ar_akhlag3-ch12_6.htm

قیمة العفو والصفح

قیمة العفو والصفح

من الآیات السابقة وآیات كثیرة اُخرى ندرك قیمة العفو والصفح والصبر، ونظراً لتأثیر الظروف والدوافع المختلفة على العفو فان تقییمه بحاجة الى تفصیل اكبر نشیر هنا الى جانب منه:

للعفو انحاء مختلفة: فتارة یفقد الانسان القدرة على الانتقام والقصاص ویضطر للعفو، وتارة یمتلك القدرة على ذلك ولكن بما ان ذلك یستدعی التعب والخصومات وهو شخص یطلب الراحة والعافیة فیتنازل عن القصاص والانتقام. وتارة ثالثة یمتلك القدرة على الانتقام ولا یطلب الراحة بل یتنازل عن الانتقام والقصاص بغیة مرضاة الله.

كما یمكن تقسیم العفو والتغاضی من زاویة اُخرى: فتارة یتنازل الانسان عن الانتقام تربیة لنفسه ولكی یتمرن على تحمل الصعاب وینال كمال الصبر والصمود ولا یفرّ من المشكلات ویتبدل ضعفه فی هذا المجال الى القوة والحلم كی یكون موفقا فی امور الدنیا والآخرة.

ویكون للعفو تارة حیثیة سیاسیة أی حینما لا تكون الظروف مناسبة للقصاص والانتقام فلابدّ من انتظار الیوم الذی یضعف فیه العدوُّ أو یقوى فیه طالب القصاص وتتهیأ له الظروف، فلا مفرّ من التنازل عن الانتقام والقصاص فی هذه الظروف بأمل القیام بذلك فی ظروف مناسبة.

وتارة اُخرى لا یترك الانسان الانتقام تربیةً لنفسه ولا لحیثیة سیاسیه بل یتركه دائماً لكی یربی المعتدی ویصده عن ارتكاب هذا العمل القبیح مرة اُخرى، فعندما یصفح الانسان وهو فی قمة الاقتدار عن تعدی شخص أضعفَ منه فمن الطبیعی ان یكون مؤثّراً علیه بحیث یوقظ وجدانه الأخلاقی، وبدیهی ان یكون هذا الدافع دافعا إلهیاً وسامیا.

وقد یكون العفو تارة لتحقیق مصلحة للمسلمین، كأن یقوم العدو الذى یراد الانتقام منه بایذاء مسلمین آخرین أو ایذاء اقربائه، فیتنازل عن حقه للحیلولة دون هذه المفاسد.

اذن هذه المسألة ذات حالات مختلفة ولا یمكن تقییمها على نسق واحد، بل ینبغی تقییم الموارد المختلفة بصورة مستقلة وتشخیص المقتضى الأخلاقی وموضوع القیمة الأخلاقیة فی كل مورد بنحو أفضل. ان حق القصاص محفوظ طبعا فی كل موارد التعدی على الحقوق الانسانیة ولیس له قیمة سلبیة، الاّ انّ السؤال هو: هل لذلك قیمة ایجابیة؟ ومع وجودها ما هی درجة القیمة الایجابیة؟ للاجابة عن هذا السؤال نحن بحاجة الى دقة وتعمّق فی دراسة العلل والدوافع والظروف، لان القیمة الایجابیة للعفو ودرجاته تتبع العوامل المتغیرة التی ذكرنا الكثیر منها حیث تتغیر بتغیرها ولا یتعلّق بها حكم واحد.