ar_porsesh5-ch1_7.htm

علاقة الفوارق التكوینیة بالفوارق القانونیة

«شبهة العلاقة بین ما ینبغی ان یكون وما هو موجود فعلا»

سؤال: ما السبب فی أن تصبح الفوارق التكوینیة والطبیعیة مصدراً للفوارق الاجتماعیة والحقوقیة؟ هل من الصحیح أن نقول نظراً للفوارق التكوینیة والطبیعیة بین المرأة والرجل، فلابد من أن یختلفا فی الحقوق والواجبات؟

جوابه:1 ینبغی القول: كما أن وجوه الاشتراك التكوینی بین الرجل والمرأة تخلق قاعدة لمشتركاتهما التشریعیة، فان وجوه الافتراق التكوینی بینهما تتسبب فی مجموعة من الفوارق والاختلافات التشریعیة بینهما سواء فی دائرة الأمور الفردیة أو الاجتماعیة.

ان منشأ هذا التساؤل هی الشبهة المعروفة بـ «استنتاج ما ینبغی ان یكون مما هو موجود فعلا» وقد طُرح هذا البحث بین مفكری الغرب لأول مرة من قِبل الفیلسوف الاسكتلندی دیفید هیوم «1711 ـ 1771م»، فهیوم وأتباعه یعتقدون بعدم امكانیة استحصال «ما ینبغی» و«ما لا ینبغی» الاخلاقیة والحقوقیة من «الموجودات» و«المعدومات» التكوینیة، وعلى فلاسفة الاخلاق والحقوق تجنب هذا النوع من
المغالطات. بناءً على هذا فان الفوارق الطبیعیة لا یمكنها ان تكون مسوغاً لاختلاف الحقوق والواجبات. ان هذه الشبهة التی هی فلسفیة بل منطقیة، على صلة بمختلف العلوم وتستدعی بحثاً مطولاً، ونحن نورد ایجازاً لهذا البحث كی تتوفر أرضیة مناسبة لمختلف حقوق المرأة والرجل وواجباتهما.

توجز الشبهة المذكورة بلغة المنطق كما یلی: ان نتیجة القیاس لا یمكن فیها أبداً استخدام لفظ لم یرد فی أیّ من مقدمتیه، وعلیه یتعذر استحصال نتیجة تشتمل على «ینبغی» أو «لا ینبغی» من خلال ضمّ مقدمتین تشتملان على الوجود والعدم. إذن من الناحیة المنطقیة كیف یكون «ما ینبغی» مما «هو موجود» صحیحاً؟

خلاصة الجواب هی: ان كل قضیة من قبیل «الموجودات» تنطوی دائماً على جزء یسمى «المادة» لا تُذكر غالباً، ومن الممكن ان یكون هذا الجزء هو الضرورة أو الامكان أو الامتناع، فإذا كانت القضیة تدل على العلاقة بین العلة والمعلول ـ كالقضیة الشرطیة التی یعد تحقق الشرط فیها علّة تامة لتحقق الجزاء ـ فستكون مادة تلك القضیة هی الضرورة بالقیاس، أی ان لوجود المعلول فی ظرف تحقق وجود العلة ضرورة بالقیاس. وقد تظهر مادة القضیة هذه فی نتیجة القیاس المنطقی بصیغة لفظ «یجب». إذن الواجب الذی یتأتى فی نتیجة القیاس فی مثل هذه الموارد لیس أمراً غیر وارد فی أیّ من المقدمتین، فعلى سبیل المثال إذا أمكن القول: ان مزج الأوكسجین والهیدروجین ـ بنسبة معینة وظرف خاص ـ هو العلة فی وجود الماء، فیمكن بیان هذه القضیة بصیغة شرطیة أیضاً، أی أن نقول: «إذا مُزج الأوكسجین والهیدروجین معاً فانه یتكون الماء» ثم نضم هذه القضیة الى «لكن الماء قد تكوَّن». وفی هذه الحالة یحصل قیاس استثنائی نتیجته هی: یجب أن یكون الأوكسجین والهیدروجین قد مُزجا مع بعضهما.

هذا الواجب الذی جاء فی النتیجة یفصح عن الضرورة بالقیاس المنتزعة من ارتباط العلّة التامة مزج الاوكسجین بالهیدروجین ـ بالمعلول تكوُّن الماء ـ فی القضیة الشرطیة. وهذا الأمر لا یقتصر على علم معین، بل هو یسری فی كافة العلوم من قبیل الریاضیات والطبیعیات والإلهیات والمنطق والأخلاق والحقوق. وعلیه من الخطأ إذا ما تصورنا ان فلاسفة الأخلاق والحقوق إذا ما استحصلوا الواجبات من الموجودات فقد وقعوا فی المغالطة. فعلى سبیل المثال: یتبلور فی علم الحقوق ـ من اضافة قضیة «إذا ما روعیت الأحكام والتكالیف الاجتماعیة بشكل تام ستتحقق سعادة المجتمع» الى القضیة «لكن سعادة المجتمع مطلوبة» فیتحقّق قیاس نتیجته: «یجب أن تُراعى الأحكام والتكالیف الاجتماعیة بشكل تام». فیلاحظ عدم وجود الواجب فی القضیة الشرطیة وكبرى القیاس، بل ثمّة ملازمة بین الشرط والجزاء فقط، ورغم هذا فان واجباً یتبلور فی نتیجة القیاس دون أن نكون قد ارتكبنا خطأً منطقیاً. والواجبات الموجودة فی الأخلاق هی من قبیل هذه الواجبات الحقوقیة.

حریٌ الانتباه ـ بالطبع ـ الى ان الواجب الذی یستحصل من الضرورة بالقیاس هو عندما یدور الحدیث حول العلّة التامة ومعلولها. إذن لیس الحال بأن یمكن استنتاج واجب من كل قضیة شرطیة، ففی الموارد التی تنعدم فیها العلّة التامة ولا یكون تحقق الشرط فیها علة تامة لتحقق الجزاء یكون استنتاج الواجب من الموجود مغالطة.

ان الأمثلة الواضحة البطلان التی یسوقها المخالفون لاستنتاج الواجب من الموجود لغرض إشهار ضعفه كلها تأتی فی موارد تنعدم فیها العلّیة أو إذا ما كانت موجودة فهی علیّة ناقصة. وكمثال على ذلك ان مغالطة استدلال الذین یرون الاختلاف فی لون بشرة الناس دلیلاً على الاختلاف فی حقوقهم ومسوغاً للتمییز بین الأعراق، إنما تنبثق عن أن لون البشرة لیس علّة تامة لأی حقّ أو واجب، ولو كانت للون البشرة علیّة تامة حقاً لما كانت مغالطة فی الاستدلال الآنف الذكر.

ینبغی القول ـ بلغة الحقوق ـ فی القضیة موضع البحث: یجب أن تحدد حقوق الناس وواجباتهم على أساس المصالح والمفاسد الواقعیة، وعلیه إذا ما كان الفارق سبباً فی اختلاف المصالح والمفاسد فانه قطعاً سیصبح سبباً فی اختلاف الحقوق والواجبات وإلاّ فلن یكون سبباً فی الاختلاف.

إذن، الاختلاف فی «ما هو موجود» على صعید الحقوق كما فی سائر الأصعدة ـ یؤدی الى الاختلاف فی «ما ینبغی ان یكون».

* * * * *



1. راجع كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 208 وهو باللغة الفارسیة.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...