تدبیر الإرادة
عرفنا من البحوث الماضیة حقیقة الكمال النهائی و هدف السیر التكاملی للإنسان و كذلك عرفنا الخطّ العریض و الأسلوب العام للسّیر و السلوك، أمّا الخطوط التفصیلیّة و الدقیقة لذلك فهی متروكة لعلم الأخلاق و الفقه، و إنّما نرید الحدیث عن المرحلة الأخیرة لهذا البحث، و هی الحدیث حول تدبیر النفس لقطع سبیل التكامل.
و نعنی بذلك أنّنا نحاول معرفة الأمر التّالی:
كیف نستطیع تحقیق المقدّمات اللازمة لاتّخاذ الإجراء القاطع و امتلاك الإرادة الجدّیّة لقطع سبیل العبادة و القیام بواجبات العبودیّة، إنّنا نعلم أنّه توجد فی كلّ موجود حیّ میزتان أساسیّتان هما: «الإدراك و الحركة الإرادیّة»، و مجموعهما یعبّر ـ حسب المصطلح المنطقیّـ عن الفصل و المیزة الجوهریّة للحیوان.
و توجد هاتان الخاصّیتان أیضاً بشكل أوسع و أعمق و أعقد فی الإنسان باعتباره موجوداً حیّاً متمیّزاً و تشكلان جهازین مشتركین للروح و البدن: أحدهما جهاز الإدراك و الثانی جهاز الإرادة، و لمّا كان هذان الجهازان مرتبطین ملتحمین تمام الالتحام فقد اشتبه أمرهما حتى على بعض العلماء الدقیقین، و لكی نعی كیفیّة حصول الإرادة و ارتباطها بجهاز الإدراك من المستحسن مقدمةً أن نلقی نظرة على أنواع الإدراكات و الدوافع و الجواذب التی تشكل منبعاً لحصول الإرادة.
و لقد حققّ الفلاسفة و العلماء منذ القدم فی الإدراكات و الغرائز الإنسانیّة و قسموها إلى أقسام مختلفة، و نحن هنا بغضّ النظر عن البحوث العلمیّة المصطلحة و الاستنتاجات نكتفی بمطالعة سریعة حول تفاعلاتنا الروّحیة حول الإدراك و كذلك متطلّبات الإرادة و كیفّیة بعثها و حصول العفل الإرادیّ لكی نحصل على المعارف اللازمة لبناء النفس و توجیه أعمالنا الوجهة الإلهیة الصحیحة.