التلازم بین الاختلاف التكوینی والاختلاف الحقوقی
سؤال: هل یتعین وضع قوانین ومقررات مختلفة لكل مورد فیه اختلاف تكوینی بین البشر یؤدی الى حدوث آثار مختلفة فی الحیاة الاجتماعیة؟ وما هو نوع الاختلافات بین الرجل والمرأة التی تؤدی الى الاختلاف فی الحقوق؟ وهل هنالك فارق جوهری بین المرأة والرجل؟
جوابه: لا شك فی أن البشر یختلفون فیما بینهم كثیراً سواء من الناحیة الجسمیة أو الروحیة حیث یتعذر العثور على اثنین ـ وان كانا أخوین ـ یتشابهان فی جمیع الجهات جسمیاً وروحیا.
من ناحیة أخرى ان الأعم الأغلب من هذه الفوارق الجسمیة والروحیة تؤدی نوعاً ما الى حدوث آثار اجتماعیة مختلفة، من هنا فان المقنن لیس أمامه لدى وضع القانون سوى ثلاث سبل هی: إما أن یضع فی الحسبان كافة الاختلافات، أو أن یتغاضى عنها جمیعاً، أو أن یحسب حساب بعضها ویغض الطرف عن بعضها الآخر.
فإذا ما أخذ جمیع الاختلافات بنظر الاعتبار وأراد وضع قانون خاص لكل اختلاف فعلیه أن یضع مجموعة من القوانین لكل فرد من البشر، ومن الطبیعی ان مثل هذا الأمر لیس عملیاً ولا هو مفید. وإذا ما غضَّ الطرف عن كافة الاختلافات وشمل جمیع الناس بقانون واحد وجعلهم سواء فی الحقوق والواجبات، فانه لن تتحقق مصالح المجتمع كما ینبغی. ویجب إذن علیه أن یضع فی الحسبان الافتراض الثالث ویأخذ بنظر الاعتبار بعض الاختلافات ویتغاضى عن الباقی. فی هذه الحالة یكون أمامنا هذا التساؤل وهو: ما هو نوع الاختلافات التی یُفترض أن تؤدی الى اختلاف القوانین، وأیّها الذی یُفترض أن لا یكون كذلك؟
یبدو أن الاختلاف التكوینی الذی یكون سبباً فی ظهور قوانین ومقررات مختلفة; یجب أن یتمیز بثلاث ممیزات هی:
1 ـ أن یكون دائمیاً: نظراً لتعذر تغییر القوانین بشكل مستمر فیجب أن تؤخذ الاختلافات الدائمیة والثابتة فقط بنظر الاعتبار عند وضع القانون ولیس الاختلافات المؤقتة والعابرة.
2 ـ أن یكون غالباً أو شاملاً: یجب أن لا یكون الاختلاف مقتصراً على شخص أو شخصین أو عدة أشخاص، فالمقنن لا قدرة له على وضع منظومة من القوانین على حدة لكل فرد من أفراد المجتمع. فلیست مهمة المقنن سوى وضع قانون لجمیع أبناء المجتمع أو طبقة عریضة منهم، فإذا ما تمیزت طبقة عریضة بخاصّة ما إذ ذاك یتسنى إصدار حكم خاص لتلك الطبقة بما تقتضیه تلك الخاصّة.
3 ـ أن یكون مؤثراً فی الأمور الاجتماعیة: ان الاختلاف الذی لا تأثیر له فی معطیات النشاط الاجتماعی وفی حجم وطبیعة المشاركة لتحقیق متطلبات المجتمع لا یؤدی الى وضع قوانین ومقررات مختلفة. فعلى سبیل المثال: لو كان الاختلاف فی لون البشرة مؤثراً فی نتیجة العمل الاجتماعی لصحَّ بل لتعین حینها وضع منظومة من الحقوق الخاصّة لكل عرق على حدة، لكن لیس من میزة أی لون بشرة أو عرق ان یؤثر تأثیراً ملحوظاً فی الجوانب الاجتماعیة.
باعتقادنا ان بین المرأة والرجل مجموعة من الفوارق التكوینیة التی تستدعی اختلافاً فی الحقوق والواجبات فللنساء فی كل مجتمع وعلى مدى التاریخ فوارق مع الرجال لها المواصفات الثلاث التالیة:
أولاً: ثابتة ودائمیة، فمن النادر على امتداد التاریخ البشری ان یكون قد حصل تغییر فی الجنس وتحول رجل الى امرأة أو امرأة الى رجل. وهذه الاختلافات تبقى على مدى حیاة الناس.
ثانیاً: انها عامة: فكلُّ من شریحتی النساء والرجال تشكل نصف المجتمع الانسانی تقریباً.
ثالثاً: انها وكما سیأتی ـ منشأ آثار مختلفة فی الحیاة الاجتماعیة.
بناءً على هذا، من المعقول تماماً ومن الصواب والعدل أن یختلف النساء والرجال بغضّ النظر عن الحقوق والواجبات المشتركة التی یتمتعون بها فی ضوء وجوه الاشتراك الطبیعی والتكوینی بینهم ـ فی سائر الحقوق والواجبات. وإذا ما روعی الاختلاف بین الرجال والنساء فی الحقوق والواجبات فانّه ستتحقق مصالح النساء والرجال وكذلك مصالح المجتمع. وفی حالة عدم مراعاته ستُهدر الكثیر من مصالح النساء والرجال ومصالح المجتمع.
* * * * *