ar_porsesh2-ch2_1.htm

الفصل الثانی/ خبراء القیادة

سؤال: ما هی القاعدة الفقهیة لعمل مجلس الخبراء فی الفقه الشیعی؟

جوابه: لِنرَ فی البدایة این تكمن شرعیة القائد؟ هل ان شرعیته نازلة من الاعلى ونوع من التنصیب؟ بمعنى ان الله سبحانه وتعالى مثلما نصَّب النبی الاكرم(صلى الله علیه وآله) بادر هو(صلى الله علیه وآله)ومن قبله تعالى الى تنصیب الائمة الاثنی عشر(علیهم السلام) وهم بدورهم كانوا ینصّبون الولاة على المدن حینما كانت لدیهم القدرة على ذلك، وفی عصر الغیبة جرى تنصیب الفقهاء تنصیباً عاماً، أم ان الشرعیة صادرة من الاسفل وفیها نوع من الانتخاب؟

نظریة انتخاب القائد .. تحلیل ونقد

ههنا نظریّة طرحها بعض الفقهاء المعاصرین وهی نظریة «الانتخاب» واستناداً الى هذه النظریة یتم انتخاب الولی الفقیه من قِبل الأمة فی عصر الغیبة، وبهذا التصویت والانتخاب تكتسب حكومته الشرعیة بمعنى ان شرعیة الولی الفقیه تحددها الامة، فهی التی تخوِّل القائد حق التسلط الذی تتمتع به على نفسها ـ عبر انتخابها له. هنالك استنباطات متعددة لنظریة الانتخاب بید ان هذه الاستنباطات باجمعها تتفق على ان الامة هی التی تنتخب الولی الفقیه ولها تأثیر بنحو ما على شرعیته بحیث تفقد ولایة الفقیه شرعیتها لولا الامة، أی لیس فقط تفقد شعبیتها وانما تفقد شرعیتها ایضاً.

ان لكلٍّ من نظریتی الانتخاب والتنصیب تأثیرهما على عمل الخبراء، فمن كان یعتقد بان الامة هی التی تضفی الاعتبار والشرعیة على القائد بانتخابها إیاه، فالامة فی مثل هذه الحالة هی التی تنتخب الخبراء وهم بدورهم ینتخبون القائد نیابة عن الامة، بمعنى انهم یضفون علیه الشرعیة، وكأن الامة فی هذا الافتراض قد استودعت الخبراء أمانة وهم كأمناء للامة یستودعون هذه الامانة لدى القائد، إذن دور الخبراء یتمثل فی التوسط وایصال الشرعیة التی تضفیها الامة على الولی الفقیه.

ینبغی الالتفات الى هذه النقاط:

اولا: ان هذه النظریة تفتقد الاساس الفقهی أی ان أیّاً من الفقهاء الماضین لم یطرح أو یقبل بمثل هذه النظریة.

ثانیاً: ان شرعیة الحكومة استناداً لهذه النظریة انما تُمنح من قبل الامة للفقیه فی حین ان الامة لا تمتلك حق الحاكمیة من الاساس حتى تعطیه لأحد، فقد جرى البحث بالتفصیل فی محلّه بان شرعیة الحكومة وفقاً للنظریة العقائدیة فی الاسلام یحب ان تُمنح من قِبل الله، وهذا التخویل جاء بشكل تنصیب خاص فیما یتعلق بالانبیاء والائمة المعصومین، وتنصیب عام بشأن الفقیه الحائز للشروط.

ثالثاً: لو اقتنعنا بان الامة هی التی تمنح الحاكم الشرعی شرعیته، فثمة سؤال یثار هنا وهو: بما ان الامة باجمعها لا تقوم بانتخاب الحاكم الشرعی وانما الاغلبیة هی التی تنتخبه، فما هو تكلیف الاقلیة
یا تُرى؟ وأیة شرعیة تتمتع بها حكومة الحاكم الاسلامی علیها؟ باختصار، المؤاخذات التی تثار بشأن النظام الدیمقراطی هی ذاتها تثار بشأن هذه النظریة.

نظریة التنصیب

وهی المشهورة بین فقهاء الشیعة ونحن بدورنا نؤیدها ایضاً، وان بعض كلمات الامام(قدس سره) تصرِّح بـ «التنصیب» ایضاً من قبیل قوله «... فتنصیبی له رئیساً للوزراء انما جاء بفضل الولایة التی اتمتع بها من لدن الشارع المقدس، واننی اذ نصّبته فان طاعته واجبة»1 وقد اشار(رحمه الله) الى نظریة التنصیب ایضاً فی كتابه «الحكومة الاسلامیة» وسائر البحوث والكتب.

ان دور الخبراء فی ضوء نظریة التنصیب یتمثل فی الحقیقة بالادلاء بالشهادة وتشخیص القائد. أی ان الافتراض یتمثل بتنصیب الفقیه الاصلح من قِبل إمام الزمان(علیه السلام) فی كل عصر لادارة المجتمع الاسلامی بصورة عامة، ولا مناص ـ وفقاً للادلة الشرعیة وما یقتضیه الذوق العقلائی ـ من الاستعانة بالخبراء لتشخیص المصداق لهذا العنوان العامّ (الفقیه الأصلح).

سیرة العقلاء، الرجوع لذوی الاختصاص

ان الذوق العقلائی هو قاعدة الحیاة الاجتماعیة على صعید كافة شؤون الناس، فلیس هنالك من یمتلك الخبرة فی كافة شؤون الحیاة، ولابد من تقلید الآخرین فی جانب منها، فعلى سبیل المثال یتعین على الجمیع مراجعة الطبیب حین المرض والالتزام بما یراه، بل حتى الاطباء ربما یراجعون غیرهم من الاطباء ذوی الاختصاص فی بعض الحالات.

اذن قاعدة الحیاة الاجتماعیة والعقلائیة للناس انما تقوم على هذا المبدء ولولاه لاختل النظام الاجتماعی.

وفیما یتعلق بتشخیص القائد فان الفقیه الاصلح جرى تنصیبه من قبل الشارع المقدس، ولكن بما ان الامة لا تعرف شیئاً عن الفقاهة ولا قدرة لها على احراز الشروط الواجب توفرها فی الولی الفقیه، فهی ترجع وبمقتضى ذوقها العقلائی الى ذوی الخبرة.

بالرغم من ان قضیة الحاكم الاسلامی لم تكن محطَّ اهتمام أثناء حكم النظام الطاغوتی، بید ان الناس كانوا یتبعون هذا الاسلوب لتشخیص مرجع التقلید، أی حینما یتوفى مرجع التقلید وقد بلغ شخص سن التكلیف واراد العمل وفقاً لاحكام الدین وازمع السؤال عن مرجع التقلید الاعلم، كان من الطبیعی ان یتوجه الى عالم المحلّة، واذا كان فی قریة تخلو من عالم مشهور فهو یتوجه الى المدینة أو مركز المحافظة مستقصیاً حتى یطمئن بانه قد عثر على الاصلح، ولم تكن ثمة حاجة لتعلیم الناس بان علیهم السؤال من اهل الخبرة لمعرفة الاصلح، بل انهم كانوا یفعلون ذلك بدافع ذوقهم العقلائی.

حكم الولی الفقیه هو سبیل الحل الوحید

وكذلك فی الوقت الحاضر فان حكم الولی الفقیه هو السبیل الوحید لحل المشكلات التی یواجهها النظام مع فارق ان الامة یومذاك لم تكن تواجه مشكلة فی امورها الشرعیة فی حال عدم رجوعها لمرجع واحد. افترضوا ان شخصین سافرا معاً ویرى احدهما ان تكلیفه القصر فی الصلاة أما الآخر فتكلیفه اتمام الصلاة فلن تبرز مشكلة حتى وإن كانا أخوین، ولا تطرأ أیة مشكلة ایضاً حتى وان كان هنالك اختلاف فیما یخص النجاسة والطهارة أو غیرهما من المسائل.

بید ان تعدد الفتاوى بشأن القضایا الاجتماعیة من شأنه افراز المشاكل وثمة حاجة لحكم رسمی معتبر یَرتضیه المجتمع، وكمثال بسیط على ذلك الزواج، فاذا ما افتى فقیه فی ظل ظروف خاصة بصحة الزواج فیما افتى فقیه آخر بخلافه، فلا یسع المرأة فی هذه الحالة القول لزوجها: انا اعمل وفقاً لفتوى المجتهد الذی أُقلده واعمل انت وفقاً لفتوى المجتهد الذی تقلده! فلابد من وجود شخص یرتضیه الاثنان ویعملان وفقاً لفتواه.

وكذا فی المسائل السیاسیة فلابد من أن ترتضی غالبیة الامة مَنْ یبدی وجهة نظره فی القضایا العامة للمجتمع، فلو تفرق الناس فی مثل هذه الحالة وكلٌ عمل بفتوى المرجع الذی یقلّده اذ ذاك سیختل النظام الاجتماعی. بناءً على هذا من الضروری ان نبذل قصارى جهودنا للوصول الى شخص واحد لضمان مصالح المجتمع الاسلامی وإلا ستعمّ الفرقة، اذ ان الواجب الاساس للحاكم الاسلامی والولی الفقیه المحافظة على وحدة الامة الاسلامیة وضمان مصلحتها.

المكانة العملیة لمجلس الخبراء

بناءً على هذا اتضحت ضرورة الرجوع المنظّم للخبراء، وقد صیغ نظام ذلك فی بلادنا بهذا النحو حیث یؤید مجلس صیانة الدستور اهلیة المرشحین الحائزین للشروط، ویقوم الشعب بانتخابهم. فیُقبل الذین یحرزون اكثریة الاصوات اعضاءً فی مجلس الخبراء، وهؤلاء بدورهم ومن خلال نقاشاتهم المسؤولة یقومون بتشخیص من كان یفوق الآخرین جدارة باحرازه للشروط الضروریة لقیادة الامة الاسلامیة وتقدیمه للامة، وحینما شهدت الاغلبیة الساحقة من الخبراء على اصلحیة شخص ما یكون قد تحقق اعلى مستوىً من الظن المفید للاطمئنان بالنسبة للناس ولم یعد هنالك مجال للشبهة، فالعقلاء یرون مثل هذا الظن معتبراً ویحترمونه.

نظراً الى ان المثال السابق بمثابة افضل نموذج یستطیع الانسان من خلاله ان یفهم تأثیر شهادة الخبراء فاننا نستعین به مرة اخرى. افترضوا ان شخصاً اصیب بمرض عضال واخذ یبحث عن طبیب اكثر مهارة ممّن سواه، فاذا ما شهد ثمانون أو تسعون بالمائة من الاطباء الذین هم ذوو اختصاص بان الطبیب الفلانی اكثر منا علماً ومهارة لم یعد أمام ذلك المریض من شك بان علیه مراجعة ذلك الطبیب.

وهكذا الحال فیما یخص القائد، فاذا ما شهد الخبراء المختصون بمعرفة المجتهد بان هذا الشخص یفوق من سواه صلاحاً وعلماً فان شهادتهم تفید الیقین، وذاك ما حصل بشأن قائد الثورة الاسلامیة بعد رحیل الامام(قدس سره).

والخلاصة ان القاعدة الفقهیة لتشخیص القائد هی سیرة العقلاء حیث درج الناس على السؤال من الخبراء وذوی الاختصاص لغرض الرجوع للمتخصص الاصلح والاعلم، وهنالك مؤیدات جمة من الادلة الشرعیة وسیرة المتشرعة تؤید هذه السیرة.

* * * * *




1. صحیفة النور: 5/ 31 و34.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...