سؤال: ما العمل إذا ما وقع تعارض فی الفتیا بین الولی الفقیه وسائر الفقهاء؟
جوابه: إن عقل الإنسان یحكم بأن على المرء مراجعة ذوی الخبرة والاختصاص فی الحالات التی ینقصه العلم والخبرة فیها; فالمریض ـ على سبیل المثال ـ الذی یجهل السبیل الى العلاج، إنما یرجع الى الطبیب، ومن لا مهارة له فی بناء داره یستعین بالمعمار المتخصص، وهكذا فلیس الناس بأجمعهم مفسوحاً أمامهم المجال، أو لدیهم القدرة على استنباط الأحكام من مظانّها الأصلیة الشرعیة; لذلك یتعین علیهم الرجوع الى ذوی الاختصاص والخبرة الذین یتمتعون بمثل هذه القابلیة بمستواها المطلوب، وامتثال أوامرهم، وقد وردت الإشارة لهذه القضیة فی الآیة الكریمة «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»1.
من البدیهی أن لا یتفق أصحاب الاختصاص فی أیّ علم فیما بینهم على صعید التفاصیل فی المسائل، فربما یُشاهد ـ مثلاً ـ أن لا یصل عددٌ من الاطباء الحاذقین الى نتیجة موحدة فی تشخیصهم لمرض معیّن فیكتبون وصْفات متباینة، والعقل یصرّح بوجوب مراجعة «الاعلم» فی الحالات التی لا تتفق كلمة المتخصصین، أی أن یُقدَّم المتفوق فی الاختصاص على مَنْ سواه.
وعلى صعید الأحكام الشرعیة الفردیة یصبح بمقدور كل شخص مراجعة المجتهد الأعلم ـ الأكثر قابلیة من غیره فی استخراج واستنباط الأحكام ـ لتحدید مسیره حسب تشخیصه، أمّا فی المسائل الاجتماعیة والسیاسیة فیجب تعیین المجتهد الأَعلم فی هذا الجانب من قبل الخبراء بشكل أصولی منظّم. فان الرجوع الى مراجع متعددین یؤدی الى الفوضى والاضطراب فی النظام، من هنا یتحتم أن یوكل الإعلان عن الحكم النهائی الى مجتهد معیّن، ویتم تطبیقه فی المجتمع; ولهذا السبب یُخوّل المجتهد الذی یقف على رأس الأمور فی المجتمع والأَعلم بمصالحه ومفاسده أمر البتّ فی شؤون المجتمع الإسلامی.
تقدّم فتوى الولی الفقیه فی الامور الاجتماعیة
بناءً على هذا، لو حصل تعارض فی الفتوى بین الولی الفقیه وغیره من الفقهاء فی المسائل الفردیّة إذ ذاك یمكن الرجوع الى مرجع التقلید الذی سبق لنا وأن شخّصناه بأنه الأعلم فقهیاً، أما فی المسائل الاجتماعیة فإن رأی الولی الفقیه هو المقدَّم على الدوام، كما ورد فی تصریح الفقهاء وورد فی الرسائل العملیة أیضاً فیما یتعلق بالقضاء: إذا أصدر قاضی الشرع حكمه بشأن واحدة من القضایا فإن حكمه هذا یعد حجة بالنسبة للآخرین، ویحرم نقضه حتى من قبل قاض غیره وإن كان أعلم منه.
* * * * *
1. النحل: 43.