أهداف بناء الأُسرة
سؤال: ما هو الهدف من بناء الاسرة فی الاسلام؟ وما هو دور كلّ من الرجل والمرأة فی تحقیق ذلك؟
جوابه: ان للزواج وبناء الاسرة آثاراً وفوائد مهمة بالنسبة لكل رجل وامرأة، وأهم الأهداف من تشكیل الأسرة عبارة عن1:
1ـ ان أول وأوضح أثر من بناء الأسرة هو سدّ الحاجة الجنسیة للمرأة والرجل. فهما من الناحیة الجسدیة جنسان مختلفان وعندما یبلغان بشكل تدریجی تبرز لدیهما حاجة جنسیة خاصة تجعل كلاً منهما یمیل الى الآخر.
ان سدّ هذه الرغبة الجنسیة لیس أمراً مرفوضاً فی ظل النظام القیمی للاسلام، بل یُعدّ عملاً حسناً ومقدساً إذا ما روعیت فیه ضوابط وشروط معینة، فلقد اُودعت كافة الحاجات والرغبات لدى الانسان على أساس حكمة إلهیة ولها غایة خاصة.
وثمّة ملاحظة جدیرة بالاهتمام فی هذا الصدد اهتم بها الاسلام وهی أن حاجات الانسان متعددة، ویتعین علیه سدّها بشكل متوازن كی یبلغ الكمال الانسانی اللائق به، من هنا یتعین علیه تلبیة كلّ من حاجاته هذه بنحو لا یمنع من تلبیة الحاجات الأُخرى ولا یُحدث خللاً فی تكامله الطبیعی والشامل.
ان مراعاة هذه الحقیقة فیما یخص الحاجة الجنسیة وتلبیتها یقتضی أولاً: أن یحدث البلوغ الجنسی بشكل طبیعی وفی الوقت المناسب كی لا یكون مصدراً لنشوب أزمة وارتباك ولا یجرف الانسان الى هاویة الانحدار ولا یحول دون رقیه وتكامله. بناءً على هذا یتحتم تطهیر وتنقیة أجواء الحیاة والمجتمع الانسانی من وجود العناصر التی تؤدی الى حدوث البلوغ المبكر وتحرف الصبیة والفتیان عن الجادة الحقیقیة لرقیهم وكمالهم وتجرفهم نحو طرق الانحراف. ثانیاً: یجب أن یتلاءم سدّ هذه الحاجة بعد البلوغ الجنسی مع تلبیة الحاجات الأخرى للانسان وان لا تشغل الحاجة الجنسیة لوحدها كل فكر الانسان وعقله، لان الانسان سیصبح فی هذه الحالة مخلوقاً اُحادی البعد وحیوانیاً وسیهمل جانباً أساسیاً من حاجاته وكمالاته الوجودیة، وهذه خسارة كبرى تفضی الى انحدار الانسان.
بدیهی ان هذا الهدف وحده لیس كافیاً ولا یمكن ان یكون العلّة الوحیدة لتشكیل الحیاة الأُسریة، إذ من الممكن بلوغ هذا الهدف دون تشكیل الاسرة أیضاً.
2ـ الهدف الثانی من بناء الاسرة هو الظفر بحالة الاستقرار النفسی بین الازواج. یقول القرآن الكریم بهذا الصدد:
«وَمِنْ آیاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَیْها وَجَعَلَ بَیْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِی ذلِكَ لآَیات لِقَوْم یَتَفَكَّرُونَ».2
ان أیاً من الرجل والمرأة ناقص فی واقع الأمر ویحتاج الى صاحبه، وهذا النقص یرتفع بتشكیل الأسرة فیحصل الاستقرار لكلا الطرفین.
3ـ الهدف الثالث هو تبلور المودة والرحمة والعواطف المتبادلة بین الازواج. فالمودة تعنی إظهار المحبة، والرحمة نوع من التأثر الروحی والنفسی الناجم عن مشاهدة حاجة الطرف المقابل فیدفع المرء لسد هذه الحاجة. وان هذه الحالة تستمر دائماً بصورة فعل وردة فعل متبادلة بین الازواج، فتخلق عواطف عمیقة ودائمیة بینهما تثمر عن وحدة وتماسك بناء الاسرة فتسری اشعاعاتها الى الاولاد ایضاً.
وفی الحقیقة ان الله سبحانه وتعالى یشیر فی الآیة المتقدمة الى احدى الحاجات الأساسیة للانسان ذات الجذور الفطریة والتی لا تُشبع بشكل كامل إلاّ فی ظل الحیاة الأُسریة. فالانسان ـ لاسیما خلال سن البلوغ ـ یشعر بالحاجة الى مَن یبادله الحب، لذا فهو یتعلق كل یوم بأحد وبعد أن یُخفق فی محبته یقصد غیره، ولیسوا قلّة الشباب الذین یضیعون أفضل مراحل حیاتهم وجانباً كبیراً من ثروة عمرهم فی هذا الأمر، وأخیراً یختارون الانزواء عن الحیاة والمجتمع وقد انهارت أعصابهم.
ینبغی الانتباه الى انه بالامكان تلمُّس الطریق الصحیح لسد هذه الحاجة واقامة العلاقة العاطفیة والعثور على المحبوب من خلال الزواج المدروس، ففی هذه الحالة یتسنى للانسان معرفة مَن علیه أن یُحب، وفی المقابل سیكون موضع حب وعشق زوجه أیضاً، وسیواصل الاثنان حیاتهما التی یملؤها الصفاء والمحبة.
بهذه الطریقة وفی اطار القواعد الاخلاقیة والقیم الدینیة سیتم اشباع هذه الرغبة العاطفیة والنفسیة العمیقة، فالعوائل التی یجری بناؤها على هذا المنوال ومن خلال الالتزام بالقواعد الاخلاقیة وفی ظل احترام القیم الدینیة السامیة تتنعم بنوع من الصفاء والمحبة والاستمتاع بالحیاة یفتقده ویجهله الآخرون.
ان الازواج فی المجتمعات التی تُباح فیها العلاقات الجنسیة غالباً ما یعانون من اضطراب نفسی ولا یحصلون على الاستقرار الضروری، فضلاً عن عدم حصول المحبّة الجدیّة والدائمیة داخل الاسرة فی هذه المجتمعات، وبالتالی سیكون هنالك شعور دائم بالنضوب العاطفی لدیهم.
4ـ الهدف الرابع والاهم من بناء الاسرة هو تلبیة حاجة الانسان للولد وتكثیر الجیل البشری. ان حب الولد حاجة فطریة، فهنالك رغبة لدى كل أب وأم بالأبوة والأمومة، وربما یمكن القول بأن هذه الرغبة أشدّ عند الأم. ان ولادة الابن تجعل الاسرة تدخل مرحلة جدیدة والأفراد الآخرون الذین یدخلون الاسرة یشكلون الجیل اللاحق الذی سیشكل لبنة كیان المجتمع فی المستقبل.
من ناحیة أخرى عندما یتكاثر أبناء المجتمع وتضعف لدیهم العلاقات الأُسریة والقرابة وتزداد الفاصلة بینهم، فان القیم الاجتماعیة هی التی تحل محل رابطة القرابة والعائلة، فتضمن وحدة وتلاحم المجتمع، انها القیم التی ركز علیها الاسلام وأقامها على اساس عقائده ورؤاه الخاصة به، ولكن ینبغی الانتباه الى ان مهمة نقل هذه القیم والعقائد الى أبناء المجتمع فی المستقبل تقع على عاتق الاسرة، فكلما كانت الاسرة ناجحة وتُفلح فی تربیة أبناء صالحین وتقدیمهم للمجتمع سیكون مستقبل المجتمع أفضل وأكثر اشراقاً، وإذا ما حدث تقصیر فی قضیة تربیة وتكامل الاولاد فانه سیتعرض مستقبل المجتمع للاخطار.
تقسم الاعمال التی یقوم بها أفراد الاسرة لتحقیق هذه الاهداف الى نوعین أساسیین هما:
أ ـ الاعمال التی یقدر علیها كافة أفراد الاسرة، وبمقدور الجمیع على حدّ سواء ان یكونوا مؤثرین فی تحقیق هذه الاهداف بانجازهم لهذه الاعمال.
ب ـ الاعمال التی لا یقدر علیها جمیع أفراد الاسرة بل یقدر علیها بعض منهم بما یتناسب وخصائصه البدنیة والروحیة، ویخرج انجازها عن طاقة سائر أفراد الاسرة. وعلى هذا الاساس من الطبیعی ان یتبلور نوع من تقسیم الاعمال بین أفراد العائلة. فعلى سبیل المثال: ان النهوض بالدور الذی تقوم به المرأة داخل الوسط العائلی لیس فی حدود قدرة الرجل أبداً، فالمرأة وفی ضوء ما یمتاز به بناؤها الطبیعی والبدنی بإمكانها الحمل، وبعد الولادة فانّ بمقدورها تغذیة طفلها على اللبن الذی فی صدرها وتربیته فی ضوء الخصائص النفسیة للأم، لكن هذه الاعمال لا قدرة للرجل علیها وهو یتمتع بخصائص جسمیة ونفسیة أخرى.
والرجل أیضاً یستطیع فی ضوء خصوصیاته الجسمیة والنفسیة النهوض بواجبات فی اتجاه تحقیق أهداف الاسرة لا قدرة للمرأة على القیام بها. إذن الاختلاف فی دور المرأة والرجل لتحقیق أهداف العائلة یعود الى التمایز فی خصائصهما الروحیة والجسمیة.
وكتقییم كلی یمكن القول ان المرأة بشكل عام هی الاقوى من حیث المشاعر والعواطف، والرجل هو الاقوى من حیث التدبیر والتعقل، وبما أن الجو العائلی یحتاج الى التدبیر والى التربیة معاً، فمن الطبیعی ان یحصل تقسیم الاعمال حیث یُعنى الرجل بادارة الاسرة وسدّ متطلباتها الاقتصادیة، فیما تنهض المرأة التی تطفح حباً وعواطف لابنائها ولها مقدرة اكثر على تحملهم بتربیة الابناء. بناءً على هذا ان الدراسة الدقیقة للاخلاق داخل العائلة ومعرفة الاحكام والقیم التی وضعها الاسلام فی هذا المجال رهنٌ الى حدّ كبیر بمعرفة الخصائص الجسمیة والروحیة لكلّ افراد العائلة والادوار الخاصة التی بمقدورهم النهوض بها.
1. راجع: الاخلاق فی القرآن: ج3، ص70 وهو باللغة الفارسیة، فلسفة الحقوق: ج1، ص 215 ـ 219 وهو باللغة الفارسیة، كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 209، وهو باللغة الفارسیة.
2. الروم: 21.