ضبط الغریزة الجنسیة
سؤال: ان الغریزة الجنسیة من الغرائز الطبیعیة فی الانسان، هل ان اشباع هذه الغریزة أمر مباح مطلقاً وبأی طریقة كانت فی نظر القرآن والاسلام أم ان له قیوداً؟ وما هی القیود لممارسة الغریزة الجنسیة؟
جوابه:1 من طرق استمتاع الانسان هی علاقته بزوجته واشباعه لغریزته الجنسیة. وان اصل وجود هذه الرغبة ـ كما هو شأن سائر الرغبات والمیول الباطنیة ـ أمر فطری ومن لوازم البناء الروحی للانسان، وهی لا تنطوی تلقائیاً على قیمة اخلاقیة ایجابیة أو سلبیة، بل لابد من النظر فی كیفیة وحجم اشباع هذه الرغبة والوجهة فی ممارستها. وبطبیعة الحال من الناحیة الفلسفیة ان كل شیء یتمتع بالوجود ـ سواء كان اختیاریاً أم لا ـ هو خیرٌ فی نفسه، غیر ان الخیر الفلسفی یختلف عن ما یصطلح علیه بالخیر الاخلاقی.
یستفاد من الآیات القرآنیة الكریمة ان هذین الجنسین المخالفین خُلقا لبعضهما واحدهما یكمّل الآخر، وان مقتضى فطرة الانسان هی ان كلاً منهما یمیل للجنس المخالف له ویتخذ منه مصدر سكینة له ویستمتع به بنحو یكون معه عاملاً فی تكثیر النسل ولا تترتب علیه مفسدة.
وفی نظر الاسلام فان ممارسة هذه الغریزة تخلو من القیمة السلبیة حینما تراعى فیها ثلاثة انواع من القیود هی:
أـ القیود الفطریة: فالمیل نحو الجنس المماثل مخالفٌ للفطرة ولنظام الخلقة فی نظر القرآن الكریم ویعد نوعاً من الشذوذ فی الشهوة الجنسیة. بناءً على هذا اذا ما انحرف أُناس عن المسیر الطبیعی لدى اشباع الشهوة الجنسیة وسلكوا طریقاً آخر، فان لاشباع الغریزة الجنسیة بهذا الشكل قیمة سلبیة ویكون قد زاغوا عن الصراط المستقیم وجادة الفطرة.
وقد جرى التأكید فی القرآن الكریم وفی ثلاثة مواضع على اقل تقدیر لدى الحدیث عن قصة قوم لوط المعروفین باللواط، على قبح هذا العمل وانحرافهم عن صراط الفطرة. فقد ورد فی احدى هذه الآیات:
«وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ»2.
جاء فی هذه الآیة التعبیر بـ «ما خلق لكم» أی خلق لكم ازواجاً من الجنس المخالف، وعلیه فان مقاربة الرجل للرجل والمرأة للمرأة خلاف الخلقة الالهیة. وفی الآیتین 80 و81 من سورة الاعراف یوصف هذا العمل بـ «الفاحشة» و«الاسراف»3.
ب ـ القیود الاجتماعیة: ان ما یصبح سبباً فی القیمة السلبیة لدى اشباع الرغبات والشهوات هو التزاحم الذی یحصل مع بعض الرغبات الاخرى، ومن خلال تقییم ونتائج الجمع بین هذه الرغبات ستتضح قیود وحدود كل واحدة من الغرائز.
وفی بعض الحالات یستطیع الانسان اكتشافها ومعرفة حدود كلّ منها عن طریق مدركاته البسیطة والعقلیة، ولكن فی اغلب الحالات وحیث لا نمتلك احاطة بموارد التزاحم وآثارها السیئة، فلا قدرة لنا على تحدید مواردها بدقة، وهنا یقوم الوحى بدوره الحیوی ولكن المنشأ الحقیقی على أیة حال هو التزاحم.
ان المصالح الاجتماعیة للانسان تقتضی ان تكون حیاته بشكل عائلی وفی اطار الزواج. ویجب ان تخضع العلاقات بین المرأة والرجل للسیطرة ولمعاییر خاصة، ویجب ان یكون لزوج المرء لون من الاختصاص به وفی هذه الحالة سیكون سبباً فی قیام مصالح عدیدة ودفع اخطار جسیمة.
من بین المصالح الاجتماعیة هو المحافظة على نسل الانسان من خلال تشكیل الاسرة، ومن ثم ستترتب الكثیر من القضایا الاجتماعیة على تشكیل الاسرة والمحافظة على النسل من قبیل الارث، والانفاق، والتربیة وسائر المسؤولیات التی یتحملها الاب والام ازاء الولد، أو المهر والنفقة والاستمتاع والطاعة والمسؤولیات التی یتحملها كلٌّ من الزوجین ازاء صاحبه. فمن الواجب مراعاة كافة هذه المسؤولیات بدقة كی یغدو المجتمع مجتمعاً انسانیاً، وتتهیأ الارضیة لتنامی العواطف والفضائل الانسانیة والمحبة والتضحیة والطهارة فیه، وفی المقابل تزول مقومات تنامی الفساد والانحراف والامراض الجسدیة والنفسیة، وانهیار العواطف الانسانیة والانحدار فی الحیاة الحیوانیة.
ان القوانین الالهیة هی التی تحدد الشروط المختلفة للزواج الشرعی وحدوده وذاك ما ورد فی الرسائل الفقهیة. ونورد آیة واحدة حول هذا النوع من القیود هی:
«وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ * فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ»4.
ج ـ القیود الشرعیة والاخلاقیة: فقد لا توجد قیود فطریة أو اجتماعیة، ولا مؤاخذة فی اصل الزواج من الجنس المخالف، ولكن ثمة حالات وظواهر تفرز قیمة سلبیة، فهنالك حدود فی الزواج من الجنس المخالف مثل حرمة نكاح المحارم، وكذلك هنالك قیود فی الاستمتاع الجنسی بالزوجة القانونیة والشرعیة أیضاً من قبیل فترة الحیض الشهریة.
ورد تفصیل هذه الاحكام وتفرعاتها فی الرسائل العملیة للمراجع العظام لا یسمح المجال لذكرها هنا، ونحیل القارئ الكریم الى المصادر المتوفرة5.
* * * * *
1. الاخلاق فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، ج 2، ص 239 وهو باللغة الفارسیة.
2. الشعراء: 166.
3. راجع كذلك: النمل: 55.
4. المؤمنون: 5 ـ 7.
5. مقتبس عن الجزء الثانی من الاخلاق فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، فصل الغریزة الجنسیة والزواج.