سؤال: ما هو تكلیف الحاكم الإسلامی فی حالة فقدان القبول العام لحكم الولی الفقیه؟
جوابه: فی ضوء ما نعتقده لیس ثمة تلازم بین «المقبولیة» و«الشرعیة»، أی أن شرعیة ولایة الفقیه التی هی استمرار لولایة المعصومین(علیهم السلام)لیست مقیّدة بالمقبولیة، فالأخیرة تضفی الوجود فقط على الحكومة الدینیة لعدم امتلاك الحاكم الدینی لحق استخدام القوة لغرض فرض حكومته; وعلیه نقول بإیجاز: إذا ما فقدت حاكمیة الولی الفقیه مقبولیتها; فإنها لا تفقد شرعیتها، بل المشكلة تعترض تحققها وتطبیقها.
وقبل التطرق للإجابة على نحو التفصیل نقول: إن الفرضیة الواردة فی السؤال لم تقع فی زماننا، والمزاعم التی تحملها كتابات وأقاویل الأجانب فی الخارج، ومن یدور فی فلكهم بعدم قبول الامة للنظام الإسلامی إنما تأتی لإشاعة جوٍّ من التزییف والأكاذیب.
فی عهد الإمام الراحل(قدس سره) أُشیع مراراً من قبل المناوئین للجمهوریة الإسلامیة أن أبناء الشعب الإیرانی قد سئموا الجمهوریة الإسلامیة بسبب المشاكل الاقتصادیة الناجمة عن الحرب والحصار الاقتصادی، غیر أننا كنا شهوداً على الحضور الجماهیری الواسع فی الساحة أثناء تلك الظروف، وعدم توانی الجماهیر عن تقدیم التضحیات بشتى صورها، وبعد رحیل الإمام حافظت المسیرة الاجتماعیة على رونقها وتوجهها، وبذلك استمر الدعم الشعبی للنظام وقیادته. إذن فبحث هذه الفرضیة لا یأتی بمعنى فقدان النظام الإسلامی وقیادته للقبول الشعبی، فاحتمال عدم مقبولیة النظام الإسلامی لدى الامة إنما یمكن تصوره على نحوین:
الأول: إن الامة ترفض الحكومة الدینیة بالمرة، وفی هذه الحالة یبقى اعتقادنا بأنه هو الحاكم أو الوالی المعیَّن من قبل الله تعالى، إلاّ أن حكومته لم تظهر الى خیر الوجود; لان قبول الامة شرطٌ فی تحقق الحكومة الدینیة، واجلى مثال على ذلك السنوات الخمس والعشرون التی قضاها الإمام علی(علیه السلام) جلیس الدار، فقد كان(علیه السلام)منصوباً من قبل الله تعالى، إلاّ أنه لم یكن حاكماً بالفعل لعدم مبایعة الأُمة له.
الثانى: وهو أن حكومة من له حق الحكم الشرعی قد تحققت بالفعل، ولكن بعد مدة انبرت فئة لمعارضته، وهذا الفرض له بُعدان:
أحدهما: إن المعارضین یمثلون فئة قلیلة، وهم بصدد إسقاط الحكم الشرعی الذی یحظى بدعم الأكثریة، فلا شك هنا بأن الحاكم الشرعی مكلفٌ بالتصدی للمعارضین وحملهم على الطاعة، والمثال فی هذا الصدد التصدی الرامی الذی واجه به أمیرالمؤمنین(علیه السلام)أصحاب الجمل وصفّین والنهروان، وما شابه ذلك. وفی عصرنا الراهن تصدى الجمهوریة الاسلامیة للمنافقین والفئات الإلحادیة المحاربة، إذ لیس خلیقاً بالحاكم الإسلامی التزام جانب المسامحة والتساهل وفسح المجال أمام ثلة قلیلة; لتمریر مآربها الشیطانیة فی إطاحة الحكومة القائمة على الحق، والتی تحظى بتأیید الأغلبیة.
وثانیهما: بعد إقامة الحكومة الشرعیة التی تحظى بدعم الأغلبیة تنبری الأكثریة القاطعة لمناوئتها، ویعلنون رفضهم للحكومة الدینیة، وفی ضوء ما تقدم من جواب إجمالی نقول: فی مثل هذه الحالة لا یزال الحاكم الشرعی یحتفظ بشرعیته، ولكن نظراً لافتقاده للمقبولیة; فإنه یفتقد القدرة على ممارسة حكومته الشرعیة.
إن شرعیة الحكومة الدینیة تزول فی حالة واحدة فقط; وهی فقدانها لواحد من الشروط الضروریة للحاكمیة الشرعیة، وإلاّ فإن الشرعیة باقیة لا تزول.
وبمقدورنا اعتبار عهد الإمام الحسن(علیه السلام) وصراعه مع معاویة وفرار بعض قادة جیشه الى معسكر معاویة مثالا للفرضیة الأخیرة، فقد نقل التاریخ أنه(علیه السلام) ـ ونتیجةً لعدم انقیاد الأُمة له ـ لم یمارس الحكم عملیاً، بل اضطُر لقبول الصلح، بید أن الامة نالت جزاء غدرها ونكثها للعهد; فتسلط علیها مَنْ تلاعبوا بدینها ودنیاها.
* * * * *