سؤال: هل یعود تاریخ نظریة ولایة الفقیه الى ما بعد غیبة الإمام المهدی(علیه السلام) أم أن جذورها تمتد الى عصر الأئمة المعصومین(علیهم السلام)أیضاً؟
جوابه: ربما یدور فی أذهان الكثیرین أن ولایة الفقیه إنما ظهرت الى الوجود فی الفترة التی أعقبت الغیبة الكبرى للإمام المهدى(علیه السلام)، أی قبل ما یقل عن 1200 عام. ولكن فی ضوء ما تفیده نظریة ولایة الفقیه ـ ومن خلال إلقاء نظرة سریعة على عصر الأئمة المعصومین(علیهم السلام) ـ نجد بیسر أن هذه النظریة كانت قائمة فی عصر حضور المعصومین ایضا.
حكومة الله والمنصوبین من قبله
إن الحاكمیة فی ضوء معتقدات الشیعة إنما هی فی الأصل لله سبحانه، وبعبارة اخرى، أنها من شؤون ربوبیته تعالى، ولا حق لأحد فی الحكم على أیّ إنسان آخر، سوى مَنْ خوّله الله صلاحیة ذلك، وأن الأنبیاء ولاسیما خاتمهم(صلى الله علیه وآله) وأوصیاءهم المعصومین هم ممّن حظی بإذن الحكم على الناس من قبل الله سبحانه. ولسنا هنا بصدد بیان الدلیل على شرعیة حكومة النبی(صلى الله علیه وآله) والأئمة المعصومین(علیهم السلام)، فمن المسلَّم به من الناحیة التاریخیة أن علیاً(علیه السلام) والإمام الحسن(علیه السلام) وحدهما اللذان وصلا الى سدة الحكم الظاهری لمدة وجیزة، من بین الائمة، أما سائر الائمة(علیهم السلام) فقد جرى إقصاؤهم عن إدارة المجتمع، ولم تسنح لهم الفرصة للحكم بسبب التسلط غیر الشرعی للحكام.
وكان الإمام علی(علیه السلام) أیام حكمه ینصِّب تنصیباً خاصاً أُناساً للحكم فی مختلف الأمصار الإسلامیة; حینها تجب طاعتهم كما هو شأن طاعته; لأن مثل هؤلاء منصوبون فی واقع الأمر من قبل الله بالواسطة، وهذا یعنی انه لا یلزم أن یكون الحاكم منصوباً من قبل الله مباشرة لتجب طاعته، وولایة الفقیه تعتبر فی الحقیقة تنصیباً بالواسطة، وأن الفقیه مخوّل من قبل الله للحكم.
وخلال الفترة التی لم یصل فیها الأئمة للحكم كانت شؤون المجتمع تخضع لهیمنة حكّام الجور; الذین یُعتبرون فی قاموس الشیعة طواغیت، ولا إذن للأمّة ـ بموجب النص القرآنی ـ بالرجوع الیهم، ولا لمن یُنصّبونه لإدارة الامور: «یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ یَكْفُرُوا بِهِ»1، فما هو تكلیف الأُمّة حینما تقتضی الحاجة مراجعة شخص ما كالحاكم أو القاضی؟
ولایة الفقیه فی حدیث المعصوم(علیه السلام)
وردت عن الأئمة المعصومین: تعلیمات تأمر الناس بمراجعة مَنْ تتوفر فیهم شروط خاصة، فی كل عصر ومصر یتعذر فیه الوصول للمعصوم; كی لا تتعطل أعمالهم; فقد ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام) «مَنْ كان منكم قد روى حدیثنا، ونظر فی حلالنا وحرامنا وعرفَ أحكامنا; فلیرضوا به حكماً...» والمراد من العارف بالحلال والحرام والأحكام هو الفقیه الذی نقصده، وهنالك روایات مشابهة تؤكد حاكمیة الفقیه على الناس عند غیاب المعصوم، وهذه الحاكمیة إنما تتأتى له عن طریق المعصوم.
وقد ورد فی الروایة المتقدمة أیضاً «.. فإنّی قد جعلتُه علیكم حاكماً» ومن الواضح هنا أن الإمام(علیه السلام) لم یحدّد شخصاً معیّنا للحكم، بل كان تنصیبه عاماً; وجاء فی الروایة نفسها: «فإذا حكم بحكمنا فلم یُقبل منه; فإنما بحكمنا استخف وعلینا ردّ، والراد علینا كالراد على الله، وهو على حدّ الشرك باللّه»2.
وبموجب التنصیب العام الذی حازه الفقهاء; فإن ولایة الفقیه لا تختص بزمن معیّن، بل هی ضروریة التطبیق حتى فی زمن المعصوم(علیه السلام) أیضاً فی حالة تعذُّر الوصول الیه، لأن فحواها لیس سوى تحری الحلول لمن یتعذر علیهم الوصول للمعصوم. إذن فمن الممكن العثور على جذور هذه النظریة فی زمان حضور المعصوم كذلك.
* * * * *
1. النساء: 60.
2. اصول الكافی: 1/67.