اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمینَ الصَّلاةُ وَ السَّلامُ عَلى سَیِّدِالْأَنْبِیاءِ وَ الْمُرسَلینَ حَبِیبِ إِلهِ الْعالَمین أَبِیالْقاسِم مُحَمَّدٍ وَ عَلى آلِهِ الطَّیِبینَ الْطّاهِرِینَ الْمَعْصُومین.
«اَللهُّمَ كُنْ لِوَلِیِّكَ الْحُجَةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَیْهِ وَ عَلى آبائِهِ، فی هذِهِ الْسَّاعَةِ وَ فی كُلِّ سَّاعَةٍ وَلیَّاً وَ حافِظاً وَ قآئِدَاً وَ ناصِراً وَ دَلِیلاً وَ عَیْناً حَتى تُسْكِنَهُ أَّرْضَكَ طَوْعاً وَ تُمَتِّعَهُ فِیها طَویلاً»
أهدی تحیاتی إلى إخوانی و أخواتی الأعزاء فی أقطار العالم و إلى روح سیدنا الإمام الخمینی و أرواح الشهداء رضوان اللّه علیهم و أسأل اللّه تعالى أن یوفقنا لمرضاته و أن یزیدنا علماً و معرفة و حباً لأولیائه و یوفقنا لأداء واجبنا فی هذا العصر الذی یزخر من جانب بالمعارف الإلهیة الموروثة عن أهل البیت ـصلوات الله علیهم أجمعینـ و من جانب آخر بالشبهات و الشكوك التى یلقیها شیاطین الجنّ و الإنس ـأعاذنا اللّه و إیاكم منها جمیعاً.
نحن نعلم انّ من أفضل منن الله على عباده إصطفاء ثلّة من خیارهم و جعلهم رسلاً إلى سائر الناس، لیتلقُّوا وحی اللّه تعالى مباشرةً و یُبلّغوه الى الآخرین، فیهتدوا إلى معرفة الغایة من خلقهم و معرفة الصراط المستقیم للوصول إلى سعادتهم فی عاجل الدنیا و آجل الآخرة.
قال تعالى: «وَما كانَ اللَّهُ لِیُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَیْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ یَجْتَبِی مِنْ رُسُلِهِ مَنْ یَشاءُ»1، و قال: «عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلى غَیْبِهِ أَحَداً؛ إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ یَسْلُكُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً؛ لِیَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَیْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَیْءٍ عَدَداً»2، و قال سبحانه: «لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِیزانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَیْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ»3.
و كان مقتضى حكمته البالغة ختم سلسلة الأنبیاء و الرسل بالنبیّ الأمّی العربی الهاشمی، أبیالقاسم محمد بن عبد الله صلى الله علیه وآله؛ فقال تعالى: «ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِیِّینَ»٤، و أنزل علیه أفضل الكتب و أكملها لیكون نوراً یستضاء به فی جمیع الأعصار و الأمصار. قال تعالى: «تَبارَكَ الَّذِی نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِیَكُونَ لِلْعالَمِینَ نَذِیراً»٥، و قال سبحانه: «...قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِینٌ؛ یَهْدِی بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَیُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَیَهْدِیهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ »٦، و قال: «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِیزٌ؛ لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَكِیمٍ حَمِیدٍ»7. فكان قولاً فصلاً و حكماً عدلاً و مهیمناً على ما نزل قبله من الكتب؛ قال تعالى: «وَأَنْزَلْنا إِلَیْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَیْمِناً عَلَیْهِ»8. ثمّ أكمل دینه و أتمّ نعمته بولایة أولی الأمر من أهل بیته، فقال تعالى: «الْیَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِینَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْكُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ الإِْسْلامَ دِیناً»9. و قد مضى رسول اللّه صلى الله علیه وآله و ترك لأُمّته میراثین عظیمین، فقالصلى الله علیه وآله: «إِنّی تارِكٌ فیكُمُ الثَّقَلَیْن كِتابَ اللّهِ وَ عِتْرَتی أَهْلَ بَیْتی، ما إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِما لَنْ تَضِلُّوا أَبَداً».
فما أعظم شأن هذین الثقلین و ما أكثر بركة هذین المیراثین: أحدهما كتاب اللّه الكریم الذی یبقى مصوناً عن ایّ تحریف الى یوم الدین بضمان من اللّه العزیز، حیث قال: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ»10، و ثانیهما الإمام المعصوم الذی لاتخلو الارض منه، إمّا حاضراً مشهوداً و إمّا غائباً مستوراً، یستضاء بنوره كما یستضاء من نور الشمس من وراء الغمام. فالحمد للّه الذی هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدی لولا أن هدانا اللّه.
واذا كانت الأُمّة محرومة من رؤیة الإمام المعصوم و من بركات قیادته المباشرة، نتیجةً لسوء معاملتهم مع سائر الائمة، فقد تمتّعوا بحضور العلماء العاملین و الفقهاء الصالحین الحاملین لعلومهم، المقتفین لآثارهم، و السائرین بالأمة على هدیهم، فلهم فی الحقیقة مرتبةٌ من خلافة رسولالله ـصلى الله علیه وآلهـ و مرتبة من ولایة أهل بیته ـصلوات اللّه علیهم أجمعین. فقد روی عن النبی ـصلى الله علیه وآلهـ بطرق كثیرة متظافرة أنه قال: «رَحِمَ اللَّهُ خُلَفائی» و فی عبارة أخرى: «أللَّهُمَ ارْحَمْ خُلَفائی» و فی روایة ثالثة: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلى خُلَفائی» كرّر ذلك ثلاث مرّات. فقیل: «یا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ خُلَفاؤُكَ؟ قالَ: الَّذینَ یَأْتُونَ مِنْ بَعْدی وَ یَرْوُونَ أَحادیثی وَ سُنَّتی وَ یُعَلِّمُونَها النَّاسَ مِنْ بَعْدی»11. و قد روى عن أهل البیت ـعلیهم السلامـ قولهم «مَجارِی الأُمُورِ بِیِدِ الْعُلَماءِ بِاللَّهِ الأُمَناءِ عَلى حَلالِهِ وَ حِرامِهِ».
فالعلماء الأتقیاء الأمناء التاركون لزخارف الدنیا و حطامها و العاكفون على معارف كتاب اللّه و سنّة رسوله و أهل بیته، هم المرجع لعامّة الناس و الآخذون بأیدیهم إلى الطریق القویم و الصراط المستقیم. فعلیهم بذل غایة الجهد لإستنباط حقایق الدین و تعلیمها لعامّة المؤمنین و إرشادهم إلى الحق المبین، و على الناس أن یقتبسوا من أنوار علومهم و السلوك على هدیهم، و دعمهم فی إنجاز مشروعاتهم و التعاون معهم فی إحیاء الكتاب و السنة و إماتة البدع و الخرافات و مكافحة أعداء الدین و مجاهدة الكفار و المحاربین و الظالمین لحقوق المسلمین. و كذا یجب التعاون معهم فی نشر حقایق الإسلام فی كافة البلاد و لجمیع أهل الارض، فإنها أمانة فی أیدی المسلمین یجب أداؤها لإهلها: «إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَیْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»12.
فنحن معاشر المسلمین یجب علینا اوّلاً: التعرّف على حقایق الإسلام و مواریث النبی الأكرم و الائمة العظام ـصلوات اللّه علیهم أجمعین. و طبعاً یكون للعلماء العاملین شأنهم و دورهم فی هذا المجال. وثانیاً: الإحتفاظ على تلك المواریث و صیانتها عن التحریف اللفظی و المعنوی. و ثالثاً: تعلیمها لسائر الناس فی المعاصرین الموجودین أقطار العالم، و للأجیال القادمة. و رابعاً: السعی وراء تطبیق الأحكام الإسلامیة فی الحیاة الفردیة و الإجتماعیة و إقامة النظام الإسلامی العادل فی شتّى البلاد و تهیئة الأرضیة المناسبة لظهور بقیة اللّه الأعظم ـأرواحنا فداه و عجل اللّه تعالى فرجه الشریف.
هذه واجبات علینا یستقلّ بها العقل و لایحتاج إثباتها إلى دلیل تعبّدی. و لایختص أداء هذه الواجبات بزمن خاص و لا ببقعة خاصة من الأرض. لكن هناك عامل یوجب تأكد هذه الواجبات و مضاعفتها فی هذا العصر و بالنسبة الینا ممّن تمتع بالصحوة الاسلإمیة والنفحة الإلهیة بفضل تضحیة دماء طاهرة و بذل جهود كثیرة و مكابدة ظروف قاسیة، أدّت إلى انتصار الثورة الإسلامیة فی ایران و انتصارات أخرى فى سائر البلاد، و أدّت إلى هزیمة جنود الشیطان فی مشارق الأرض و مغاربها، و تبشّر بإنتصارات قریبة أكثر و أهم لجنود الحق و حزب اللّه المفلحین و هزیمة جنود الباطل و أتباع الشیطان اللعین.
وهذا العامل هو تآلف أحزاب الكفر و النفاق وعبید الدراهم و الدنانیر و كبراء الظلمة الخونة على هدم الإسلام و محاربة المسلمین و التسلط على بلادهم و ثرواتهم و ذخائرهم، و إنكار مفاخرهم و مناقبهم، و نفی مآثرهم و معارفهم و إبادة ثقافتهم و مسخ هویّتهم و إحلالهم دارالبوار و إذاقتهم خزی الحیاة و عذاب النار. و قد بلغ التجری بهم إلى أن أعلنوا تجدید الحرب الصلیبی تجاه المسلمین، مع فارق هو اتّحاد شعوبهم و رسوخ عزائمهم و تمتّعهُم بثروات عظیمة و قوّات مجمّعة و صنائع مدهشة فی هذا العصر بالعكس ممّا كانوا یعیشونه فی عصر الحرب السابق من الضعف والفتور و الجهل و القصور.
والجدیر بإمعان النظر أن هذا الحرب لایختص بالساحة العسكریة، بل یشمل شتّى ساحات الحیاة فیتبلور فی الحصار الإقتصادی و المؤامرات العالمیة ضدّ تقدم المسلمین فی هذا الحقل، و یتجلّى فی إثارة الفتن السیاسیة داخل الثغور الإسلامیة على أیدی المرتزقین و الخائنین. و الأهمّ من الجمیع هو الحرب الثقافی الذی قام به المستعمرون و المستكبرون منذ زمن قدیم بشتّى الأسالیب و الحیل، و مع الأسف نحن نشاهد الیوم باكورة نجاحهم فی بلادنا بل فی بیوتنا. و قد آن الامر إلى أن المستكبرین اجترؤوا على المسلمین بحیث أكدوا على بعض المسئولین فی البلاد الإسلامیة بتغییر البرامج الدینیة و حذف آیات الجهاد عن الكتب الدراسیة، ولا حاجة إلى التوسّع فی هذا البحث فإن العاقل یكفیه الإشارة.
وعلى ضوء هذه الحقایق المرّة یجب علینا جمیعاً، رجالاً و نساءً، التهیّؤ لمجاهدة واسعة النطاق ضد هذه الحركة الشاملة من قبل الكفار والمستكبرین. و إذا كان بعض اقسام الجهاد مختصاً بالرجال، فالجهاد الثقافی لا یختص بجنس و لا قوم و لا شعب و لا أیّ جماعة معیّنة.
وهذا الحرب یحتاج إلى اسلحة ثقافیة و إلى أطروحات و خرائط مناسبة و إلى جهود مكثفة و إلى مساعى متواترة و إلى إخلاص فی النیّة، وإلى عزم راسخ و إلى معلومات واسعة و أجهزة متكاملة للإعلام، و إلى معلّمین جادّین مؤثرین مجاهدین یضحّون بأموالهم و منافعهم و راحتهم و حتى بأعمارهم و أرواحهم فی سبیل أهدافهم المقدسة إبتغاء مرضاة اللّه و خالصاً لوجه اللّه، واللّه من وراء القصد.
فالذی یجب علینا جمیعاً من غیر استثناء السعی وراء توفیر معلوماتنا الدینیة و تعلّم أسالیب الدفاع عن عقائدنا و قیمنا من طریق تكثیر المطالعات و الدراسات، و تأسیس مراكز البحث و الحوار، و الإستفادة من كل أجهزة الإعلام و كل أسالیب التعلیم و التربیة.
و فی الختام أؤكد على أن بذل كل الجحود والطاقات فی أداء الواجب الذی یعبَّر عنه فی اللغة الدینیة بالصبر، إذا كان مشفوعاً بالإخلاص فی النیة و التوكل على اللّه تعالى یجبر كل ما عندنا من الضعف و القصور، و قد جرّب المسلمون هذه الحقیقة طیلة حیاتهم من الصدر الأول إلى یومنا هذا: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِیرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِینَ»13
رزقنا اللّه الصبر و التقوى و ثبات القدم و الإخلاص فی النیة و التوكل على اللّه و تسلیم الأمر الیه و هو حسبنا و نعم الوكیل، نعم المولى و نعم النصیر.
1. آل عمران، 179
2. الجن، 2٦-28
3. الحدید، 2٥
٤. الاحزاب، ٤0
٥. الفرقان، 1
٦. المائدة، 1٦-1٥.
7. فصّلت، ٤1
8. المائدة، ٤8
9. المائدة، 3
10. الحجر، 9
11. راجع بحارالانوار، ج 2؛ عوالی اللئالی، ج ٤؛ من لا یحضره الفقیه، ج ٤؛ وسائل الشیعة، ج 27؛ مستدرك الوسائل، ج 17
12. نساء، ٥8
13. البقرة، 2٥0