سؤال: إذا كان نظام ولایة الفقیه هو الأفضل، فلماذا لم تعالج بعض المشاكل فی مجتمعنا ولم نحقق المجتمع المتقدم؟
جوابه: هذا التساؤل یثار أیضاً بحق حكومة أمیرالمؤمنین(علیه السلام) المعصوم والمصرّح به ـ استناداً لما نعتقد به ـ بولایته على الأمة1 وصنویته للنبی الاكرم(صلى الله علیه وآله)2.
تأسیساً على هذا لیس ثمة شك أو شبهة بین أوساط الفرق الإسلامیة على اختلافها بشأن حقانیة حكومة الإمام علی(علیه السلام)وشرعیتها; وقد عدَّ القرآن الكریم إبلاغ ولایته(علیه السلام) من قبل النبی الأكرم(صلى الله علیه وآله) إكمالا للدین وإتماماً للنعمة ورضىً من الله بالدین الإسلامی3، وبالرغم من كل ما تقدّم فإن نظرة إجمالیة لتاریخ السنوات الخمس من حكم مولى المتقین، والظروف الاجتماعیة التی كانت سائدة یومذاك، تُنبئنا عن مستوى النجاح الذی حقّقه(علیه السلام) لإقامة المجتمع النموذجی.
لقد أسهمت الحروب الداخلیة من قبیل صفّین والجمل والنهروان، وتهدیدات الأعداء من الخارج، والشحّة فی القوى الإنسانیة المقتدرة المخلصة، وكثرة المشاكل وسرایة البدع والسنن الفاسدة والأمراض الاجتماعیة المزمنة، والتغییر الذی طال تركیبة النظام القِیَمی، كلها ساهمت فی التمهید لهذا الوضع.
فی تلك الأثناء كان علی(علیه السلام) أصلح الناس للحكم، والإمساك بزمام الأمة الإسلامیة فی تلك الظروف التی كانت سائدة یومذاك، وهذه الصعوبات لیس من شأنها إثارة أىّ شك فی أصل شرعیة ولایته(علیه السلام).
إشارة لبعض المشاكل التی یعانی منها النظام
والیوم یبرز الكثیر من المشاكل التی یعانی منها نظام الجمهوریة الإسلامیة. منها ـ مثلاً ـ المشاكل الاقتصادیة الناجمة عن عوامل شتى، وإصدار الحكم على مدى نجاح النظام الإسلامی یتوقف على دراسة تلك العوامل. وللإیضاح نقول: إن تضاعف النمو السكانی فی إیران الى مستوى الضعفین منذ انتصار الثورة حتى یومنا هذا; وارتفاع الأسعار عالمیاً بما یتناسب مع التضخم العالمی، فی حین هبطت أسعار النفط، الذی یعتبر أهم مصادر الدخل الى أقل من الثلث، منذ عام 1357 هـ ش وحتى الآن; بالإضافة الى التغیر الكبیر الذی طرأ على ثقافة الاستهلاك فی المجتمع، واضطراد مستوى الطموحات بنحو ملفت للنظر; المقاطعة الاقتصادیة والحرب والدمار الواسع الذی فُرض على بلادنا بسبب تمسكنا بالقیم الإسلامیة; والحوادث الطبیعیة الجمّة... الخ، كل ذلك كان له الدور فی ظهور هذه المشاكل.
وكذا الحال بالنسبة للأزمات الثقافیة، فلقد كان الكثیر من علماء الإسلام والمربّین الدینیین، إما یخوضون معترك الجهاد، أو یقبعون فی معتقلات النظام الطاغوتی قبل انتصار الثورة، وانشغالهم بالأعمال التنفیذیة بعد انتصار الثورة لشدة حاجة النظام الیهم، وكذلك استشهاد طائفة من أفضل مَنْ ترعرعوا فی كنف الشریعة الإسلامیة أثناء الأحداث التی طرأت فی بدایة انتصار الثورة على ایدی الخونة من أعداء الإسلام، منهم على سبیل المثال الشهداء بهشتی ومطهری وباهنر ورجائی وشهداء المحراب... الخ الذین كان كل واحد منهم یعدّ ثروة لا تضاهى بالنسبة للنظام والإسلام.
أضف الى ذلك التأثیر العمیق الذی خلّفه تدخّل الأعداء فی إشاعة جوٍّ ثقافی مسموم، أمام جیل الشباب وفی افتعال المشاكل الثقافیة.
وبالرغم من ذلك كلّه فقد كان النظام الإسلامی مدعاة رفعة وعزة لإیران على المستوى العالمی، وشموخ للأمة الإسلامیة بوجه الطواغیت والمستكبرین فی العالم; فهو الذی حفَّز المسلمین للاتحاد والتحرك، والحركات الإسلامیة التی انبثقت فی البوسنة والهرسك والشیشان والجزائر ولبنان ومصر وتونس والسودان بل وحتى فی بلدان أوربا الغربیة وامریكا; مستلهمةً من النهضة الدینیة والإلهیة التی قام بها الشعب الإیرانی; إنما تعدّ من بركات التوجه نحو دین الله وولایته.
لیس هنالك من یدّعی تطبیق القوانین الإسلامیة برمّتها فی البلاد بعد انتصار الثورة، بل ـ وكما صرّح بذلك قائد الثورة ـ أمامنا طریق طویل لتطبیق ما رسمه الدین للمجتمع; وهذه المشكلات والمصاعب لیس من شأنها التشكیك بشرعیة النظام.
* * * * *
1. «إِنَّما وَلِیُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ» المائدة: 55.
2. جرى بیان هذه القضیة فی آیة المباهلة (آل عمران: 61).
3. وهو مفاد الآیة الثالثة فی سورة المائدة.