ar_porsesh2-ch3_2.htm

سؤال: هل یتفق الاسلام مع العلمانیة ـ فصل الدین عن السیاسة ـ؟

جوابه: ان العلمانیة تخوّل غیر الله حق التشریع والحاكمیة، فیما تصرِّح الرؤیة التوحیدیة: ان المالكیة والحاكمیة الحقیقیة والاصلیة لله ولا حقّ للانسان أبداً فی الحكم على غیره دون إذن منه تعالى.

والفكر العلمانی یقوم على اساس انحصار الدین فی علاقة الانسان بالله، ولكن اذا ما ثبتت ضرورة الدین باعتباره اطاراً یتضمن القوانین الاجتماعیة الكفیلة بتحقیق سعادة الانسان مادیاً ومعنویاً اذ ذاك تبطل النزعة العلمانیة، وهنا نتطرق لبحث هذه القضیة من منظار اسلامی.

استناداً للرؤیة التوحیدیة والاسلامیة یجب ان یكون المشرِّعون والمسؤولون القضائیون والمنفّذون للقانون مأذونین من قبل الله، وإلا فلا حقَّ لهم لتولّی المناصب المذكورة.

ان للاسلام قوانینه واحكامه لكافة شؤون الانسان الفردیة منها والاجتماعیة، وهو یشتمل على الاحكام الحقوقیة ایضاً، وهنالك آیات وروایات جمّة تؤكد على هذا الأمر، نذكر هنا طائفة من الآیات:

بعض الآیات الدالّة على الربوبیة التشریعیة لله

1ـ تصرّح بعض الآیات: یجب حل الاختلافات بین الناس بالرجوع الى الكتاب والاحكام الالهیة:

كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَمُنْذِرِینَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِیَحْكُمَ بَیْنَ النّاسِ فِیمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ.1

2ـ ان الله یذمّ الذین وضعوا الاحكام سواء الشخصیة أو الاجتماعیة من عند انفسهم ودون اذن إلهی، ففی آیة مثلاً ـ یخاطب المشركین قائلا:

قُلْ أَرَأَیْتُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وحَلالاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ.2

وبالرغم من ان هذه الآیة تخص الاحكام الفردیة ـ الطعام والشراب ـ غیر ان المعیار المذكور فیها عامٌ، أی ان البشر موضع ذم فی كل حالة یضعون خلالها حكماً من عند انفسهم.

3ـ فی طائفة من الآیات صدر أمرٌ مشدَّد للنبی(صلى الله علیه وآله) بان یتَّبع الوحی الالهی ویتجنب اتباع آراء الآخرین:

وَأَنِ احْكُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ.3

4ـ وفی آیات اخرى اعتُبر الذین یحكمون بما لم ینزل الله فی عداد الفاسقین والظالمین والكافرین:

وَمَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (الظّالِمُونَ) (الفَاسِقُونَ)4

5ـ واعتُبر الحكم ـ التقنین والإمرة ـ فی آیات اخرى لله فقط: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ.5 وكما تقدم القول فان هذا الحق ـ حق التقنین والإمرة ـ انما یسری الى الآخرین باذن من الله فقط.

6ـ وتكفی الآیات التی تصف الله تعالى بـ «الرب» لبلوغ مرامنا، لان الربوبیة انما تعنی الملكیة، فالرب مَنْ له الحریة التامة بالتصرف بالمربوب كیفما شاء: فتارة یخلق الرب المربوب كما یشاء فهذا تصرف تكوینی، واخرى یسنّ له القوانین ویحدد له الأوامر والنواهی وهذا تصرف تشریعی.

مَنْ انكر الربوبیة التشریعیة لله سبحانه فهو فاقدٌ لأُولى مراتب الاسلام، لان نصاب التوحید الضروری للمسلم هو الایمان بالتوحید فی الخالقیة والربوبیة بشقیها التكوینی والتشریعی، فابلیس وإن كان یرى الله سبحانه خالقاً ورباً تكوینیاً وكان على اعتقاد بالمعاد ایضاً لكنه كافرٌ فی منظار القرآن بسبب انكاره لربوبیة الله التشریعیة وتمرُّده على الأمر الالهی.

یقول تعالى فی القرآن فی مقام توبیخه للیهود والنصارى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ.6 أی انهم اتخذوا من علمائهم ورهبانهم أرباباً فی مقابل الله، ولیس من شك فی ان الیهود والنصارى لم یكونوا یرون فی اقطاب الكنیسة الهاً أو خالقاً للكون وانما كانوا یعتبرونهم ذوی حق فی التشریع والتقنین، وهم فی الواقع كانوا یعدّون الاحبار والرهبان رباً تشریعیاً، أی كانوا یرون أمر التصرف بالحلال والحرام بید الكنیسة واقطابها.

وفی موضع یخاطب تعالى نبیه الاكرم(صلى الله علیه وآله) بان یدعو اهل الكتاب الى بعض الامور من بینها: لا یَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ.7 وقد فسِّرت هذه الآیة فی بعض الروایات بما یلی: انهم ـ اهل الكتاب ـ كانوا یؤمنون بطاعة شخصیاتهم ویُعدونهم ذوی حقٍّ فی التصرف بأمر الدین لا انهم یعتبرونهم مبلغین للدین.

وعلى العكس من هذه الفكرة یؤمن المسلمون: كما ان الخلقة والتكوین شأن الهی فان التشریع والتقنین شأنه ایضاً، ولا یرون لأحد غیره حق التقنین الى جانبه تعالى. وبناءً على هذا فان الربوبیة التكوینیة والتشریعیة معاً ـ فی نظر المسلمین ـ لله وحده، واستناداً للربوبیة التشریعیة فان شؤون التدبیر وادارة المجتمع باسرها یجب ان تنتسب الى الله عز وجل.

تناقض العلمانیة مع فكرة الربوبیة التشریعیة لله

فی ضوء ما تقدم قوله یتضح ان للاسلام قانونه فی مجال الشؤون الاجتماعیة بدءاً من صغیرها وانتهاءً بالقضایا الاجتماعیة الدولیة، بناءً على هذا كیف یتفق الاسلام مع العلمانیة القائمة على فصل الدین عن القضایا المهمة فی الحیاة ـ سواء السیاسیة أو الحقوقیة، أو الاجتماعیة أو الأُسریة ـ؟!

لقد كان من اسباب اشاعة العلمانیة فی الغرب انهم كانوا یریدون الحیلولة دون ان یطرأ تضارب بین ارادة الله وارادة الناس، من هنا فقد تصوروا الكنیسة وحدها مكاناً للدین ولا حقَّ للدین بالتدخل فی الامور الاجتماعیة والحقوقیة، بید ان اسمى قیمة فی الرؤیة الاسلامیة تتمثل فی ان یكون الانسان تابعاً لارادة الله وعبداً خالصاً له ویُسلمَ كل شیء لتصرفه. اذن فی ضوء هذه الرؤیة لا یسع المسلم ان یعتقد بالحریة المطلقة على صعید القضایا المهمّة فی ا لحیاة.

* * * * *



1. البقرة: 213.

2. یونس: 59.

3. المائدة: 49.

4. المائدة: 44 و 45 و 47.

5. الانعام: 57; یوسف: 40 و 67.

6. التوبة: 31.

7. آل عمران: 64.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...