الاستقامة والثبات على نهج الحق سر انتصار المجاهدين الإلهيين

في لقاء لسماحته مع عدد من جرحى حزب الله اللبناني ومجاهديه؛ التاريخ: الثلاثاء، 31 تشرين الأول 2017م، 11 صفر 1439ه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين

اللهُمّ كُن لوليِّكَ الحجّةِ بنِ الحسن، صلواتُكَ عليهِ وعلى آبائِه، في هذهِ الساعَةِ وفي كلِّ ساعةٍ، وليًّا وحافِظًا وقائِدًا وناصِرًا ودَليلًا وعَينًا، حتّى تُسكِنَه أرضَكَ طَوعًا وتمتِّعَهُ فيها طويلًا.

أشكر الله سبحانه وتعالى أن مَدّ في عمري وحباني بالتوفيق لألتقيكم أيّها الأَعزّة على أعتاب الزيارة الأربعينية حيث كل فردٍ فيكم هو ممثّل عن جيش سيد الشهداء (صلوات الله عليه). وأسأله تعالى أن يجعل في اشتياقي هذا لرؤيتكم ما يتدارك به ضعفي وقصوري ويبعث فيَّ النشاط لأُفيد من الدقائق القليلة هذه التي أقضيها معكم غاية الإفادة.

أهمّية انتهاز الفرص

أُذكّركم بحديث شريف عن النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) يقول فيه: «إنّ‏ لِربّكم في أيّام دَهركِم نفحاتٍ‏ ألا فتعَرَّضوا لها»؛[1] أي ثمة لحظات تطرأ أثناء عمر الإنسان، الذي يدوم مثلًا مئة عام أو أكثر أو أقل، تجلب على صاحبها من التوفيقات ما قد لا يناله طيلة عمره، فالله تعالى قد حباه بهذا التوفيق في ساعة معيَّنة. تارةً يُنظر إلى هذه التوفيقات بالمقياس الفردي؛ كأن يوفَّق الإنسان لعامٍ واحد طيلة عمره ذي المئة عام مثلًا، أو يحصل له هذا التوفيق لبضع دقائق خلال ساعات اليوم الأربع والعشرين، وتارةً أخرى بالمقياس الأُممي؛ فقد تُعمِّر أمةٌ بضعة قرون، ولنقل: ألف عام، فتُوفَّق خلال عمرها هذا مدّةَ عشرة أعوام أو عشرين عاماً لفرصة لم تتيسّر لها أبدًا في طول عمرها، لا قبل هذا الوقت ولا بعده.

فرصة تَحقّق أمنية الشهادة مع سيد الشهداء (عليه السلام)

أكثر من ألف وأربعمئة عام مضَت من عمر أمتنا الإسلامية وقد طرأَت بين الحين والآخر خلال هذه القرون الأربعة عشر فُرَص تنعّمَ الناسُ فيها بنِعَم ونالوا توفيقات ما كانوا قبلها قد وُفّقوا، ولم يوفَّقوا بعدها إلى مثلها. جميعنا يعلم أن من السُنَن الشائعة بيننا نحن الشيعة زيارةَ الإمام الحسين (عليه السلام) التي نقرأ فيها: «يا ليتني كنتُ معكم فأفوزَ معكم»،[2] أو: «...فأفوزَ فوزًا عظيمًا»،[3] وهذه أُمنية تُراوِد جميع أفراد الأمة الإسلامية عمومًا، والشيعة خصوصًا وهي أنه: "يا ليتنا كنا يومَ عاشوراء فنستشهد بين يديك، لكن ذلك اليوم مضى، ولن يتكرر!" ولربّما يجعل الله تعالى لتلك التوفيقات الفريدة من نوعها بدائل، وهي تلك الفُرَص التي يتعيّن علينا نحن أن ننتظهرها، فننتهزها إن حصلَت لنجني منها غاية المنفعة.

بحسب معلوماتي المتواضعة عن تاريخ الإسلام والتشيّع فإنه يندر أن تهيّأَت للشيعة طيلة الأربعة عشر قرنًا الماضية مثل هذه الفرصة التي تهيّأت لهم في أيامنا هذه. الفرصة التي سنحَت لشيعة إيران كانت ببركة نهضة الإمام الخميني (قدس سره) التي عمَّت بركاتُها إيران ثم سرَت بشكل أو بآخر إلى سائر الدول الإسلامية. ومشابه لهذا التوفيق الذي حصل للإيرانيين التوفيق الخاص الذي كان من نصيب اللبنانيين ومنطقة الشام، حيث تهيّأَت في هذا الزمان فرصة تحقُّق الأماني التي طالما خامرَت الشيعة جميعًا من أنه: "يا ليتنا كنا يوم عاشوراء لننصر الإمام الحسين (عليه السلام)."

الإمدادات الغيبية في حرب تموز بلبنان

أنا لا أنسى القصة التي رواها لي سيدي ومولاي السيد حسن نصر الله بلسانه. كنا بضعة أشخاص زرناه بعد حرب تموز لأداء واجب العزاء على شهادة شهداء لبنان فنقلَ لنا هذه القصة: وقَعنا أثناء الحرب في ضيق وعُسرة شديدين حيث تبدّدَت جميع إمكانيّاتنا تقريبًا ولم يبق منها شيء، حتّى أن عدًدا من إخواننا المجاهدين كانوا قد أووا إلى غار في جبل ولم يصلهم الطعام لأيام. لم يبق أمامنا سوى التنصّت على ما يدور بين جنود الجيش الإسرائيلي من محادثات لنعرف موقعنا وما ينوي العدو فعله. في غمرة هذا الوضع ظهرَت في السماء مقاتلة إسرائيلية تَهُمّ بقصف المنطقة فتنبّهنا نحن لذلك. لم تمضِ دقائق حتى قفَلَت المقاتلة راجعة إلى أرض العدو، وانسحب الجنود الإسرائيليون من المنطقة ولاذوا بالفرار! كنّا نتنصّت على محادثاتهم إذ كان ضباطهم في الخطوط الخلفية يوبّخون الجنود أن: "لماذا هربتم؟! لماذا عُدتم؟! إنهم خالي الوفاض، إنكم ستنتصرون عليهم حتمًا!" فجاءهم الجواب: "أنتم قابعون في مواقعكم بعيدًا ولا تدرون ما الذي يجري هنا! لقد حملَ علينا بالسيوف مقاتلون موشَّحون بالبياض!"

يقول سماحته: "عندما دار هذا الحوار بينهم تذكّرت أحداث معركة بدر وأحد حين أرسل الله ملائكة حملَت على الكفار وهزمَتهم، وهذا صريح القرآن الكريم."

شرطُ حصول نُصرة الله

أنا لا أذكر أنّ أحدًا طيلة تاريخ الإسلام ذي الأربعة عشر قرنًا نقلَ مثل هذا الحدث، ولو نقلًا لا يُطْمَأنّ به، وهو أنّه حدثَ مثل هذا لجيش من جيوش المسلمين في بقعة من بقاع الأرض. وهذا يدل على أن تَكرُّر أحداثٍ كالتي أَجْراها الله للمسلمين في صدر الإسلام ليس بالمحال، فالقرآن صرّحَ كرارًا بأنه إذا ثبت أُناسٌ في جهادهم وصبروا على الشدائد واستقاموا فإن الله ناصرهم لا محالة. ومضافًا إلى أنّ هذه الأحداث تمثّل نجاحات وانتصارات للمسلمين فإنّها تشكّل عاملًا كبيرًا لتقوية إيماننا وازدياد ثقتنا بصحة الوعود الإلهية التي وُعد بها المجاهدون والمقاتلون في القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام).

حزب الله اللبناني الأنموذج البارز للألطاف الإلهية الخاصة

المجاهدون اللبنانيون أنفسهم يمثّلون الأنموذج البارز والجَليّ جدًّا للعنايات والألطاف الإلهية الخاصة. لا أدري كم قد تأمّلتُم في هوية شيعة لبنان والأحداث الأخيرة التي حصلت لهم؟ بطبيعة الحال عندما ننظر إلى خارطة العالم نرى لبنان يشغل حيّزًا صغيرًا جدًّا منها، لعلّه يساوي مساحة إحدى محافظات إيران الصغيرة. ويتألّف شعبُ هذا البلد من عدة قوميات وديانات؛ مسيحيّين ودروز وغيرها من الطوائف، ومنهم المسلمون الذين يتكوّنون من طوائف شتى، تمثّل الشيعةُ الأقلّية بينهم. لا ننسى أنه حين أَسّس السيد موسى الصدر في لبنان جمعية للمحرومين وأطلق عليها اسم "حركة المحرومين" ظهرَ من بين هؤلاء المحرومين قِلّة، منهم السيد عباس الموسوي والسيد حسن نصر الله، قَدِموا إلى إيران أيام الحرب المفروضة وراحوا يقاتلون العدو البعثي من هنا. لكنّهم عادوا بأمر من الإمام الراحل (قدس سره) إلى لبنان ليشكّلوا هناك حركة عسكرية.

ولو نظرنا إلى القرار بعين العلل الظاهرية لوجدناه أشبه شيء بالمحال؛ فما جدوى أن يُطلِق بضعةُ طلاب علوم دينية مثل هذه الحركة في لبنان وسط أقلّية محرومة لم يكن أكثرهم يشعر بـمَيل إلى الأمور الدينية والجهاد وأمثال ذلك، وكان أكثرهم تُجّارًا؟!

الوعود الإلهية ستتحقق

برأيي في وسع المرء أن يُشبّه هذه الحركة بحركة تلك الثلة من غلمان العرب وحفاتهم في صدر الإسلام في مواجهة سلطة تجّار قريش وأثريائها الذين كانوا يتمتّعون بمكانة مادية مرموقة في الحجاز وباقي الأقطار. فقد ذكر التاريخ أنه حين كان النبي (صلّى الله عليه وآله) في السنين الأولى ينبّه إلى أن الإسلام سينتشر في العالم كان مقرَّبوه وأرحامه يضحكون مستهزئين به. وكلكم سمع بهذه القصة وهي أنه حين نزلت الآية الكريمة: (وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الأَقْرَبين)[4] في العام الثالث من البعثة النبوية دعا الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، امتثالًا للأمر الإلهي، عشيرتَه جميعًا، بما فيهم عَمّاه أبو جهل وأبو لهب وذبح لإطعامهم شاةً. ثم سألهم بعد الطعام إن كان أحدٌ منهم سمعَ منه كذبًا أو رأى خيانة، فأنكروا ذلك وأكّدوا أنهم لا يعرفون مَن هو أكثر منه صدقًا وأمانة. وحين تيقّن من أنهم لا يعرفون فيه إلا الصدق أخبرهم بأنّه مبعوث من الله تعالى لدعوة الناس إلى عبادة الله الواحد، وأنّ هذا الدين سيظهَر على الدين كلّه، وأنّ أول مَن يؤمن به منهم سيكون خليفتَه من بعده. حينذاك لم يؤمن بالنبي (صلّى الله عليه وآله) أحدٌ من أعمامه وبني عمومته وباقي عشيرته إلّا علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي كان حينها في العاشرة، وقيل في الثالثة عشرة من العمر، إذ قد نهضَ وأعلن إيمانه به. حينها ضحك أعمام النبي (صلّى الله عليه وآله) متهَكّمين، وكانوا جميعًا من أكابر قريش، من أنه: أجل، علينا غدًا أن نطيع هذا الفتى ذا العشرة أعوام![5]

النصر المحتوم حليفنا

قصة انطلاق نشاطات الأعزة من المجاهدين اللبنانيين ذكّرَتني بأحداث صدر الإسلام تلك إذ ضحك الناس على النبي (صلّى الله عليه وآله) من أنه: ماذا تقول؟ أتُواجه هؤلاء؟! واليوم يقال: إننا نواجه دولًا مثل الولايات المتحدة، بكل قدراتها التكنولوجية وثروتها وتطورها الصناعي، أفَتريدون القضاء على مثل هذه الدول وأنتم نفَر من طلاب العلوم الدينية وبعض الحفاة؟! كانوا يسخرون منهم! لكننا لم نَـمُت حتّى شاهَدنا، وما زلنا نشاهد كيف أن جميع هذه الدول الاستعمارية بكل سطوتها وقدراتها، ترتعش من مجرّد سماع اسمكم، وهذا دليل على أن الوعود الإلهية حق؛ وأننا إنْ عملنا بما وعَدْنا به، واستقَمنا على طريقنا، ولم نشُكّ أو نتردد في نهجنا، ولم نقّصر في تضحياتنا، فسيكون النصر حليفنا لا محالة.

أشكر العلي القدير مرةً أخرى أن وفّقني إلى التطلع عن كثب في وجوهكم النيّرة، وآمل أن تتلطّفوا أنتم أيضًا فتشفعوا لنا نحن المذنبين عند الله تعالى، وتسألوه لنا المغفرة وحسن العاقبة. وأنا من جانبي سأدعو الله عز وجل لكم بلساني الكالّ أن يُتِمّ عليكم النصر ويقرّبه إليكم.

إدراك اللحظات الفردوسية في جبهات القتال

أُذكّر مرة أخرى بالحديث الشريف الذي ذكرتُه في بداية كلامي وهو أن الله سبحانه قد خصص في أعمارنا ساعاتٍ لبركات خاصة. هذه الساعات واللحظات التي تمر عليكم، خصوصًا حين تكونون في جبهات القتال، هي من تلك الساعات الفردوسية التي تحظون بها في هذا العالم، فاغتنموها جيّدًا، واشكروا الله تعالى على أن وفّقكم لمثل هذا التوفيق، وأنّه بواسطتكم سيَمُنّ على المسلمين جميعًا بالعزة والكرامة. وإن فقدَ بعضُكم بعضَ أعضائه، أو ابتُلِي ببعض الصعاب والشدائد فليَعُدّ هذا هِبَةً من الله جل وعلا إليه، وهو أن الله قَبِله؛ مثلما قال النبي (صلّى الله عليه وآله) في جعفر بن أبي طالب حين قُطعَت يداه في الحرب من أنّ الله أَبدَله مكانهما بجناحين يطير بهما في الجنة،[6] ولهذا سُمي جعفر الطيار. أنتم أيضًا كونوا على ثقة من أنكم حين تقدّمون شيئًا في سبيل الله فإنه لن يضيع وإنّ الله سيعوضّكم عنه بما تتمنون أنكم كنتم بذلتُم وجودَكم كله في سبيل الله!

وفّقنا الله وإياكم جميعًا لكل ما يحب ويرضى، وجعلَنا من أنصار مولانا المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، والمستشهدين بين يديه، وأن يَـمُن علينا بحفظ سلامة مولانا السيد حسن نصر الله ومولانا القائد السيد علي الخامنئي، حفظه الله تعالى، آمين رب العالمين.


[1]. الفيض الكاشاني، الوافي: ج1، ص552.

[2]. ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة: ج‏2، ص66.

[3]. ابن قولويه، كامل الزيارات:ص213.

[4]. الشعراء: الآية214.

[5]. انظر: الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن: ج7، ص322-323. (النقل بالمضمون)

[6]. انظر: البرقي، أحمد بن محمد، المحاسن: ص419.

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...