ar_akhlag3-ch11_9.htm

حدود الامر بالمعروف والنهی عن المنكر

حدود الامر بالمعروف والنهی عن المنكر

من جهة اُخرى تطرح هذه المسألة: هل تشمل دائرة الامر بالمعروف والنهی عن المنكر ارشاد الجاهل وتعلیمه أم انهما من مقولة اُخرى لا علاقة لها بالامر بالمعروف والنهی عن المنكر؟

قال بعض العلماء ان الامر بالمعروف والنهی عن المنكر لا یصدقان على موارد ارشاد الضال وتعلیم الجاهل، ولا یشملان حتى موارد نصیحة المؤمن وموعظته لفاعل المنكر أو تارك المعروف، لما للامر بالمعروف والنهی عن المنكر من شروط لا تتوفر فی الارشاد والتعلیم والنصیحة والموعظة. وكمثال: من الشروط ان یؤدى الامر بالمعروف والنهی عن المنكر بصورة الاستعلاء، أی ان یقول الآمر باقتدار: قم بهذا العمل الواجب أو اترك ذلك العمل المنكر، فی حین لا یتصور فی الارشاد والتعلیم والموعظة والنصیحة حالة الآمریة والاستعلاء. وعلیه لا یمكن ان تدخل نطاق الامر بالمعروف والنهی عن المنكر ولها احكام مستقلة.

من جهة اُخرى یطرح هذا السؤال: هل منع المنكر بالقوة یدخل دائرة الامر بالمعروف والنهی عن المنكر وتشمله؟ أم انهما یقتصران على الكلام فقط ولا یشملان المنع العملی القهری من المنكرات؟

فی الاجابة نقول: فی الاسلام واجبات یطلق علیها أحیاناً عنوان الامر بالمعروف والنهی عن المنكر، بصورة حقیقیة أو مجازیة وتوسعةً فی التعبیر، أحدها تعلیم الجاهل وارشاد الضال.

وقد تردد بعض العلماء فی وجوبه طبعا، ولكن ینبغی الالتفات الى انّ الهدف من بعثة انبیاء الله والكتب السماویة هو هدایة الناس، وتعتبر الاحكام والمعارف الاسلامیة امانة بید العلماء والفقهاء وعلیهم ابلاغها للناس كی یتحقق الهدف الالهی السامی ویهتدی الناس، فاذا قصّروا فی أداء هذه المسؤولیة فسرعان ما یضیع هدف الانبیاء وینقض الغرض الالهی من بعثتهم.

بناء على ذلك لا شك فی ان ارشاد الضال وتعلیم الجاهل واجب عقلاً فی الجملة، وهناك روایات كثیرة وكذا بعض الآیات القرآنیة تدل على وجوب ارشاد الضالین وتعلیم الجهلاء، ولكن مع غض النظر عن هذه الآیات والروایات نعلم ویحكم عقلنا قطعا بان الله تعالى قد أراد منا أداء هذه المسؤولیة بنحو إلزامی، واحتمال ان الله قد أراد ایصال احكامه للناس بواسطة الانبیاء فقط، وأمّا بعد وفاتهم فهو لا یرید وصول تلك الأحكام الى الأجیال اللاحقة فهو احتمال باطل وغیر عقلائی ولا قیمة له.

وعلیه حتى لو لم یكن لدینا دلیل تعبدی فان هذا الواجب یكون ثابتاً عقلا سواء أطلقنا علیه الامر بالمعروف وقلنا انه یدخل دائرة الامر بالمعروف والنهی عن المنكر أو قلنا انّه شیء آخر.

و ربما یستظهر من بعض الآیات القرآنیة أن للامر بالمعروف والنهی عن المنكر من جهة وللدعوة الى الخیر وارشاد الضال وتعلیم الجاهل من جهة اُخرى احكاماً مستقلة. ومفهوم هذا الكلام هو ان ارشاد الضال وتعلیم الجاهل خارجان من دائرة الامر بالمعروف والنهی عن المنكر كما تقول الآیة:

(وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَى الْخَیْرِ وَ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)([1]).

فی هذه الآیة ذكر عنوان الدعوة الى الخیر مستقلا عن عنوان (الامر المعروف والنهی عن المنكر).



[1]. آل عمران 104.