الاعتماد على الأكثریّة
یعتمد البعض الآخر على الأكثریة ویجعلون الكمیة ملاكاً لتشخیص الحق والباطل، أی یستندون الى ما یقوله جمیع الناس أو أغلبهم.
لو كان الاعتماد على جمیع الناس أو اغلبهم فی شؤون الحیاة الاعتیادیة ولم یكن له دور فی سعادة الانسان وشقائه ومصیره لم تطرأ مشكلة كبیرة، ولكن فی القضایا المصیریة ذات الصلة بحیاة الانسان الأبدیة وسعادته وشقائه لا یمكن أبداً الاعتماد على ما یقوله الناس خاصة اذا وجد طریق للتحقیق وكانت الادلة والبراهین ترشد الى ما یتنافى مع قول الأكثریّة.
ان الأكثریة من حیث أنّها أكثریة لایمكن ان تكون نافعة، وهناك آیات تذم الذین یتبعون الأكثریة بدلا من الاعتماد على عقولهم وادراكهم وتفكیرهم، كقوله تعالى:
(وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِی الأَْرْضِ یُضِلُّوكَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاّ یَخْرُصُونَ)([1]).
وعلیه لا یصح الاعتماد على اكثر الناس أو جمیعهم مع امكان التحقیق العقلی. ینبغی تشخیص الحق أو الباطل فی أمر ما بالاستعانة بالعقل والبرهان العقلی. طبعا فی المسائل الخاصة وتفصیل الاحكام التی لا سبیل للبرهان العقلی الیها لابدّ أن تتلقّى من النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) والامام(علیه السلام). إذنْ تقلید الآخرین یكون صحیحا فی حالة عدم كون القضیة من القضایا الأساسیة والأصولیة أولاً، واحراز اهلیتهم للتقلید وامتلاك حجة شرعیة أو عقلیة على انهم اهل للاعتماد واقوالهم قابلة للتصدیق ثانیا. فی غیر هذه الحالة لا یكون التقلید مبرّراً، فاذا اتبع الانسان الآخرین بدون دلیل وضلّ فلا یلومنّ الاّ نفسه.
وقد اتّضح من خلال ما ذكر لماذا یجب علینا تقلید المجتهد فی فروع الدین ان لم نكن مجتهدین، اذ كما قلنا اننا اذا عجزنا عن استیعاب جمیع القضایا التی نحتاجها بالتحقیق، فلابدّ من تلقی جملة من المسائل من الآخرین والاعتماد علیهم، وهذه طریقة عقلائیة أی ان جمیع العقلاء فی الموارد التی لا یمتلكون فیها معلومات كافیة یراجعون اهل الفن فی تلك الموارد.
من جهة اُخرى اتّضح ان بوسعنا تقلید الآخرین فی المسائل الفرعیة، واما المسائل الأساسیة للدین المرتبطه بمصیر الانسان فیجب اثباتها بعقولنا وتفكیرنا أو بالطریق الذی ینتهی الى الدلیل والبرهان العقلی كالآیات القرآنیة التی ثبتت حجیتها بالعقل.
[1]. الانعام 116.