ar_marefat_zat-ch5_2.htm

أبسط السبل

أبسط السبل

و أبسط السبل للاعتقاد بإمكان الارتباط بعالم القدس و الساحة الإلهیة هو ذلك السبیل الذى هدى الله ـ تعالى ـ عباده إلیه بوسیلة المرسلین فامتنّ بذلك على عبادة غایة المنّة و أتمّ الحجّة علیهم.

«لِئَلاّ یَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»([1]) فقد دعى الأنبیاء جمیعاً الناس إلى التقرب من الخالق و الارتباط بمنبع العلم و القدرة اللانهائییّن و وعدوهم بالوصول إلى النعم الخالدة و اللّذات اللامنتهیة و الحصول على ما تشتهیه أنفسهم.

(لَهُمْ ما یَشاؤُونَ عِندَ رَبِّهمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحسِنینَ)([2]).

(وَ فیها ما تَشْتَهیِه الاَنفُسُ وَ تَلَذُّ الأعیُنُ)([3]).

(فَلا تَعلَمُ نَفْسٌ ما اُخفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرّة اَعیُن)([4])

(لَهُم ما یَشاؤُونَ فیها وَلَدَیْنا مَزیدٌ)([5])

(وَ قالُوا الْحَمدُ لِلّهِ الذّی صَدَقَنا وَعدَهُ وَ اَوْرَثَنا الاَرضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَیثُ نَشاءُ)([6])

وَ المیزة الرئیسیة لدعوتهم على دعوات سائر المصلحین تؤكّد هذه الحقیقة و هی أنّ هذه الحیاة المحدودة العابرة لیست آخر مرحلة من مراحل الحیاة الإنسانیّة بلّ هی مقدّمة للحصول على السعادة الأبدیّة و جسر للوصول إلى العالم الأبدیّ «بَلْ تُؤثرُونَ الحَیاةَ الدُّنیا، وَ الآخِرَةُ خَیرٌ وَ اَبْقى، اِنَّ هذا لَفِی الصُّحُف الاُولى، صُحُف اِبراهیمَ و مُوسى»([7]).

كما أن السبب الرئیسی لرفض دعوة الأنبیاء من قبل الكافرین هو استبعاد هذه الحقیقة:

«وَ قالَ الَّذینَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُل یُبَبِّئُكُمْ اِذا مُزِّقتُمْ كُلَّ مُمَزَّقِ اِنَّكُمْ لَفی خَلْق جَدید. أَفترى عَلَى اللّهِ كَذِباً اَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّدینَ لایُؤمِنُونَ بالآخِرَةِ فی الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعیدِ»([8])

«زعَمَ الدّینَ كَفَرُوا اَنْ لَنْ یُبعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبّی لَتُبعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بما عَمَلْتُمْ وَذلكَ عَلَى اللّه یَسیرٌ... یَوْمَ یَجمَعُكُمْ لَیَوْم الجَمْعِ ذلِك یَوْمُ التَّغابُنِ وَ مَنْ یُؤمنْ باللّهِ وَ یَعْمَلْ صالِحَاً یُكَفِّرْ عَنهُ سَیئآتِه وَ یُدْخِلهُ جَنّات تَجرى مِنٌ تَحتِها اَلاَنْهارُ خالِدینَ فیها اَبَداً ذلِكَ اَلفَوزُ الْعَظیمُ. وَ الَّذینَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآیاتِنا اُلئكَ اَصحابُ النّارِ خالدینَ فیها وَ بِئسَ المَصیرُ»([9])

«وَنَحشُرُهُمْ یَومَ القِیمَةِ ـ عَلى وُجُوهِهمْ عُمْیاً وَ بُكْماً وَ صُمّاً مَأواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدناهُمْ سَعیراً. ذلكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُم كَفَروا بآیاتِنا، وَ قالوا أاِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَءِنّا لَمَبْعُوثُونَ خلقاً جَدیداً. اَوَلَمْ یَرَوْا اَنَّ اللّهَ الَذّی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الاَرضَ قادرٌ عَلى أنْ یَخلُقَ مِثْلَهُمْ، وَ جَعَلَ لهُم اَجَلا لا رَیبَ فیهِ فَاَبَى الظّالِمُونَ إلاّ كُفوُراً([10]).

و لم یكتف رسل الله بالدعوة و الوعد و الوعید و إنما عرضوا آثاراً من الارتباط بالعالم الربوبیّ و المنبع اللانهائیّ للعلم و القدرة بإذن الله لیعلم الجمیع أن السبیل لكسب العلم و القدرة لاینحصر بالأسباب المادّیّة المحدودة و أنّ الاستفادة من العلوم الإلهیّة و القدرات فوق الطبیعیة أمر ممكن للإنسان.

و قد أثبت الأنبیاء إمكان الارتباط بالعالم الربّانیّ و تلقی العلوم الغیبیّة و اللَّدُنیّة عبر أخبارهم بالمغیبات و كشفهم للأسرار الخفیّة و بیانهم للعلوم و الحكم دونما دراسة منهم و تعلّم.

(وَ عَلَّمَ آدَمَ الاَسماءَ كُلَّها)([11]).

(وَ عَلَّمناهُ مُنْ لَدُنَّا عِلماً) ([12]).

(وَ آتَیناهُ الحُكمَ صَبیّاً)([13]).

(قالُوا كَیفَ نُكَلّمُ مَنْ كانَ فِی المَهدِ صَبیّاً. قالَ اِنّی عَبدُاللّهِ آتانِیَ الكِتابَ وَ جَعَلَنی نَبِیّاً)([14])

(وَ اُنَبّئُكُمْ بِما تأكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فىِ بُیُوتكُمْ)([15]).

(عُلِّمنا مَنطِقَ الطَّیرِ وَ اُوتینا مِنْ كُلِّ شیء)([16]).

(وَ كُلا آتینا حُكماً وَ عِلماً)([17])

و القرآن نفسه فوق كل ذلك إذ هو معجزة خالدة لنبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله وسلم) نزل على فرد أمّیّ عاش فی مجتمع مختلف، و دعا الجنّ و الإنس ـ منذ بدء نزوله ـ متحدّیاً إیّاهم أن یأتوا بسورة من مثله، و نحن نعلم أنه ـ مع كثرة الدواعی لمثل هذا العمل ـ لم تتحقق أیّ معارضة للقرآن و سوف لن تتحقق مطلقاً طبقاً لتنبؤ القرآن الكریم.

كما أنّ الأنبیاء بقیامهم بالأعمال الخارقة للعادة و انتصارهم على القوى الطبیعیّة أثبتوا عملا إمكان الخلاص من القیود المادّیّة و الحصول على قدرة لاتقهر.

فخروج الناقة الحیّة من قلب الجبل بواسطة النبى صالح(علیه السلام) و خلاص إبراهیم(علیه السلام) من النار الكبرى التی أوقدها نمرود، و تحوّل عصا موسى إلى ثعبان و انفلاق البحر، و جریان اثنتی عشرة عیناً من الحجارة بواسطة موسى(علیه السلام) و شفاء الأكمه و الأبرص و إحیاء الموتى بواسطة عیسى(علیه السلام) و تسخیر القوى المحسوسة و غیر المحسوسة لسلیمان(علیه السلام) هی كلها نماذج من الأعمال الخارقة للعادة التی تمّت على ید الأنبیاء و حتّى الكثیر من أتباعهم الصادقین بمثل هذه العلوم و القدرات و قد جاء فی حدیث قدسى:

«عبدی أطعنی حتى أجعلك مثلی; أنَا أقول للشیء كن فیكون أجعلك تقول للشیء كن فیكون».

و إذا حاولنا أن نجمع الكرامات الثابتة بالنقل الصحیح و المتواتر فإن ذلك سیتطلّب منا مجلدات ضخمة بلا ریب.

و مع كل هذا فهل من الصحیح أن نجد أناساً ینكرون ـ بكل جرأة و إغماض عن الحق ـ وجود عالم ماوراء الطبیعة أو إمكان الارتباط به، و یمنعون الناس عن السیر فی هذا السبیل؟

و الحقیقة أنه حتى لو عدمنا مثل هذه المعاجز و الآیات البیّنة كان الأحرى بالبشریة ـ و لو على سبیل التجربة ـ أن تطبق نظم الأنبیاء ثم تقوّم الآثار الكبرى لها فی سعادتها المادّیّة و المعنویّة ذلك لأنّ أهمیّة الأمرِ هی بحیث ترخص كل تضحیة فی سبیل تحققه خصوصاً إذا لاحظنا إجراء شریعة الأنبیاء لیس مما یستلزم ترك النعم و اللذائذ المادّیّة و الدنیویّة بل هی تضمن السعادة و الراحة و الطمأنینة فی هذا العالم أیضاً و لقد وجد من بین الأنبیاء و أتباعهم أناس تنعموا بالنعم الدنیویّة أكثر مما تنعم به أهل الدنیا و عبید المادّة.

اَلا یدفعنا إصرار جمیع الأنبیاء بصدق و تأكید على هذا الأمر و التضحیات التی لا نظیر لها التی قدّموها و أوصیاؤهم و أتباعهم الصادقون فی سبیل إعلائه، ألا یدفعنا لاحتمال صدق مدّعاهم؟ إنّ الإنصاف یؤكّد ذلك بوضوح.

و هل تقلّ قیمة مثل هذه الحقیقة عن قیمة كشف الأسرار الطبیعیّة و تسخیر الفضاء؟! و كیف یعدّ تحمل المصاعب و المشاقّ و بذل القوى الطبیعیّة و الإنسانیّة التی لا تعدّ، فی سبیل الاكتشافات العلمیّة أمراً وجیهاً یقبل الثناء و لا یستحق الارتباط بالمنبع اللانهائیّ للقدرة و العلم و الوصول إلى السعادة الخالدة، أن نصرف فی سبیله شیئاً من ذلك؟

شواهد من الآیات و الروایات

و هذا الذی استفدناه من المقدّمات الوجدانیّة و العقلیّة یؤیّده الكتاب و السنّة و قد أشرنا فی بعض الموارد إلى الشواهد النقلیّة و ها نحن نذكر نماذج أخرى من الآیات و الأخبار.

إنّ القرآن الكریم یؤكّد على أنّ الإنسان یعرف الله بفطرتهِ و أنّ كل الناس فى نشأة من وجودهم رأوا خالقهم عیاناً و اعترفوا بربوبیّته (أَلَستُ بِرَبِّكُمْ قالُوا: بَلى) و أنّ الحیاة فی هذا العالم إنما هی للعمل بمقتضى عهد العبودیّة. و یتمّ تقویم مقدار وفاء الناس بعهدهم و میثاقهم الفطریّ و بالتالی تكاملهم الاختیاری بواسطة الطاعة و العبودیّة لله.

(وَ ما خَلَقتُ الجِنَّ وَ الإنسَ اِلاّ لِیَعبُدُونَ)([18])

و لیتم هذا التقویم فإنّ هناك ظروفاً مختلفة لیختار كل سبیله بكل حرّیّة.

(لِیَبلُوَكُمْ اَیُّكُم اَحسنُ عَمَلا)([19])

و من خلال السبل المعوجّة و المنحرفة و فی خضم الحیاة و مشاكلها سوف لن یصل إلى السبیل الأقوم الآمن إلاّ أولئك الذین یحبّون ربّهم و یلجأون إلیه و یبتغون مرضاته و یریدون وجهه.

(وَ الَّذینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لَلّهِ)([20])

(قَل اِنْ كُنتُم تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعونی یُحبِبكُمُ اللّهُ)([21])

(یَهدی بهِ اللهُ مَن اتَّبَعَ رِضوانَهُ سُبلَ السَّلامِ وَ یُخرجُهُمْ مِنَ الظُلُماتِ اِلىَ النُّورِ باِذنِه وَ یَهْدیهمْ اِلى صِراط مُستَقیم)([22])

(وَ مَن یُسلِم وَجهَهُ اِلَى اللّهِ وَ هُوَ مُحسِنٌ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى)([23])

(فَاَمَّا الَّذینَ آمَنُوا باللّهِ وَ اعتَصَمُوا بِه فَسَیُدخِلْهمْ فی رَحمَة مِنهُ وَ فَضل وَ یَهدیهِمْ اِلَیهِ صِراطاً مُستَقیماً)([24])

و هؤلاء سینالون ـ بالتالی ـ جوار رحمة ربّهم و مقام القرب الإلهی، لقاء الحبیب.

(یا اَیَّتُهَا النَفسُ المُطمَئنّةُ ارجِعی اِلى رَبِّكِ راضِیَةً مَرْضِیَّةً فَادخُلی فی عِبادی وَ ادخُلی جَنَّتی)([25])

(فی مَقعَدِ صِدق عندَ مَلیك مُقتَدر)([26])

(وُجُوهٌ یَومَئذ ناضِرَةٌ اِلى رَبّها ناظرةٌ)([27])

أما أولئك الذین تعلقت قلوبهم بزینة الدنیا و رجحت محبة الآخرین لدیهم على محبّة الله فلا شوق لهم إلى رحمته، فسوف یبتلون بعذاب ألیم لا نهایة له; و یحرمون من وصل محبوبهم الفطری.

(اِنَّ الَّذینَ لایَرجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالحَیاةِ الدُّنْیا وَ اطمَأَنُّوا بِها وَ الَّذینَ هُمْ عَنْ آیاتِنا غافِلُونَ. اُولئك ماؤاهُمْ النّارُ بِما كانُوا یَكسِبُونَ)([28])

(قُلْ اِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ اَبناؤُكُم وَ إِخوانُكُمْ وَ اَزواجُكُمْ وَ عَشیرَتُكُمْ وَ اَموالٌ اقْتَرَفتُموها وَ تِجارةٌ تَخشَونَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرضَونَها اَحَبَّ اِلَیكُمْ مِنَ اللهِ وَ رَسُوله وَ جِهاد فی سبیلهِ فَتَرَبَّصُوا حتّى یَأتِیَ اللّهُ بَأمره)([29])

(كَلا اِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهم یَومَئذ لَمَحجُوبُونَ)([30])

و توجد فی الأحادیث النبویّة و أخبار أهل بیت الرسالة ـ سلام الله علیهم أجمعین ـ أیضاً شواهد كثیرة نجد نماذج منها فى بعض الأحادیث القدسیّة و أخبار مناجاتهم و أدعیتهم(علیهم السلام) من مثل: ما جاء فی حدیث المعراج مخاطبا النبی(صلى الله علیه وآله وسلم):

(فمن عمل برضای ألزمه ثلاث خصال: أعرّفه شكراً لا یخالطه الجهل و ذكراً لا یخالطه النسیان، و محبّة لا یؤثر على محبّتی محبّة المخلوقین. فإذا أحبّنی أحببته و حببّته إلی خلقی و أفتح عین قلبه إلى جلالی و عظمتی فلا أخفی علیه علم خاصّة خلقی، فأناجیه فی ظلم اللیل و نور النهار حتى ینقطع حدیثه مع المخلوقین و مجالسته معهم و أسمعه كلامی و كلام ملائكتی و أعرفه سرّی الذّی سترته عن خلقی... و لأستغرقنَّ عقله بمعرفتی و لأقومنّ له مقام عقله... فتقول الرّوح: إلهی عرّفتنی نفسك فأستغنیت بها عن جمیع خلقك، و عزّتك و جلالك لو كان رضاك فی أن أقطّع إرباً أو أقتل سبعین قتلة بأشدّ ما یقتل به الناس لكان رضاك أحبّ إلیّ... و أفتح عین قلبه و سمعه حتى یسمع بقلبه منی و ینظر بقلبه إلى جلالی و عظمتی...

یا أحمد لو صلّى العبد صلاة أهل السّماء و الأرض، و صام صیام أهل السّماء و الأرض، و طوى من الطعام مثل الملائكة، و لبس لباس العاری ثم أرى فی قلبه من حب الدنیا ذرّة أو سُمعتها أو ریاستها أو صیتَها أو زینتها، لا یجاورنی فی داری و لأنزعنّ من قلبه محبّتی و لأظلمنّ قلبه حتى ینسانی و لا أذیقه حلاوة معرفتی و علیك سلامی و رحمتی).

و فی حدیث آخر یقول:

(إنّ الله جل جلاله قال: ما یتقرب إلیّ عبد من عبادی بشیء أحبّ الیّ مما افترضت علیه. و إنه لیتقرب إلیّ بالنافلة حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذّی یسمع به و بصره الّذی یبصر به و لسانه الذی ینطق به، و یده التی یبطش بها، إن دعانی أجبته و إن سألنی أعطیته)([31])

و فی حدیث آخر یقول:

(یا ابن آدم أنا غنّی لا أفتقر أطعنی فی ما أمرتك أجعلك غنیّاً لا تفتقر. یا ابن آدم أنا حّی لا أموت أطعنی فی ما أمرتك أجعلك حیاً لاتموت. یا ابن آدم أنا أقول للشیء كن فیكون أطعنی فی ما أمرتك أجعلك تقول للشیء كُن فیكون)

فی عُدَّة الداعی لابن فهد ص 291

یقول أمیرالمؤمنین(علیه السلام) فی مناجاة شهر شعبان متضرّعاً إلى ربّه ـ: (و اجعل همّتی إلى روح نجاح أسمائك و محل قدسك... إلهی هب لی كمال الانقطاع إلیك و أنر أبصار قلوبنا بضیاء نظرها إلیك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة و تصیر أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك... و ألحقنی بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفاً و عن سواك منحرفاً...)

و فی دعاء كمیل یقول الإمام علیّ(علیه السلام) متضرّعاً إلى الله تعالى:

(فهبنی صبرت على عذابك فكیف أصبر على فراقك وهبنی صبرت على حرّ نارك فكیف أصبر عن النظر إلى كرامتك).

و قد روی عنه(علیه السلام) قوله:

(ما رأیتُ شیئاً إلاّ و رأیت الله قبله)

و فی جواب من سأله: هل رایت ربّك؟ قال:

(أفأعبد ما لا أرى)

و یدعو الإمام الحسین سیّد الشهداء(علیه السلام) ربّه فی یوم عرفة فیقول:

(إلهی علمت باختلاف الآثار و تنقلات الأطوار أنّ مرادك منی أن تتعرف إلیّ فی كل شیء حتّى لا أجهلك فی شیء... إلهی ترددی فی الآثار یوجب بعد المزار فاجمعنی علیك بخدمة توصلنی إلیك. كیف یستدل علیك بما هو فی وجوده مفتقر إلیك؟! ألغیرك من الظهور ما لیس لك حتى یكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دلیل یدلّ علیك؟ و متى بعدت حتى تكون الآثار هی التی توصل إلیك؟ عمیت عین لاتراك علیها رقیباً و خسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصیباً.

إلهی أمرت بالرجوع إلى الآثار فأرجعنی إلیك بكسوة الأنوار و هدایة الاستبصار حتى أرجع إلیك منها كما دخلت إلیك منها مصون السرّ عن النظر إلیها، و مرفوع الهّمة عن الاعتماد علیها...

إلهی علّمنی من علمك المخزون، و صنّی بسترك المصون. إلهى حققنی بحقائق أهل القرب، و اسلك بی مسلك أهل الجذب. إلهی أغننی بتدبیرك عن تدبیری، و باختیارك عن اختیاری... أنت الذی أشرقت الأنوار فی قلوب أولیائك حتى عرفوك و وحدوك و أزلت الأغیار عن قلوب أحبّائك حتى لم یحبّوا سواك و لم یلجأوا إلى غیرك. أنت المونس لهم حیث أوحشتهم العوالم، و أنت الذّی هدیتهم حیث استبانت لهم المعالم. ماذا وجد من فقدك؟! و ما الذّى فقد من وجدك؟! لقد خاب من رضی دونك بدلا و لقد خسر من بغى عنك متحوّلا...

إلهی اطلبنی برحمتك حتى أصل إلیك و اجذبنی بمنّك حتى أقبل علیك.. تعرفت لكل شیء فما جهلك شیء، و أنت الذی تعرفت لیّ فی كل شیء فرأیتك ظاهراً فی كل شیء و أنت الظاهر لكل شیء).

و یقول الإمام زین العابدین فی مناجاة الخائفین متضرّعاً إلى ربّه:

(ولا تحجب مشتاقیك عن النّظر إلى جمیل رؤیتك)

و فی مناجاة الراغبین:

(أسألك بسبحات وجهك و بأنوار قدسك و أبتهل إلیك بعواطف رحمتك و لطائف برّك أن تحقق ظنّی بما أؤمّله من جزیل إكرامك و جمیل إنعامك فی القربى منك و الزلفى لدیك و التمتع بالنظر إلیك)

و فی مناجاة المریدین:

(إلهی فاسلك بنا سبل الوصول إلیك و سیّرنا فی أقرب الطرق للوفود علیك... فأنت لا غیرك مرادی، و لك لا لسواك سهری و سهادی و لقاؤك قرّة عینی، و وصلك مُنى نفسی، و إلیك شوقی، و فی محبتك وَلَهی، و إلى هواك صبابتی، و رضاك بغیتی، و رؤیتك حاجتی، و جوارك طلبی، و قربك غایة سؤلی... یا نعیمی و جنتی یا دنیای و آخرتی).

و فی مناجاة المحبین:

(إلهی فاجعلنا ممن اصطفیته لقربك... و منحته بالنظر إلى وجهك، و حبوته برضاك، و أعذته من هجرك و قلاك، و بوأته مقعد الصدق فی جوارك... و اجتبیته لمشاهدتك... و امنن بالنّظر إلیك علیّ).

و فی مناجاة المتوسّلین:

(و أقررت أعینهم بالنظر إلیك یوم لقائك، و أورثتهم منازل الصدق فی جوارك).

و فی مناجاة المفتقرین:

(و غلّتی لا یبردها إلاّ وصلك و لوعتی لا یطفئها إلاّ لقاؤك و شوقی إلیك لا یبله إلاّ النظر إلى وجهك، و قراری لا یقر دون دنوّی منك... و غمّی لا یزیله إلاّ قربك).

و فی مناجاة العارفین:

(و قرّت بالنظر إلى محبوبهم أعینهم... و ما أطیب طعم حبّك و ما أعذب شرب قربك، فأعذنا من طردك و إبعادك).

و فی مناجاة الذاكرین:

(إلهی بك هامت القلوب الوالهة، و على معرفتك جمعت العقول المتباینة، فلا تطمئن القلوب إلاّ بذكراك، و لا تسكن النفوس إلاّ عند رؤیاك... و استغفرك من كل لذة بغیر ذكرك و من كل راحة بغیر أنسك، و من كل سرور بغیر قربك، و من كل شغل بغیر طاعتك.)

و فی مناجاة الزاهدین:

(و أغرس فی أفئدتنا أشجار محبتك و أتمم لنا أنوار معرفتك و أقرر أعیننا یوم لقائك برؤیتك).




[1]. النساء: 165.

[2]. الزمر: 34.

[3]. الزخرف: 71.

[4]. السجدة: 17

[5]. ق: 35.

[6]. الزمر: 74.

[7]. الأعلى: 16ـ19.

[8]. سبأ: 7.

[9]. التغابن: 7 و 9 و 10.

[10]. الاسراء: 99ـ97.

[11]. البقره: 31.

[12]. الكهف: 65.

[13]. مریم: 12.

[14]. مریم 29 ـ 30.

[15]. آل عمران: 49.

[16]. نمل: 16.

[17]. الأنبیاء: 79.

[18]. الذاریات: 56.

[19]. هود: 7، الملك: 2.

[20]. البقره: 165.

[21]. آل عمران: 31.

[22]. المائدة: 16.

[23]. لقمان: 21.

[24]. النساء 175.

[25]. الفجر: 27ـ30.

[26]. القمر: 55.

[27]. القیامة: 22.

[28]. یونس: 7 و 8.

[29]. التوبة: 24.

[30]. المطففین: 15.

[31]. أصول الكافی ج2. ص. 352 و كذلك فی الوسائل و محاسن البرقی.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...