداد الحصول علیها.

و إن العمل الذى یؤدی إلى حصول لذة و الخلاص من ألم مّا، یقع موقع الإرادة الإنسانیة، فهو ـ أی الإنسان ـ یحب كل ما یلتذ به، و هكذا یأتی تعبیر الحب بالنسبة للعمل و الصفات المرغوبة. و من هنا تتوضح العلاقة بین اللذة و الإرادة و الحب.

و ینبغی أن نلتفت إلى أنه قد یركز الإنسان على لذّة معیّنة یحتاج الوصول إلیها إلى مقدمات كثیرة و من هنا فهو یصمم على القیام بأعمال یمكن أن یكون كل منها بدوره مقدمة للآخر و لكن الواقع هو أن الإرادات المتعلقه بهذه الأعمال أشعّة من تلك الإرادة الأصلیّة التی تعلقت بالعمل الأصلی الذی ركز علیه الإنسان من أول الأمر.

و هكذا فالحب الأصیل یتعلق بموجود یسعى إلیه و یرغب إلیه بالأصالة. و فی ظل ذلك تحصل له رغبات جزئیة و فرعیة إلى مقدماته و متعلقاته حیث یحقق الوصول إلى أیّ منها لذّة فرعیّة و نسبیّة بقمدار ارتباطه بذلك المطلوب الأصیل.

و قد رأینا فی ما سبق أن الكمال الحقیقی للإنسان هو آخر المراتب الوجودیّة و أعلى الكمالات التی یمتلك القدرة على الوصول إلیها. أما الكمالات الأخرى فهی تمتلك صفة مقدمیة و هی كمالات آلیّة نسبیّة، و ترتبط مقدمیّتها بمقدار تأثیر أی منها فی إیصال الإنسان إلى كماله الحقیقی و إن كان الكمال الحقیقی نفسه له مراتب مختلفة.

و على هذا فإنّ المطلوب الأصیل للإنسان هو الكمال الحقیقی، أما مطلوبیة الأشیاء الأخرى فهی فرعیة تتبع مقدار أثرها فی حصول الكمال الحقیقی. و كذلك فإن اللذّة التی یطلبها الإنسان بالأصالة هی اللذّة التى یملكها الكمال الحقیقی فی حین تمتلك سائر المقدمات لذّات فرعیّة نسبیّة، ذلك أننا قلنا آنفاً أن اللذّة الأصیلة هی تلك التی تحصل من الوصول للمطلوب الأصیل.

و علیه فمعرفة الكمال الحقیقی تستلزم معرفة اللذیذ الأصیل و كذلك العكس حیث تتطلب معرفة اللذیذ الأصیل معرفة الكمال الحقیقیّ. و لأن اللذیذ الأصیل یملك أسمى لذّة ممكنة للإنسان فإن معرفة اللذیذ الأصیل تلازم معرفة الشیء الذی یمكنه أن یقدم للإنسان أكثر اللذّات و أسماها و أكثرها دواماً و من هنا فلو عرفنا أكثر الموجودات منحاً للذّة عرفنا اللذیذ بالأصالة و الكمال الحقیقیّ للإنسان.

فینبغی إذن التأمّل فی حقیقة اللذّة و سبب اختلاف مراتبها لكی نعرف أسمى اللذّات الإنسانیّة و أشدّها دواماً.

ما هی اللذة؟ و ما هی أسمى اللذات الإنسانیّة؟

إنّ ما نراه فی وجودنا و نعبّر عنه باللذّة هو حالة إداركیة تحصل لدینا عند حصولنا على شیء نهواه و نرغب فیه و ذلك حین نعلم أنه هو المطلوب كما نعلم و نلتفت إلى حصوله، إذن فإنا إذا لم نكن نعلم بأن ما حصلنا علیه هو المطلوب فإن هذا الحصول سوف لن یترك لذّة فی وجودنا و كذلك إذا لم نكن نعلم بحصوله لدینا فإنا سوف لن نلتذ بشیء.

و علیه فحصول اللذة یتوقف ـ بالإضافة لوجود الشیء المطلوب و الشخص الملتذّ ـ على امتلاك قوة إداركیة خاصّة یمكن أن یدرك بها حصول الشیء المطلوب و كذلك یتوقف على معرفة المطلوب و الالتفات لحصوله; أما المراتب المختلفة للذة فهی ترتبط إمّا بالقوة المدركة أو بنوع المطلوبیّة أو بالتفات الإنسان إلیها.

فمن الممكن أن یكون التذاذ شخص من أكلة معیّنة أكثر منه لدى شخص آخر و ذلك لأنّ الحاسّة الذائقة لدیه أقوى و أكثر سلامة. كما یمكن أن یلتذّ إنسان بطعام أكثر من غیره لأنه كان مرغوباً لدیه أكثر. و قد یكون التذاذ شخص مّا بطعام معین حال التفاته الكامل أكثر منه حال فقدان هذا الالتفات و توجهه للأشیاء الأخرى. و قد یختلف التذاذ تلمیذین بمعرفة معینة مختلفة نتیجة اختلاف تصورهما عن هذه المعرفة المعیّنة و ضرورتها و مدى تأثیرها فی كمال الإنسان و صلاحه.

كما أن من الواضح أن دوام اللّذة مرتبط بدوام ظروف تحققها فإذا فنیت ذات الشیء المطلوب، أو تغیرت حالة المطلوبیة أو تغیّر تصور الشخص أو اختلفت حالة التوجه إلیها فإن اللذة المفروضة سوف تتغیر بلا ریب.

و هذا التعدد الذی نلاحظه بین الذات الملتذة و الشیء اللذیذ و شرائط حصول اللذة نجده فی عموم اللّذات المتعارفة إلاّ أننا قد لا نجد هذا التعدد فی حقیقة اللّذة فی موارد أخرى بحیث نستعین بنوع من التحلیل المفهومی حتى یمكننا استعمال كلمة (اللذة) فیها. و هذا ما نجده فی موردی (العلم و الحب).

فمثلاً یلزم لكی یحصل العلم أن تكون هناك ذات عالمة و شیء معلوم و صفة للعالم تدعى (العلم) إلاّ أن المعنى التحلیلی لذلك هو الذی یمكن أن یصدق فی مورد (العلم الحضوری) للنفس بوجودها أو علم الله تعالى بذاته رغم أنه لا یوجد أیّ تعدد فی البین بین العلم و العالم و المعلوم.

و كذلك المفهوم المتعارف للحب فإنه یستلزم فرض ذات محبة و شیء محبوب و حالة حبّ إلاّ أنه فی مورد حب الذات لا یوجد مثل هذا التعدد الخارجی.

و على هذا، فیمكننا أن نجد مصادیق للذّة لاتحتاج إلى التعدد المذكور فمثلاً یمكننا أن نقول فی المجال الإلهی إن الذات المقدّسة ملتذّة من ذاتها بذاتها و إن رجح بعض العلماء أن نعبر فی هذا المورد بالبهجة بدلا من اللذّة. و كذلك الأمر فی المجال الإنسانی فإنه یمكن القول بأن الإنسان یلتذّ بوجوده بل إن ذاته هی أحب الأشیاء إلیه فإن اللذة التی تحصل لدیه من مشاهدة ذاته مع الالتفات لمطلوبیتها هی أكبر من أی لذة أخرى بل إن كل اللذات الأخرى هی ظلال من اللذة التی تحصل لدیه بوجوده لأنها تحصل على أساس الوصول إلى شأن من شؤونه و كمال من كمالاته.

أما ما نراه من عدم الالتذاذ فی الحالات المتعارفة فهو على أساس عدم الالتفات; و متى ما توجه إلى ذاته بشكل كامل و انصرف عن الأشیاء الأخرى على أثر العوامل الخارجیة كالأخطار الكبرى أو على أثر الریاضة النفسیّة و تمركز الإدراك فإنه ستحصل لدیه لذّة غیر عادیة بلا ریب. فلو أنّه صدر حكم بإعدام شخص و بشكل قاطع لایقبل النقض ثم التفت إلى انتفاء الحكم فإنه ستحصل لدیه لذة لاتقبل المقارنة إلى أیّة لذة أخرى.

و من الطبیعیّ أنّ اللذّة فی هذا المثال و إن كانت ترتبط بعودة الحیاة الدنیویّة بعد الیأس منها و لكنها من زاویة توضیحها لشوق الإنسان إلى الحیاة و الالتذاذ بوجوده مفیدة لبحثنا هنا.

و الحاصل، أن اللذّة التی تحصل لدى الإنسان إمّا أن تكون نابعة من وجوده أو من كماله أو من الموجودات التی یحتاج إلیها و یرتبط بها بنحو من أنحاء الارتباط الوجودی، فإذا استطاع أن ینظر إلى وجوده على أساس أنه وجود تعلّقی یرتبط بموجود تنتهی إلیه كل الارتباطات و التعلّقات بحیث یكون الارتباط به مغنیاً للإنسان عن أیّ شیء فإنه حینئذ سیحصل على أسمى اللذّات. و إذا نظر إلى وجوده على أنه نفس التعلق به و لم یر له أیّ استقلالیّة عنه فسوف تحصل لدیه اللذّة الاستقلالیّة من ذلك الموجود. و على هذا فإن المطلوب الحقیقیّ للإنسان و الّذی یلتذّ منه أسمى اللذّات هو موجود یقوم به وجود الإنسان حیث یكون وجود الإنسان عین الربط و التعلق به، و إن اللذة الأصیلة تحصل له من مشاهدة ارتباطه به أو مشاهدة نفسه حال كونها متعلقة و قائمة به أو هی فی الحقیقة تحصل من مشاهدة إشعاع من جماله و جلاله تعالى.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...