ar_porsesh2-ch1_8.htm

سؤال: ألا یخلق فصل قیادة النظام عن مرجعیة التقلید ـ كما هو مدرج فی الدستور ـ المشاكل أمام الجماهیر؟

جوابه: یرى الاسلام ان فی خلق الانسان هدفاً وحكمةً ویعتقد ان الانسان انما خُلقَ لیبلغَ هدفاً معیناً; وهذا الهدف الأساسی یتمثل فی بلوغ الكمال النهائی، أی القرب من الله والتنعّم بالرحمة الابدیة; وبما ان نیل مثل هذه الغایة یتعذر دون وجود برنامج معین فلابد من مسلك یتخذه الانسان وسیلة لبلوغ غایته، وهذا المسلك لیس سوى عبودیة الله والتسلیم المطلق لاوامره ونواهیه.

ومن جانب آخر فان الاسلام دینٌ جامعٌ له احكامه ومقرراته سواء على الصعید الفردی أو الاجتماعی من الحیاة، وان توفیر السعادة للانسان منوط بالعمل بالقوانین الفردیة والاجتماعیة.

وحریٌ بنا ان نضیف أن العمل بالاحكام والقوانین الالهیة یستدعی معرفة صحیحة ودقیقة بها، وما لم تُعرف هذه الاحكام بصورة صحیحة فلن نستطیع العمل بها على احسن وجه، كما ان معرفة هذه الاحكام فی غیر ضروریات الدین تحتاج الى عملیة تحقیق تخصُّصیة موسعة ومعمقة ومنهج تحقیقی متمیز ـ وذلك ما یصطلح علیه بـ «الفقاهة» وعلى المحقق والعالم بالاسلام اسم «الفقیه» وعلى العلم الذى یحتضنه اسم «الفقه».

ضرورة التقلید فی الاحكام

بما ان بلوغ الفقاهة والاجتهاد وبالتالی استنباط احكام الدین استنباطاً صحیحاً یستدعی إفناء سنین طوال فی دراسة شتى العلوم الاسلامیة وجهداً دؤوباً لنیل القدرة على استنباط الاحكام الشرعیة من مصادرها; فقد اصبح من الواجب على طائفة من ابناء المجتمع فی كل عصر القیام بهذه المهمة ووضع ثمار دراساتهم فی متناول الآخرین لیتعرفوا من خلالها على القوانین الاسلامیة ویعملوا بها.

وهذه المنهجیة هی المتبعة فی كافة الاختصاصات الانسانیة، وبناءً على هذا فان الناس وبمقتضى ذوقهم العقلائی یرجعون فیما لا یمتلكون اختصاصاً كافیاً به الى ذوی الاختصاص لیعرفوا ما جهلوا وینظّموا حیاتهم، من قبیل رجوع الناس للمعمار، والمیكانیكی والطبیب... الخ.

وهكذا فانهم یرجعون الى الفقهاء لمعرفة الاحكام الدینیة لیعملوا بها فی حیاتهم بعد معرفتها، من هنا فقد دُرج دینیاً على تسمیة المجتهدین بـ «مراجع التقلید» أی مَنْ یُرجع الیهم فی امور الدین.

وعلیه فان العمل المتمیز لمرجع التقلید هو بیان الاحكام الاسلامیة بصیغة قواعد كلیة فی البعدین الفردی والاجتماعی، غیر انه لا یتحمل مهمة تحدید مصادیق الاحكام، فعلى صعید الاحكام الفردیة تقع هذه المهمة على عاتق الناس انفسهم أی یتعین على الانسان نفسه تشخیص مصداق الحكم ـ من قبیل نجاسة دم الحیوان ذی النفس السائلة، فلیس من واجب الفقیه تشخیص ما اذا كان الحیوان الفلانی ذا نفس سائلة أم لا ـ لكننا على صعید الاحكام الاجتماعیة نحتاج الى منصب رسمی فی المجتمع له شأنه بالنسبة للناس.

وهنا یتبادر هذا السؤال وهو: هل یُمكن الرجوع لأیِّ فقیه لمعرفة الاحكام وتقلیده؟ وهل یُعقد الاَمل بتحقیق حاكمیة الاسلام فی المجتمع عبر بیان الاحكام من قبل الفقهاء فقط؟ واخیراً هل تنحصر مهمة الفقیه فی البیان أم انه یتحمل مسؤولیة اخرى من قبیل التصدی لتنفیذ الاحكام الالهیة ایضاً؟

للاجابة على التساؤلات اعلاه من الضروری الالتفات الى الامور التالیة:

1 ـ الرجوع الى الاعلم

نظراً للاختلاف الحاصل فی وجهات النظر حول بعض المسائل الفقهیة، فان الناس وبمقتضى حسهم الفطری یتوجهون نحو مَنْ كان یفوق الآخرین حذاقة وشهرة وعلماً أو ما یُصطلح علیه بـ «الفقیه الأَعلم». اذن الاعلمیة شرطٌ واجبٌ للرجوع الى أی فقیه فی الامور الخلافیة.

2 ـ تعدد المراجع ووحدة الولی الفقیه

ربما یتوصل الناس ـ وبعد التحقیق حول الفقیه الاعلم والرجوع الى ذوی الخبرة ـ الى نتائج مختلفة وبالتالی یقلِّد كلٌّ منهم مرجعاً معیناً، وهذه التعددیة فی المراجع لن تخلق مشكلة على صعید الاحكام الفردیة، غیر ان التعددیة فی الآراء فی القضایا الاجتماعیة حیث المدار فیها علاقات الناس فیما بینهم، ستكون مثاراً للمشاكل لاسیما فی القضایا المهمّة والمصیریة ولعلها تتسبب فی حدوث الفوضى بل وحتى زعزعة نظام الحیاة الاجتماعیة، وعلیه من الضرورة بمكان ان تحكم البلاد رؤیة واحدة صادرة من فقیه عارف بالقضایا السیاسیة والاجتماعیة أولا، وله صفة رسمیة ثانیاً، وعلى ان یكون صاحب هذه الرؤیة مشهوداً له من قبل طائفة یُعتد بها من المجتهدین ذوی الخبرة على انه الاعلم فی الامور الاجتماعیة، وهكذا تُتخذ هذه الرؤیة الرسمیة قاعدة لاتخاذ القرار فیما یخص شؤون البلاد ومعالجة المشاكل وتنفیذ الاحكام الاسلامیة.

3 ـ منزلة الولی الفقیه فی الاسلام

انَّ الولی الفقیه معیَّنٌ من قبل الشارع المقدس حارساً للشریعة ومنفذاً للاحكام والقوانین الالهیة وصاحب القرار الاخیر فی المجتمع الاسلامی، وهذا المنصب الشامخ شأنٌ خصَّه الائمة المعصومون(علیهم السلام)بالفقهاء الجامعین للشرائط فی عصر الغیبة، ورغم ان القائد یخوّل بعض صلاحیاته ـ من قبیل القضاء الى رئیس السلطة القضائیة، والتقنین الى مجلس الشورى الاسلامی ومجلس صیانة الدستور ـ باعتباره المتكفل بضمان اسلامیة القوانین ـ بید ان دوره المهم فی التصدی للانحرافات، والمحافظة على الوحدة وتطبیق الاحكام الدینیة وكذلك اتخاذ القرار بشأن الامور الاستراتیجیة والمصیریة مما لا یمكن انكاره، وهذا أمر یختص به القائد ولیس للآخرین حق التدخل فیه.

4 ـ الاعلمیة فی الامور السیاسیة

الاعلمیة فی الامور السیاسیة والاجتهادیة مفهوم انتزاعی له مقومان مهمان هما:

أ. امتلاك معرفة متمیزة بالاحكام الاسلامیة.

ب. امتلاك معرفة عمیقة بمصالح المسلمین الاجتماعیة والمام تام بالاوضاع السیاسیة والدولیة.

وحیثما حاز فقیه هاتین المیزتین بالاضافة الى العدالة والتقوى والقدرة على الادارة فهو یُقدَّم للولایة والحكم.

5 ـ الالمام بالمصالح الاجتماعیة والسیاسیة

نظراً الى ان اختصاص عمل الولی الفقیه بادارة المجتمع على اساس احكام الاسلام الاجتماعیة والسیاسیة، فهو وإن لم یكن اعلم الفقهاء على صعید الاحكام الفردیة الفقهیة، ولكن بما انه یفوق سائر الفقهاء معرفة بالاحكام والمصالح الاجتماعیة والسیاسیة ستكون له الاولویة للتصدی لقیادة المجتمع الاسلامی.

6 ـ ضرورة امتثال القوانین الحكومیة

استناداً لفتاوى الفقهاء كلما اصدر الحاكم الاسلامی حكماً فانه یجب على كافة المسلمین ومن بینهم سائر مراجع التقلید والفقهاء طاعته، ولیس لأی فقیه ان ینقض حكمه.

وفی ضوء ما تقدم نصل الى نتیجة ان مراجع التقلید هم مرجع الامة فی مجال معرفة الاحكام الفقهیة، والولی الفقیه هو مَنْ یتولى الأمر والنهی واتخاذ القرار فیما یخص الامور الاجتماعیة فی البلاد ومن الواجب تنفیذ أوامره; ونتیجة لانفصال دائرة عمل مراجع التقلید عن الولی الفقیه فلن یحصل أی تزاحم، لان الاول یباشر عملیة طرح الرؤى الاسلامیة العامة، فیما یصدر الثانی أوامره لتطبیق الاحكام الالهیة واحیاناً یعمل من خلال سنّ القوانین المتغیرة على تمهید السبیل امام التطبیق العملی للاحكام الثابتة وبلوغ غایات معینة من قبیل تحقیق العزة للمسلمین والعدالة الاجتماعیة، ویرسم السیاسات الضروریة عبر اشرافه الدقیق على حُسن تطبیق الاحكام الاسلامیة.

ومن جانب آخر رؤیة ولی الأمر هی الحكم الرسمی الوحید الذی یحظى بالقبول فی الامور الاجتماعیة، ویحب على الجمیع امتثال الاحكام الصادرة عنه فی الامور السیاسیة والاجتماعیة، واستناداً لما یراه الفقهاء لا یحق لأی فقیه ـ بعد صدور الحكم من قبل الولی الفقیه ـ اصدار حكم آخر فی ذلك الشأن أو نقض حكم ولی الامر.

بناءً على هذا، ان الفصل بین المرجعیة والقیادة لا یثیر أیة مشكلة أو تزاحم فی الفتاوى وذلك لانفصال دائرتی عمل هذین المنصبین، وإن كان للجمع بین المرجعیة والقیادة فی شخص واحد ـ فی حالة تیسُّره ـ فوائده وهو الافضل لاسباب معروفة.

* * * * *


بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...