سؤال: هل ان الولی الفقیه وكیل الأمة فی ظل النظام الاسلامی؟ واذا كان الجواب بالایجاب فلماذا یُعبَّر عن الحكومة الاسلامیة بـ «ولایة الفقیه» ولیس «وكالة الفقیه»؟
جوابه: «الوكیل» انما تُطلق على مَنْ یوكل الیه عمل لینجزه نیابة عن الموكِّل، كما لو ان أحداً ـ مثلاً ـ انیطت به مسؤولیة انجاز عمل ما لكنه لا یستطیع القیام بواجبه لمشغلة أو مشكلة فیكلِّف غیره للقیام بالمهمة وبذلك فهو یوكّله; وكذلك مَنْ یتمتع بحق معین من قبیل التوقیع أو استیفاء مبلغ من المال من المصرف أو كان ذا ملكیّة فبامكانه توكیل غیره لاستیفائه.
ما هی الوكالة وماذا تعنی «وكالة الفقیه»؟
الوكالة عقد جائز وخاضع للفسخ، أی ان الموكِّل بوسعه عزل الوكیل متى شاء. اذن الوكالة انما تُفترض حینما یكون الشخص ممتلكاً حق التصرف بالاصالة لیقوم عن طریق عقد الوكالة بتفویض الأمر لوكیله وتكون حدود صلاحیات الوكیل بنفس حدود صلاحیات الموكِّل بطبیعة الحال ولیس اوسع من ذلك، هذا أولا; وان للموكل عزل وكیله متى شاء ثانیاً.
الذین طرحوا نظریة «وكالة الفقیه» انما فهموا الوكالة بمعناها الحقوقی ومرادهم ان الامة تتمتع بحقوق اجتماعیة خاصة وبتعیین القائد توكل الیه هذه الحقوق، وهذه نظریة طُرحت مؤخراً من قبل البعض على انها نظریة فقهیة، ولا سابقة لها فی تاریخ الفقه الشیعی ولا یُشاهد لها أی اثر فی المصادر الفقهیة المعتبرة.
ان الوكیل من وجهة نظر حقوقیة یمثل عاملَ الموكِّل ونائبه، وارادته تتسق مع ارادة الموكِّل وعلیه تحقیق ارادته، وله الاذن بالتصرف فی حدود الصلاحیات التی یخولها إیاه الموكِّل.
عدم انسجام وكالة الفقیه مع النظام السیاسی فی الاسلام
لا ینسجم ما هو مقصود فی النظام السیاسی الاسلامی مع هذه النظریة; فبعض الصلاحیات التی یتمتع بها الحاكم الاسلامی لا تخضع لدائرة حقوق الامة أبداً; فللحاكم ـ على سبیل المثال ـ صلاحیة قتل انسان أو قطع عضو أو عدة اعضاء من بدنه كحدٍّ أو قصاص أو تعزیر فی ضوء الضوابط الشرعیة، وهذه الصلاحیة التی منحها إیاه الشرع الاسلامی لم تُمنح لعامة الناس، أی لیس لأحد الانتحار أو قطع یده أو رجله; ونظراً لعدم امتلاك ای انسان مثل هذا الترخیص فی حق نفسه فلا یجوز له تفویضه أو إیكاله لغیره.
من هنا نستشف ان الحكومة حقٌّ منحه الله للحاكم لا أن الامة منحته إیاه، والمالكیة الحقیقیة للعالم والولایة على المخلوقات انما هی لله وهو وحده الذی بمقدوره ایكال هذا الحق لغیره، والحاكم الاسلامی انما یكتسب ولایته وحكومته باذن من الله سبحانه الذی یأذن لمن ینفذ احكامه كی یتصرف بارواح الآخرین واموالهم.
وبناءً على هذا فان صلاحیات الحاكم لا تتحدّد بإرادة الأمة المفترض انها موكِّلة الفقیه وفق هذه النظریة. ومن ناحیة اخرى فان الحاكم الشرعی علیه العمل طبقاً للاحكام الالهیة بدقة ولیس له التمرد على القانون الشرعی ولا التخلی عن الشریعة لتلبیة ارادة الامة. وعلیه فان دائرة عمل الحاكم یُعینها القانون الشرعی ولیس ارادة الامة، فی حین لو افتُرضَ الحاكم وكیلا للامة فان السیر وفق ارادتها یكون لازماً علیه وتتحدد صلاحیاته بحدود ارادة الموكِّلین، كما ان الامة بامكانها عزل الفقیه متى شاءت فی حین ان تنصیب الحاكم الشرعی وعزله منحصرٌ بید الله سبحانه وحسب.
* * * * *