ar_akhlag3-ch12_7.htm

القیم الأخلاقیة فی طلب العدل

القیم الأخلاقیة فی طلب العدل

مقدمة: قلنا سابقاً ان الافعال غیر الأخلاقیّة ذات انواع مختلفة، أحدها الافعال التی تسبب تضییع حقوق الآخرین وتلحق بهم الخسائر والأضرار، فمن ضاع حقه فی هذه الاحوال ثبت حقه فی القصاص أو العفو عن المعتدی.

نقول هنا: ان أصل العفو وان كان ذا قیمة اخلاقیة سامیة الاّ انّ العفو والتسامح مع المعتدین على حقوق الآخرین یؤدی فی بعض الموارد الى ترویج الفساد فی المجتمع، فما لم یُتشدّد مع مرتكبی الجریمة فسوف تتكرر أو ترتكب جرائم افظع. من هنا یمكن ان یرجح القصاص والانتقام بصورة معقولة وعادلة ویكون افضل من العفو والصفح.

فی هذه الموارد یكون القصاص عملا قیّما حیث ینقذ المجتمع من الدمار ویضمن الحیاة والامن الاجتماعی. من هنا قال تعالى فی القرآن الكریم:

(وَ لَكُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الأَْلْبابِ)([1]).

ینبغی الالتفات الى انّ القصاص وان كان حقا شخصیا ویرتبط بولی الدم الاّ انّ تنفیذه یجب ان یكون بید الحكومة أو الحاكم، وذلك لانه:

أولاً: اذا أراد اولیاء الدم استیفاء هذا الحق بصورة مباشرة فانّ المجتمع سوف یتجه بالتالی نحو الفوضى وقد یستغل كل انسان بعض الموارد أو یعتدی على حقوق الآخرین فوق حقه ویرتكب جریمة بدل القصاص بذریعة حق القصاص.

ثانیا: قد یحصل فی بعض الموارد خطأ فی التشخیص ولا یُعلم انّ الحق مع أىّ واحد من الشخصین أو الفئتین، اذ ان كلاً منهما یدعی الحق على الآخر. فی هذه الموارد یستغل بعض الافراد هذه العناوین فیحصل الخلل والفوضى ویحدث فساد أعظم فی المجتمع. من هنا یؤسّس جهاز للقضاء والدعاوی فی جمیع النظم الاجتماعیة لمتابعة هذه الاختلافات.

ثالثاً: انّ الحق واضح فی الكثیر من الموارد ولكن ذا الحق وولی الدم عاجز عن استیفاء حقه، وبما انّ الجناة عادة ذوو اقتدار وبأس ولا یخضعون للحق فان ولىّ الدم یعجز عن أخذ حقّه.

وعلیه فمن حِكم وجود الجهاز الحاكم خاصة السلطة القضائیة فی مثل هذه الاختلافات هی:

اولا: تشخیص ان الحق مع أی طرف من طرفی الدعوى فی كل اختلاف وتنازع.

ثانیا: ان یكون عادلاً ویرجع الحق المشخص الى صاحبه.

هی أنّ فی كل دعوى یكون الدور الأساسی لثلاثة عناصر إنسانیة، وهی:

ثالثا: ان یكون ذا اقتدار كاف فیستوفی الحق لاعضاء المجتمع من المعتدین.

ومن اللازم توفُّر هذه الخصال الثلاث فی السلطة القضائیة، أی قدرة التشخیص والعدل والحیاد وقدرة التنفیذ. الملاحظة المهمة الاُخرى هی ان یكون الدور الأساسی فی كل دعوى لثلاثة عناصر انسانیة هی:

الاول: طرفا الدعوى ای الاشخاص المختلفون الذین یرید كل منهم اثبات الحق لنفسه واستیفاءه من الآخر.

الثانی: القاضی أو الحاكم الذی یفضّ الخصومة ویسعى لرد الحق الى صاحبه.

الثالث: الشهود الذین یؤثرون فی كیفیة حكم القاضی بشهاداتهم، لان فض الخصومة فی اكثر الموارد یتم بمعونة شهادة الشهود. وعلیه ینبغی التحدث عن القیم الأخلاقیة المرتبطة بسیر الدعوى فی ثلاثة اقسام مستقلة:

الاول: القیم المرتبطة بسلوك القضاة والحكام، الثانی القیم المرتبطة بسلوك طرفی الدعوى، والثالث القیم المرتبطة بسلوك الشهود.

الملاحظة الثالثة هی انّ المحور لجمیع القیم المذكورة هو العدل لا الاحسان، لان الحكمة من تأسیس السلطة القضائیة والحكومة هو رد الحق لصاحبه واقامة العدل. وعلیه لا مجال هنا لقیم اُخرى نظیر الاحسان. یجب هنا تشخیص أصل العدل والعمل به.

ان طرفی الدعوى لو أرادا الاحسان لم یختلفا ولم یتنازعا ولحُلّت المشكلة بتنازل أحد الطرفین عن حقه، وفی هذه الحالة یخرج عملهما من نطاق العدل لیعدّ من مصادیق الاحسان ،الاّ انّ فرض الاختلاف والنزاع والشكوى والدعوى یقتضی انهما لا یریدان العفو والاحسان بل یطلبان العدالة. إذنْ هناك قیم فی مورد طرفی الدعوى أیضاً وهی تندرج تحت عنوان العدل.

وعن الشهود ینبغی القول انهم یریدون اثبات الحق أیضاً وارجاعه الى صاحبه، وبذلك یتحقق العدل لانهم عرّفوا العدل بانه اعطاء الحقّ لصاحبه. بملاحظة ما ذكر نؤكد مرة اُخرى على ان محور جمیع القیم فیما یرتبط بالدعوى وبسط العدالة هو الحق والعدل ولا مجال للاحسان وسائر القیم الأخلاقیة العامة.



[1]. البقرة 179.