سؤال: لماذا یُنظر الى نظریة ولایة الفقیه على أنها الصورة الوحیدة للحكومة الدینیة؟
جوابه: یلزمنا فی البدایة ان نرى ما هی الرسالة التی تحملها نظریة ولایة الفقیه؟ وفی هذا المجال نقول بإیجاز: عندما یخلو عصرٌ ما من حكم الإمام المعصوم یتولى ـ حینئذ ـ الفقهاء المنصوبون، وفق شروط معینة من قبل المعصومین(علیهم السلام)، لإدارة المجتمع على أساس التعالیم الإسلامیة.
میزتان للحكومة
الكل یعلم أن أیة منظومة حكومیة تصبو لتحقیق عدة أهداف من قبیل: تأمین متطلبات المواطنین، إرساء الأمن الداخلی وإقامة العلاقات مع سائر الدول بنحو یضمن مصالح المجتمع والبلاد، والى غیر ذلك; إذن لابد للحكومة من أن تتوفر على میزتین:
الاولى: معرفة السبل لبلوغ هذه الأهداف، وإدارة المجتمع بنحو تتحقق من خلاله تلك الأهداف.
الثانیة: أن تحظى بثقة الأُمة، أی أن الاطمئنان یسود المواطنین فیشعرون بأن كرامتهم وأرواحهم وأموالهم مصونة فی ظل هذه الحكومة; فكل إنسان ـ أیاً كان مذهبه ومشربه ـ یرى حتمیة توفر تلكما المیزتین فی الحكومة، ویحدوه الأمل أن یضعهما أرباب الحكم موضع التطبیق.
أما إذا كانت الحكومة دینیة فعلیها الالتزام بهدف آخر الى جانب ذینك الهدفین، وهو تمهید الأرضیة لتكامل المواطنین وتسامیهم معنویاً; وهذا الهدف من الأهمیة بمكان، بحیث یُلقی بظلاله على سائر الأهداف; وبعبارة اخرى: إنه یحتل الأولویة فی النظام الإسلامی.
ونظراً للفارق بین الحكومة الدینیة وغیرها من الحكومات فَمَن هو الذی یقود هذه الحكومة التی تتولى تحقیق الأهداف الآنفة الذكر؟
شروط الحاكم الدینی
نظراً الى أن إدارة المجتمع فی ظل الحكومة الدینیة تقوم على أساس القوانین الإسلامیة; فلابد أن یتمتع المتربع على رأس السلطة بمعرفة كافیة بتلك القوانین، لئلا یقع الانحراف عنها أثناء عملیة إدارة المجتمع; ولابد أن تصل هذه المعرفة الى مستوى الاجتهاد، وعلیه فإن أول شروط الحاكم الدینی هو الاجتهاد فی الفقه; وواضحٌ جداً ضرورة هذا الشرط; لأن مَنْ یتولى تطبیق القانون لابد له من التوفر على معرفة كاملة به; والفقهاء یتمتعون بأعلى درجات المعرفة والاطلاع بالأحكام الشرعیة والدینیة.
والشرط الثانی هو التقوى والصلاح الأخلاقی، فإذا ما افتقد الحاكم التقوى أغوته السلطة، وربما قدَّم مصالحه الشخصیة أو الفئویة على مصالح المجتمع والبلاد; فالاستقامة والأمانة فی العمل یمثلاًن شرطاً، یتعین توفره فی الحاكم فی أیّ نظام ; كی یأتمنه الناس على شؤونهم بكل ثقة واطمئنان; بیدَ أن التقوى والاستقامة فی العمل یعتبران ضروریین فی ارفع مستویاتهما بالنسبة للحاكم الإسلامی.
أما الشرط الثالث فهو الوعی والإحاطة والاطلاع بالقضایا الاجتماعیة، أی یتعین على من یحكم الناس معرفة الظروف التی یدیر فی ظلّها المجتمع، فعلیه معرفة العلاقات الدولیة وتشخیص العدو من الصدیق، داخلیاً وخارجیاً، وهذا یعدّ من الكفاءات التی من الضروری توفرها فی الحاكم، وإلاّ فإنه سیواجه صعوبات جمة فی إدارته للمجتمع.
وربما تتوفر سائر الشروط فی غیر الفقیه، بیدَ أن شرط الفقاهة أمر لا یمكن التنازل عنه فلابد أن یكون الحاكم الإسلامی فقیهاً جامعاً للشرائط. وحریٌ بنا القول: بأن الشروط المذكورة فی الحاكم الدینی موضع تأكید من قبل أئمة الهدى(علیهم السلام). قال الإمام علی(علیه السلام): «أیها الناس، إنَّ أحقَّ الناس بهذا الأمر أقواهم علیه، وأعلمهم بأمر الله فیه»1
وبموجب الشرائط التی تقدم ذكرها; فإننا نؤكد على أن الحكومة المشروعة فی نظرنا هی ولایة وحكومة الفقیه.
* * * * *
1. نهج البلاغة: الخطبة 173.