ar_porsesh3-ch8_1.htm

8 ـ ضرورة ترسیخ المعنویات

سؤال: ما هی اسباب انحسار المعنویات فی اوساط الشباب؟ وما هو المنهج الصحیح فی تبلیغ الدین وصیانة الشباب ازاء شبهات المعاندین؟

جوابه: السبب فی طرح هذا السؤال أن نزوع الشباب نحو المعنویات والقیم الدینیة بلغ فی غضون السنوات التی اعقبت انتصار الثورة الاسلامیة وابان فترة الدفاع المقدس، حداً بحیث انهم كانوا یذودون عنها حتى الشهادة والتضحیة، أما الآن وبعد مضی عدة سنوات فقد اخذ هذا النزوع بالخفوت ومن النادر العثور على ما سلف من معنویات.

فی البدایة نسوق مقدمة ومن ثم نتطرق للجواب الاساسی:

ان الانسان مخلوق یقع فی باطنه تحت تأثیر العواطف والاحاسیس، ویتأثر من الخارج بمؤثرات عدیدة; وهذه المؤثرات الخارجیة هی التی توجه عواطف الانسان واحاسیسه، وكلما كانت اكثر شدة ستكون اكثر قدرة على تحریك العواطف وعلى التوجیه ایضاً، ومن ناحیة اخرى ان الحالات النفسیة للانسان لا تتمیز بثبات وضعها على الدوام وفی كل زمن بل هی عرضة للتقلبات بتغیر الظروف، وقد قیل فی علم الاجتماع: ربما تبلغ ظاهرة اجتماعیة ذروتها فی ظل ظروف بیئیة معینة، بید ان هذه الظاهرة ستضمحل مع ضعف اسباب اضطرادها.

الآن وفی ضوء المقدمة الآنفة الذكر، ندرج بعض الظروف الاجتماعیة التی كانت سائدة خلال الفترة التی سبقت انتصار الثورة الاسلامیة وما بعدها وكذلك خلال مرحلة الدفاع المقدس:

1 ـ حاكمیة عملاء الغرب واستحواذهم على مقدرات البلاد.

2 ـ الاضطهاد وانعدام الحریة.

3 ـ تفشی التحلل.

4 ـ الاستعمار الثقافی وضیاع الهویة الوطنیة والدینیة.

5 ـ التبعیة الاقتصادیة.

6 ـ مواجهة النظام البائد للقیم الالهیة والدینیة بوصفها اهم سبب فی انبثاق النهضة الاسلامیة للشعب الایرانی ـ.

7 ـ اغتیال الشخصیات الدینیة البارزة والهجوم الشامل الذی شنّه الاستكبار على البلاد واستشهاد الشباب الاعزاء.

ان هذه الاسباب الى جانب نهضة التنویر التی تمیز بها الامام الخمینی(رحمه الله) قائد الثورة الاسلامیة العظیم، هی التی دفعت الشعب لأن یتلمَّس خلاصه وسعادته حقاً فی الالتجاء للدین والمعنویات والاقبال نحو الاخلاق الاسلامیة والسلوك الدینی یعززهم رافد فكری عملاق.

لقد بلغت هذه الروحیة ذروتها إبان مرحلة الدفاع المقدس وادى استشهاد الشبیبة وأسرهم وتعویقهم فی سبیل الدین والوطن الى مضاعفة رغبة وتعلق الجمیع لاسیما الشباب بالعرفان والمعنویات، بحیث تحولت فترة انتصار الثورة الاسلامیة ومرحلة الدفاع المقدس الى مقطع ذهبی من الاقبال نحو المعنویات والتقوى.

والسؤال الآن هو: لماذا خفتت هذه الحالة وانحسر التوجه نحو المعنویات؟

لو اردنا الحدیث عن الاسباب الرئیسة المؤثرة فی مثل هذه المعادلة، فبوسعنا الاشارة الى الامور التالیة:

1 ـ تغیر الاوضاع السائدة فی المجتمع.

2 ـ انعدام الصورة الواضحة عن فترة انتصار الثورة ومرحلة الدفاع المقدس والاوضاع السائدة فی المجتمع وقتذاك لدى جیل الشباب المعاصر.

3 ـ وجود المشاكل المعاشیة والدراسیة.

4 ـ مشكلة البطالة والزواج.

5 ـ تغیر سیاسة الاستكبار فی مواجهته للنظام الاسلامی من الهجوم العسكری الى الغزو الثقافی واتخاذ هذا الغزو صوراً شتى منها إثارة الشبهات على صعید القضایا العقائدیة والبعد النظری للنظام الاسلامی، وذلك ما یأتی بعد الاخذ بنظر الاعتبار فقدان الشباب للرصید الفكری الدینی واستغلال عواطفهم واحاسیسهم.

هذه العناصر باجمعها وفی ضوء ما ورد آنفاً من ملاحظة فی علم النفس حول تقلب حالات الانسان ـ تتظافر معاً فتسوق رغبات الشباب وعواطفهم ومیولهم نحو المادیات وتصدهم عن المعنویات.

ولكن الهاجس الرئیس هو ما الذی یتعین فعله كی یحصِّن الشباب انفسهم حیال الاخطار التی تهددهم فی عقائدهم وقیمهم الدینیة؟

یبدو ان انجع السبل هو ان یستثمر القائمون على الشؤون الثقافیة فی البلاد الجانب العاطفی خلال مرحلة الشباب غایة الاستثمار ویجعلوه قاعدة لترصین الطاقات الفكریة والعقلیة للشباب ویعمّقوا فیهم المعرفة، فاذا لم یعزّز فكر الشباب وعقله بالادلة القویة یُخشى علیه ان یقع ضحیة التآمر الثقافی للاعداء.

بناءً على هذا یتعین العمل من خلال تصنیف الكتب والمطبوعات الفكریة والثقافیة من ناحیة، ورسم الخطط وعقد الجلسات المنتظمة والتواصل المباشر بحیث یتسنى للشباب طرح اسئلتهم والحصول على الجواب الشافی بیسر ـ لأن تتوفر الظروف الكفیلة برقی ما لدى الشباب من رؤى وافكار وتتحصن فی مواجهة هجمات الاعداء.

وفی الختام ننقل لشبابنا الاعزاء ما یوصی به القرآن الكریم حیث یقول: «وَإِذا رَأَیْتَ الَّذِینَ یَخُوضُونَ فِی آیاتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى یَخُوضُوا فِی حَدِیث غَیْرِهِ»1.

ان بلاغ هذه الآیة هو: یتعین على المسلمین تجنب الدخول فی بعض الحوارات ماداموا لم یكتسبوا القدر الكافی من المعرفة الدینیة، حیث لا یكونون قادرین على التمییز والنقد وتحلیل قول الحق من قول الباطل، لان الاستماع أو مطالعة بعض الامور التخصصیة التی یحاول الاعداء ومثیروا الشبهات تضلیل الناس عبر التشكیك فیها، مما یترك أثره فی القلب فیُزلَّ الانسان عن جادة الحق.

ان هذا القول لیس معناه بان لا یحق لأحد الاستماع لحدیث المناوئین، بل المراد منه ان یحترز عنه مَنْ لم یحرزوا القدر الكافی من المعرفة بحیث یتمكّنون من النقد وتحلیل الامور التخصصیة. وبطبیعة الحال فان مثل هذه الدراسات والدخول فی الحوارات سیكون مناسباً فی حالة توفر الشروط الضروریة، بل یجب على الذین یمتلكون القدرة على النقد الاستدلالی للرؤى غیر الاسلامیة وبیان المعارف الدینیة، ان ینهضوا للحیلولة دون تفشی الشبهات وتأثیراتها فی المجتمع.

* * * * *




1. الانعام: 68.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...