ar_porsesh3-ch7_1.htm

7 ـ اسباب انحراف بعض المثقفین المسلمین

سؤال: ما هی اسباب انحراف بعض المثقفین المسلمین؟

جوابه: للاجابة على هذا السؤال من الاحرى ان نتناول بالبحث اسباب انحراف المسلم ولیس فقط المثقف:

ان ما یسمى الیوم بالانحراف والاعوجاج كان فی عصر صدر الاسلام یحمل عنوان «الفتنة»، فالفتنة أو الانحراف أمرٌ یظهر فی البدایة على صعید الفكر ومن ثم ربما یسری الى مقام العمل ویتجسد على شكل قتل وسفك الدماء وعدوان... الخ.

بناءً على هذا، فالانحراف أو الفتنة فی البعد النظری هو الاساس والمصدر وما یظهر فی العمل یعدّ نتیجة وحصیلة له، ولهذا فان القرآن الكریم یعتبر الانحراف الفكری (الفتنة) من الناحیة القیمیة اشدَّ سوءاً من الممارسات المترتبة علیه «... وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ»1.

لقد أقدم الناس بعد رحیل النبی الاكرم(صلى الله علیه وآله) بالرغم من انهم كانوا قد تعلّموا منه المعتقدات والرؤیة السلیمة، وكانوا على استعداد إبان عهد النبی(صلى الله علیه وآله) لكافة أشكال التفانی والتضحیة فی سبیل الاسلام والمحافظة على نفس النبی(صلى الله علیه وآله)وشاركوا فی مختلف المعارك تحت قیادته ـ أقدموا على ممارسات وأرسوا فتناً كان لها تأثیرات مضرة ومؤسفة لیس على مصیر المسلمین وحدهم بل على مستقبل البشریة، تأثیرات حرمت المجتمع البشری من بلوغ السعادة لقرون طویلة، وتركت هذا التساؤل وهو: لماذا وقعت مثل هذه الفتن بعد النبی(صلى الله علیه وآله)وتمخضت عن هذه النتائج؟

انه السؤال الذی وجَّهه المسلمون فی صدر الاسلام للامام علی(علیه السلام)فردّ(علیه السلام) قائلاً «إنما بَدءُ وقوع الفتن اهواءٌ تتّبع واحكامٌ تُبتَدع»2.

فی هذا الحدیث یحدد امیر المؤمنین(علیه السلام) أمرین كسبب للانحراف (الفتنة) وهما:

1 ـ الهوى3: وله اقسام یمكن الاشارة الى الولع بالمال والثروة وانواع النزوات من بینها.

من الاهواء التی ربما یمثل منطلقاً لاكثر المذاهب الدینیة هو الرغبة والحب المفرط للشهرة والبروز الى الحد الذی یبذل المرء قصارى جهوده ویكلّف نفسه ضروب المشاكل ویحاول من خلال استهلاك نفقات طائلة لكی یحظى باهتمام ومودة الآخرین.

لقد كان الكثیرون على مرّ التاریخ ممن تجرعوا مشقة السجن وشدائده لسنوات مدیدة وتحملوا التعذیب والنفی عسى ان یعثروا على انصار ینادون بالحیاة لهم من قبیل ما نشاهده لدى بعض اقطاب الصوفیّة، فنظراً لان الغایة الحقیقیة هی الحصول على المحبوبیة والشهرة وهذا ما لا یتیسر الاّ بالكلام الذی یرضی الآخرین ویعجبهم، من هنا فان امثال هؤلاء لا مانع لدیهم من قلب الحقائق وتزییفها بما یحقق لهم اهدافهم الى الحد الذی تشاهد بعض التناقضات فی اقوالهم، ولتبریر هذه التناقضات یزعمون: ان كافة السبل مستقیمة وكل الآراء على حق فیصبحون انصاراً لما یسمى «السلام الشامل».

2 ـ احكام تُبتدع: السبب الثانی لظهور الانحراف والفتنة هو ما یثار تحت یافطة العصرنة «البدعة فی الدین» وهو یتمخض عن السبب الاول، فیصف الامام علی(علیه السلام)هذین العنصرین على انهما منطلق انحراف الانسان، وهو(علیه السلام) فی الحقیقة انما یوجه تحذیره بوجوب ان یُرسى البناء فی تفسیر الدین على التسلیم ولیس على الاهواء والاجتهادات الشخصیة.

وبتعبیر آخر، بمقدور الانسان ان یتعاطى مع الآیات والاحكام الالهیة وفق نمطین: اولهما ان یذعن لما ورد فی الآیات والروایات لبیان الاحكام الالهیة ویعمل بها دون نقاش، وان یتبع المنهج الصحیح للاستنباط والاجتهاد فی فهم مصادر معرفة الدین وهی الآیات والروایات، وثانیهما ان یقبل ببعض الامور ویؤمن بها سلفاً ثم یتجه لتفسیر وتأویل الآیات والاحكام بتلك الافتراضات وعلى العكس من الاسلوب الاول یبادر لتأویل الآیات والروایات بما ینسجم مع فهمه وهواه وبدلاً من ان یتبع هو الدین والشریعة یكون الدین تابعاً له ویُفسَّر بما یتلاءم ورغبته، وحیثما لم تنسجم احكام الدین مع رغبته طرحها بما یرتضیه هو أو الآخرون.

هذه فی الحقیقة هی البدعة فی الدین التی انما تتبلور لتحقیق المصالح والحصول على المحبوبیة واهتمام الآخرین وصیاغة صنمیة الذات لدیهم، وتُقدَّم فی اطار بیان جمیل وكلمات بلیغة براقة على انها «قراءة جدیدة» للدین.

على أیة حال ان العنصرین الذین تقدّم ذكرهما فی كلام امیر المؤمنین(علیه السلام) هما اصل انحراف «فتنة» كل مسلم وبالذات المثقفین، ولابد من التحرز عنهما اشد الاحتراز.

* * * * *




1. البقرة: 191.

2. نهج البلاغة، الخطبة 50.

3. بشكل عام ان تلك المجموعة من النوازع والرغبات الانسانیة التی تؤدی الى اضعاف الایمان أو سلبه أو عدم ظهوره أو تحول دون اكتساب الفضائل والقیم الاخلاقیة تسمى «الاهواء».

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...