ar_porsesh5-ch3_7.htm

سبل ترصین كیان الاسرة

بما ان الاسرة تتبوأ موقعاً مهماً جداً ومصیریاً فی صلاح المجتمع وفساده، كیف یُقیّم الاسلام دور المرأة والرجل داخل الاسرة؟ وما هی التدابیر التی یفكر بها لترصین كیان الاسرة؟

ان الدین یولی الاسرة التی تعدّ الخلیة الاولى فی الحیاة الاجتماعیة ـ
عنایة بالغة1، وهو یسعى من خلال وضع قوانین خاصة الى ترصین هذه المؤسسة الاجتماعیة المهمة والعظیمة. والاسلام یقدم سبلاً متعددة لأقامة صرح الاسرة، نوجز توضیحها فیما یلی:

1ـ یجب اشباع الغریزة الجنسیة بما تقتضیة الفطرة وفی اطار القوانین الشرعیة. فلا شك ان أیَّاً من غرائز الانسان لا تضع أمام الانسان بشكل تلقائی السبل الصحیحة والمشروعة لاشباعها، فمثلاً، ان غریزة الجوع تقتضی ان یأكل الانسان حتى یشبع، أما ما هو الغذاء، ومَنْ الذی أعدّه، وعن أی طریق جاء... الخ فهی لیست بالامور التی تحددها غریزة الجوع نفسها، وانما عقل الانسان والشرع هو الذی ینظمها بحیث یتم اشباع غریزة الجوع وتُضمن المصالح الفردیة والاجتماعیة للبشر معاً، وكذا الغریزة الجنسیة فانّ امامها طرقاً متعددة وهی لاتحدد تلقائیاً طریقاً معیناً، لكن اشباع هذه الغریزة بشكل مطلق دون قید أو شرط ممنوع منعاً باتاً فی الاسلام، وان سبل اشباعها مقیدة بالمسیر الذی تحدده الفطرة وتقتضیه المصالح الفردیة والاجتماعیة للناس جمیعاً.

بناءً على هذا، فان الاسلام وكخطوة اولى واساسیة للحفاظ على الاسرة یوجب من ناحیة اشباع الغریزة الجنسیة بشكل مقنن من الجنس المخالف بما تقتضیه الفطرة، ویمنع ویحرم الشذوذ الجنسی، ومن ناحیة اخرى یحدد التمتع بالجنس المخالف بما یجری فی الاطار القانونی والشرعی، فالاصل هو ان تُشبع الغریزة الجنسیة تحت ظلال الجو العائلی القانونی وهو «الزواج»2، وعلیه فان العلاقة الجنسیة المتحللة ـ الزنا ـ محرمة، سواء كان بممارسة السفاح مع الفاجرات الشهیرات، أو من خلال ما یعرف الیوم بالصداقة3 أی ان یرتبط رجل وامرأة بعلاقة دون ان یكونا زوجین بشكل شرعی وقانونی، وقد یمتد هذا الأمر سنین طوالا دون أن تعرف المرأة على انها فاجرة.

2ـ ان القرآن یوصی المرأة والرجل بان یتصدیا للاعمال بما یتناسب مع كلّ منهما، وهذا الأمر له تأثیر فعال فی تماسك الحیاة الأُسریة، فبحكم العقل والشرع یجب فی كل مجتمع صغیراً كان ام كبیراً ـ إناطة كل عمل بمن له القدرة على انجازه افضل من غیره، ومن الطبیعی ان یكون لكل من المرأة والرجل حقوق وصلاحیات ازاء الواجبات والمسؤولیات التی یتحملها.

ان اهم الاعمال التی تتخلل الحیاة العائلیة عبارة عن:

أـ الحمل، وهی مهمة ألقیت على عاتق المرأة بحكم التكوین ولیس بأمر تشریعی، وبالنتیجة فهی تعد مهمّة المرأة وتخرج عن اطار بحثنا.

ب ـ الرضاعة، وهی كالحمل من حیث عدم قدرة الأب علیها، ولكن بما ان المرأة من الناحیة التكوینیة بامكانها ان ترضع طفلها أو لا ترضعه
فهی لیست كالحمل، ولا یخفى ان الطفل لا یحتاج بشكل ضروریّ وحیوی لحلیب الأم بحیث انه یموت إن لم تُرضعه، بید ان كافة ذوی الاختصاص یقولون بان افضل غذاء للرضیع هو حلیب المرأة لاسیما حلیب الأم، إلا فی حالات استثنائیة من قبیل مرض الأم. اذن مقتضى الطبیعة ان ترضع الأم طفلها بنفسها، لكن الله لم یُلزم الأم بهذه المهمة غیر السهلة نوعاً ما، وانما وصاها بهذا العمل اخلاقیاً4 واجاز لها ان تطالب بالاجر ازاءه.

ج ـ ان الحضانة ورعایة الطفل وان كانت لیست مستحیلة بالنسبة للرجل وهی تقع على عاتقه فی بعض الحالات مثل مرض الزوجة أو وفاتها أو انفصالها أو لاسباب عدیدة اخرى، لكن لا شك فی انها اكثر سهولة بالنسبة للأم. اذن الحكمة تقتضی بان تطالب المرأة بهذا العملـ لیس تكلیفاً بالطبع ـ وفی هذه الحالة یجوز للمرأة ان تطالب بالأجر أیضاً.

د ـ بالرغم من ان رعایة البیت تقع فی كافة المجتمعات على المرأة إلاّ انها لیست واجباً علیها فی نظر الاسلام، فاذا ما تطوعت للعمل عن رغبة واندفاع أو قبلت به شرطاً فی العقد فبها ونعمت، وإلا فبامكانها المطالبة بالأجر.

ان مهمة الرضاعة ورعایة الطفل ورعایة البیت كلّها أمور یعترف الجمیع بان المرأة اكثر استعداداً للقیام بها، ومن الناحیة الشرعیة تُطالب بها كأمر استحبابی واخلاقی ولیس فریضة.

هـ ـ من ناحیة اخرى ان الرجل مُلزمٌ بتكالیف واجبة ومستحبة اهمها تسدید نفقات معیشة الزوجة والولد، فیجب على الزوج تسدید نفقات اطعام زوجته وملبسها ومسكنها وسائر شؤونها الضروریة، سواء كانت ذات طفل أو لم تكن، ولا ینبغی التوهم بان الانفاق على المرأة العقیم أو المریضة أو المعاقة لیس واجباً على الزوج بسبب عدم قیامها بمهمة الحمل أو الارضاع أو رعایة الطفل أو العمل فی البیت، لأن المُلاحظ على الدوام اثناء سن الاحكام والقوانین الاجتماعیة وتحدید حقوق الناس وواجباتهم هی الاوضاع والظروف السائدة والغالبة، ویُغض الطرف عن الحالات الاستثنائیة.

اذا ما كان الانفاق على المرأة واجباً على الزوج فان الانفاق على الاولاد واجب من باب أولى5.

وفی ازاء هذا التكلیف الواجب الصعب یجب العمل بحیث تتاح امكانیة النشاط الاقتصادی امام الرجل اكثر من المرأة6، فالاسلام من ناحیة جادٌ فی دعوته بان یكون الكیان الأُسری متماسكاً، ومن ناحیة اخرى فانّه یخطط لأسرة تلتزم المرأة فیها بارضاع الولد وحضانته ورعایة البیت فیما یتولى الرجل الانفاق على افراد الاسرة، من هنا
یتعین على هذا الدین العمل كی یستطیع الرجل النهوض بعملیة الانفاق بحیث لا تُضطر المرأة للقیام بالنشاط الاقتصادی لیتسنى لها انجاز الاعمال التی تعهدت بها على احسن وجه. فی هذه الحالة فقط سیكون النظام العائلی متلائماً وثابتاً.

3ـ ان نصیب الرجل من الارث ضعف المرأة7. فالاسلام بتشریعه لنصیب اكثر من الارث بالنسبة للرجل یضع تحت تصرفه ثروة اكثر كی تزداد امكانیته فی العمل الاقتصادی، ومن خلال ذلك یزداد دخله وهذا ما یجعل الرجل قادراً على تكفل الانفاق على اسرته.

ان المجتمعات الغربیة والمعاصرة لا تُلزم الرجل بالانفاق على الاسرة، وتطالب المرأة بالعمل فی المجال الاقتصادی بذریعة استقلال المرأة اقتصادیاً وتعمل على اكتساب نفقة معیشتها، وانهم یتصورون انهم قد أسدوا خدمة للمرأة، بینما هذا الأمر یمهد لزعزعة وانهیار كیان الاسرة.

4ـ ان ادارة المنزل مسؤولیة الرجل: بما ان الرجل اكثر قدرة على التعقل والتدبیر من المرأة وهو الذی یتحمل مسؤولیة الانفاق فمن الطبیعی ان یكون الرجل هو الاصلح لادارة الاسرة، لأن الكثیر من الشؤون الاداریة تختص بالشؤون الاقتصادیة والمالیة أولاً; وان قدرة تدبیر الرجل اكثر ثانیاً. وبطبیعة الحال ان التعاون والتنسیق والتشاور وما شابه هذه الامور فی الحیاة الجماعیة ضروریة، لكن الحدیث یدور حول اتخاذ القرارات النهائیة فیجب ان توكل الى الرجل. والقرآن الكریم یشیر الى هاتین المیزتین فی الرجل وینیط به ادارة البیت:

«الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْض وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ...»8.

ولیست مستبعدة امكانیة تعمیم الملاحظة فی هذه الآیة وهذا البحث، والاستنتاج بان الرجل ونتیجة لتفوقه فی التعقل والتدبیر فهو الاجدر للادارة على صعید المجتمع أیضا.

5ـ واخیراً فان الخطوة السادسة التی تأتی لترصین كیان الاسرة هی اذا ما بلغت الخلافات والخصومات العائلیة حداً یزول معه الامل بالاصلاح والتحسن، فان الذی بیده اتخاذ القرار بشأن فرط عقد العائلة أو الطلاق هو الرجل، وإن كان بامكان المرأة الامساك بحق الطلاق عبر طرق من قبیل الاشتراط ضمن العقد أو التنازل عن المهر.

ان الاسلام ومن خلال التدابیر الآنفة الذكر یمهد الظروف الضروریة لترصین وتماسك الكیان الأُسری.

* * * * *




1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 209 وهو باللغة الفارسیة.

2. هناك مورد واحد فحسب یُسمح فیه بالارتباط الجنسی مع امرأة لیست زوجة شرعیة وهی المرأة المملوكة (ملك الیمین).

3. ورد فی القرآن مصطلح «اتخاذ خِدن» أی الصدیق من الجنس المخالف أو ما یسمى فی مجتمعنا الصدیقة أو الصدیق.

4. البقرة: 233.

5. ومن بین ذلك تسدید نفقة الرضاعة وحضانة الطفل اذا طالبت الأم بالأجر.

6. بالرغم من ان بعض النساء ارامل ومجبرات على توفیر معاشهن وبعضهن یردن العمل خارج البیت وما شابه ذلك، فان الرجل فی كافة المجتمعات لاسیما فی المجتمع الذی ینشده الاسلام یتقدم على المرأة فی تولی الانفاق والعمل الاقتصادی.

7. فی بعض الموارد یفوق ارث المرأة إرث الرجل أو یساویه، لكن هذه الموارد قلیلة.

8. النساء: 34.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...