العلاّمة مصباح الیزدی: القیم كلّها متعلّقة بالله تعالى ولابدّ أن یسطع شعاع منه كی یكون لأمرٍ ما قیمة

قال عضو مجلس خبراء القیادة مشیراً إلى أنّ للقیم فی الإسلام مراتبَ: القیمة المطلقة هی لله عزّ وجلّ وهو تعالى یعدّ كلّ أمر ینتسب إلیه – بشكل من الأشكال – ذا قیمة. وبمجرّد أن یُنجَز عملٌ ما بغیة الفوز بالجنّة أو النجاة من عذاب جهنّم الذی قدّره الله عزّ وجلّ فإنّه تعالى یعدّه ذا قیمة. لیس هذا فحسب، بل حتّى العمل الدنیویّ الذی یمكن أن یهیّئ الأرضیّة ویمهّدها للقیم الإلهیّة فإنّه سبحانه وتعالى یعدّه ضرباً من القیم ولا یغفله.

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لمركز آثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أعرب رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی الملتقى الوطنی لتعلیم القیم والتربیة علیها – أعرب عن شكره لمنظِّمی هذا الملتقى وقال: على الرغم من أنّ كلمة «التربیة» تطلَق أیضاً على تربیة الشجر والحیوان والرضیع، لكنّ التربیة المتعلّقة بالإنسان المكلّف البالغ العاقل تعنی تمهید الأرضیّة من أجل قیامه باختیار صحیح من شأنه أن یقوده نحو الكمال.
وعبر إشارة العلاّمة مصباح الیزدی إلى أنّ عملیّة نموّ الإنسان هی عملیّة اختیاریّة أضاف قائلاً: إنّ دور المربّی یقتصر على تمهید الأرضیّة، وتقویة الدافع، وإیقاظ العوامل المضمَرة والخفیّة ورفعها إلى السطح من أجل أن یسلك الإنسان السبیل القویمة باختیار منه.
وتابع عضو مجلس خبراء القیادة مشیراً إلى ما للقیمة من مدلولات مختلفة قائلاً: یضیّق البعض مفهوم «القیمة» فیجلعه مقتصراً على الآداب الدینیّة، فی حین یعمد البعض الآخر إلى توسیعه إلى درجة استیعابه للآداب العرفیّة والاجتماعیّة وحتّى الفردیّة، بینما یرى البعض الثالث أنّه مساوٍ للقیم الأخلاقیّة.
ولدى بیان سماحة مصباح الیزدی أنّ أكثر البحوث حول القیمة شیوعاً هو ما نعرفه نحن بمعنى الآداب والأدب استطرد سماحته قائلاً: یمكن أن تشمل القیمةُ القیمَ الأخلاقیّة أیضاً. وانطلاقاً من فهمنا لماهیّة جذور القیم فی حقل فلسفة الأخلاق، فمن الممكن أن تكون هذه الأخلاق أخلاقاً إسلامیّة أو غیر دینیّة.
وفی معرض إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى اختلاف المفكّرین والفلاسفة الباحثین فی هذا المضمار فی النزعة والاتّجاه الفكریّ قال: یتّسم البعض بنزعة واقعیّة براغماتیّة فی تعاطیه مع هذا الموضوع؛ فهو لا یتقصّى جذوره وفلسفته، بل یعتبره ذا قیمة بمقدار ما هو مقبول فی المجتمع. أمّا البعض الآخر فیتبنّى اتّجاهات وضعیّة وینظر إلى القیم نظرة نسبیّة وأنّها قابلة للتغییر والتبدّل؛ بمعنى أنّه من الممكن أن یكون أمر ما ذا قیمة الآن لكنّه قد یتحوّل فی المستقبل إلى أمر غیر ذی قیمة أو مضادّ لها.
وأضاف العلاّمة مصباح الیزدی مشیراً إلى الآراء الاُخرى الموجودة فی هذا المجال قائلاً: من بین اُولئك الذین یرون أنّ القیم ترقى على ما هو متداول ومقبول عند المجتمعات البشریّة یذهب بعضهم إلى أنّ القیم هی أمر فطریّ، وبعضهم الآخر یذهب إلى أنّها أمر عقلانیّ، فی حین یرى بعضهم الثالث أنّها قضایا عرفانیّة. بل إنّ هناك من یعتقد أنّ القیم لا تُستقى إلاّ من الدین، وأنّ الدین هو محض تعبُّد، وهذه الاتّجاهات شاعت أكثر فی القرون الوسطى، ولعلّ الأشاعرة – القائلین بالحسن والقبح الشرعیّین – هم أقرب المسلمین إلى هذه النزعة. من هنا یتعیّن علینا تحدید موضعنا بین المدارس القیمیّة، ذلك أنّه هناك اختلاف فی هذا البحث حتّى بین المفكّرین المسلمین.
وأوضح آیة الله مصباح الیزدی أنّ مسألة التربیة على أساس القیم لیست بالأمر الجدید وقال: مسألة التربیة على أساسی القیم هی عین ما كان یعرف فی الماضی باسم الأدب والآداب؛ والأدب یراد منه وصول المرء إلى مرحلة تمكنه من الاختیار الصحیح والمناسب كی یعینه على بلوغ الكمال.
وأردف سماحته مشیراً إلى الآراء المختلفة حول ملاكات القیم قائلاً: یأخذ البعض القیمَ بنظر الاعتبار من باب كونها من دواعی تنعّم الناس بالدعة والأمن والحیاة الهادئة المطمئنّة ومن ثمّ تأمین مصالحهم الدنیویّة، فی حین یذهب البعض الآخر إلى أبعد من هذه الفكرة فیرى أنّ الحیاة لیست مقتصرة على هذه الدنیا بل یضع فی حسبانه ما یكون سبباً فی نیل الجنّة والتنعّم بالحیاة السرمدیّة. لكن یبدو لنا أنّه حتّى هذا الرأی لا یُشبِع فطرة الإنسان الطالبة للكمال.
وذكر آیة الله مصباح الیزدی أنّ القیم على نوعین؛ أصیل وسلوكیّ وقال: لیس للقیمة المطلقة مصداق إلا فیما یتعلّق بالله عزّ وجلّ حیث بمقدور المرء التقرّب منه تعالى. لكنّ الذین یستطیعون الظفر بهذه القیم الأصیلة ولا یأتون بفعل إلا على أساسها ومرضاةً لله، ولیس من أجل المصالح الاُخرویّة فضلاً عن الدنیویّة، هم نادرون جدّاً.
وعبر إشارة سماحة مصباح الیزدی إلى أن الإسلام، ومن خلال نظرته الواقعیة، یرى أن القیمة على مراتب وأن باستطاعة كل امرئ الحصول على مرتبة من مراتبها تابع قائلا: لهذا فإنّ الله تعالى یعدّ كلّ أمر ینتسب إلیه – بشكل من الأشكال – ذا قیمة. وبمجرّد أن یُنجَز عملٌ ما بغیة الفوز بالجنّة أو النجاة من عذاب جهنّم الذی قدّره الله عزّ وجلّ فإنّه تعالى یعدّه ذا قیمة. لیس هذا فحسب، بل حتّى العمل الدنیویّ الذی یمكن أن یهیّئ الأرضیّة ویمهّدها أمام القیم الإلهیّة فإنّه سبحانه وتعالى یعدّه ضرباً من القیم ولا یغفله.
وقال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث مستشهداً بآیة من الذكر الحكیم: القیم كلّها متعلّقة بالله تعالى ولابدّ أن یسطع شعاع منه كی یكون لأمرٍ ما قیمة.
وفی إشارة لسماحته إلى الثقافة الترقیعیّة المتفشّیة فی مجتمعنا المعاصر وبصمات النزعات المستورَدة من الثقافات الإلحادیّة على ثقافتنا قال: فالحجاب فی حیاتنا المعاصرة لا یُتعاطى معه أحیاناً كقیمة إلهیّة، بل بعنوان كونه قیمة اجتماعیّة؛ بمعنى أنّ أصالة هذه القیمة تنبثق من المجتمع، وأنّ أفراد المجتمع یعتبرون الحجاب ذا قیمة من باب كونهم مسلمین، ولیس من منطلق أنّ الحجاب هو قیمة ذاتیّة أو إلهیّة!
ومن خلال إشارة العلاّمة مصباح الیزدی إلى ضرورة إشاعة المثل الإلهیّة الأصیلة بین الأوساط المتعلّمة والمثقّفة من المسلمین تابع سماحته قائلاً: عندما تُبنى معتقدات الطبقة المثقّفة والمتعلّمة من المجتمع على اُسس القیم الإلهیّة فإنّها ستنفذ إلى شرائح المجتمع الاُخرى وتتفشّى فیها. أمّا إذا ترعرع هؤلاء فی جوّ تربویّ غیر إسلامیّ فسیتضاءل أثر القیم الإلهیّة على المجتمع وسیُتّهَم المتكلّمون بالمنطق الإسلامیّ بالكلاسیكیّة فی التفكیر.
وألمح آیة الله مصباح الیزدی إلى تأثیر الثقافة الترقیعیّة حتّى على أوساط المسؤولین وأصحاب المناصب فی البلاد وقال: فقد یرجّح المرء بشكل غیر شعوریّ – فی عملیّة المقابلة بین القومیّة والدین – الرؤى القومیّة والنزعات الإیرانیّة [على التوجّهات الدینیّة] ویعمد إلى طرحها؛ ذلك أنّه منذ الیوم الأوّل الذی دخل فیه إلى المجتمع واسم إیران یتكرّر على مسامعه وقد بُنی فكره على هذا الأساس. انّ أصالة القومیّة هذه ستترك أثرها على المجتمع وستؤدّی إلى حالة عدم الاكتراث بمصیر الشعوب الاُخرى، الأمر الذی تجلّى بشكل واضح فی شعار: «لا غزّة، لا لبنان، روحی فداء لإیران» .
وقال سماحة مصباح الیزدی مؤكّداً على إصلاح الاُصول الفكریّة: علینا أن نبدأ أوّلاً من الركائز الأساسیّة؛ ألا وهی علم معرفة الوجود الإسلامیّ، وعلم معرفة القیم الإسلامیّ، وعلم معرفة الإنسان الإسلامیّ وحلّ جمیع ما یتعلّق بها من مسائل؛ فإن حصل ذلك فلن یعود هناك ما یستحقّ الطرح فی مقابل الإسلام.
وفی جانب آخر من الحدیث طرح العلاّمة مصباح الیزدی السؤال التالی: ما هی السبل التی یتعیّن اتّباعها من أجل توطید القیم الإلهیّة والمثل الإسلامیّة فی المجتمع؟ وقال مجیباً: علینا بادئ ذی بدء الالتفات إلى أنّ معنى التربیة لا یقتصر على تربیة التلامیذ فی المرحلة الابتدائیّة حتّى یصلوا إلى الثانویّة، بل إنّها تشمل جمیع الفئات من مختلف الأعمار؛ منذ الطفولة وحتّى الشیخوخة. ومن هذا المنطلق یتحتّم الإفادة من كافّة الإمكانیّات والطاقات المتاحة ووضع خطط لكلّ فئة عمریّة بما یتناسب مع مرحلتها العمریّة وظروفها.
وأردف سماحته مشیراً إلى وجود التفاتات ظریفة للغایة فی قصّة طالوت التی یطرحها القرآن الكریم قائلاً: یعرض القرآن الكریم فی قصّة طالوت جذور ثقافة المقاومة، ویثبّت فكرة أنّ الظفر لا یتأتّى إلاّ فی ظلّ الصبر والاستقامة وسحق الهوى؛ وهو ما رأیناه رأی العین إبّان فترة الدفاع المقدّس التی استمرّت لثمان سنوات، وحرب تمّوز التی دامت ثلاثة وثلاثین یوماً، وحرب غزّة ذات الأیّام الثمانیه. ومن هنا فمن أجل تثبیت ثقافة المقاومة لابدّ أن تكون تربیتنا باُسلوب نعلم من خلاله بأنّه لا رُقِیّ ولا نصر من دون تحمّل المشاقّ والمصاعب.
وعبر إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى أنّ سرد القرآن الكریم لبعض القصص یهدف إلى تربیة الإنسان على القیم قال سماحته: إنّ تأكید قائد الثورة الإسلامیّة على تدوین مذكّرات وقصص سنوات الدفاع المقدّس ینبع من الدور التربویّ المهمّ الذی تنهض به القصّة. لكنّ القصّة وحدها غیر كافیة، فهناك حاجة إلى الاستدلال العقلیّ، وتزكیة النفس، والارتباط بالله عزّ وجلّ؛ فكما قد مرّ فإنّ منشأ القیم هو القرب من الله عزّ وجلّ وأنّ جمیع الحروب والمحن والمكاره هی من أجل التقرّب إلى الله، ومن هنا فمن غیر الممكن أن یعمل المرء لمرضاة الله ثمّ لا یُعِدّ منهجاً لتزكیة نفسه.
وأوضح العلاّمة مصباح الیزدی أنّ معرفة الله تأتی كمقدّمة لتربیة الإنسان على القیم وأضاف قائلاً: إنّه انطلاقاً من معرفة الله یمكننا التخطیط لبناء النفس وتزكیتها، وفی هذه الحالة فقط سیكون الظفر والنصر حلیفنا. وهذا النصر لیس هو الهدف الغائیّ بالطبع، بل هو لتهیئة البیئة من أجل معرفة البشریّة بالإسلام وبلوغ القرب من الله.
كما وقال سماحته مفیداً من قصّة طالوت: یتعیّن علینا من أجل الظفر بالنصر سلوك سبیل العبادة، وطاعة الله فی جمیع شؤون حیاتنا، ومن جملتها اختیار القائد. وإذا علم المرء أنّ قائداً مّا هو موضع رضا الله جلّ وعلا فعلیه طاعته بمجامع قلبه وكلّ كیانه.
یذكر أنّ ملتقى تعلیم القیم والتربیة علیٰ أساسها قد اُقیم بتاریخ 2012/12/13 م فی مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...