حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی ففی إشارة لعضو مجلس خبراء القیادة خلال لقاء له مع جمع من أعضاء مجلس تهذیب الأخلاق التابع لمؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث إلى وضع العالم الیوم قال سماحته: لم تتوفّر فی أیّ مرحلة من التاریخ ولأیّ اُمّة ما یتوفّر الیوم من أسباب انحطاط وتسافل مختلف الشرائح الاجتماعیّة وإنّ عوامل تهییج الغرائز الجنسیّة التی هی الیوم فی متناول عامّة الناس كانت یوماً صعبة المنال حتّى على الملوك أنفسهم.
وأضاف آیة الله الشیخ محمّد تقی مصباح الیزدی قائلاً: إنّ العامل الوحید الذی من شأنه أن یقف فی وجه هذه الأسباب ویحدّ من خطرها هو القضایا المعنویّة والأخلاقیّة، وإلا فلا یمكن أن یكون للقوانین، وقوّات الشرطة، والسلطة القضائیّة أثر ملحوظ فی هذا المجال.
وتابع سماحته القول: لابدّ - من أجل مواجهة أسباب الانحطاط هذه - من ممارسة نشاطات مكثّفة وواسعة للغایة وإلا فیتعیّن علینا توقّع أشدّ أنواع العذاب الإلهیّ.
وعد سماحته أن سقوط الإنسان من الإنسانیة هو أقسى صنوف العذاب وقال: إن فساد العقائد والقیم الدینیّة یُعَدّ من أعظم أشكال الفساد التی تهدّد المجتمع. وعبر تأكید العلامة مصباح الیزدی على أهمّیة المسؤولیّة الخطیرة المتمثّلة بمواجهة الانحرافات قال سماحته: إنّ للمجتمع احتیاجاتٍ متنوّعة بحیث یتعلّق بكلّ واحد منها وجوب كفائیّ، لكنّ الأخلاق تُعدّ من أهمّ حاجات المجتمع التی لا یمكن قیاسها بغیرها من الحاجات.
ومن خلال تأكید سماحة مصباح الیزدی على ضرورة بناء النفس قال: إنّ العالِم الذی یعمل بما یقول یستطیع أن یغیّر المجتمع، لكنّ الآلاف من الذین یجیدون الكلام الفصیح والمنمّق لیس لهم هذا التأثیر إذا كانوا لا یعملون بما یقولون.
وفی معرض إشارة العلامة إلى خصوصیّات دروس الأخلاق قال سماحته: إذا احتمل الطلاب أنّ اُستاذهم فی الأخلاق لم یطالع درسه جیّداً، أو أنّ غایته من التدریس هی الارتزاق وبعض المصالح الضیّقة فلن یكون لكلامه أیّ أثر فیهم.
وتابع استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة قوله: أحیاناً تُجعل الأخلاق لطلاب العلم كواحد من الفروع الدراسیّة حیث لابدّ أن یُعیَّن لها فصول ومواضیع ویكون حالها هو حال بقیّة الفروع الدراسیّة، التی ربما تترك أثراً غیر مباشر على سلوك الطالب، لكنّ الغایة منها تكون مجرّد اجتیازها والنجاح فیها.
وأضاف العلامة مصباح الیزدی القول: وأحیاناً اُخرى یلقى درس الأخلاق على المستمعین من أجل الموعظة ومقروناً بالخطابة وذلك من أجل أن یثیر فیهم الدافع للترقّی على الصعید الخُلُقی.
واستطرد العلامة مصباح الیزدی قائلاً: وقد تتدخّل مسألة التربیة فی الموضوع فی بعض الأحیان وهو الأمر الذی یستلزم المواجهة وجهاً لوجه بین المربّی وكلّ فرد من المتربّین وهو ما من شأنه خلق علاقة وطیدة بین الاستاذ والتلمیذ.
ثمّ قارن سماحته بین أنواع دروس الأخلاق وقال: عندما یكون قصد المرء تبیین مباحث أخلاقیّة لطلاب العلم من خلال الموعظة فلیس من الضروریّ أن یغلب علیه جانب الاتقان العلمیّ، وحتّى إن كان یشكو هو نفسه من بعض العثرات فإنّها لن تنعكس على الآخرین، أمّا إذا توطّدت بین الاستاذ والتلمیذ علاقة معیّنة فإنّه یتعیّن على الاستاذ أن یكون بانیاً لنفسه لتحمّل أعباء مسؤولیّة أثقل.
وبیّن العلامة مصباح الیزدی أنّ إدراك المسؤولیّة والعمل باُسلوب مؤثّر یستلزم خطى حثیثة ونشاطات مكثّفة ولهذا لا یجد إلا القلیل من الأشخاص فی أنفسهم الدافع إلى ذلك، وأضاف: إنّ قلّة الأشخاص المستعدّین للعمل فی هذا المجال هو أیضاً من المسائل التی تضاعف المسؤولیّة، إذ أنّ شحّة الكوادر إلى جانب ضخامة العمل وكثرة المسؤولیّات یضع على كلّ فرد عبئاً أثقل.
وطرح سماحته سؤالاً مفاده: مع وجود تكلیف كهذا فهل یمكن، عند التزاحم، أن یرجح علیه تكلیف آخر؟ وأجاب عبر ضرب مثل قائلاً: فمثلاً فی الحوزة العلمیّة التی ینهمك فیها سبعون ألف طالب فی طلب العلم والتدریس والتی تتأسّس على الفقه وتنشئة الفقهاء لكنّنا لم نحصل منها لحدّ الآن على عدد كاف من الفقهاء، فما بالكم بحقل الأخلاق حیث إنّ المنخرطین فیه أقلّ من ذلك بكثیر، ولهذا یندر العثور على أمر یصلح أن یزاحم هذا التكلیف، ذلك أنّ المیزانیّة والإمكانیّات المعدّة والكوادر المجنّدة فی الحقول الاخرى أكثر.
وقال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث: إذن لا ینبغی لمن یعدّ نفسه للخوض فی مثل هذا الأمر الشاقّ والخطیر أن یتوقّع أن یكون لدیه ما یكفی من وقت الفراغ كی یصبح خبیراً فی جمیع الدروس الحوزویّة كالفقه والاصول والفلسفة والتفسیر، بل علیه أن یجنّد كلّ طاقاته وجهوده من أجل أداء تكلیفه وواجبه.
وتابع سماحته: على الرغم من أنّ تنظیم عناوین فصول للمباحث الأخلاقیّة وتقدیم منظومة أخلاقیّة تستند إلى اُسس تربویّة تتناسب مع القرآن الكریم وأحادیث أهل البیت (علیهم السلام) یُعدّ أمراً ضروریّاً ویستلزم بحثاً وتحقیقاً، لكنّ الأخلاق لیست هی ركن التهذیب ولیس ثمّة حاجة ماسّة فی عملیّة تربیة المتربّی إلى تنظیم مثل هذه الفصول، بل یتعیّن على الاستاذ أن یسعى من خلال معرفة المتربّی وسماته وخصوصیّاته الأخلاقیّة إلى تبویب المباحث له وفقاً للأولویّات.
وعد عضو مجلس خبراء القیادة أن التوكل على الله والتوسل بأولیائه هو من أعظم ما یعین على التقدّم على طریق دفع الانحرافات والمفاسد.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد جرى فی تاریخ 13 حزیران 2011م فی صالون تشریفات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.