ar_porsesh1-ch1_1.htm

الفصل الاول/ شرعیة الحكومة والقبول بها

سؤال: ماذا تعنی شرعیة الحكومة؟

جوابه: قبل الإجابة عن السؤال من الضروری ابتداءاً توضیح وبیان المفاهیم الأساسیة فیه وهی:

الحكومة

بالرغم من كثرة التعاریف الواردة لهذه المفردة فی مصادر العلوم السیاسیة، فإن من الممكن تعریفها بتعبیر بسیط كما یلی:

الحكومة مؤسسة رسمیة تتولى الإشراف على السلوكیات الاجتماعیة لأبناء المجتمع والعمل على توجیهها; فان قبل الناس عملیة التوجیه باسلوب سلمی حصلت الغایة المرجوة، وإلاّ وجدت الحكومة نفسها مضطرةً لاستخدام اسلوب القوة لتحقیق أهدافها، أی لو أن أُناساً تمردوا على القوانین الضروریة لتحقیق الأهداف التی تصبو الیها الحكومة; فإنهم یُرغمون على الانصیاع لهذه القوانین عبر الاستعانة بالأجهزة الأمنیة. وهذا التعریف یشمل الحكومات الشرعیة وغیر الشرعیة.

ضرورة الحكومة

أقرَّت مختلف النظریات المطروحة بشأن الحكومة بضرورة قیامها، وشذَّ مذهب الفوضویة وحده حیث أنكر ضرورتها; إذ یعتقد أتباعه بإمكانیة إدارة الإنسان لحیاته الاجتماعیة من خلال الالتزامات الأخلاقیة، ولا داعی لوجود الحكومة، ویرون وجوب العمل بنحو یوصل الى هذه النتیجة; أی یتعین على الناس التوفر على قدر من التعلیم والتربیة، بحیث یتسنى لهم إدارة المجتمع دون الحاجة الى الحكومة. فیما ترى المذاهب الاخرى تناقض هذه النظریة مع الواقع، وبتعبیر آخر أنها نظریة غیر واقعیة، إذ أثبتت التجربة على مدى مئات بل آلاف السنین أن فی كل مجتمع ثمة أفراداً لا یلتزمون بالقواعد الأخلاقیة، وإذا لم تتولَّ قوةٌ ما السیطرة علیهم; فإنهم سیجرفون الحیاة الاجتماعیة نحو الفوضى.

مفهوم الشرعیة

إن للشرعیة الواردة فی إطار الفلسفة السیاسیة مفهوماً اصطلاحیاً، ینبغی عدم الخلط بینه وبین المعنى اللغوی لهذه المفردة والكلمات التی تشترك معها فی جذر الاشتقاق، وبتعبیر آخر ینبغی عدم النظر الى «الشرعیة» على أنها بنفس معنى لـ «المشروع» و«المتشرعة» و«المتشرعین» المأخوذة من «الشرع»، الذی یعنی الدین، وعلیه فإن المعنى المراد من هذه المفردة فی الأبحاث السیاسیة یرادف القانونی.

وحینما نقرّ بضرورة وجود الحكومة التی یتمثل قوامها بصدور أمر من جهة ما، وتنفیذه من قبل الآخرین; أی أن قوام الحكومة یتمثل بوجود شخص أو مجموعة حاكمة من جهة، وشعب یُفترض به الامتثال لأوامر هذا الشخص أو المجموعة والعمل بها من جهة اخرى. فهل یعنی هذا أن الشعب مُلزمٌ بطاعة كلِّ أمر یصدر الیه؟ وهل یحق لكل شخص أو مجموعة اصدار الأوامر للشعب؟

شهد التاریخ على امتداده أشخاصاً حكموا الناس وتسلطوا علیهم بالقوة من غیر أن یكونوا أهلا للحكم، وبالعكس فربما كان هنالك شخص أو مجموعة لها الأهلیة لذلك، وكان یفترض بالناس إطاعتهم.

فی ضوء ما تقدم بوسعنا القول: إن المراد من الشرعیة هو أن یتمتع الفرد بحق الحاكمیة، والإمساك بالسلطة والحكومة، فی حین یُفترض بسائر الناس السمع والطاعة له.

التلازم بین الحق والتكلیف

یتضح فی ضوء ما تقدم وحسب الاصطلاح المنطقی ان بینهما «تضایفا» من معنى الشرعیة أن ثمة تلازماً قائماً بین «حق الحاكمیة» و«تكلیف الشعب بالطاعة» أی عندما یحوز شخصٌ ما هذا «الحق»; فإن «تكلیف» الآخرین هو رعایة هذا الحق; ولغرض تقریب المعنى للأذهان نسوق المثال التالی:

ماذا یعنی قولنا: إن للوالد حق اصدار الامر لولده؟ إنه یعنی وجوب الطاعة على الولد، وهذا «الحق» وذلك «التكلیف بالطاعة» لا ینفصلان بالمرّة، ولایتقدم أحدهما أو یتأخر عن صاحبه، واذا ما تصورنا أن هناك تقدماً أو تأخراً; فهو مما لا تأثیر له على الصعید العملی. على أیة حال; عندما نقول إن للحاكم حق اصدار الأمر فذلك یعنی أن على الشعب الامتثال لأمره وطاعته; ومن هنا بوسعنا القول: إن الشرعیة تعنی ان له الحق.

وینبغی الانتباه الى أننا هنا بصدد توضیح مفهوم الشرعیة، وفی التعریف ربما یقتصر الأمر على توضیح المفهوم تارةً، وقد یجری التطرق الى المصادیق الخارجیة للمفهوم وكیفیة تحققها والمعطیات المترتّبة على وجودها وما شابه ذلك تارة أخرى. وإذا أردنا التطرق الى المقصد الثانی; یتعین علینا الدخول فی قضایا اخرى، مثل معیار الشرعیة والرؤى المتباینة بشأنها وسائر الأبحات المتعلقة به، بید أننا هنا بصدد بیان هذا المفهوم وحسب.

توضیح بشأن الحق

لقد أسلفنا القول بأن شرعیة الحكومة تعنی ان لها الحق فی حكم الناس، ویسود بین الناس عقیدة بانه فی كل مجتمع من المجتمعات البشریة توجد فئة تتمتع بحق الحكم على الناس بینما الآخرون لیس لهم مثل هذا الحق، اذن إذا قیل: إن الحكومة الفلانیة شرعیة ـ أی لها الحق فی الحكم ـ فذلك لا یعنی أن القوانین التی تصدرها تلك الحكومة حقة، وتتطابق مع الواقع.

إن الحق الذی نتحدث عنه هنا ما هو إلاّ مفهوم اعتباری، یُطرح على صعید العلاقات الاجتماعیة، ونحن لا نتحدث هنا حول معیار الأحقیة أو كیفیة نیلها أو المصدر الذی یهب الحق... الخ، بل أن ما نقصده هو بحث حول المفهوم فقط.

إن كل من یتحدث عن شرعیة حكومة ما فهو یتصور أن ثمة اُناساً یتمتعون بالحق فی الحكم، وهنالك مَنْ لا یتمتعون بمثل هذا الحق; فعلى سبیل المثال: لا یحق للصبیان أو المجانین أو المتخلفین عقلیاً أو الجهلة والأمیین وأمثالهم تولی الحكم على الآخرین وإصدار الأوامر لهم.

لماذا حق الحاكمیة؟ وما هو الدلیل على وجوب الطاعة؟

تقدّم القول بتلازم «حق الحاكمیة» و«التكلیف بالطاعة»، إذن لیس ثمة تفاوت إذا ما سألنا: لماذا یمتلك الحاكم الحق فی ان یأمر؟ أو لماذا یتعین على الناس اتباع الحاكم وتطبیق أوامره؟

فإذا ما أقررنا بضرورة قیام الحكومة فی كل مجتمع أولا، وأن الحكم یعنی تدبیر الشؤون الاجتماعیة للمجتمع ثانیاً، حینها یتعین علینا الإقرار بأن ثمة اُناساً یمتلكون الحق فی الحكم واصدار الاوامر، وبالمقابل فإن الناس مكلّفون بإطاعة القوانین التی یصدرها الحاكم، أو الفئة الحاكمة، وإذا لم تكن اوامر; فلا یكون هنالك أی وجود للحكومة، أما إذا ما توفرت الاوامر والأحكام، ولم یكن هناك مَنْ یطیعها; فإن وجود الحكومة سیكون عبثاً ولا طائل من اعتبار الحاكم والمحكوم.

إن الادلة العقلیة التی تثبت العلاقة بین الحاكم ومحكومیه أو الرئیس ومرؤوسیه، أو الإمام والأمة مثل قولنا من دون التمتع بمثل هذه العلاقة فان مصالح المجتمع لا تؤمّن، هی نفسها تثبت حق الحاكم فی الحكم، ووجوب طاعة الناس له.

ونكرر تأكیدنا بأن أصل ضرورة الحكومة، وحق الحاكم فی اصدار الاوامر وتكلیف الناس بالطاعة; كل ذلك یعتبر مسألة منفصلة عن هذه القضیة وهی ما الدلیل على ان للحاكم حق الحكومة؟ ولماذا من واجب الناس الطاعة له؟ وبحثنا ینصبُّ الآن على القضیة الاولى دون الثانیة، وسوف نتطرق فی موضع آخر لبحث ما إذا كانت الشرعیة تُكتسب من خلال إرادة الامة والقبول العام، أم أنها تنشأ من مصدر آخر؟ وبالتالی سوف نبحث فی ما یراه الإسلام بشأن الشرعیة.

* * * * *

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...