ar_porsesh3-ch9_1.htm

9 ـ الرقابة الاستصوابیة

سؤال: ماذا تعنی الرقابة الاستصوابیة؟ وما هو موقعها العقلائی والقانونی؟

جوابه: بشكل عام تجری الرقابة على كیفیة وحسن اداء المؤسسات القانونیة والسیاسیة فی أی بلد على نحوین: الأول استطلاعی، والثانی استصوابی.

الرقابة الاستطلاعیة: وتُطلق على الرقابة التی یكون المشرف فیها مكلفاً باستطلاع ما ینجزه المنفذون، ومن ثم یقدّم كشفاً عمّا شاهده الى جهة اخرى دون ان یتخذ بنفسه أیة خطوة عملیة أو یقوم بتأیید طبیعة الاجراء أو رفضها.

ان هذا النمط من الرقابة ذو طابع معلوماتی بحت وهو فی الحقیقة حقٌ لكافة ابناء المجتمع ایضاً، والاّ فلا فرق فی ذلك من حیث عدم قدرة المشرفین على اتخاذ ای اجراء بحق المخالفات المتوقعة، مع رقابة سائر المواطنین.

الرقابة الاستصوابیة: والاستصواب تشترك مع مفردة صواب فی المصدر والاصل، والصواب تعنی الصحیح فی مقابل الخطأ، والاستصواب تعنی عدّه واعتباره صائباً من قبیل القول: هذا العمل صحیح ولا اشكال فیه.

وتطلق الرقابة الاستصوابیة اصطلاحاً على الرقابة التی یكون المشرف فیها حاضراً فی كافة موارد اتخاذ القرار وعلیه المصادقة على الاجراءات المتخذة للحیلولة دون وقوع أی خطأ أو سوء استغلال من قبل المنفذین.

أ ـ الموقع العقلائی والقانونی للرقابة الاستصوابیة

هنالك مجموعة من الشروط الخاصة توضع فی كافة دول العالم ومن قبل عقلاء الدنیا قاطبة للتصدی للمسؤولیات المهمة لكی تؤدى الواجبات المناطة بالمرء على احسن وجه، ولا تُهدر حقوق ومصالح المواطنین نتیجة لعدم كفاءة المسؤول المعیَّن وفقدانه الاهلیة.

من هنا فان ثمة شروطاً معینة توضع حالیاً فی اكثر الانظمة الدیمقراطیة فی العالم تشمل الناخبین والمرشحین فی الممارسات الانتخابیة، ویحدد القانون مرجعاً رسمیاً لممارسة الرقابة وتشخیص شروط المرشحین للانتخابات، ویتولى هذا المرجع الرسمی دراسة ظروف ومسیرة الانتخابات وتوفُّر أو عدم توفر الشروط الضروریة فی المرشحین ـ وذاك ما ینتهی بالتالی الى المصادقة أو رفض اهلیة المرشحین .

بناءً على هذا، فان الرقابة الاستصوابیة أمر شائع وعقلائی وقانونی فی كافة البلدان والانظمة القائمة فی العالم، فمن الشروط المعتبرة مثلاً ـ فی جمیع الانظمة الحقوقیة فی العالم ان لا یكون المرشح ذا سابقة جزائیة، ویُحرم ذوو السوابق الجزائیة السیئة من بعض الحقوق الاجتماعیة من بینها الترشیح لمجالس اتخاذ القرار ولجان الانصاف والمجالس البلدیة وغیرها.

ولكن هل یعنی وضع مثل هذه الشروط سلب المواطنین حقهم فی الترشیح؟

ینبغی القول: اذا ما اقررنا بان من لوازم الممارسة الصحیحة للحكم وجود اناس قدیرین للتقنین واتخاذ القرار خلال الازمات الاجتماعیة والسیاسیة، من الطبیعی اننا سنعتبر وجود مجموعة من المواصفات والقابلیات والاحاطة بمقتضیات المجتمع ومصالح الشعب لدى المرشحین أمراً ضروریاً ولازماً، ونظیر ذلك ان الترخیص بالتطبیب وافتتاح عیادة انما یُعطى فقط لأناس معینین یتمتعون بمعلومات والتزام كاف فی أمر الطب، وهذا لا یعنی أبداً سلب الناس حقهم فی افتتاح عیادة، بل یعنی على وجه الدقة المحافظة على حقوق ومصالح سائر المواطنین.

اذا ما كانت مثل هذه الشروط وهی ربما تختلف باختلاف الانظمة وفقاً لطبیعة الرؤیة والایدیولوجیا التی تحكم النظام والدستور فیها ـ ضروریة بالنسبة للمتقدمین بالترشیح، فلابد من وجود مرجع یحرز توفر هذه الشروط لدى المرشحین ایضاً، ففی حالة فقدان هذه الشروط باجمعها أو بعضها لدى أحد المرشحین فان هذا المرجع أو المؤسسة القانونیة التی یرفع هذا المرجع الكشوفات لها یتولى رفض اهلیة المرشحین الفاقدین لهذه الشروط.

وفی بلدنا ایضاً شأنه كسائر دول العالم ـ حدد القانون مرجعاً یتولى الاشراف على موضوع الانتخابات ومؤهلات المرشحین للانتخابات، وقد أُلقیت هذه المهمة واستناداً للمادة التاسعة والتسعین من الدستور على عاتق مجلس صیانة الدستور1.

فی البدایة تحرز وزارة الداخلیة بوصفها المنفذة للانتخابات ـ اهلیة المرشحین، ثم یقوم مجلس صیانة الدستور بموجب الدستور ـ بالاشراف على ما اذا كانت المصادقة على اهلیة المرشحین أو رفضها حقاً أم لا، وهذه الرقابة المناطة بمجلس صیانة الدستور بموجب المادة التاسعة والتسعین من الدستور مطلقة وتشمل الاشراف على التصویت ومسیرة الانتخابات وكذلك اهلیة المرشحین، وان تقییدها بمجرد الاشراف على التصویت یفتقر للدلیل ویعدُّ تجاوزاً للمادة المذكورة من الدستور (99).

ولكن ما السبب فی ان رقابة مجلس صیانة الدستور استصوابیة ولیست استطلاعیة؟ استناداً للمبدأ العقلائی الذی یرى احراز صحة الانتخابات وتأیید او رفض اهلیة المرشحین للانتخابات مهمة تنهض بها جهة رسمیة وقانونیة، وكذلك ضرورة وجود جهة قانونیة لضبط اعمال المنفذین وزارة الداخلیة ـ لعلاج الاخطاء أو حالات سوء الاستغلال المحتملة من قبل القائمین على الانتخابات، فقد عیَّن
الدستور مؤسسة رقابیة كجهة رسمیة تشرف على الانتخابات وعملیة تشخیص مؤهلات المرشحین وعمل القائمین على الانتخابات، وهذه المؤسسة المشرفة هی مجلس صیانة الدستور، ولم ینص الدستور على مؤسسة أو شخص آخر كمشرف أو مؤسسة یرفع الیها مجلس صیانة الدستور كشوفاته. اذن المشرف الرسمی والقانونی الوحید هو مجلس صیانة الدستور، وحیث ان الرقابة العقلائیة على التصویت وتشخیص اهلیة المرشحین تستدعی تأییداً أو رفضاً ونقضاً عملیاً ومؤثراً وهذه المزایا انما تتحقق فی اطار الرقابة الاستصوابیة فقط من هنا فان رقابة مجلس صیانة الدستور تكون رقابة استصوابیة.

من ناحیة اخرى، ان الدستور فی مادته الثامنة والتسعین خوّل مجلس صیانة الدستور مهمة تفسیر الدستور2، وقد فسَّر هذا المجلس كراراً «الرقابة» الواردة فی المادة التاسعة والتسعین من الدستور بـ «الرقابة الاستصوابیة».

وتجری هذه الرقابة بطبیعة الحال ـ فی اطار القانون وبموجب الشروط التی حددها القانون للمرشحین أو طریقة اجراء الانتخابات، ومجلس صیانة الدستور انما یتولى فی الحقیقة ـ التحقیق حول توفر الشروط المنصوص علیها فی القانون لدى المرشحین وفی عمل القائمین على الانتخابات، وفی ضوء واجبه لن یصادق على اهلیة المرشحین أو صحة الانتخابات إن لمْ یرَ توفر هذه الشروط.

* * * * *



1. المادة التاسعة والتسعون من الدستور: یتولى مجلس صیانة الدستور الاشراف على انتخابات مجلس الخبراء ورئیس الجمهوریة واعضاء مجلس الشورى الاسلامی وعلى الاستفتاء العام.

2. المادة الثامنة والتسعون من الدستور: تفسیر الدستور من اختصاص مجلس صیانة الدستور ویتم بمصادقة ثلاثة ارباع الاعضاء.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...