ar_akhlag3-ch11_3.htm

مفهوم الصدق فی القرآن

مفهوم الصدق فی القرآن

للفظ (الصدق) استعمالان فی القرآن هما: الصدق فی القول والصدق فی السلوك. الصدق فی القول یعنی مطابقة الكلام للواقع. وحینما نقول: الكلام صادق فانه یعنی مطابقته للواقع حتى لو لم یعتقد القائل به ویعتقد انه كذب، وان فقد هذا الكلام القیمة الأخلاقیة، وهكذا العكس اذا كذب مخطئا ظاناً انه صدق فانه لا قیمة سلبیة له، لان مثل هذا الصدق والكذب خارج عن دائرة اختیار الانسان ولا یرتبط بالفاعل المختار، فی حین یكون الارتباط مع الفاعل والحسن الفاعلی امراً معتبراً فی القضایا الأخلاقیة.

الصدق العملی أو السلوكی یعنی تطابق اعمال الانسان وسلوكه مع قوله واعتقاده، أی یكون سلوك الانسان مصدقا لقوله أو اعتقاده وان لم یتكلم. وعلیه فانّ الصادق یطلق على من یعتقد بشیء ثم یعمل حسب ما یقتضیه اعتقاده، و(الصدّیق) صیغة مبالغة من الصادق.

لقد اكد القرآن على هذا الصدق فی موارد قال تعالى:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ یَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ)([1]).

واضح انّ الجهاد فی سبیل الله فی هذه الآیة، والذی اعتبر شرطاً لصدق الانسان، لا علاقة له مع الكلام. ان اعتبار هذه الشروط لصدق الانسان یعود الى ان الایمان بالله ورسوله یعنی العمل بلوازمه. وعلیه فانّ الذین یدّعون الایمان أو یعدّون انفسهم فی زمرة المؤمنین لابد ان یلتزموا عملیاً بلوازمه، واما اذا خالفوا فانه یعلم ان قولهم أو عملهم غیر مطابق للواقع. ووفق هذا المعنى فانّ الصدّیق هو الذی یكون سلوكه مطابقا بدّقة لما یقتضیه ایمانه، ولذا یطلق الصدّیق على المعصوم غالبا، لان المعصوم لا تبدر منه أیة مخالفة للدین والایمان، وقد استعملت عبارة (وَ أُمُّهُ صِدِّیقَةٌ)([2])بحق ام عیسى(علیه السلام) وتدل على عصمة السیدة مریم(علیها السلام)، كما اعتبر ذلك من القاب السیدة الزهراء(علیها السلام)التی كانت تحظى بمقام العصمة أیضاً.

انّ الصدق بمعناه الثانی، ای الصدق العملی والسلوكی، أوسع من الصدق القولی، وتشمل دائرته القول وانحاء السلوك الانسانی الاُخرى.

5 ـ القیمة السلبیة للكذب ومراتبه

فی مقابل القیمة الایجابیة والثابتة لـ (الصدق) تكون القیمة السلبیة للكذب عقلا ونقلا وبصورة قطعیة أیضا. على الانسان إذنْ أن یكون صادقا فی قوله ویجتنب الكذب، وحتّى انه فی بعض الموارد لیس فقط یجب علیه ان یجتنب الكذب بل لا یجوز له السكوت أیضاً، فمن اللازم كسر الصمت وبیان الحقیقة.

هنا یطرح هذا السؤال: هل الكذب سیّء دائما وله قیمة سلبیة؟ وهل قیمته السلبیّة بدرجة واحدة فی كل موضع؟ أو ان حكمه یختلف بحسب موضعه؟

نقول فی الاجابة: لیس الكذب مرفوضا فی كل موضع، ولا یكون اثم الكذب واحداً فی كل مجال، بل یتوقف ذلك على اختلاف الظروف، فتترتب علیه احكام وقیم مختلفة. ان اختلاف مراتب الاثم والقیمة السلبیة للكذب یتوقف على آثار الكذب ودوافع المتكلم. انّ الكذب فی الموارد الاعتیادیة التی لا یترتب علیه ضرر أو یستتبع ضرراً طفیفا یكون اثمه أخف طبعا، ولكنه اذا كان سببا للفتنة والفساد ووقوع قتال بین الافراد، أو كان مصداقا للنمیمة والبهتان فان اثمه سیصبح اعظم وأكبر.



[1]. الحجرات 15.

[2]. المائدة 75.