الإسلام والمسؤوليّات الاجتماعيّة

في لقاء لسماحته مع جمع من الأسرة الطبّية لمحافظة خراسان الرضوية؛ التاريخ: 17 شباط 2020م، الموافق: 22 جمادى الآخرة 1441ه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين

اللهُمّ كُن لوليّكَ الحجّةِ بن الحسن، صلواتكَ عليهِ وعلى آبائه، في هذهِ الساعةِ وفي كلِّ ساعةٍ، وليًّا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليلًا وعينًا، حتّى تُسكِنَه أرضكَ طوعًا وتمتِّعَهُ فيها طويلًا.

على الروح الطاهر للإمام الراحل(رض) وأرواح شهداء الإسلام الأجلّاء وكل من له حقّ علينا نهدي الصلوات.

أشكر الله العليّ القدير أن وهبني في آخر أيّام عمري، وببركات الإمام الرضا(ع)، شرفَ المشاركة في جمعكم الكريم أيّها الأعزّة المخلصون للثورة والنظام الإسلامي، وسنحَت لي الفرصة لآخذَ بعضًا من وقتكم الثمين فأتحدّث إليكم ببعض الكلام. وسأحاول جهدي، بعونٍ من الله عزّ وجل وبركة الإمام الرضا(ع)، أن أقول ما أُسَرُّ في العالم الآخر أنّي وُفِّقتُ لقوله إذا عُرِض علَيّ، ولا أندم على عدم قوله، ولا أُلام على أن: لماذا لم تقل هذا الكلام إذ أُتيحَت لك فرصة المشاركة في هذا المجلس؟! لعلّ مثل هذا يحصل للبعض. أرجو أن لا تحصل هذه الملامة. ما سأعرضه عليكم من كلام مقتضَب بشكل مبعثَر لا أظنّ أنّه مثارٌ لشكٍّ لأحدٍ منكم إذا فكّر فيه.

كيفيّة الإفادة الصحيحة من فرص الحياة

كلّنا يعلم أنّ العمر الذي نعيشه في هذه الدنيا محدود، ولا أحد يحيا في هذا العالم إلى الأبد. وهناك متوسّط للعمر يحدَّد لكلّ عصر، وإنّ متوسّط العمر في زماننا الحاضر هو غالبًا دون المئة عام. كلّنا يعلم ذلك ولا يساورُ أحدًا شكٌّ في ذلك.

ثمّ بإمكاننا أن نستغلّ لحظات أعمارنا بالشكل الذي إذا شاهَدْنا نتائجه فَرِحنا، وبإمكاننا أيضًا أن نسيء استغلالها بحيث يأكلُنا الندم فيما بعد فنُؤَنِّب أنفسنا أنْ: يا ليتني لم أقل هذا! يا ليتني لم أفعل هذا! في وقتٍ لاتَ حينَ مناص.

وبالالتفات إلى هاتين النقطتين يُطرح سؤال، وهو: ماذا نصنع ليكون سلوكنا بشكلٍ يجعلُنا ننتفع من لحظات أعمارنا على نحو أفضل؟ الجواب العام على هذا السؤال، الذي هو الآخر يعرفه الجميع، وليس بحاجة إلى تنويه، هو أنّ الله سبحانه وتعالى قد أوضحَ لنا الطريق، فأرسلَ إلينا الأنبياء، والقرآن، والأئمّة المعصومين(ع)، وصانَ لنا كلامَهم، وحفظ القرآن الكريم من عبث الشياطين والأغيار؛ إذ قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُون[1] ليستطيع الجميع، إلى يوم القيامة، الرجوعَ إلى هذا الكتاب لمعرفة النهج الصحيح للحياة.

كلّنا يعرف هذا في الـمُجمل، لكن كيف لنا معرفة التفاصيل في المواطن الخاصّة؟ مثلًا: ما الذي عليَّ صنعه اليوم وفي هذا المكان تحديدًا؟ كيف يجب أن تكون علاقتي بفلان؟ كيف ينبغي أن يكون سلوكي في البيت مع زوجي وأولادي، ومع والدَيّ، ومع الآخرين؟ وصولًا إلى القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة الداخليّة للبلد، ومن ثمّ القضايا الدوليّة مع جميع البشر على وجه الأرض. كل هذه الأمور ذات أثر في سعادتنا وشقائنا الأبديَّين؛ وهو أنّه: لماذا قلتَ هذا الكلام في موضعِ كذا؟! لماذا لم تقل كذا في موضع كذا مع أنّك كنت تعلمه؟! لماذا فعلتَ كيتَ وكيتَ هنا أو لماذا لم فعلتَ الفعل الفلاني هناك؟!

أليس كذلك؟ أهناك مَن يشك في ذلك؟

أشياء كثيرة في حياتنا يجب أن نعرفها لكنّنا أنفسنا لا نستطيع معرفتها كما ينبغي. المثال الواضح على ذلك هو الطب؛ فهل يتيسّر لجميع الناس أن يُصبحوا أطبّاء، وفي جميع الاختصاصات؟ هذا مستحيل. بل قد ترتبط عشرات الاختصاصات الطبّية المختلفة بعضو واحد من الجسم، فأنَّى للشخص نفسه أن يعلم مباشرةً كيف يصنع في كلّ حالة؟ وكيف يعالج العضو إذا أصيب بعطَب ما؟ إنّه شيء متعذّر. هذا مثال من الطبّ تعرفونه أنتم أحسن منّي. وهناك أمثلة أخرى، فالقضيّة هيَ هيَ في سائر الحقول.

استشارة ذوي الاختصاص نهج عقلائي لعلاج القضايا الفرديّة والاجتماعيّة

العقل الذي وهبه الله تعالى لنا كيف نستعمله لعلاج مشاكلنا؟

منذ غابر الأيام، وبحسب ما يخبرنا به التاريخ، هناك ضربٌ من تقسيم الأعمال بين الناس، إذ أخذَت كل جماعة على عاتقها معرفةَ جانبٍ من احتياجات المجتمع؛ فتعهّدَ الأطباء بمَهَمّة تشخيص الأمراض وتعيين طرق علاجها. كما تولَّت جماعات أخرى تحديد احتياجات المجتمع في قضايا الاقتصاد، والسياسة، والتربية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وسائر الأمور. إذًا فقد علّمنا الله تعالى بالعقل منهاجًا يقول: إذا تخصّصَ أناسٌ في حقل من العلم فإنّ بإمكانكم الإفادة منهم، فتكونون كأنّكم تعلّمتُم هذا العلم؛ فحينَ يحرّر لي طبيبٌ ثقةٌ وصفةً، أكون كأنّي أنا الطبيب، وأعمل وفقًا لهذه الوصفة. أليس كذلك؟

الأمور التي علينا معرفتها لنأخذ بخصوصها القرارات اللازمة تُقسم إلى طائفتين: الأولى هي القضايا الفرديّة المرتبطة بي أنا، أو – بالحدّ الأقصى – بشخص آخر أو بشخصين آخرين ممّن لي اتّصال بهما، سواء أكان هناك مجتمع أم لم يكن، أو كانت هناك دولة أم لم تكن. لكن ثمّة أيضًا قضايا معقَّدة ترتبط بمجاميع أكبر من البشر. تلاحظون اليوم كم أمسَت قضايا العالم السياسيّة معقّدة بحيث يقف أصحاب شهاداتِ ما فوق الدكتوراه في فروعها الخاصّة عاجزين، في الكثير من الأحيان، لا يعرفون ما يجب اتّخاذه من قرار. من أجل ذلك فإنّ من الجَليّ تمامًا أنّه ليس بمقدور كل امرئٍ أن يتخصّص بشكل كامل في المواضيع الاجتماعيّة والسياسيّة والدوليّة، بالضبط كما يتعذّر ذلك في المسائل الطبّية.

هنا فكّرَ العقلاء في أن يلجَؤوا إلى هذا وذاك، ممّن له تجربة أعمق، أو أنفقَ وقتًا أكثر في الدراسة، أو بذلَ جهودًا أكبر، فيسألوه عن رأيه. وإن لم أقتنع بسؤال شخص واحد، أسألُ شخصًا آخرَ، أو اثنين، أو عشرة، أو العددَ الذي أستطيع من الأشخاص الآخرين، وأقلّب الأمرَ حتّى أطمئنّ من أنّه بأيّ صورة أفعل هذا الفعل فلا أندم فيما بعد. هذا هو أسلوب العقلاء. أتعرفون على وجه الأرض موضعًا يقول أهلُه ببُطلان هذا الأسلوب، وأنّه لا بدّ من اتّخاذ طريقة أخرى؛ مثلًا أسلوب الاقتراع. أيوجد عاقلٌ واحد في العالم يستبدل القرعةَ بالبحث والدراسة واستشارة ذوي الاختصاص؟! فإنّ مَثَلَ هذا كمَثل المريض الذي يحتمل أنّه مصاب بالسرطان فيقول: أعمل قُرعةً لأرى ماذا عليّ أن أصنع! عقلاء العالم سيقولون لهذا الشخص: استشر طبيبًا نفسيًّا! إذ عليك أوّلًا أن تعالج عقلَك! فلا يحوز الاقتراع لتحديد دواءٍ لعلاج!

رؤية الإسلام إلى القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة

وكلّما زادَت القضايا والمشكلات تعقيدًا صعُبَت عمليّة إيجاد الحلول لها، وقلَّ عدد المتخصّصين الحقيقيّين الخبراء فيها، ولا سيّما حين لا يتبيَّن نفعُها وضررُها إلّا بعد حين. النتيجة هي أنّه في القضايا الاجتماعيّة العميقة أيضًا ليس بإمكاننا جميعًا أن نبلغ الحدّ الأعلى من التخصّص. فماذا نصنع إذًا؟ أيجوز لَنا أساسًا أن نعتزل الساحة قائلين: لا شأن لنا بالقضايا الاجتماعيّة والسياسيّة؟

كان البعض في قديم الزمان، وقد يكون اليوم أيضًا، يعتزل الناسَ في الصوامع، ويعكف بمفرده على العبادة، أو - إذا عاش بين الناس – يخبّئ رأسَه بعباءته مكتفيًا بترديد الصلوات، لا شأنَ له بشيء، بل يغُطّ في سبات عميق ولو أغرقَ السيلُ المدينة برُمّتها! يقول: حتّى لو حصلَ شيء، ما شأني أنا؟! نعم هناك أشخاص من هذا الصنف. لكن أيرى عقلاءُ العالم هذا صحيحًا؟! البعض - للأسف – ينهج هذا النهج باسم الدين والتديّن!

منطقُنا نحن: «لا رهبانيّةَ في الإسلام».[2] المنطق الإسلامي هو: «كلّكُم راعٍ وكلّكُم مسؤولٌ عن رعيَّتِه»؛[3] كلّكم، من دون استثناء، مسؤول إزاء القضايا الاجتماعيّة. هكذا هو ديننا، وهكذا هو المجتمع الذي نحيا فيه، فهل يجوز لنا، بعد ذلك، أن نطأطئ رؤوسَنا ونقول: ما شأني أنا؟ عليكَ بنفسك؟! لا اللهُ جلّ وعلا يقبل منّا هذا، ولا عقلاءُ العالم. وإنّ ضررَ مثل هذا النهج سيحيق بنا نحن في النهاية؛ فلا نحن ننعم بدنيًا طيّبة، ولا نحن نحظى بآخرةٍ يرضى بها الله تعالى.

التقاعس هو سبب التهرّب من المسؤوليّات الاجتماعيّة

مما يُؤسَف له أنّ أناسًا على مرّ التاريخ اتّخذوا هذا النهج، بشكل أو بآخر، وبصور شتّى، ولأسباب مختلفة. ولعلّ قاسمًا مشترَكًا يوجد بينهم جيمعًا وهو التقاعس؛ فإنّ في مثل هذا الأمر متاعب؛ أنْ يجلس اثنان ويتناقشان؛ هذا يقول هذا سيّئ، وذاك يقول كلّا، فتتعكّر الأمزجة، ويتأذّى كلٌّ من الآخر، يقولان: ما الداعي إلى هذا؟! إنّنا أصدقاء، ولا نخوض في هذا الكلام. أخَوان، أحدهما من هذه الجماعة، والثاني من تلك، وإنّ نقاشاتٍ كهذه تُضعِف العلاقة بينهما، فيقولا: لماذا نخوض في هذه الأمور؟! إنّنا أخَوان، نتعاشر، فلندع هذا الكلام، بل لا ندخلَنّ أبدًا في مثل هذه السجالات.

قد يكون هذا المنطق صحيحًا من منطلَق التقاعس، فهو أجلَبُ للراحة. لكنّ منطق الدين والعقل يرفض هذا، لأنّ الإنسان مسؤول عن كلّ لحظة من لحظات حياته. ليس فقط عن كلّ لحظة، بل هو مسؤول عن عينه، وعن أذُنه؛ فيُسأل: ماذا رأيتَ هذه اللحظة؟ ماذا سمعتَ؟ ماذا قلتَ؟ ماذا رفعتَ؟ ماذا وضعتَ؟ إنّه مسؤول عن كلّ ذلك، وذات يوم سيُسأل عن كلّ صغيرة وكبيرة: لماذا صنعتَ هكذا؟ فإمّا أن يرُدّ بجواب يقبله الله منه، أو يعاقَب!

والسؤال هنا هو: في هذا العالم الذي نعيشه اليوم، بما فيه من تعقيدات في القضايا الاجتماعيّة؛ إذ تلاحظون إلى أين وصلَت الأمور؛ فهذه البلدان الغربيّة، التي كانت دائمًا متكاتفة وتقسّم مصالحَها فيما بينها بالسويّة، صارَت تتصارع فيما بينها، فيخاطب أحدُها البلدانَ الأخرى: "أنا جدّكم الأعلى وكلّ الباقين غلماني"، فيُتَمتِم بعضُها: "أجَل"، وينتصب آخرُ بشدّة صارخًا: "كلّا، زمان هذه الأمور قد وَلّى!".. هذه هي حال عالم اليوم. فهل لنا – والحال هذه – أن نُخلي كاهِلَنا من المسؤوليّة ونقول: ما شأني أنا؟! إنّ لدَيَّ – أنا عالِم الدين - دراسَتي، وتدريسي، أحيا حياتي، أحضر صلاة جماعَتي، فما هذه التوافه؟!

على الأقلّ لو لم يكن هذا فرضًا شرعيًّا لكان بالإمكان تحمُّل هذه العزلة، فكيف إذا كان ثمّة عقاب أبديّ في النهاية؟! القضيّة ليسَت مزاحًا! فقد يُصفع الإنسان صفعةً فيقول: أتحمّلُها، لكن أنّى له أن يتحمّل عذابًا من النوع الذي (هُمْ فِيهَا خَالِدون)[4]؟! مِن هنا يتعيّن أن نجد لأنفسنا في مثل هذه القضايا سبيلًا تكون لنا فيها حجّةٌ أمام الله تعالى؛ فإن قال لي: لماذا فعلتَ هذا؟ قلتُ: لهذا السبب، السبب الذي يَرضى به هو تعالى.

إتمام الله تعالى حجّتَه على عباده

بالمناسبة، لفظة الحُجّة أو الحجّة المرضيّة عند الله تعالى جاءت في نص القرآن الكريم؛ وهو قوله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل[5] أي: إنّا أرسلنا إليكم الرسل لتتُمّ عليكم الحجّة. فإن قيل [لك]: لماذا فعلتَ هذا؟! لا يكون لك عذر بأنّي لم أكن أعلم، إذ قد أرسلتُ إليك نبيًّا، وقد أخبرَك بهذا. وإن سُئلتَ: لماذا لم تعمل بالواجب الفلاني؟ لا تستطيع الإجابة: "لم أكن أعلم"، فالأنبياء قد أَخبَروا، والكتُب قد كتبَت. كان من الأفضل لك على الأقلّ أن تلجأ إليهم بمقدار ما تلجأ إلى الطبيب! هكذا هي العبارة: لقد أرسلنا الرسل لئلّا يكون لأحد حجّة على الله؛ (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَة[6] فإنّ لله الحجّةَ البالغة على الجميع، وليس لأحدٍ أن يقول لله: أنا معذور، أو: لم يتحقّق ذلك. إذ سيقال له: كنتَ تستطيع، وتعلم، وكان المجال متاحًا، لكنّك تقاعَستَ، أو خالفتَ عن وعي! فذُق الآن وبالَ فعلك!

التقاعس عن أداء الواجبات الاجتماعيّة بذريعة انتظار ظهور الإمام الحجّة(عج)

لقد بلغتُ السادسة أو السابعة والثمانين من العمر. الإشكال الذي ظلّ مطروحًا طوال مدّة حياتي، وأذكر أنّي سمعتُه منذ كنتُ طفلًا، وهو معروف، أو على الأقلّ كنتُ آنَسُ هذه المفاهيم طوالَ هذه الأعوام الثمانين هو قولهم: صحيح أنّ في رقبتنا تجاه المجتمع واجبات لكنّ إرادةَ الله اقتضَت بأن تُعطَّل هذه الواجبات في الوقت الحاضر حتّى يظهر صاحب الزمان(عج) ويقوم هو بإصلاح الأمور، ولا شأن لنا بالأمر، علينا فقط أن نؤدّي فروضَنا الفرديّة؛ نصلّي، نصوم، ولربّما تعلّقَ بأموالنا خمس أو زكاة فيتوجّب علينا دفعهما إلى الفقير والجار، هذا كلّ ما في الأمر، والباقي هو من مَهامّ صاحب الزمان(عج). وهو الآن غائب، وليس الآن أوانُ العمل بهذه الأمور. متى ما ظهر سيصنع هو ما عليه صنعه، فليس هذا من شأننا!

منذ طفولتي، أي حوالي ثمانين عامًا وذهني اعتادَ هذا الكلام. واليوم أيضًا يَطرُق هذا الكلام، بشكل أو بآخر، مسامعَكم من هنا وهناك، وما زال هناك أناس ممّن ذكرتُ، من الإنعزاليّين، يردّدونه. لكن انطلاقًا من قول الله تعالى: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل) لا بدّ من إعداد جوابٍ على هذا المنطق؛ أنتم ليس لديكم على الله حجّة. لقد أبانَ الله لكم الطريق. فكما تلجؤون إلى الطبيب عند الحاجة، هنا أيضًا كان عليكم أن تفتّشوا عن طبيبِ هذه الأمور وتراجعوه. هذا توضيح مقتضَب وتفصيله من مَهَمّة الشبيبة، وأسأل الله أن يجري البحث فيه في مجالات أوسع.

ضرورة رواية التاريخ لأجيال المستقبل

تصرّمَت أكثر من ألف وأربعمئة عام من تاريخنا، وقد مَرّ هذا التاريخ في هذه المدّة بمراحل. ومعظمُنا، للأسف، ولا سيّما المراهقين وخرّيجي المدارس، اتّخذوا قدواتهم من البلاد الغربيّة؛ فهُم يعرفون تاريخ كريستوفر كولومبوس، وأنّه مَن اكتشف الأمركيتَين؟ ومن أيّ البلاد كان؟ وكيف سافر واكتشف القارّتين؟ هم يعرفون هذه الأمور، لكنّهم يجهلون تاريخ مدينتهم وبلدهم! لماذا آلَت الأمور إلى هذا المآل؟! لعلّكم شاهَدتم أيضًا أنّ بعض أولادكم يعرفون أشياء عن تاريخ البلدان الغربيّة في حين يجهلون أحداثًا حصلَت في بلدهم قبلَ عشرة أعوام أو عشرين عامًا فقط! هذه أيضًا مسؤوليّة. على أولئك الذين يعملون في سلك التربية والتعليم أن يلتفتوا إلى أنّه أيُّ جيل يُنشئون! وما الذي يعلّمونهم إيّاه؟ ولمَ لا يدرّسونهم بعض الأمور؟

الانعطافات المفصليّة في تاريخ البشريّة

على أيّة حال لقد تبلورَت في هذه الحقبة ذات الألف وأربعمئة عام من التاريخ مراحلُ، أو لنقل - كما يُصطلح عليه في الأساليب المعاصرة – انعطافات مفصليّة أو مفاصل حسّاسة؛ كأن تتّخذ الأحداث التاريخيّة على مدى مئة أو مئتي عام منوالًا تطوريًّا هادئًا، ثمّ تحصل فجأةً قفزة. قد يستغرب البعض من سماع ذلك! لكنّكم ستَلحَظونه إن نظرتم إلى التاريخ نظرةً عامّة.

أ) ظهور الإسلام في ظلّ جهاد النبي الأعظم(ص)

ظهور نبي الإسلام(ص) نفسُه كان انعطافةً مفصليّة في تاريخ البشريّة؛ إذ ظهر بين أناسٍ كانوا يَئدون بناتهم! ويعبدون حجارةً وأصنامًا ينحتونها بأيديهم! وإنه لأمرٌ يستحقّ التوقّف أن ينحتَ الإنسان بيده خشبةً أو حجرًا ثمّ يسجد له! إذ إن كان لا بدّ من السجود فيجب على الصنَم أن يسجد لك، لأنّك أنت مَن صنعَه، فكيف تسجد لحجر نحتَّه أنتَ بنفسك؟! بالطبع ما زال في بعض البلدان عدد ضخم من عُبّاد الأوثان. ولندَع ذكر الأسماء.

على أيّة حال، ظهرَ نبي الإسلام(ص). صحيح أنّ هناك مرحلةً أخرى حصلَت قبله(ص)، لم أذكرها لأنّها غير ذات صلة وثيقةٍ بتاريخنا؛ إذ قد يكون أوّل من أحدثَ انعطافةً في التاريخ هو نبيّ الله إبراهيم(ع)، والجميع يعرف قصّته، لكن – في الأساس - الذي ظهرَ في حقبةِ الألفي عام الأخيرة، وحاربَ هذه المظاهر بكلّ جدّيّة هو نبيّ الإسلام محمّد المصطفى(ص). فماذا صنعَ الناسُ معه؟ لما كانوا يسمحون له بالكلام، وكانوا يُلقون على رأسه القمامة، والرماد، والقاذورات!

في أيّام موسم الحجّ العشرة فقط، التي كانوا هم أيضًا يقدّسونها ولا يتعرّضون فيها لأحد، كان النبي(ص) ينتهز الفرصة ويأتي ليقف إلى جوار الكعبة المشرّفة، إذ لم يكن أحد يضايق أحدًا هناك، فيقول: ما هذه الأشياء التي تعبدونها؟! هذه أعمال خاطئة، اعبُدوا الله الواحد. ويدعوهم إلى الإسلام. في الأوقات الأخرى كان يفعل ذلك خائفًا، إذ ما كانوا يتيحون له بذلك، وكانوا يضعون في آذانهم القطن كي لا يسمعوا كلامه!

من هنا بدأ التحوّل، ولم يمضِ زمن طويل حتّى بلغ الأمر بأشدّ الأُمَم البشريّة تخلُّفًا في ذلك الحين أن تصبح منافسةً لأعظم قوّتين عالميّتين آنذاك. أولئك العرب أنفسهم الذين كانوا يقتلون بناتهم؛ يَئدونهنّ صغارًا، أو يزيّنونهنّ شابّاتٍ بعمر الزواج فيحفرون لهنّ القبور ويدفنونهنّ فيها حيّات! أناسٌ كأولئك، بهذا المستوى من الضحالة في الفهم والعقل والمعرفة، لم يمضِ عليهم زمن طويل حتّى بلغوا، ببركات هَدْي هذا النبي(ص)، وبرغم جميع الصعوبات التي كان يقاسيها بسببهم - بلغوا مقامًا خضعَت لهم فيه امبراطوريّتا فارس والروم معًا. لقد كانت هذه انعطافةً مفصليّةً في تاريخ البشريّة. وكان هذا تطوّرًا غايةً في الغرابة؛ وبهذه السرعة، ومن مثل تلك الضحالة، إلى مثل هذه العزّة!

ب) انطلاق النهضة الإسلاميّة بقيادة الإمام الخميني(ره)

ووقعَت إحدى هذه الانعطافات أيضًا في زماننا، أي قبل ستّة وخمسين أو سبعة وخمسين عامًا من الآن؛ إذ قد ظهر في مجتمعنا رجل، لم تكن شخصيّات إيران المعروفة حينها تقيم له وزنًا أبدًا، أو تكترث له. من الناحية الاقتصاديّة كان وضعه متواضعًا، كان يعيش حياةَ قناعة، لم تكن له أسرة وعشيرة، ولا ثروة طائلة، ولا جُند. نهض هذا الرجل بوجه أعظم سلطة، تدعمها جميع قوى العالم الكبرى، وقال لسلطانها: "أسحبُك من أذنك وألقيك خارجًا!" أتذكرون؟

يا للعجب! رجل واحد، بمثل ذلك الوضع، يقف بوجه أعتى سلطة ويقول له بكلّ صراحة: "إن لم تسمع لكلام المنطق، أسحبُك من أذنك وألقيك خارجًا!" إلى أن نجح هو، بعد خمسة عشر أو ستّة عشر عامًا من النفي والمحنة، في العودة بنفسه إلى الوطن، وألقاء السلطان خارجًا في النهاية! ما معنى هذا؟ أيعني أنّه كان للإمام الراحل(ره) جيشٌ أقوى من جيش الشاه؟ أو كان لديه أسلحة؛ كالأسلحة الذرّية مثلًا، يرتعب منها الآخرون؟ أو كان يملك أموالًا طائلة؟ ماذا كان يملك؟ وفقَ حساباتنا العاديّة لم يكن هناك سبب وجيه للنصر، لكن كانت هناك حسابات إلهيّة ذكَرها القرآن الكريم، وهي أمورٌ غير التي تدركها عقولُنا!

شرط نَيل النصرة الإلهيّة

يقول الله عزّ وجل في محكم كتابه العزيز: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُه[7] إن نصرتم الله تعالى وأطَعتم أوامره فإنّه سينصركم؛ فالأمر يتوقّف على مقدار عزيمتكم وحَجم امتثالكم أمرَ الله، إذ سيُنيلُكم هو المقام الذي يناسب ما قدّمتموه. ثمّ يشير سبحانه إلى أنّكم أنتم أنفسكم جرّبتم نماذج من ذلك؛ (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ).[8] كلّكم يعلم أنّ المسملين في معركة بدر ما كانوا مستعدّين للحرب إذ لم يكونوا يملكون غير ستّة أو سبعة أحصنة وبضعة سيوف في مقابل جيش مجهَّز يملك جميعُ أفراده أفرسةً أصيلة، وأسلحة قويّة، وأموالًا طائلة. بهذه الجهوزيّة الضحلة اشتبكَ المسلمون عند آبار بدر مع جيش العدو واستشهدوا وجُرحوا الواحد تلو الآخر، ولم يبقَ لهم غير بضعة جرحى، ولو استمرّت المعركة لتغلّب الأعداء بكلّ غرور، لكنّه: (إِذْ تَسْتَغيثُونَ رَبَّكُم[9] لقد رفعتُم أيديكم بالدعاء والتضرّع وسألتم الله الغوث، والله تعالى من جانبه، وعوضًا عن ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلًا أرسلَ ألفًا - أي ثلاثة أضعاف عددكم - من الملائكة لإسنادكم ونصرتكم؛ (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفين).[10]

نصرُ الله في حرب تمّوز

كلّنا قرأ هذه القصّة وسمعها لكنِ الحقّ أنّ الواحد منّا لا يعلم ما هو الملاك؟ وكيف يأتي؟ وماذا يصنع؟ الذين يعتقدون بصحّة القرآن الكريم يعلمون إجمالًا بأنّ هذه حقيقة، أمّا نحن فلا نعلم. وأنا أيضًا مثلكم ما كنتُ أعلم ما معنى هذا، حتّى وقعَت حرب تمّوز في لبنان قبل مدّة. أتذكرون؟

ما سأقوله لكم هو العبارات التي سمعتُها بأذني من سماحة السيّد حسن نصر الله نفسه، وهو قائد حزب الله في لبنان. يقول سماحته: "صرنا في وضعٍ نفدَ فيه عتادنا. الميزانيّة التي كانت في حوزتنا نفدَت هي الأخرى، بل ما عدنا نجد طعامًا نُشبع به بطون المجاهدين. بلغَت الحال بنا أنّ بعض المجاهدين لجؤوا جياعًا إلى شِعْبِ جبلٍ بانتظار الموت". يقول سماحته: "زرنا الإمام الخامنئي (دام ظله) وقلنا له: سيّدي، هذه حالُنا الآن. فقال سماحة الإمام القائد: عودوا، واستأنفوا القتال، والنصرُ إن شاء الله حليفُكم". السيد حسن نفسُه يقول: "الإمام الخامئني قال ذلك، لكن في قرارة نفسي لم أكن أصدّق! إذ قد شاهدتُ مشهد الحرب بنفسي. لكن امتثالًا لأمر سماحته، ولكي لا أتجاسر عليه، قلتُ: سمعًا وطاعة!" عُدنا إلى لبنان، وقلتُ للإخوة: "اذهبوا وجاهدوا ما استطعتم".

ونحن في تلك الأجواء إذ اقتربَت إحدى مقاتلات العدو وحلّقَت فوق رؤوس الإخوة المجاهدين، وفجأةً اشتعلَت فيها النيران في الهواء، وانسحبَت! كنّا نتنصَّت على ما كان يدور بين الطيّارين الإسرائيليّين وقادتهم من حوار حين أخذ القادة يصرخون بوجه مأموريهم: "لماذا انسحبتُم؟! إنّهم [جنود حزب الله] خالي الوفاض! إنّهم يَبيدون!" فأجاب الطيّارون قادتَهم في فلسطين المحتلّة: "أنتم لستم هنا لتشاهدوا! إنّ أناسًا موشّحين بالبياض يحملون علينا بالسيوف، ولسنا قادرين على مواجهتهم!"

لي أنا شخصيًّا قال السيّد حسن هذا الكلام؛ إنّ الإسرائيليّين أخبروا قادتهم بأنّ أناسًا موشَّحين بالبياض هجموا علينا بالسيوف، فانسحبنا. وانتهَت الحرب لصالح اللبنانيّين، واندحر الإسرائيليّون. وهذا شبيه بما حصل في معركة بدر، حين رفع المسلمون أكُفّهم بالتضرّع، فقال الله تعالى لهم: (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفين). ثمّ أضاف: فإن أخفَقتم، وهجموا عليكم بغتةً، فلا تخافوا، فسأمُدّكم بخمسة آلاف ملك؛ (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمين).[11]

تحقّق الوعود الإلهيّة مدعاة لطمأنينة القلب

كلّكم تقريبًا يعلم بهذه الأمور. وأريد أن أضيف هنا شيئًا: بعد أن يقول العليّ القدير في كتابه العزيز إنّا أرسلنا الملائكة فدَحروا جيش العدوّ، يضيف: لقد أرسلناهم إليكم (لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِه وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزيزِ الْحَكيم[12] النصر بيدي أنا، وإنّما أرسلتُ الملائكة لتطمئنّ قلوبُكم ويذهب اضطرابُها، ولتعلموا أنّ لكم ناصرًا ومعينًا، أي إنّ أثرَها الغالب هو نفسي. المبدأ الأساسي هو: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُه)؛ إن تتوجّهوا إلى الله وتطيعوه فإنّ الله سينصركم في الوقت المناسب، وبالطريقة التي يراها مناسبة.

يد القدرة الإلهيّة في دحر القوى الكبرى

إلى أيّ مدًى نحن نعتقد بهذه الآية؟ بالطبع درجات اعتقادنا تختلف، فقد يقول بعضُنا: إنّها مجرّد أقاصيص وأساطير. ولربّما کتبَ بعضهم، بين الحين والآخر، في بعض مقالاته ومؤلّفاته أنّ قصص القرآن هي بحُكم الأساطير؛ فهي قصص تُحكى ليتعلّم الناس منها الدروس مثلًا. وهناك آخرون يقولون: نعم، هذه أمور موجودة، ثمّ يؤوّلونها. لكن ثمّة أيضًا مَن يعتقد حقًّا أنّه ليس هناك في العالم غير سلطة واحدة، وما من أحد يملك شيئًا إلّا وصاحب هذه السلطة هو الذي منحَه إيّاه، وما لأحدٍ من شيءٍ من عند نفسه، وإنّ السلطات التي منحَها صاحب تلك السلطة للآخرين يستطيع أن يسلبهم إيّاها متّى شاء، وإنْ أعطى أحدًا قليلًا منها، فله أن يضيف إليها، لكن ليس اعتباطًا، وكلّ شيء عنده محسوب. يقول: إنْ سلكتُم هذه الطريق فسوف أرفع نقائصكم من دون أن يكون حساب ذلك بأيديكم، من أنّه كيف أعطَينا لهذا وذاك. فما الذي جعل عالِم دينٍ يظهر ويقول لأكبر سلطان في المنطقة: "أسحب أذنك وأرميك خارجًا؟!" ثمّ رماه فعلًا! ثّم قال: "ليس لأمريكا أن ترتكب أيّ حماقة"! وقد أثبتَ هذا على أرض الوارقع.

إن كنتم مع الله...

ما قلتُه لا جواب له وفقًا للمحاسبات المادّية، بل جوابه هو: إنّها سلطةٌ فوق الأسباب الظاهريّة. إنّها يد الله تعالى ولا غير، كلّ ما في الأمر أنّه سبحانه بيّنَ لنا طريق ذلك. متى بوسعكم الإفادة من هذه السلطة؟ حين تسمعون لقولي. لا تجعلوا ديني ألعوبة. إن قبلتُم هذا فاعملوا بشكل صائب، أمّا إذا كادَ أحدٌ لديني، فسأكيدُ له أنا أيضًا؛ (إِنَّهُمْ يَكيدُونَ كَيْدًا * وَأَكيدُ كَيْدًا[13] إن كِدتُم لي فسأكيدُ لكم، كونوا معي واضحين؛ قولوا: إلهي، أنت ربّ، ونحن عبيدك، أمرتَنا أن نفعل هذا، سمعًا وطاعة! وقد وعدتَنا أنت أننا إن عملنا به ستوفّقنا، فَفِ أنتَ بوعدك! فيجيب الله: وأنا من جانبي سأَفي بوعدي. فمَن ذا الذي وعْدُه مثل وعد الله تعالى؟ ومَن ذا الذي يفي بوعده أفضل من الله سبحانه؟ ثمّ إنّه تعالى، على الأقلّ خلال هذه الألف وأربعمئة عام، قد أرانا نماذج من ذلك في أزمنةٍ مختلفة. ولقد أرانا في عصرنا هذه السلطةَ والقدرة على يد الإمام الخميني الراحل(ره)، ودرجاتٍ أدنى منها على يد خلَفه من بعده، ويد مَن تربّوا في كنفه(ره).

المشاركة الفاعلة في الميدان هي شرط النصرة الإلهيّة

أعزّتي، ما قلتُ لكم إمّا هو نصّ القرآن الكريم أو أمورٌ جميعكم يؤمن بها، وليس فيها من شك. فتعالوا نحملها على محمل الجدّ. لنَبنِ أمرَنا على أن نعمل بما تعلّمناه من ديننا؛ على أن نعين جارَنا الفقير، ولا نتمادى في الركون إلى الترف، على أن نفكّر في الفقراء أيضًا. لنبنِ أمرَنا على العمل بواجباتنا الشرعيّة. متى ما أمرَ وليُّ أمر المسلمين بأمر نقول: سمعًا وطاعة! إن قال: "شاركوا في يوم كذا، إنّ مشاركتَكم في صالح الإسلام، وانتخِبوا (عند صناديق الاقتراع) مَن شئتم"،[14] فيجب أن نسجّل حضورًا؛ من الناحية التي أعلَمُها أنا وتعلمونها أنتم وهي أن نُظهِر للعالم أنّنا مشاركون، وأنّنا نقف وراء هذا النظام. أمام الأعداء هذا فقط كافٍ، لكن من أجل أن يكون عندي جوابٌ إذا سألني الله، فهذا غير كافٍ، إذ ستُسأَل يوم القيامة: لماذا صوّتَّ لفلان ولم تصوِّت لفلان؟! ولا بدّ أن يكون لي جواب؛ ألأنّه كان ابن خالتي؟! أو لأنّي جاملتُه؟! أو لأنّي كنتُ آملُ أن يساعدني إذا ربح الانتخابات؟! أم لا، لأنّي رأيتُ أنّ تسنّمَه منصبًا يخدم الإسلام أكثر؟ إن صرنا بهذا المستوى فلنكن على ثقة بأنّ الله تعالى أيضًا سيمُنّ علينا بانتصارات أكثر، وأوسع، وأشرف، إذ ستُعمَّر دنيانا على نحو أفضل من ناحية، وسننال في ظلّ عنايات الإمام الرضا(ع) السعادة الأبديّة من ناحية أخرى؛ (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فيها خالِدُون).[15]

رَزقنا الله وإيّاكم

والسلام عليكم ورحمة الله

 


[1]. الحجر: الآية9.

[2]. النعمان، أبي حنيفة، دعائم الإسلام: ج2، ص193.

[3]. الديلمي، الحسن بن محمد، إرشاد القلوب إلى الصواب: ج1، ص184.

[4]. البقرة: الآية39.

[5]. النساء: الآية65.

[6]. الأنعام: الآية149.

[7]. الحج: الآية40.

[8]. آل عمران: الآية123.

[9]. الأنفال: الآية9.

[10]. المصدر نفسه.

[11]. آل عمران: الآية125.

[12]. المصدر نفسه: الآية126.

[13]. الطارق: الآيتان15-16.

[14]. الكلمة كانت عشيّة الانتخابات النيابيّة في إيران لدورتها الحادية عشرة [المترجم].

[15]. البقرة: الآية82.

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...