آیة الله مصباح الیزدیّ: التحوّل فی علم الكلام مع الالتفات إلى شبهات الساعة أمر ضروریّ

فی إشارة لاُستاذ الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة إلى رسالة علم الكلام الرامیة إلى الردّ على الشبهات وإثبات حقّانیة عقائد الإسلام قال سماحته: بالنظر إلى الكمّ الهائل من الشبهات فإنّ علم الكلام بحاجة الیوم إلى تحوّل.
وقال سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ فی ملتقى «التحوّل فی علم الكلام» الذی اُقیم فی قاعة المؤتمرات التابعة لمؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث: من أجل الولوج فی بحث التحوّل فی علم الكلام یتعیّن أن نعرف أوّلاً معنى التحوّل وعلم الكلام.
ولدى استعراضه لأنواع التحوّل فی العلوم اعتبر سماحته التحوّل الذاتیّ والعرضیّ من جملة هذه الأنواع وأضاف: التحوّل والتغییر یحصلان فی أصل وماهیّة العلم تارة، وفی شكل وكیفیّة تنظیم المباحث وبیانها تارة اُخرى.
وعدّ سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ ازدیاد مسائل العلوم نوعاً ثالثاً من أنواع التحوّل فیها وقال: بل إنّ ازدیاد مسائل علم من العلوم قد یدفع العلماء فی بعض الأحیان إلى إیجاد علم آخر.
ولدى تبیینه لقضیّة أنّ التحوّل على صعید التركیبة والشكل العامّ للعلم ـ ممّا لا علاقة له بمحتواه ـ لیس هو تحوّلاً حقیقیّاً، أشار سماحته إلى أنّ وظیفة أیّ علم هی إثبات المحمولات لموضوعات المسائل وتابع القول: للقیام بذلك یُستفاد من بعض المبادئ والمبانی والاُصول الموضوعة ممّا لابدّ من إثباته فی علوم اُخرى، وإذا حصل تحوّل فی الاُصول الموضوعة فستكون منشأ للتحوّل فی هذا العلم أیضاً، وهذا فی الحقیقة هو تحوّل للمبادئ بالأصالة وتحوّل للعلم بالعَرَض.
وفی معرض إشارته إلى أنّ رسالة علم الكلام هی إثبات العقائد ودفع الشبهات المرتبطة بالمسائل الكلامیّة أضاف سماحته: كان لعلم الكلام ابتداءً كمّ محدود من المسائل لكنّه توسّع الیوم كثیراً.
ومن خلال تأكیده على ضرورة التحوّل فی علم الكلام انبرى سماحته لبیان أنواع وأبعاد هذا التحوّل فقال: الیوم تُطرح مسائل وشبهات بخصوص العقائد الإسلامیّة ممّا لا یمكن الاكتفاء بعلم الكلام التقلیدیّ للردّ علیها، بل من أجل أن یؤدّی علم الكلام رسالته فلابدّ من التحوّل فیه وزیادة مسائله.
وتابع العلاّمة مصباح الیزدیّ القول: كما أنّه تُطرح فی علم الكلام التقلیدیّ مسائل من قبیل «الحال» ممّا لیس له فائدة عملیّة أو نظریّة تُذكر ویتعیّن تنقیة علم الكلام من أمثال هذه المسائل.
واستطرد آیة الله مصباح الیزدیّ فقال: الكثیر ممّا یتعیّن إنجازه من التحوّلات ترتبط بالاُصول الموضوعة ومبادئ علم الكلام كمبحث التأویل، وحقیقة المعنى، والقراءات المتعدّدة، المتعلّقة بالفلسفة وفروعها، كعلم المعرفة التی تؤمّن البنیة التحتیّة لعلم الكلام، وإن كانوا قد أوردوا تلك المبادئ والاُصول الموضوعة ـ التی لابدّ من إثباتها فی علم آخر ـ فی الكتب الكلامیّة.
ورأى العلاّمة مصباح الیزدیّ أنّ التحوّل على صعید المبادئ والاُصول الموضوعة هو من أهمّ أقسام التحوّل فی علم الكلام وقال مضیفاً: الكثیر من هذه الاُصول والمبادئ التی تُستخدم الیوم فی المسائل الكلامیّة هی إمّا ضعیفة من الناحیة الفلسفیّة والمنطقیّة، أو أنّ شبهات وخلافات عدیدة تُطرح بخصوصها ممّا یجب الردّ علیه، ومن أجل التحوّل فی علم الكلام علینا أن نبدأ من هنا.
وفی معرض إشارة آیة الله مصباح الیزدیّ إلى بعض مصادیق الاُصول الموضوعة التی یجب أن تخضع للتحوّل أضاف قائلاً: العدید من المسائل الكلامیّة طُرحت منذ بدایة الأمر بصورة جدلیّة، وعلى الرغم من جدوى المنهج الجدلیّ فی بعض المواطن كإقناع الخصم، لكن لابدّ من الالتفات إلى أنّه فی أیّ الموارد والأبعاد یكون النهج الجدلیّ مطلوباً، ویتعیّن ـ إلى جانب ذلك ـ إثبات المسائل الأساسیّة من خلال البرهان العقلیّ.
وقال اُستاذ الحوزة العلمیّة أیضاً: فی علم الكلام یُستفاد من كلا المنهجین العقلیّ والنقلیّ، وعلى هذا الأساس فإنّ الأشخاص الذین یقسّمون العلم على أساس المنهج لا یعتبرون علم الكلام علماً واحداً، أو إنّهم إذا أقرّوا بأنّه علم واحد لتحتّم علیهم القبول بأنّه یستخدم طریقة التلفیق بین العقلیّ والنقلیّ.
ولدى بیانه بأنّ النوع الآخر من التحوّل فی علم الكلام یتوقّف على حاجتنا نحن قال سماحته: الشبهات التی تُطرح الیوم بخصوص العقائد الإسلامیّة لا تقاس بما مضى، إذن فإنّ إدخال مسائل جدیدة إلى علم الكلام هو ضرورة، وإلاّ فلن یستطیع هذا العلم أن یبلّغ رسالته.