العبوديّة لله الهدف النهائي لدولة صاحب الزمان(عج) العالميّة

في لقاء لسماحته مع أفراد اللواء عشرين رمضان الميكانيكي للقوّة البرّية للحرس الثوري؛ التاريخ: 16 كانون الأول 2019م، الموافق: 19 ربيع الثاني 1441ه
تاریخ: 
دوشنبه, 25 آذر, 1398

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين

اللهُمّ كُن لوليّكَ الحجّةِ بن الحسن، صلواتكَ عليهِ وعلى آبائه، في هذهِ الساعةِ وفي كلِّ ساعةٍ، وليًّا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليلًا وعينًا، حتّى تُسكِنَه أرضكَ طوعًا وتمتِّعَهُ فيها طويلًا.

على الروح الطاهر للإمام الراحل(رض) وأرواح شهداء الإسلام الأجلّاء وجميع أعزّتنا ومَن له حقّ علينا نهدي الصلوات.

بصفتي خادم هذه المؤسّسة المزيّنة باسم الإمام الراحل(ره) المبارك، أرحّب بقدوم السادة الأكارم، وأتضرّع إلى الله تعالى أن ينير قلوبنا جميعًا بنور المعرفة والمحبّة والإخلاص، ويحفظ قائدنا الإمام الخامنئي(دام ظلّه) خيمةً على رؤوسنا جميعًا حتّى ظهور الإمام ولي العصر(عج)، ويتلطّف علينا بالتوفيق لشكر هذه النعمة الفريدة ببركة الصلاة على محمّد وآل محمد.

(وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَني‏ لا يُشْرِكُونَ بي‏ شَيْئًا).[1]

الآية التي تلوتُها لا بدّ أنّ جميعكم سمعها مرارًا وأنّكم مأنوسون بها، فهي من التي يبحثها علماء الدين باستمرار. فحوى الآية هو أنّ الله تعالى قطعَ للذين آمنوا، وعملوا الصالحات، وأدّوا فرائضهم وعدًا خاصًّا، في هذا العالم بالذات، قبل استباب النظام الأبديّ ونيل الأجور في الآخرة.

وعدُ الله للمؤمنين

(وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ). الوعد هو: (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)؛ أي سيجعلهم خلفاءَ الماضين، (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ)، وسيحقّق لهم حاكميّة الدين، الدين الذي ارتضاه لهم لكونه يضمن سعادتهم في الدنيا والآخرة، (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)؛ فلقد أمضى هؤلاء المؤمنون رَدَحًا من الدهر في حالةٍ من اللاأمن والخوف من أعدائهم من الجنّ والإنس، والله تعالى هنا يعِدُهم بأنّه، في النهاية، سيُبدلهم من بعد الخوفِ والقلقِ طمأنينةً وأمنًا. فسيُجعَلون أوّلًا خلفاءَ الماضين. السلطة في المستقبل ستكون للمؤمنين، وسيحكمون وفقًا لدين الله سبحانه وتعالى والقوانين التي أنزلها جلَّ شأنه. إذًا ستتهيّأ لهم هذه السلطة وسيزول عنهم الخوف والاضطراب والتوتّر.

لا أظنّ أنّ بإمكاننا أن نتصوّر في هذه الدنيا وعدًا أكملَ وأعظمَ من هذا الوعد. عقولُنا لا تستوعب شيئًا أسمى من هذه النعمة؛ إنّها النعمة الاجتماعيّة التي يتسلّط فيها المرء على أعدائه، ويستولي على الحكم، ويطبّق دينَ الله عزّ وجلّ، وتتبدّد عنه كلّ أشكال الخوف والقلق! هذا الوعد وعَدَه الله للمؤمنين في هذا العالم بالذات! الثواب الأبدي هو الآخر ليس مفهومًا عندنا جيّدًا، والقرآن الكريم مليء بتفاصيل النِعَم التي سيمُنّ الله بها على المؤمنين في الجنّة؛ سواء أولئك الذين عاشوا في القرون المنصرمة على نحو أقلّيّةٍ رازحةٍ تحت الضغوط والعذاب، أم أولئك الذين سينالون لاحقًا العزّة والسعادة والسلطة العالميّة؛ هذه النعم الفردوسيّة مُعَدّة لجميع هؤلاء، وهذا الوعد أعطاهم الله إيّاه في هذه الدنيا.

زمان تحقّق الوعد الإلهي

في معتقَدنا نحن الشيعة يتحقّق هذا الوعد بشكله الكامل في زمان ظهور صاحب الزمان(عج). وهنا يتبادر إلى أذهان الكثير منّا سؤال هو: لماذا لا يتحقّق هذا النجاح والنصر وحاكميّة الدين والحياة الآمنة البعيدة عن كل اضطراب قبل ذلك الأوان؟ لماذا لم يتحقّق في زمان النبي(ص) نفسه أو أيّام الأئمّة الأطهار(ع)؟ هذا التساؤل يُطرح بشكل طبيعي في أذهان أمثالنا، ومن المناسب أن تُقدَّم في هذا المجال مباحثُ سلسة الفَهم وعلى أصعدة مختلفة، وتؤلَّف كتُب أيضًا. وقد اشتُغِل على هذا الأمر نوعًا ما، لكنّ الساحة في زماننا تخلو من عمل يناسب أهل هذا الزمان! بالطبع لن يتيسّر بالكامل، في مثل هذه الظروف، أن يتصدّى شخص مثلي لحل هذا الإشكال بالكامل وبيانه بالتفصيل، لكن بودّي أن أبيّن القضيّة لكم من خلال مثال بسيط، يكون مفتاحيًّا. أمّا من أجل أن يحصل كل شخص على جواب مُقنع وشافٍ فلا بد للعلماء، في هذا المجال، من تقديم جواب علمي على خلفيّةٍ بحثيّة تحقيقيّة، وتدوينه، ثمّ عرضه - إذا شاء الله - على مستويات شتّى.

المثال الذي أردتُ تقديمه هو أنّنا جميعًا كنّا يومًا ما رُضَّعًا، وإنْ كنّا لا نذكر ذلك فقد شاهَدنا طفلًا حديث الولادة، وكيف أنّه في بداية حياته في غاية الضعف؛ أي: ما عدا أنّه يمصّ الحليب إذا أرادَ الأكل ويبكي إذا تأذّى، فإنّه لا يُتقن عملًا آخر، بل لا يستطيعه، فهذه أكثر الأمور ضرورةً والتي يحتاجها في أوّل ولادتِه؛ لقد علّمه الله تعالى أن يلتصق بثدي أمّه، ويمصّ الحليب ليحصل على غذائه ويبقى حيًّا، وإن تأذّى أذًى شديدًا أظهَرَه بالبكاء ليستطيع الآخرون مساعدتَه. ثمّ تمضي مدّة فيستطيع تدريجيًّا تناول أطعمة غير حليب أمّه. وشيئًا فشيئًا، ومنذ مرحلة طفولته؛ من السنة الأولى فصاعدًا، ومع أنّه لا يستطيع النطق بشكل سليم، يتكشَّف من سلوكه أنّه يريد دائمًا تعلّم الأشياء ومعرفتها؛ فيتساءل: لمَ هذا هكذا؟ ولِمَ حصل ذاك بتلك الصورة؟ ما كان هذا الصوت؟ من أين أتى؟ ما الذي جعل مصباح الحجرة يشتعل؟ كيف انطفأ؟ ...إلخ. يوجد لديه دافع داخلي يحفّزه لمعرفة هذه الأمور. ولا يمكن إقناعه. وكلّما كبُر تكثر معه هذه الأسئلة. ولله الحمد نرى أنّ أطفال اليوم الأذكياء والموهوبين يُتعِبون أبويهم بالأسئلة التي لا يستطيع الأخيران أحيانًا الإجابة على بعضها؛ طفلٌ في الثالثة أو الرابعة يسأل سؤالًا لا يستطيع الكهل أو الشيخ، صاحب الخمسين أو الستّين عامًا الإجابة عنه! ثم إنّ المعلومة التي يعرفها هذا الأخير تراه عاجزًا عن إيصالها إلى الطفل. ثمّ يبلغ هذا الوليد مبلغًا من النمو والكِبَر يستطيع معه طلَب العلم، وتحصيل الشهادات الجامعيّة، فيصبح عالـمًا، أو كاتبًا، أو مربّيًا، ويصير معلّمًا للآخرين، ثمّ يمرّ في مرحلة الشيخوخة حتّى يقترب من أجَله؛ أي شاءت الإرادة الإلهية في هذا العالم أن يبدأ الكائن الحي من مرحلةِ شبه العجز الكامل، ويتدرّج نحو الكمال، وتظهر فيه أرضيّات النمو والتكامل، وتتهيّأ أيضًا أسبابٌ خارجيّة ليتحوّل إلى إنسانٍ أو شابٍّ قويّ، متعلّم، مقتدِر، مرغوب فيه من كلّ النواحي. هكذا هي حياة الفرد.

مراحل بلوغ المجتمع البشري

التشبيه الذي أردتُ سَوقَه هو أنّ المجتمع البشري هكذا أيضًا؛ فنحن معاشر المسلمين نعتقد جميعًا أنّ المجتمع البشري نشأ، بادئ ذي بدء، من رجل وامرأة؛ (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها[2] فلقد خُلقنا جميعًا من نبي الله آدم(ع) وامرأته؛ بمعنى أنّنا جميعًا إخوة وأخوات بشكل غير مباشر. وفي تلك الحقبة، حيث كان أولاد آدم(ع) بضعة أشخاص، وكانوا يعيشون - بداية الأمر - سويةً كالأسرة الواحدة إلى جانب بعضهم البعض؛ حتّى حين يُنجبون، كان الأولاد والأحفاد وأولادهم يعيشون معًا. فكان المجتمع أشبه بذلك الطفل الحديث الولادة الذي أخذَ يمرّ بمراحل نموّه الأولى بشكل تدريجي؛ إذ هناك مجموعة من أفراد البشر، ضعفاء جدًّا في مجال الفَهم، والإدراك، والقدرة، والفكر، والتدبير، والإفادة من النِعَم، وإنّ عليهم أن يتعلّموا شيئًا فشيئًا أنّه: ما هي هذه الطبيعة أساسًا؟ وكيف ينبغي الإفادة منها؟ أيُّ صنف من ثمار الغابات المتوافرة يمكن تناوله؟ وأيّ منها لا يمكن أكله؟ ضمن ظروف حياة بسيطة للغاية. وهذا شبيه بطفولة الوليد البشري الذي ينبغي أن ينمو تدريجيًّا.

ومن ثمّ، بعد بضع مئات من السنين، تكوّن مجتمع أكثر تطوّرًا نسبيًّا قياسًا بذلك الزمان؛ إذ ناهيك عمّا كان نبي الله آدم(ع) يتلقّاه عن طريق الوحي ويعلّمه الناس، كانوا قد تعلّموا أشياءَ كثيرة عن طريق التجربة. فمنذ البداية، حيث كان بضعة من البشر أولاد نبي الله آدم مباشرةً، كانت بعض الأشياء موجودة فيهم بشكل طبيعي. وبمساعدة التعاليم التي كان يُلقيها عليهم آدم(ع)، إذ كان نبيًّا يوحَى إليه، مَنَّ الله تعالى عليهم فقال لهم [آدم]، منذ الأيّام الأولى، إنّكم مخلوقات الله، وعليكم أن تخضعوا له، وتمارسوا بعض العبادات، ومنها تقديم القرابين. فكان من جملة العبادات التي شُرّعت لأولاد آدم منذ البداية تقديم القرابين بصفتها واحدة من تكاليف العبودية لله جلّ وعلا.

كلّنا سمع هذه القصّة: (إِذْ قَرَّبا قُرْبانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَر).[3] كانا أخوين؛ أحدهما هابيل والآخر قابيل. وبأمرٍ من أبيهما، ومن حيث إنّ مِن وجوه عبادة الله تقريب القرابين، قدّم كلٌّ من الأخوين قربانًا. القرآن الكريم يكتفي بالقول: (قرَّبا قُربانًا)، ولا يذكر ماذا كان ذلك القربان. ثمّ إنّ قربانَ أحدهما قُبل وقربان الآخر لم يُقبل. كيف عَلِما بقبول القربان من عدمه؟ يمكننا – نوعًا ما - أن نستشفّ من آية قرآنيّة أخرى أنّ القربان كان إذا قُبل تأتي نار فتُحرقه. على أية حال، في هذا الموضع يقول: قُبل أحدهما ولم يُقبل الآخر، ثمّ إنّهما علِما أنّه قربان مَن هو الذي قُبل.

ذكرَت الروايات أنّ قربان هابيل قُبل وقربان قابيل لم يُقبل، وهو ما أدّى بقابيل إلى أن يحسد هابيل ويقول له مستنكرًا: "لماذا يجب أن يُقبل منك القربان ولا يُقبل منّي؟! (لَأَقتُلَنَّك)![4]" هذا وقد كانا أولادًا لنبي الله آدم(ع) من دون واسطة! أي إنّ طَبْع الحسد، بصفته عاملًا داخليًّا، كان موجودًا فيهما منذ البداية. كان ثمّة فيهما عامل يُرَغّبهما في عبادة الله تعالى، وتقديم القرابين له، لكن كان هناك - إلى جانبه - شيء آخر أيضًا هو أرضيّة الحسد، حتّى آلَت الأمور إلى تلك القصّة، وهي أن يَقتُل الأخ أخاه، ويبعث الله عزّ وجل غرابًا ليعلّمه كيف يدفن أخاه القتيل.

دور العوامل الفطريّة داخل الإنسان

يُستشَفّ من هذه القصّة أنّ الناس منذ ابتداء خلقتهم كان في داخلهم نوعان من العوامل الفطريّة: أحدهما يرغّبهم في الخيرات، والثاني يدعوهم إلى الأعمال الشيطانيّة. هذان الدافعان يوجدان في جميع الناس بالقوّة، ثمّ يبدآن - مع تقدّم الزمان - بالنمو والاتّساع إلى فروع شتّى.

وحين ينمو المجتمع ويتطوّر تُستحدَث لعوامل الخير وعوامل الشرّ فيه، على حدٍّ سواء، طرقٌ كثيرة؛ كالشجرة ذات الفروع المتنوّعة التي تعطي ثمارًا مختلفة، وأحيانًا مدهشة. بل تصل الأمور إلى درجةِ أنْ يضطجع غلامٌ يافِع ذو ثلاثة عشر ربيعًا تحت دبّابةٍ ليوقِف تقدُّم العدو.[5] ماذا كان دافعُ هذا الغلام؟ كم كانت النصيحة، ومقارَعة الظلم، ودافع الخير، وطاعة الله قد نمَت في نفسه؟! الطفل ذو الثلاثة عشر عامًا الذي نعلم جميعًا أنّ الإمام الراحل(ره) قال فيه: "هذا الطفل هو قائدنا." هذا النضج لم يكن موجودًا في قابيل. إنّ الظروف التدريجيّة التي تولّدَت للمجتمع البشري كانت من الكثرة والسعة ما جعل هذه الحالة تظهر وتنمو لدى الملايين من البشر. فإنّنا إن شبَّهنا المجتمع البشري بهذا التشبيه، فمنذ أن بدأ البشر يتشاركون العيش على الأرض، وبشكل تدريجي، على مدى مئات السنين، ولربّما آلاف السنين (لا نعلم حقًّا متى كان مبدأ ذلك؛ يقال حوالي عشرة آلاف إلى أحد عشر ألف عام، بحسب التواريخ المأخوذة من الآخرين، وغالبًا من أهل الكتاب. ليس لدينا تاريخ دقيق لعُمر البشرية على وجه الأرض) نقول: على مدى هذه المدة استجدَّت عوامل جعلَت المجتمع البشري ينضج ويتكامل.

مستلزمات نضج المجتمعات البشريّة

إنّ النضج يستلزم أن تقوى عوامل الخير وعوامل الشر في الناس معًا، وتنمو لها فروع متنوّعة. بل إنّ قوام إنسانيّة الإنسان أساسًا هو في أن يوجَد فيه عاملان متضادّان لكي يختار. فقيمة الإنسان هي باختياره، وإلّا فقد كان هناك ملائكة كانت تستطيع إتيان الكثير من الأعمال، كلّها خير، وكلّها عبادة؛ (نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَك).[6] فجبرئيل وميكائيل لم يرتكبا في حياتهما ذنبًا واحدًا، لكنّهما لم ينضُجا ويتكاملا أيضًا؛ فقد كان جبرئيلُ جبرئيلَ منذ البداية، وسيبقى هكذا حتى نهاية العالم، أمّا الإنسان فقد خلَقه الله لينمو ويتكامل بعمله الاختياري هو. ولكي يكون للاختيار معنًى ومفهوًما يجب أن يكون ثمّة عاملان متضادّان، يحرّض أحدُهما على اتّخاذ هذا الاتّجاه ويحثّ الآخرُ على اتّخاذ ذاك، لكي يختار الإنسان.

من أجل ذلك لا بد أن نتوقّع أيضًا، كلّما تقدّم الزمان وتصرّمَ التاريخ، أن تتّسع أرضيّات الخير، وتنمو وتتشعّب بواعث الشرّ والفساد أيضًا في المجتمع. كلّنا تقريبًا سمع أشياءَ من التاريخ، سؤالي هو: بمقدار اطّلاعكم على التاريخ، في أيّ حقبةٍ من الزمان، وفي أيّ مجتمع عبر التاريخ تجدون أشخاصًا يصرّحون علنًا بأنّنا على استعداد لحصد أرواح شعب البلد الفلاني جميعًا وإبادتهم عن بكرة أبيهم بقنبلة نوويّة من أجل الاستيلاء على بترولهم! أو يقولون جهارًا: "نحن لا نستوعب هذه الأمور! نحن نريد البترول! نريد ثرواتهم!" لعلّ إنسانًا بهذه الدرجة من الوقاحة لم يُخلق طيلة تاريخ البشريّة. لكنّنا نجد أن بعض صور الفساد التي نشاهد نماذجَ منها في عالمنا المعاصر يَندَى لها - بحسب تعبير البعض - جبينُ الإنسان لمجرّد أن يسمع أنّ هناك في العالم مَن يصنع ذلك! من ناحية أخرى تظهر من دوافع الخير ما يجعل البعض يضحّي بكل وجوده من أجل خير أناس آخرين، وبالنهاية مرضاة لله تعالى.

إنْ قَبِلنا بهذا التشبيه ثمّ قمنا بتعزيز هذه الأمثلة وتأييدها وتنميتها بالمباحث العلميّة والفلسفيّة فسنقف بوجه الكثير من الإشكالات من جهة، وسيُجاب على القسم الأعظم من الإشكالات المطروحة من جهة أخرى؛ مثلًا: لماذا لم يُوقِف اللهُ الشمرَ عند حدّه؟ وفي تلك الأحداث لماذا لم يمنع اللهُ المجرمين لكي لا يرتكبوا كلّ تلك الجرائم؟ يُزهقون أرواح الملايين من الأبرياء بإلقاء قنبلة ذرّية، لماذا لم يوقفهم الله عن فعل ذلك؟!

تناسب الامتحان الإلهي مع نضج المجتمعات البشريّة

إنْ عَلِمنا أنّه لا بد لعوامل الفساد وعوامل الخير أن تنمو معًا في الناس بشكل دائمي فسندرك جيّدًا أنّه لا بد أن يتعرّضوا باستمرار لامتحانات أصعَب؛ إذ كلّما ازداد النضج تعاظمَت صعوبة الاختبار أيضًا. فهل امتحان تلميذ الأوّل الابتدائي يشبه اختبارَ مَن يريد التقديم للجامعة؟! الامتحان الصعب مؤشّر على أنّ المجتمع نضُج، وتضاعفَت فيه بواعث الخير والشر على حدّ سواء.

فأنْ نتوقَّع أن يأتي زمان يتجرّد فيه ابنُ آدم تمامًا من كلّ بواعث الشر، ويتبلور مجتمعٌ ليس في نفوس أفراده غيرُ دوافع الخير، بل لا تحدّثُهم أنفسُهم بالمعصية أو الإفساد على الإطلاق، فهذا يعني أنّه لا يعود ثمة إنسان أصلًا! فالإنسان كائن لا بد أن يتوافر فيه عاملان متضادّان لكي يختار بنفسه، حتّى آخر لحظةٍ يوجَد فيها إنسانٌ على وجه الأرض، تحت ظلّ أيّما دولة. فحتّى في دولة صاحب العصر والزمان(عج) نفسها، ليست القضيّة أنّه سينعدم الميل إلى المعصية في نفوس الناس، بل إنّ نضج الإنسان وتكامله سيبلغ حدًّا يكون مَيلُه الأعظم فيه نحو طاعة الله تعالى وفِعال الحق، وعلى فرض وجود مَن يريد الإجرام أيضًا فإنّ هناك سلطةً تمنع - عبر تطبيق القوانين الإلهيّة – وقوع مثل هذه الجرائم بشكل عيني. لكن لا بدّ للمجتمع أن ينمو وينضج ليكون مؤهَّلًا لمثل هذه الدولة. أمّا إذا انحطّ المجتمع – من ناحية أخرى – وانحدرَ يومًا بعد آخر إلى المزيد من البهيميّة، فإنّه لن يستحق دولة العدل الإلهي تحت ظلّ القيادة المباركة لصاحب الزمان(عج) بهذه البساطة والسرعة. ولا بد لهذا النضج أن يترافَق مع نضجٍ اختياريّ لأفراد المجتمع. لا بد أن ينمو عندهم الفَهم والمعرفة والتربية والتهذيب ليصلوا إلى مثل هذا التأهيل. بالطبع لا يعني هذا بالضرورة أن يصل عدد مَن بلغَ أعلى الدرجات، مثل سلمان الفارسي وأمثاله، إلى ما يفوق عدد الفاسدين! كلا، فمراتب الخير والكمال مختلفة. ففي النهاية سيبلغ 313 شخصًا فقط إلى هذه الدرجة من الكمال العالي؛ لكنّ واحدًا من هؤلاء الـ313 شخصًا يكون - من حيث الكمال والقيمة، ومن حيث الفَهم والمعرفة، ومن حيث الإيمان، ومن حيث القدرات الموهوبة من الله تعالى - ما يعادل الملايين من الناس الآخرين!

على أيّة حال لو جرى الاشتغال على هذه النظرية وبُيّنَت على مستويات مختلفة لأمكنَ الوقوف أمام معظم الشبهات التي تبثّها شياطين اليوم، ولا سيّما عبر شبكات التواصل، للتشويش على عقول الشبّان والناشئة، ولتَهيّأَت الأرضيّة لحلّها. إنّ لدينا حاجةً ثقافيّة مُلِحّة لبيان هذه القضايا بشكل صحيح بالطريقة التي تكون قابلةً للفَهم على المستويات كافّة. أمثالنا من المتولّين للأعمال الثقافيّة يجب أن نبذل جهودًا أكبر في سبيل حلّ هذه الإشكالات من ناحية، ونتعلّم أكثر ونبيّنها بشكل أسهل وأسلَس ليُمكن استيعابها من ناحية أخرى؛ فهذا واجبنا ولا ينبغي أن ننساه.

مَهَمّتنا لا تنحصر ببيان بعض مسائل "الرسائل العمليّة" البسيطة، بل هي أثقل من هذا بكثير، خصوصًا في عصرنا الحالي. هذا من ناحية. من ناحية أخرى علينا أن نعرف قَدْر الظروف المتوافرة اليوم في المجتمع. فاختيارنا السليم اليوم هو رهنُ معرفتنا بقيمة هذه النعم، وقَدْرها حقَّ قَدْرها، وأداء شكرها. ما لم نفقَه ما النعم التي أنعمَ الله بها علينا اليوم، ممّا كان الأقدمون محرومين منه، فلن نعرف قدْرَها تمامًا. فإن لم نعرف قدْرَها، لن نشكرَها، وحين لا نشكرها، فإنّ أقلّ ما سيحصل هو أنّ هذه النعم لن تزداد؛ ذلك أنّه: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُم[7] فعلى قَدْر شكر الإنسان لأنعم الله تزداد هذه النعم؛ (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي‏ لَشَديد).[8]

النعمة المباركة المتمثّلة بالثورة الإسلاميّة

إنّ من أفضل الطرُق التي تجعلنا ندرك ما حبانا الله تعالى به اليوم من نعمة في ظلّ قيام الجمهوريّة الإسلاميّة في هذه البقعة من الأرض هو أن نطالع أحوال هذا البلد نفسه خلال البضع عقود المنصرمة. نعم، قد تكون أعمار أكثر الحضور لا تفي لتذَكُّر تلك الظروف، لأنّهم لم يدركوها ليستطيعوا المقارنة، لكنّنا جميعًا سمعنا أمورًا؛ أنا مثلًا كنتُ آنذاك طفلًا. أدركتُ تلك الفترة حين كنتُ في السابعة أو الثامنة من العمر، وأتذكّر بعض الشيء وأستطيع المقارنة. أوصيكم أن تسألوا كباركم في السنّ وتسمعوا منهم كيف كان الوضع آنذاك وكيف هو اليوم.

النقطة التي أود التذكير بها بالخصوص هي أنّه في تلك الأيّام، حين كنتُ طفلًا، ومع أنّي ترعرعتُ في عائلة متديّنة، فإنّ الفكرة التي كانت سائدة عند عامّة الناس عن الطبقة العلمائيّة ومتوَلِّي تبليغ الدين ونشره هو أنّهم لا يقومون بخدمةٍ ما للبلد! فهم يجلسون في مدارسهم الدينيّة، ويخوضون في أمور لا يفهمها أحد؛ غاية ما في الأمر يقولون: هذا واجب وذاك مستحب! هذا كان الفهم العامّ للشريحة المتديّنة لوجود المعمَّمين وشأن الطبقة العلمائيّة. ولو أنّ شخصًا آنذاك تخيّل أنّ عالِمَ دينٍ سيبلغ في المجتمع ذاتَ يوم من المنزلة ما يجعله الشخصيّة الأولى في البلد، لصارَ هذا الشخص أُضحوكة! فهذا الأمر لم يكن حتّى ليُتخيَّل! بل لعُدَّ خيال أَبله! كان هذا في زمنٍ أدركتُه أنا، ولا أتكلّم من نسج الخيال. كان المتديّنون إنّما يحترمون المعمَّمين من باب الشفقة ولأنّه لا بدّ أن يُنظر إليهم نظرةَ ترحُّم! إلى هذا الحد كانت حياتهم بائسة! بسبب ضغوط الجهاز الاستبدادي الحاكم كان زيّهم ممنوعًا! ارتداء العِمّة في الشارع والزقاق كان محظورًا! وكان إمام المسجد إذا أراد الذهاب إلى المسجد وضعَ قلنسوةَ جوخٍ على رأسه. وفي المسجد يشدّ شملةً برأسه ويؤُمّ المصَلّين، وإن أراد الخروج يخلع العِمّة ويعتمر قبّعة الجوخ مرّةً أخرى! هذه كانت حالُ المعمَّمين والدين في بلدِ صاحب الزمان(عج) هذا! والآن تخيّلوا ما كانت الأوضاع عليه في سائر البلدان آنذاك، وما هي عليه اليوم؟!

وأريد هنا أن أَأخُذ بعضًا من وقتكم لأنقل لكم أيضًا ما شاهدتُه أنا بعيني في عالمنا المعاصر، وفي أكثر الدول تقدّمًا وأشدّها معارضةً للإسلام والنظام الإسلامي، من باب المثال إجمالًا:

ذات مرّة دُعيتُ في سفرة للولايات المتّحدة إلى إحدى جامعاتها لإلقاء محاضرة، وكان هناك آنذاك أحد الأعضاء الفاعلين في الحكومة الحالية يُحضّر لشهادة الدكتوراه، وقد رافقني هناك دليلًا لي على الأماكن والجامعات. قلتُ له يومًا: "ما دمتُ هنا دعنا نذهب إلى واشنطن لنشاهد البيت الأبيض." فذهبتُ برفقته إلى هناك. كان محظورًا على السيّارات الاقتراب من البيت الأبيض، وكان على الركّاب الترجُّل مسافةً قبله. ترجّلنا وتمشّينا نحوه. أنقل لكم هذه القصّة لأنّ ضابطًا أمريكيًّا رفيع الرتبة هناك كان قد شكّ في سبب ذهابنا. قال له أحدهم: هؤلاء سوّاح.

اقترب منّا. حيّانا أوّلًا بالتحيّة العسكريّة، ثمّ صافحنا، وقال لي: أتسمح لي بسؤال؟

قلتُ: تفضّل.

قال: من أين أنت؟

- أنا إيراني.

- أأستطيع أن أرى جوازك؟ ما سبب زيارتك؟

- دعيتُ إلى جامعة [...] لإلقاء محاضرة. الآن انتهى عملي، وغدًا رحلة عودتي إلى إيران.

اطمأنّ الضابط من مجمل كلامي من أنّنا لا نُضمر نيّة سوء.

ما أردتُ قوله إنّ التحيّة العسكريّة التي حيّاني بها لم تكن لشخصي أنا، بل لأنّ زيّي كان زيّ الإمام الراحل(ره)، فالتوقير الذي أبداه لي هو في الحقيقة توقير للإمام(ره)؛ أي إنّ عظمة الإمام الخميني بلغَت حدَّ أن يَعمَد ضابطُ البيت الأبيض الرفيع المستوى، ولأنّ زيّي زيّ الإمام الراحل(ره)، إلى أن يحيّيني بالتحيّة العسكريّة، ويوقّرني، ويسألني بضعة أسئلة بأدب!

في غضون كم سنة حصل هذا؟ حوالي الخمسين أو الستين سنة. لو قارَنّا هاتين القصّتين معًا لعرفنا، بعض الشيء، أيّ نعمة مَنّ الله بها على مجتمعنا.

العبودية لله هي السبيل الوحيدة لبلوغ هدف الخلقة

في عصرنا الحاضر أكبر قوّة عسكريّة واقتصاديّة وسياسيّة في العالم تَعُدّ منافسَها إيرانَ وسيّدًا معمَّمًا هو قائد هذه الدولة! هذه هي العزّة التي منحَها الله جلّ وعلا لهذا الشعب. هل منحَه إيّاها هكذا جُزافًا؟ أو فعل هذا من دون التفات منه، والعياذ بالله؟! كلّا، فعلَه عن دقّة وبُعد نظر! (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَني‏ لا يُشْرِكُونَ بي‏ شَيْئًا). وهل انتهى الأمر؟! مثل هذه النعمة والعزّة أعطانا الله تعالى! ففي ظلّ العزّة التي منحَها للإمام(ره) صرنا نحن أعزّةً في العالم. منحَ الإمامَ(ره) هذه العزّة على خلفيّة أخلاصه، ولأنّ دَيدَنَه كان العبوديّة لله عزّ وجل. لكنّنا نِلنا هذه العزّة لأجل عينِه هو، ولأجل أعيُن الذين نصروه، الذين نالوا الشهادة أو قاسَوا التعذيب على طريق إرساء هذا النظام الإسلامي. أفَانتهى الأمر؟ أهذا هو الهدف ولا غير؟

الجملة الأخيرة من الآية الآنفة الذكر تشير إلى أنّ كلّ ما قلناه كان مقدّمة؛ إنّنا سنمنحكم هذه العزّة، وسنزيل عنكم الخوف والرعب، وستكون لكم سلطة اجتماعيّة وسياسيّة. لكن ليس هذا هو الهدف النهائي. كلّ هذه الأشياء تمهيد لشيء آخر هو: (يَعْبُدُونَني‏ لا يُشْرِكُونَ بي‏ شَيْئًا)؛ كل هذا من أجل أن تعرفوا السبيل الرئيسة المؤدّية إلى هدف الخلقة، وتستطيعوا سلكوها بشكل صحيح. وما هي هذه السبيل؟ هي: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون).[9] لماذا (ليعبدون)؟ لأنّ الطريق التي توصلكم إلى الكمال والسعادة الأبديّة هي هذه، وإلّا فإنّ الله ليس بحاجة إلى عبادتي وعبادتكم. أوَينتفع الله أو يتضرّر إنْ نحن ركعنا وسجدنا له أو لم نفعل ذلك؟ يقول: بل من أجل أن تتأهّلوا أنتم لتلقّي بعض ألوان رحمة الله مّما ليس لملَكٍ واحد الأهليّة لتلقّيه. فلأجل بلوغ ذلك المقام فإنّ السبيل العامّة هي: يعبدونني.

ولكي تستطيعوا عبادة الله تعالى فلا بد للظروف الاجتماعيّة من أن تكون مواتية لكم؛ (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ). ينبغي أن يزاح الخوف عنكم كي لا تضطرّوا للتقيّة؛ (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا). كل هذا يحصل ليشكّل مجرّدَ مقدّمة لتتمكّنوا من الانطلاق وتسيروا في المسار الصحيح، وهذا المسار هو: (يَعْبُدُونَني‏ لا يُشْرِكُونَ بي‏ شَيْئًا). وإنّ أعظم خدمة سيقدّمها الوجودُ المقدّس المتمثّل بولي العصر والزمان(عج) للإنسانيّة هي تهيئة أرضيّة عالميّة عامّة تُمَكّن شعوب العالم أجمع من سلوك طريق عبوديّة الله بشكل أفضل.

ضرورة معرفة التكليف بشكل صحيح

خلاصة النتيجة التي أودّ الخروج بها من هذا الموضوع، بالنسبة إلينا نحن، هي: إذًا علينا أن ننظر في أنّه كيف لنا أن نطيع الله تعالى بمقدار ما هو مُهَيّأ لكلّ واحد منّا اليوم؟ الحصيلة التي ضَمِنَها الله تعالى لنا حتّى الآن، لا أّنه ما زلنا ننتظر حصولها إلى الآن. فإن نحن عرفنا قَدْرَها واستعملناها بالشكل السليم فسنصبح حينها مصداق قوله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ)، وإن أصبحنا مصداق ذلك، فسيشملنا قولُه عزّ وجل: (لَأَزيدَنَّكُم)، وحينذاك سيكون ظهور صاحب الأمر(عج) قريبًا.

وعليه فإنّ وجابَنا العام بحكم العقل، وبحكم هذا النقل، وبحكم هذا التاريخ، وبحكم تجربة الإنسانيّة هذه هي أن يفهم كلّ واحد منّا على نحو أفضل أنّه: ماذا نصنع لكي يرضى عنّا الله أكثر؟ وهذا كان سرّ النجاح الذي حقّقه الإمام الخميني(ره) في نهضته العالميّة هذه. لا شيء يليق بحركة الإمام(ره) هذه غير عنوان "المعجزة"؛ المعجزة الإلهيّة التي تحقّقَت على يده. ماذا كان سرّها؟ كان سرّها هو أنّ أوّل ما كان يخطر في ذهنه(ره) كلّما استيقظ صباحًا وعلم أنّه مستيقظ هو: ماذا يريد الله مني؟ كان شُغله الشاغل، حتّى آخر لحظةِ يقظَتِه كل يوم وقبل أن يُغمض عينيه للنوم، هو: الآن بماذا يطالبني الله؟ ماذا عليَّ صنعه ليرضى تعالى عزّ وجل عنّي؟ (يَعبُدونَني).[10]

وإنّ درجةً من هذا متاحةٌ لنا جميعًا في أيّ مركز كنّا. فلنحاول أن نستغل هذه الدرجة وهذه الإمكانيّة المتوافرة لنا على النحو الصحيح لنكون مؤهَّلين للتمتّع بازدياد النعمة، والتي هي بشكلها العام تعجيل ظهور صاحب العصر والزمان(عج).

وفّقَنا الله وإيّاكم

والسلام عليكم ورحمة الله



[1]. النور: الآية55.

[2]. النساء: الآية1.

[3]. المائدة: الآية27.

[4]. المصدر نفسه.

[5]. إشارة إلى الشهيد محمد حسين فهميده الذي قضى في عمليّة استشهاديّة في حرب الدفاع المقدس في العام 1980م. [المترجم]

[6]. البقرة: الآية30.

[7]. إبراهيم: الآية7.

[8]. المصدر نفسه.

[9]. الذاريات: الآية56.

[10]. النور: الآية55.

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...